العدد 18 -

السنة الثانية – العدد السادس – ربيع الأول 1409هـ، الموافق تشرين الأول 1988م

هم رجال ونحن رجال

أخي القارئ،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

تقول إحدى الروايات التي تدور أحداثها إبّان الفتح الإسلامي لبلاد الأندلس، أن أحد الجواسيس من الصليبيين توغل داخل بلاد الأندلس عقب وقوعها في حوزة جيش المسلمين فرأى طفلاً تحت شجرة يبكي ويذرف الدموع الغزار..

فتقدم الجاسوس وسأله: «ما الذي يبكيك يا بني…».

فأجابه الطفل اليافع لأنني لم أستطع إصابة الهدف الذي حدِّد هو صيد العصفور الذي يقف فوق الشجرة..

فقال الجاسوس: «هوِّن عليك فهذا أمر هيّن، عاود الكرّة من جديد». ولكن الطفل المسلم ابن الأبطال المغاوير قال لهذا الرجل المتطفل: «إن الذي يُبكيني أمرٌ أعمق من صيد العصفور».

قال الجاسوس: ما هو…؟

كثيراً ما سمعنا أمثال هذه الرواية وهذه المواقف التي كان يقفها سلفنا الصالح رضوان الله عليهم أجمعين. ولكن السؤال الذي كان كثيراً ما يطرحه أبناء المسلمين بعد سماعهم لهذه الروايات، هو «أين نحن من هؤلاء؟ وأين قوّة المسلمين وأين نحن من الأبطال الذين فتحوا فارس وانتصروا على الروم..؟ أين نحن اليوم من الذين قال فيهم الله عزّ وجلّ: ( مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)؟ أين نحن من أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وخالد بن الوليد وصلاح الدين ووو؟ أين نحن من كلّ هؤلاء؟ وأين هم أمثال هؤلاء؟

أقول لهؤلاء الذين دبَّ في قلوبهم اليأس، اسمعوا قول حبيبنا المصطفى عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام حين يقول: «الخيرُ فيَّ وفي أمتي إلى يوم الدين» وحين يقول: «لن يبرح هذا الدين قائماً يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة». إذاً إن الرسول عليه الصلاة والسلام يخبرنا بأنّ الخير كل الخير في هذه الأمّة في قيام الساعة، وأنّ الأمة التي أنجبت صلاح الدين وخالداً وبلالاً وصهيباً ستنجب أمثالهم الكثير. ولن يخلو عصرٌ من أمثال هؤلاء. وقد صَدَق من قال: «هم رجال ونحن رجال». ولكن تكالب قوى الكفر والإلحاد على هؤلاء الدعاة المجاهدين جعلنا لا نسمع إلا القليل من أخبارهم، وأخذ الكفر يشوّه لنا أعمالهم وجهادهم ويكبت أصواتهم.

فلنكن، يا إخوة الإسلام، من هذه القلّة التي تحلّت بصفة العلم والعمل، والتُقى والزهد، والجرأة في الحق والصلابة في التمسك بالعدل والمحافظة على حدود الشرع، وحمل الدعوة إلى الإسلام لإقامة شرعه في الأرض وتحكيم أنظمته في الدنيا والوقوف في وجه الحكّام الظالمين الذين أعرضوا عن الله فأعرض الله عنهم، ولنكن من هذه العصابة ومعها التي تسعى لعودة الإسلام سيرته الأولى واستئناف حياة إسلامية كريمة، يُعَزَّ بها الإسلام وأهله، ويُخذل بها الكفر وجنده وأنصاره، ولتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الكفر هي السفلى. أن نكون أمثال سلفنا الصالح ليس بالعمل المستحيل ولكنه أيضاً ليس بالأمر الهينّ، فسلفنا الصالح واجهوا الصعوبات الجمّة وكابدوا الأمرّين وثبتوا ولم يهنوا، فوقفوا في وجه أعتى أنظمة الجور وهزموها بإيمانهم وبجعلهم الإسلام همَّهم الأوّل لا آخر همّهم!!

ندعو الله أن يجعلنا من أمثال سلفنا الصالح، وأن يجعلنا من العصبة التي ذكرها رسول الله عليه وعلى آله الصلاة والسلام، وأن يجعلنا ممّن جعلوا الإسلام وحمل الدعوة والجهاد في سبيل الله جلّ همّهم وتفكيرهم، وأن لا يجعلنا ممن انتابهم اليأس فضلّوا السبيل وأضلّوا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *