العدد 23 -

السنة الثانية – العدد الحادي عشر – شعبان 1409هـ، الموافق آذار 1989م

مع القرآن الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(217))

سورة البقرة

المرتد هو الراجع عن دين الإسلام. ومن ارتد عن الإسلام من الرجال والنساء وكان بالغاً عاقلاً دعي إلى الإسلام ثلاث مرات، وضيّق عليه، فإن رجع وإلا قتل، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) وروى البخاري عن عكرمة قال: أتي أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله ، قال: «لا تعذبوا بعذاب الله، ولقتلتهم، لقول رسول الله : «من بدل دينه فاقتلوه». أما قتل الرجال فظاهر من الحديث، وأما قتل النساء فلعموم الحديث لأنه قال: «من بدل» ومن، من ألفاظ العموم، وأيضاً فقد أخرج الدارقظني والبيهقي عن جابر «أن أم مروان ارتدت فأمر النبي بأن يعرض عليها الإسلام فإن تابت وإلا قتلت» وأما عدم صحة الردة من الصبي والمجنون فلأنهما غير مكلفين فلا يُحّدا حدَّ المرتد، لقول النبي : «رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق». وأما كونه يستتاب ثلاثاً فلحديث أم مروان أن النبي أمر أن تستتاب. وذلك ما سار عليه عمر، عن محمد بن عبد الله بن عبد القارئ قال: «قدم على عمر بن الخطاب رجل من قبل أبي موسى، فسأله هل من مغربة خبر؟ قال: نعم، كفر رجل بعد إسلامه، قال فما فعلتم به؟ قال: قربناه فضربنا عنقه، فقال عمر: هلا حبستموه ثلاثاً، وأطعمتموه كل يوم رغيفاً، واستتبتموه لعله يتوب ويراجع، أمر الله؟ اللهم أني لم أحضر ولم أرض إذ بلغني» وسار على ذلك من قبل عمر أبو بكر؟ أخرج الدار قطني والبيهقي «أن أبا بكر استتاب امرأة يقال لها أم قرفة كفرت بعد إسلامها فلم تتب فقتلها» وبذلك ثبت أن الرسول استتاب المرتد، وكذلك استتابه من بعده أبو بكر وعمر، وعليه يستتاب المرتد قبل قتله، وأما استتابته ثلاثاً فالثلاث ليست قيداً وغنما هي أقل ما يحصل فيه الأعذار عادة. يجوز أن يستتاب أكثر لأن المقصود أن يعرض عليه الإسلام ليرجع إليه ويعطى المدة الكافية للرجوع، ويروى أن أبا موسى استتاب المرتد الذي طلب منه معاذ قتله وقتله، استتابه شهرين قبل قدوم معاذ، وروي عن عمر أن مدة الاستتابة ثلاثة أيام، فإن تاب قبلت توبته ولم يقتل.

غير أن التوبة تقبل من المرتد إذا لم تتكرر ردته أما من تكررت ردته فلا تقبل توبته بل يقتل تاب أم لم يتب لقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) فقول الله: (لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) معناه لا يقبل الله توبتهم، وكذلك الدولة لا تقبل توبتهم. روى الأشرم عن ظبيان بن عمارة «أن رجلاً من بني سعد مر على مسجد أبي حنيفة فإذا هم يقرؤون برجز مسيلمة فرجع إلى ابن مسعود فذلك ذلك له فبعث إليهم فأتى بهم فاستتابهم فتابوا فخلى سبيلهم إلا رجلاً منهم يقال له ابن النواحة قال: قد أتيت بك مرة فزعمت أنك قد تبت وأراك قد عدت فقتله». والذي يقتل المرتد هو الدولة بحكم حاكم، فإن قتله أحد من المسلمين عمداً فعليه القصاص كقتل أي كافر من رعايا الدولة.

والمرتد هو من كفر بعد إسلامه، فكل من كفر بعد إسلامه يكون مرتداً. ويكفر المسلم بأربع: بالاعتقاد، والشك، والقول، والفعل. أما الاعتقاد فإن فيه ناحيتين: إحداهما التصديق الجازم بما جاء النهي الجازم عنه أو الأمر الجازم بخلافه، كالاعتقاد بأن لله شريك، أو الاعتقاد بأن القرآن ليس كلام الله. والناحية الثانية إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة كإنكار الجهاد وإنكار تحريم شرب الخمر وإنكار قطع يد السارق وما شاكل ذلك. وأما الشك فإنه الشك في العقائد وكل ما كان دليله قطعياً، فمن شك بأن الله واحد، أو شك بأن محمداً رسول، أو شك بجلد الزاني أو ما شابه ذلك فقد كفر. وأما القول فغن المراد به القول الذي لا يحتمل أي تأويل فمن قال أن المسيح ابن الله، ومن قال أن الإسلام جاء به محمد من عنده أو ما شاكل ذلك فإنه يكفر بكل تأكيد، وأما القول الذي يحتمل التأويل فلا يكفر قائله، ولو كان القول يحتمل الكفر تسعة وتسعين في المائة، ويحتمل الإيمان واحداً في المائة فإنه يرجح جانب الواحد وحيث وجد احتمال التأويل فلا يكفر، إذ لا يعد كافراً إلا إذا كان القول كفراً بشكل جازم، وأما الفعل فالمراد به الفعل الذي لا يحتمل أي تأويل، بأنه كفر، فمن سجد للصنم، وصلى بالكنيسة صلاة النصارى فكفره لا يحتمل التأويل، فمن فعلها فقد فعل كفراً لا يحتمل التأويل. وأما الفعل الذي يحتمل التأويل فإنه لا يكفر فاعله، فمن دخل الكنيسة لا يكفر لأنه يحتمل أن يكون دخلها للفرجة ويحتمل أن يكون دخلها للصلاة، ومن قرأ في الإنجيل لا يكفر لأنه يحتمل أن يكون قرأه ليطلع عليه للرد عليه، ويحتمل أن يكون قرأه معتقداً به وهكذا. فكل فعل يحتمل التأويل لا يكفر فاعله ولا يكون مرتداً إذا فعله. وتثبت الردة بما تثبت به الحدود غير الزنا وهي شهادة رجلين عدلين أو رجل وامرأتين، أي البيّنة الشرعية لأنه لم يرد نص خاص بها.

حديث شريف

وقال : «لا يزني الزاني حين يزني هو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخرم حين يشربها هو مؤمن»، رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. وزاد النسائي في روايته: «فإذا فعل ذلك خلع ربقة الإسلام من عنقه، فإن تاب تاب الله عليه».

قال : «إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان فكان كلظُّلَّة، فإذا أقلع رجع إليه الإيمان».

أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم والبيهقي

قال : «إن الزناة تشتعل وجوههم ناراً».

رواه الطبراني   

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *