العدد 13 -

العـدد الثالث عشر – السـنـة الثانية – شوال 1408هـ – حزيران 1988م

الخلافة واجب شرعي وليست وضعاً أفضلياً بالنسبة للأنظمة القائمة

أنزل الله الإسلام وحياً على رسوله صلى الله عليه وسلم هدى للناس يتضمن المعالجات الصحيحة لمشاكل الإنسان بوصفه إنساناً. والصحة في هذه المعالجات ليست آتية من الحكم نفسه وإنما من مصدره فلمعرفة صحة أو خطأ الأحكام يجب النظر في الأساس الذي انبثقت عنه والكيفية التي تم بها الانبثاق. وأحكام الإسلام في كليتها وجزئيتها هي أحكام صحيحة لمعالجة الواقع الإنساني بما يقع فيه من مشاكل وذلك من النظر إلى الأساس الذي انبثقت عنه هذه الأحكام وكيفية انبثاقها وهذا الأساس هو العقيدة الإسلامية التي هي وحي من الله تعالى وهو يعمل ما يصلح الإنسان قال تعالى: (أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) فمن خلق يعلم ما يصلح المخلوق. وبهذه الكيفية ننظر إلى أحكام الإسلام.

وبالنظر في هذه الأحكام الشرعية نجدها أنواعاً منها الواجب والمندوب ومنها الحران والمكروه ومنها المباح وهذا التقسيم ليس من الإنسان بل هو من الإسلام أي من الوحي. إذ أن هذا الاختلاف في نوعية الأحكام ما هو باصطلاحات يضعها الفقهاء ولا هو تبويبات فقهية وإنما مصدر هذا الاختلاف في نوعية الأحكام أي في كيفية حمل هذه الأحكام يرد إلى الكيفية التي حمَّلت العقيدة الإسلامية فيها هذه الأحكام على المسلمين.

ومن هذه الأحكام «الخلافة» كنظام حكم مجسداً في شخص الخليفة والقوانين التي يسير فيها المجتمع قد حمّاتها العقيدة الإسلامية للمسلمين على الوجوب أي جعلت هذا الحكم واجباً عليهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من خلع يداً من طاعة الله لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية».

فالرسول r فرض على كل مسلم في كل زمن أن تكون في عنقه بيعة ووصف من يموت وليس في عنقه بيعة بأنه مات ميتة جاهلية أي أن المجتمع الذي يعيش فيه يكون مشابهاً للمجتمع الجاهلي لخلو كل منهما من نظام الحكم الإسلامي. ولا يسمى ما يحدث من بيعة بين بعض العلماء أو المشايخ وتلامذتهم بأنه البيعة المعنية في حديث رسول الله r فيظنون بذلك أنهم قد نفذوا أمر رسول الله بالبيعة فهذا فهم سقيم لا يقرّه التشريع فوجود الخليفة هو الذي يوجد في عنق كل مسلم بيعة.

والخلافة في الإسلام تعني تطبيق أحكام الإسلام كاملة على المجتمع وهذه الأحكام تتناول سلوك الإنسان بشقّيه الفكري والعملي أي المفاهيم التي يحملها أو الأعمال الحسية التي يقوم بها وهذا الترابط بين الأحكام هو شرط أساسي في حمل العقيدة الإسلامية أي ليكون الإنسان مسلماً عليه أن يحمل العقيدة كاملة غير منقوصة وكل ما ينبثق عنها من أحكام وأن أي تفريط في جزء منها مهما صغر هو تفريط فيها لحلها مثل ذلك مثل العشرة إذا نقصت واحداً لم تعد عشرة وأصبحت شيئاً آخر.

والخلافة هي نظام حكم متميز عن كل ما عداه من الأنظمة كالجمهوري والبرلماني والملكي وغيره.

فتطبيق بعض أحكام الإسلام في ظل نظام غير نظام الخلافة لا يجعل من المجتمع مجتمعاً إسلامياً بل يبقى محتاجاً إلى تغيير شامل وانقلابي لجعل نظام الخلافة هو المتحكم والمسيطر على شؤون المجتمع فلا تفاضل في الأنظمة فإما إسلام وإما كفر وليس بينها تقارب ولا سُلَّم تفاضل وذلك لأن التفاضل يكون بين المتماثلات في التكوين والماهية، فنقول مثلاً زيد أفضل من عمرو ولا يصح أن نقول: الحديد أفضل من الماء، فكل نظام لا تكون الخلافة شكله ومضمونه لا يسمى نظاماً إسلامياً ولو كان مطبقاً لكثير من الأحكام الإسلامية.

لذلك لا تفاضل بين هذه الأنظمة والنظام الإسلامي. فلا نقول إن المجتمع يحتاج إلى تحسين لينتقل إلى الحالة الأفضلية، وإنما نقول إنه يحتاج إلى تغيير شامل وانقلابي لتتغير نوعية المجتمع بتغير نوعية النظام الحاكم.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *