سؤال وجواب
1988/12/05م
المقالات
2,143 زيارة
سؤال 1:
جاء في بعض الكتب ما يفيد أن الكتلة التي تحمل الدعوة الإسلامية يجب أن يقتصر عملها على حمل الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشكل فكري فقط، فلا تشتغل بإزالة المنكر باليد، ولا تقوم بالأعمال الخيرية، بينما يجوز لأفراد المسلمين وأفراد الكتلة نفسها أن يقوموا بهذه الأعمال. والسؤال هو: لماذا يجوز للأفراد ما لا يجوز للكتلة؟
جواب 1:
إن هذه المسألة هي من الأمور الفقهية الدقيقة، وهي على أهميتها قلَّ أن اعتنى بها الفقهاء، فبقيت شبه مجهولة حتى عند طلاب العلم.
قال الله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ)، والطلب في هذه الآية الكريمة هو تكوين أمة (أي جماعة أو كتلة أو حزب)، وقد حددت الآية عمل هذه الأمة بأمرين، الأول: الدعوة إلى الخير (أي الإسلام)، والثاني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
نحن نعلم أن الشريعة الإسلامية أناطت بالأفراد أحكاماً شرعية وأناطت بأولي الأمر أحكاماً شرعية فوق أحكام الأفراد، فهل شرعت وجود الكتلة وأناطت بها أحكاماً خاصة غير أحكام الأفراد وأحكام أولي الأمر.؟ نعم، إن الآية المذكورة أعلاه تجعل وجود هذه الكتلة فرضاً كفائياً، وتحدد عملها بالأمرين المذكورين. ولم تكتف الشريعة الإسلامية بوجود الحاكم والأفراد، بل حتّمت وجود الكتلة بشكل دائم حتى مع وجود الدولة الإسلامية. أما في حال عدم وجود الدولة الإسلامية، كما هو الحال الآن، فإن دليلاً جديداً ينضمّ إلى الدليل السابق على فرضية وجود الكتلة، وهو القاعدة الشرعية (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)، ولا تتم إقامة دولة إسلامية من غير وجود كتلة تعمل على إقامتها.
ونحن نعلم أيضاً أن إزالة المنكر باليد (وهي عمل مادي) هي غير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (وهي عمل فكري). والآية الكريمة أعلاه حصرت عمل الكتلة بالدعوة إلى الخير (وهي عمل فكري)، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولم تجعل من أعمالها إزالة المنكر باليد، مع أن الأفراد مطالبون بإزالة المنكر باليد عند الاستطاعة، قال عليه وآله الصلاة والسلام: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده…» الحديث شرط أن لا يشهر سلاحاً ولا يجرّ إلى منكر أكبر منه. وهذا الدليل يبيّن أنه يجوز للفرد ما لا يجوز للكتلة.
ومن الأمور التي توضح الفرق بين عمل الكتلة وعمل الفرد هو قيام أبي بكر رضي الله عنه بعتق سيدنا بلال رضي الله عنه. كان بلالاً مملوكاً لأمة بن خلف، وحين اسلم بلال صار أمية يعذبه بطرحه في الشمس ووضع الصخرة على صدره ليعود إلى الشرك، وبلال ثابت على قول: أحد أحد. كان بإمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع أصحابه، كرئيس لكتلة الصحابة، ويأخذ منهم مالاً لعتق بلال أو غيره. ولكنه لم يفعل. ونحن نفهم أنه حين يكون العمل لازماً، ويكون الرسول صلى الله عليه وسلم كرئيس للكتلة قادراً على فعله ثم لا يفعله، نفهم من ذلك أنه ليس من أعمال الكتلة. وقد رأينا أن أبا بكر بذلك من ماله وأعتقه. وهذا عمل من الأعمال الخيرية وليس من أعمال العنف. فدّل هذا الدليل أيضاً على أنه يجوز للفرد ما لا يجوز للكتلة.
ومن الأمور التي توضح أيضاً الفرق ما ورد في السيرة أن عبد الرحمن بن عوف وأصحاباً له أتوا النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فقالوا: يا نبي الله، كنا في عزة ونحن مشركون، فلما آمنا صرنا أذلة. قال: «إني أُمِرت العفو فلا تقاتلوا القوم» بينما تصرف سعد بن أبي وقاص تصرفاً فردياً آخر، إذ جاء في السيرة أنه (كان نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سعد بن أبي وقاص يصلّون في شَعْبِ من شعاب مكة مستخْفين عن الكفار. فظهر عليهم نفر من المشركين فناكروهم وعابوا عليهم حتى قاتلوهم. فضرب سعد بن أبي وقاص رجلاً من المشركين بِلَحْي بغير فشجه. فكان أول دهم هريق في الإسلام). ولم يقم الرسول صلى الله عليه وسلم بلوم سعد.
نفهم من شكوى عبد الرحمن بن عوف ومن جواب الرسول عليه بالعفو وعدم مقاتلة القوم، أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن ينظم كتلته لترد على العنف بالعنف بل بالصبر، وكان قادراً على توجيههم وتنظيمهم بحيث يردون على العنف بمثله ولو في بعض الحالات، ولكنه لم يفعل ذلك مع قيام الحاجة وحصول الشكوى، فدل هذا على أنه لا يجوز من الكتلة ككتلة، ولكن حين قام به فرد من أفراد الكتلة بصفته الفردية كان جائزاً.
وما هو أعمّ من ذلك وأشمل في الدلالة على هذا الأمر هو سيرته وأعماله صلى الله عليه وسلم في مكة طيلة ثلاثة عشرة سنة أثناء حمله للدعوة وطلبه للنصرة من أجل إقامة الدولة الإسلامية لقد اقتصر عمله عليه الصلاة والسلام على العمل الفكري من الدعوة إلى الإسلام والنهي عن الشرك والكفر والمنكر والأمر بالمعروف، ولم يقم بالأعمال المادية، وكان منهياً عنها، إذ قال لأصحابه: «لم نؤمر بذلك». وقد أُذِنَ لهم بذلك بعد الهجرة إلى المدينة وبعد أن صارت لهم دولة، قال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) ومفهوم الآية أنه لم يكن مأذوناً لهم قبل ذلك. زد على ذلك قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ).
لقد كانت الكتلة موجودة وكان الأفراد موجودين ولم تكن الدولة موجودة بل كانوا يعملون لإيجادها واستمر هذا ثلاث عشرة سنة وحصلت الحاجة الملحة للأعمال المادية، ولكن المسلمين نُهوا ككتلة عن الأعمال المادية، وأمروا بالصبر، وسُمح لهم بالهجرة إلى الحبشة فراراً من الفتنة. فعدم نزول الأحكام بمشروعية العمل المادي في إقامة الدولة الإسلامية في كل حين. ونُزول الأذن بالقتال بعد قيام الدولة يدل على أن القتال ليس من أعمال الكتلة بل هو من أعمال الدولة، ويكون في بعض الأحيان من أعمال الأفراد.
من هذا كله نرى أن الشرع ميّز في كثير من الأحكام بين ما أناطه بالكتلة وما أناطه بالأفراد وما أناطه بالحكام.
وليكن معلوماً أن هذا التفريق بين أحكام الكتلة وأحكام الأفراد يتعلق فقط بالكتلة التي قامت لحمل الدعوة الإسلامية، أي الكتلة السياسية التي قامت بناء على الآية الكريمة: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ…)، واقتداءً بكتلة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما جماعات المسلمين الأخرى فإنها تأخذ حكم الأفراد. فإذا كانت جماعة في سفر فهي تأخذ حكم الأفراد سواء كان لهم أمير أو أمراء أو لم يكن لهم أمير. وكذلك الجماعة في حي أو قرية، والجمعية التي تقوم ببعض الأعمال الخيرية، كل هؤلاء ومن كان على شاكلتهم يأخذون حكم الأفراد، حتى لو كانوا يقومون بالعمل مجتمعين متعاونين.
سؤال 2:
لقد وضعتم على غلاف العدد الرابع ـ السنة الثانية من مجلة «الوعي» صورة فارس على فرس مرسومة باليد وليست صورة كاميرا. ونحن نعلم أن الرسم لكل ذي روح حرام؟
جواب 2:
(سنختصر الإجابة على هذا السؤال والأسئلة التي بعده في هذه العدد)
نعم الرسم أو النحت أو الصب ضمن قالب لكل ذي روح حرام لورود النصوص الصحيحة في ذلك. وهذا الرسم حرام سواء أكانت الصورة مجسمة أم لا وسواء كان حجمها صغيراً أو كبيراً، وسواء كانت كاملة أم نصفية ما دام يبرز فيها الوجه أو الجسم. يستثنى من ذلك لعب الأطفال، ويستثنى من ذلك أيضاً التصوير (الفوتوغرافي) بواسطة الكاميرا.
هذا عن التصوير أو الرسم. أما اتخاذ الصور فهو موضوع آخر وحكمه يختلف عن حكم التصوير. فاتخاذ الصورة قد يكون حراماً وقد يكون مكروهاً وقد يكون مباحاً، ولا فرق في الصورة المتخذة إن كانت رسمت بكاميرا أو بطريقة محرمة، فقد أصبحت صورة. فوضع الصورة في أماكن العبادة للتقديس حرام. واتخذا الصورة للتبجيل مكروه. واتخاذها للمهنة مباح.
والصورة (الفارس على فرسه) التي وُضعت على غلاف العدد الرابع السنة الثانية من مجلة «الوعي» لم نرسمها نحن وإنما نقلناها عن مجلة أخرى. ووضعنا لها غلاف المجلة ليس فيه تقديس ولا تبجيل، وإنما هو للمهنة وهو مباح.
سؤال 3:
على غلاف العدد السادس ـ السنة الثانية ـ وضعتم صورة لأنور السادات وصورة لخالد الاسلامبولي، ووضعتم عبارة تحتها تشيدون فيها باغتيال الاسلامبولي للسادات. فهل يحل للمسلم أن يقتل الفاسق أو الظالم؟
جواب 3:
الكتلة التي تحمل الدعوة إلى الإسلام لا تقوم بالأعمال المادية ككتلة (انظر جواب السؤال الأول من هذا العدد) أما الأفراد فإنه يجوز لهم، بل يجب عليهم عند الاستطاعة، أن يغيروا المنكر باليد. وهنا يوجد خلاف بين الفقهاء، منهم من لا يجيز تغيير المنكر بالسلاح، بل بالوسائل التي هي أقل من السلاح (وهذا ما نرجحه نحن)، ومنهم من يجيز التغيير بالسلاح مستدلين بحديث المنابذة بالسيف عند ظهور الكفر البواح. ونحن لا نسفه الرأي الآخر ولا نعتبر من يعمل به عاصياً، لأنه يتبع رأياً إسلامياً ما دام له دليل أو شبة دليل، وله أجر عند الله. وكل ما في الأمر أني أقول له: أنت تترك الرأي الأقوى وتعمل بالرأي الأضعف.
ومعلوماتنا أن الاسلامبولي وإخوانه لم يكونوا ينوون الاغتيال فقط بل كانت لديهم خطة كاملة لتغيير النظام. فإذا كان الأمر كذلك فإنه يجوز لهم (حسب رأينا) أن يستعملوا السلاح لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حين بويع بيعة العقبة الكبرى (وهي التي كانت لتغيير النظام) طلب منهم أن يحموه بالسلاح، وقال لهم: «بل الدم الدم والهدم والهدم». ولذلك فإن عمل الاسلامبولي ـ رحمه الله ـ كان عملاً مشروعاً.
سؤال 4:
ورد في كلمة «الوعي» العدد 6 السنة الثانية عبارة: (يوجد بين النصارى عقلاء ويوجد بين الموارنة عقلاء) وعبارة: (نحترمكم ونحترم عقيدتكم). فكيف نحترم عقيدة كفر، وكيف يقال عن غير المسلم عاقل والله سبحانه يذكر عنهم أنهم يقولون يوم القيامة: (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ)؟
جواب 4:
نعم يوجد بين الكفار عقلاء لأن الله سبحانه لا يكلف ولا يحاسب إلا العقلاء. أما قولهم يوم القيامة: لو كنا نسمع أو نعقل، أي لو كانت لنا عقول ننتفع بها في موضوع الإيمان، والنصارى ومنهم الموارنة عقلاء ولا شك، ولكن عقولهم هذه هم غير منتفعين بها في الإيمان، فهل ينتفعون بها في أمور الدنيا؟ نعم غالباً ينتفعون، وكفار أميركا وأوروبا هم قادة العالم وحكامه هذه الأيام، وعندهم العلم والعلماء في شؤون الدنيا. وإذا كان قسم كبير من نصارى لبنان يركبون رؤوسهم الآن ولا يفكرون تفكيراً رزيناً في مشكلة لبنان ولا ينتفعون بعقولهم في هذه المسألة فإنه يوجد بينهم أيضاً كثير ممن يفكرون وينتفعون. فلا يوجد أي غبار على استعمال هذه العبارة. والحديث الذي يروى من أن أحد الصحابة قال: ما أعقل فلاناً النصراني، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صه، ليس للكافر عقل» هذا الحديث يفيد أن ليس للكافر عقل ينتفع به في موضوع الإيمان ما دام على كفره.
أما عن احترام النصارى وعقيدة النصارى فهذا أمر بديهي. وليس معنى احترام عقيدة النصارى أننا نقول بصحتها. لقد درج الفقهاء على القول بأن هذا المال محترم وذاك غير محترم. فمثلاً إذا ملك المسلم خمرة فإنها لا تعتبر مالاً محترماً له أي يجب أخذها منه وإراقتها، أما إذا ملك النصراني خمرة في بيته فإنها تعتبر مالاً محترماً له، أي لا يجوز أخذها منه وإتلافها.
والنصراني لا يجوز لك تحقيره أو إهانته لأنه نصراني فهو محترم. وكذلك عقيدته لا يجوز لك أن تُكرهه على تركها ولا يجوز للدولة أن تسمح لأحد أن يلحق به أذىً بسبب عقيدته. وهذا هو معنى احترامنا لهم ولعقيدتهم. وهذا أمر بديهي عند فقهاء المسلمين وعامتهم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغضّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فليصم فإن الصوم له وجاء».
رواه البخاري ومسلم
1988-12-05