العدد 13 -

العـدد الثالث عشر – السـنـة الثانية – شوال 1408هـ – حزيران 1988م

«الوعي» دعوة لإقامة حياة إسلامية

 عندما قمنا منذ عام بإصدار العدد الأول من مجلة «الوعي»، لم يكن يدفعنا حب الظهرو ولا الرغبة في أن تترد أسماؤنا بين الطلبة أو في الأوساط الفكرية. كما لم يكن دافعنا مجرد إصدار مجلة جديدة تضاف إلى قائمة العشرات ـ لا بل المئات ـ من المطبوعات اليومية والأسبوعية والشهرية التي تصدر في منطقتنا العربية، مجلة كغيرها من المجلات.

ولم يكن تدفعنا دولة تريد أن يكون لها ـ أسوة بغيرها ـ مطبوعة تكون بوقاً لها في ساحة الأبواق والمزامير.

ولم يكن لدينا الخبرة في ميدان العمل الصحافي وما يتطلبه إصدار مجلة من فن إلقاء الكلمة المناسبة في الوقت المناسب، ودراية بالتسويق والتوزيع والنشر وجمع الأخبار وتحضير المواد إلى ما هنالك حتى نستطيع أن ننافس المطبوعات العريقة في هذه المضامير.

كما لم تكن لدينا الإمكانيات المادية التي تسلزمها إصدار مجلة وطبعها وتسويقها وتوزيعها، حتى إننا لم يكن لدينا أدنى فكرة عما يتطلبه إصدار مثل هذه المجلة من تكلفة مادية.

ورغم كل ذلك انطلقنا في مسعانا، فتوكلنا على الله، وبذلنا جهدنا في إصدار مجلة لتكون إن شاء الله نجمة بين قريناتها، والأولى ـ بدون منازع ـ بين كافة المجلات الموجودة اليوم في الأسواق.

والذي دفعنا إلى ذلك أنه كان لدينا شيء مهم جداً تفتقر إليه معظم هيئات التحرير التي تصدر المجلات والصحف ولعله العنصر الأهم، وهو الفكر المبدئي، ولذلك كانت مجلتنا متميزة عن غيرها بالفكر الإسلامي.

ولذلك أيضاً كانت كل تلك العقبات ثانوية ما دام لدينا ما نقوله. والواقع أنه لدينا الكثير الكثير لنقوله في صدد الواقع السيء الذي نعيشه. نراه سيئاً لأنه أبعد ما يكون عن الاسلام، وفي ذلك ما يملأ صفحات أكثر من مجلة وأكثر من كتاب.

وبذلك انطلقنا، وفي جعبتنا مناج حياة متكامل نود أن نطرحه، وهو الإسلام. ولذلك فإن انطلاقتنا إن شاء الله طويلة الأمد ونحو الأفضل بإذنه تعالى على الدوام، لأننا لسنا بوقاً لأحد، يدوي فترة من الزمان ثم يضمحل بزوال الجهة التي يدوي لها. فالاسلام إن شاء الله قائم، وبشائر عوته إلى معترك الحياة ظاهرة في الأفق، وهنا يأتي دور «الوعي».

لم نرد اـ «الوعي» أن تكون مجلة عادة، تنقل للناس الغث مما يجذب أسماعهم ويحملهم على مطالعتها. إنما أردنا فيها وجه الله تعالى، وقول كلمة الحق المقنعة الرصينة عسى أن تنفعنا جميعاً. ولم يكن لدينا القدرة على مجاراة باقي المجلات في الاخراج الفني المنمق الذي يجذب الجماهير. والواقع أن قضية الصحافة اليوم هي كيفية لفت الأنظار بغية زيادة نسبة التوزيع، ولذلك فإن المجلة أو الصحيفة لا تنشر أفكاراً مرسومة واضحة المعالم واضحة الهدف، بل تنشر ما يقبل الناس على قراءته وينجذبون إليه مهما كان. ولذلك أيضاً، فإن المطبوعات المتداولة ـ سياسية كانت أو فكرية ـ ليس لها توجه واضح وهدف مرسوم. إنما هدفها زيادة نسبة التوزيع، وزيادة دخل أعضاءها. ومن المطبوعات ما يتخذ منحى بعيداً في لفت أنظار الناس، فتحصص بأمور فارغة ليس لها قيمة سوى أن العامة يقبلون عليها، كالمجلات الفنية أو الخليعة الرخيصة التي ليس لها قيمة أو منفعة سوى أن الناس يقبلون عليها عندما تكون الناحية الفكرية لديهم منخفضة.

والغريب أن القارئ يقرأ ويسمع أن هناك «رسالة» تحملها هذه المجلة أو تلك الصحيفة، وأنها تحمل فكراً وتلتزم قضية وتحدد هدفاً. وإلى جانب ذلك الإلتزام، تجد الصفحات «الفنية» الفارغة، وأبواب التسالي وإضاعة الوقت، والقصص التافهة والتحقيقات التي لا تحمل معنى ولا مضمون، مما يدفعنا إلى التساؤل عن مدى جدية تلك القضية أو عن مدى التزام المجلات بها.

لقد اضحت وسائل الإعلام في أيامنا مضطرة أن تدخل مثل تلك التفاهات في مادّتها لأنها في الغالب هي التي تجذب 70% من القراء. والغريب أن القارئ يجد أكثر من 50% من صفحات المطبوعة السياسية مخصصة لمثل تلك المواد.

وأما ما يطلق  عليه ـ تجاوزاً ـ في عرف الصحافة بأنه مطبوعة فكرية، فهي غالباً لا تحمل فكراً على الإطلاق. ذلك أن الفكر ليس فناً ولا نحتاً، ولا شعراً إباحياً أو دراسة خيالية، بل الفكر هو الحكم على الوقائع أو أساس الحكم على الوقائع، ولا يمكن إلا أن يكون مبنياً أو نابعاً عن فكر أساسي شامل للحياة والذي يشكل في مجموعة منهاج حياة وطريقة عيش. ولذلك تندر المجلات الفكرية في أيامنا هذه.

وربما تصدر بعض المطبوعات التي تلتزم جانب الاسلام، فتداوم علىنشر المواد التي تتناول جوانب معينة من أحكامه. لكن الجانب الأهم الذي تفتقر إليه هذه المطبوعات هو وضع المفاهيم التي يمكن أن تشكل أساساً لإقامة حياة إسلامية. وربما كان السبب في ذلك أن معظم الذين يتوجهون نحو الإسلام ـ مع الأسف ـ ربما لا يرونه قريباً، بل الكثير من الذين يفترض فيهم أنهم عاملون للإسلام لا يتصورون إمكان عودته إلى الحياة قبل عدة أجيال. وربما كان السبب افتقار مثل تلك المطبوعات فعلاً إلى الفكر الأساس الذي يمكن أن تقوم عليه حياة إسلامية. وهذا هو السبب الأهم الذي دفعنا إلى إصدار «الوعي».

ولا شك أن هناك محاولات ضخمة للإلتفاف على إقبال الناس نحو الاسلام، بحيث تتلقاهم دعوات وأفكار مضللة تتستر برداء الإسلام وتخدع المسلمين ليظنوها إسلاماً وما هي كذلك، حتى تنحرف المسيرة، ويبتعد الناس عن كل ما من شأنه أن يعيدهم إلى إقامة حياة إسلامية متكاملة متينة الأسس واضحة المعالم. ونسأل الله تعالى أن يوفقنا في مجلتنا إلى التصدي لمثل تلك المحاولات، ويمكننا من بيان زيف تلك الدعوات، وهذا دافع ثان.

وبذلك أردنا «الوعي» دعوة محددة للمسلمين لإقامة حكم الله في الأرض واستئناف حياة إسلامية. ولأننا ابتعدنا كثيراً منذ قرنين وحتى الآن عن الحياة الإسلامية. وضيّعنا أسسها وأركانها وفقدنا مقوماتها، كانت الحاجة ماسة لمن يعيد توضيح هذه الأسس العملية للحياة الاسلامية، وأسس المجتمع الاسلامي، وأحكامه العامة وقضاياه المصيرية، وغايته وهدفه في الحياة، ونريد لـ «الوعي» أن تكون السباقة في هذا الجانب: وضع السس العملية لإقامة المجتمع الإسلامية وتحكيم شرع الله، والإنقلاب على هذا الواقع الفاسد الذي ترتفع فيه راية الكفر في بلاد الإسلام وتسود فيها أحكامه، واستبداله بحكم الإسلام غير المشوب دون تدرّج أو انتقال.

هذا، ونأمل أن يوفقنا الله تعالى في مسعانا إذ لم نبغ سوى وجهه الكريم في عملنا هذا. وأمل أن يوفقنا الله تعالى لنتوصل إلى موضع القبول والتلقي من أذهان المسلمين، بحيث تلاقي دعوتنا مادتنا آذاناً صاغية وأذهاناً متقبلة متفهمة. ولعل أبرز ما في مواد المجلة أنها تثير التفيكر العميق في الواقع، وتتطلب تركيزاً وعمقاً، فإذا تم ذلك نعتبر أننا حققنا جزءاً من هدفنا ولو لم يلتزم الناس أو يحملوا أفكار المجلة، إذ التفكير في مواضيعها لا يخلو من الفائدة، ويرفع الناحية الفكرية قبل كل شيء.

هذا، ونحن ندرك أن عودة الإسلام إلى الحياة لا يكون بإصدار مجلة أو بنشر مطبوعة، بل بحمل الإسلام وأفكاره للناس فكراً حياً، وهذا يتطلب تكتلاً أو جماعة تدعو إلى الإسلام وتعمل لتطبيقه، وتتصدى لأفكار الكفر. والفرق بين المجلة والتكتل أن الأولى مجرد مطبوعة قد تؤتي ثمارها وقد لا تؤتي، بينما التكتل يعمل بالإتصال المباشر بالمسلمين وهذا لا بد منه.

اللهم إنا نسألك نصرك الذي وعدت على أعدائك القوم الكافرين، اللهم وارفع راية الإسلام خفاقة فوق بقاع الأرض، واجعلنا من العاملين بطاعتك.

(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) □

أسرة الوعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *