الخوف
1988/12/05م
المقالات
2,685 زيارة
بقلم: محمد جلال ـ باكستان
إن الخوف مشكلة من المشكلات الخطرة التي تعاني منها الشعوب المنحطة والأمم الضعيفة ما تعاني من الذل والقهر والتأخر. فالخوف إذا سيطر على شخص أفقده لذة العيش، وأفقده أنبل الصفات، وجعل لديه الارتباك الذهني وعدم القدرة على الحكم على الأشياء، وشلّ عنده الحافظة والقدرة على التمييز.
خلق الإنسان وخلقت معه غريزة حب البقاء، فكانت حتمية الوجود فيه لأنها جزء من تكوينه وهذه الغريزة في الإنسان تظهر بمظاهر على شكل الخوف أو السيادة أو البقاء أو غيرها فهذه كلها تمثل مظاهر لغريزة البقاء.
وغريزة البقاء هي كباقي الغرائز من تدين ونوع، تبقى مستترة في الإنسان حتى يأتي عامل وتثيرها، فحينها تتحرك هذه الغريزة وتثور فيظهر ذلك بأحد مظاهرها.
أما ما الذي يثير الغرائز، فهو أحد أمرين: إما واقع مادي محسوس، أو فكر من الأفكار إلا أن هذا الواقع أو الشيء المادي أو ذلك الفكر لا بد أن يكون متصلاً بتلك الغريزة بل بذلك المظهر أو متعلقاً به.
فالإنسان حين يتعرض لحادث قد يؤدي بحياته فهذا الواقع المادي المحسوس يظهر الخوف على هذا الإنسان وتثار عنده غريزة البقاء، وبالتالي فلا يمكن لهاذ الحادث أن يثير عنده غريزة النوع لأنه لا علاقة له بها، فحتى يحصل الخوف لا بد أن يكون الشيء المادي أو الفكر الذي يجول في خاطر الإنسان هو مما يدرك أنه يخيف، أو مما يشعر وجدانياً أنه يخيف. وما لم يحصل هذا الإدراك أو هذا الشعور لا يحصل الخوف لأن الغريزة لا تتحرك طاقتها ولا تثور إلا إذا كان الشيء قد ارتبطت فيه مشاعر الخوف بادراك أو تمييز غريزي. وعلى هذا نقول أن الخوف لا يحصل إلا بوجود ما يثيره وإن كان فطرياً قد خلق مع خلق الإنسان.
مشكلة الخوف
إن الخوف مشكلة من المشكلات الخطرة التي تعاني منها الشعوب المنحطة والأمم الضعيفة ما تعاني من الذل والقهر والتأخر، فالخوف إذا سيطر على شخص أفقده لذة العيش، وأفقده أنبل الصفات، وجعل لديه الارتباك الذهني وعدم القدرة على الحكم على الأشياء، وشل عنده الحافظة والقدرة على التمييز.
وأخطر أنواع الخوف، الخوف من الأشباح والأوهام، وهذا لا يكون إلا عند ضعاف العقول، إما لأن النمو العقلي عندهم لم يكتمل بعد كالأطفال، وإما لعدم وجود المعلومات الكافية للربط بالواقع، أو لضعف فطري في أدمغتهم كالبله والمعتوهين وغير ذلك. فهؤلاء يعالج الخوف لديهم إما بالتعمق معهم في البحث وتقريب الأشياء لإدراكهم وعقولهم، وإما بإعطائهم أفكاراً متصلة بما يخافون منه على أن يكون لهذه الأفكار واقع محسوس لديهم، فإنهم بهذا العلاج يتخلصون من سيطرة الخوف إما بإزالته أو بتخفيفه تدريجياً إلى أن تُقلع بقايا مفاهيمهم الموجودة في الأعماق.
وهناك نوع من الخوف أقل خطراً، وهو الخوف الناتج عن عدم تقدير الأشياء تقديراً صحيحاً. وذلك أن يرى الإنسان شيئاً ربما كان مخيفاً وربما كان غير مخيف. فقد يرى كلباً نائماً فيظنه كلباً مسعوراً لأنه سبق أن رأى مثله كلباً مسعوراً فيخاف أن يمر بالطريق ويهرب منه، ولو تحقق لرأى أنه كلب أليف لا يخيف، وأكثر ما يحدث هذا النوع من الخوف في الأشياء المعنوية من مثل كتابة مقال أو خطبة في مكان أو محادثة حاكم أو مناقشة صاحب جاه أو ما شاكل ذلك، فإن عدم تقدير الأشياء تقديراً صحيحاً يسبب له الخوف فيمتنع عن الكتابة أو الخطابة أو المناقشة خوفاً من الأذى.
خوف من نوع آخر
وهناك نوع من الخوف شائع ناتج عن عدم الموازنة بين ما ينتج من القيام بالعمل وما ينتج من عدم القيام به، وكلا الأمرين يسبب أذى فيؤدي الخطأ في هذه الموازنة إلى الخوف من بسائط الأمور والوقوع في المخطر، فحين يجس الإنسان بواجبه في تغيير الحاكم الظالم فإنه يصطدم بالخوف مما قد يقع عليه من أذى فيحجم عن العمل الواجب عليه فيؤدي تقاعسه وركونه إلى إيقاع الأذى بالأمة وبه نفسه كواحد من الأمة. وكخوف الجندي في ساحة القتال من الموت يؤدي إلى إبادة الجيش كله وهو واحد منه، وكالخوف من السجن أو الأذى في سبيل العقيدة التي يحملها يؤدي إلى ضياع العقيدة منه ومن الوجود في الحياة وهو أكثر ألماً من السجن وأشد ضرراً من التعذيب. وهذا النوع من الخوف خطر جداً على الأمة وقد يؤدي إلى الدمار والهلاك.
عامل إيجابي
إلا أن الخوف نافع ومفيد في بعض الأحيان، بل لا بد من وجوده، كما هو مضر ومهلك في بعض الأحيان. فالخوف من الأخطار الحقيقية أمر مفيد، والاستهتار بها وعدم الخوف منها أمر مضر ولا يجوز أن يكون سواء أكانت أخطاراً على الفرد نفسه أو على أمته، فالخوف في هذه الحالة هو الحارس وهو الحامي، ولذلك كان لا بد من شرح الأخطار المحدقة بالأمة حتى تحسب لها حساباً وتعمل للدفاع عن نفسها وإزالة هذه الأخطار. والخوف من الله ومن عذاب الله هو الأساس في حياة المسلم وهو أمر واجب وهو الحارس الحامي، ولذلك لا بد من إثارة الخوف من الله في النفوس، وشرح مقدار عذاب الله على ارتكاب المعاصي وعلى الكفر حتى يتبع الناس دينه ويقوموا بأوامره واجتناب نواهيه، فهذا الخوف ومثله نافع مفيد وواجب وجوده وأن يعمل على إيجاده لأنه الحارس والحامي وهو الذي يضمن سير الإنسان في الصراط المستقيم.
وعلى ذلك فإن الخوف جزء من فطرة الإنسان، والمفاهيم هي التي تثيره في الإنسان وهي التي تبعده عن الإنسان، وهو منن أخطر الأمور على الإنسان في نواحٍ كما أنه من أكثرها فائدة في نواحٍ أخرى، فحتى ينقي الإنسان أخطاره ويتمتع بمنافعه وجب عليه أن يحكّم به المفاهيم الصادقة وحدها ـ لتحدد له ما يخاف منه ويتقيه وما لا يخاف منه ـ ألا وهي مفاهيم الإسلام.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكّيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر».
رواه مسلم والنسائي
1988-12-05