العدد 19 -

السنة الثانية – العدد السابع – ربيع الثاني 1409هـ، الموافق تشرين الثاني 1988م

لا «رجال دين» بل «علماء» و«فقهاء» و«مجتهدون»

أخي القارئ،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،وبعد:

إن من أخطر المفاهيم، التي أدخلها الغرب الكافر المستعمر، عن طريق غزوه الثقافي، مفهوم «رجال الدين».

وقبل تبيان حكم استعمال هذا التعبير في الإسلام، لا بدّ من إلقاء نظرة ولو سريعة على ملابسات نشأته في أوروبا، وما يحمل هذا اللفظ من مفهوم خطر على الإسلام.

كانت الثورة الفكرية في أوروبا درّة فعل بوجه سيطرة رجال الكنسية علىمقدّرات أوروبا السياسية والروحية. ومن المعلوم أن الدين النصراني يقتصر على نواح روحية وخلفية وبضع الأحوال الشخصية وليس فيه تشريع لشؤون الحياة كلها، فليس فيه أنظمة للحكم ولا للاقتصاد ولا للسياسة ولا للعقوبات… إلخ، وليس فيه دولة تطبّق تعاليم المسيحية، وترعى شؤون الناس في الحياة حسب هذا الدين؛ مما جعل رجال الكنيسة يوجهون المقدّرات السياسية في أوروبا حسب أمزجتهم وأهوائهم مما أدّى إلى التخلّف والفساد وشيوع الاضطراب النفسي والفكري.

فقامت الثورة الفكرية ونزعت السلطة السياسية من رجال الكنيسة وأعادتهم إلى حدودهم الأصلية ورسّخت مفهوم «أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله». وصار للدنيا رجال هم رجال السياسة والدولة ولا علاقة لهم بالدين ولا برجال الدين، واصبح لرجال الدين إدارة تابعة للكنيسة، كما عرفوا بلباس كهنوتي معيّن يميّزهم عن غيرهم.

«أما الإسلام فليس فيه صنفان: رجال دين ورجال دنيا، بل كل مسلم هو رجل من رجال الإسلام، ومن يعتقدّ بالإسلام يُسمَّ مسلماً والمسلمون جميعاً أمام دين الإسلام سواء.

وليس في الإسلام سلطة دينية بالمعنى الكهنوتي ولا سلطة زمنية منفصلة عن الدين، بل السلطة واحدة، تقوم أساس الإسلام وتطبق الإسلام وحده، لأن الإسلام دين كامل والدولة جزء منه، والسياسية ـ وهي رعاية شؤون الناس ـ حكم شرعي من أحكامه، ولأن الإسلام عقيدة ونظام.

وقد سمى الإسلام الذين تخصصوا في فهمه بالعلماء والفقهاء والمجتهدين، أما العلماء فلقوله تعالى: ]إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ[. وقوله عليه الصلاة والسلام: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء…» الحديث.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *