العدد 369 -

السنة الثانية والثلاثين، شوال 1438هـ، الموافق تموز 2017م

مع القرآن الكريم

مع القرآن الكريم

 

قال تعالى: (يَسۡ‍َٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ قُلۡ مَآ أَنفَقۡتُم مِّنۡ خَيۡرٖ فَلِلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۗ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ ٢١٥).

جاء في كتاب التيسير في أصول التفسير لمؤلفه

عطاء بن خليل أبو الرشته

أمير حزب التحرير حفظه الله في تفسيره لهذه الآيات ما يلي:

جعل الله سبحانه هذه السورة العظيمة جامعة لأنواع كثيرة من الخير، فذكر سـبحـانه المؤمنين والكافـرين والمنافـقـين، ثم ذكر يهود وتحريفهم كتبهم واختلافهم على أنبيائهم وقتل بعـضـهـم أنبياءهم وجـدلهم بالباطـل ومؤامـراتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.

فذكر العقيدة وبعض متعلقاتها ليكون المؤمن راسخ الإيمان واعيًا على كيد الكفر وأهله.

ثم ذكر الله سبحانه بعد ذلك أنواعًا من الأحكام الشرعية المبنية على العقيدة الإسلامية، فذكر البيت وبناء إبراهيم وإسماعيل له ثم تحويل القبلة إليه وكذلك الحج إليه، وذكر سبحانه الصوم والجهاد وعددًا من الأحكام الشرعية التي تتعلق بالدعوة للإسلام واحتدام الصراع بين الحق والباطل واختلاف الناس على رسلهم، وثقل البلاء الذي يلقاه المؤمن، والصبر على الأذى في سبيل الله، ومن ثم النصر والفتح القريب.

كل ذلك ليستقيم أمر المسلم في إيمانه وفي أفعاله آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر لا يضره من خالفه: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك»(1).

وفي هذا السياق – بيان عدد من الأحكام الشرعية بعد أن ذكر الله سبحانه سابقًا العقيدة الإسلامية – جاء هذا السؤال والجواب في هذه الآية الكريمة، وتساؤلات تبعته حول عدد من الأحكام الشرعية المبينة في هذه السورة العظيمة.

فقد سأل عمرو بن الجموح رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن عباس – رضي الله عنهما – عن النفقة من ماله، وكان شيخًا كبيرًا ذا مالٍ كثيٍر فقال: يا رسول الله ماذا ننفق من أموالنا؟ فنزلت الآية الكريمة والتي تبين ما يلي:

  1. يظهر من الآية أن السؤال كان عن الأموال التي تُنفَق ولكن الله سبحانه أجاب عن (المـُـنفَق) بشكل عام (قُلۡ مَآ أَنفَقۡتُم مِّنۡ خَيۡرٖ) أي من الحلال الطيب، ثم بين سبحانه مَن الذين لهم الأولوية في الإنفاق عليهم (فَلِلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۗ). وفي هذا دلالة على أن النفقة لا يعتد بها ولا تقبل إلا إن وقعت موقعها، أي للذي يستحقها.

  2. أن الآية في الصدقة المندوبة وليست في الفريضة (الزكاة) وذلك بقرينة (قُلۡ مَآ أَنفَقۡتُم مِّنۡ خَيۡرٖ ) فقد جعل الله الإنفاق متوقفًا على المنفِقين فلم يقل سبحانه (أنفقوا خيرًا لكذا وكذا) وعندها كان احتمال الفرض واردًا، ولكنها هنا (مَآ أَنفَقۡتُم مِّنۡ خَيۡرٖ فَلِلۡوَٰلِدَيۡنِ) أي إن أنفقتم فليكن من خير، وليكن للوالدين والأقربين … الآية.

وهذا يعني أن الإنفاق متوقف على المنفقين، وحيث إن النفقة – الصدقة – قربة إلى الله فيكون الإنفاق هنا مندوبًا.

وتؤكـد هذا خاتمة الآية الكريمة (وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ) و(مَا) هنا كذلك شرطية، فالنفقة متوقفة على المنفق؛ ولذلك فإن القول بنسخها بآية الزكاة غير وارد، فهذه في الصدقة المندوبة وآية الزكاة في الفريضة.

  1. تبين الآية الأولويات في الصدقة، فالأَولى أن تكون في الوالدين والأرحام والأقارب أي الأدنى فالأدنى: «إن الله يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بآبائكم، ثم الأقرب فالأقرب»(2) «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، من أبرّ؟ قال: أمك وأباك وأختك وأخاك ومولاك الذي يلي، ذاك حق واجب ورحم موصولة»(3) أي ذوي الأرحام. «وأتى رجل النبي صلى الله عليه وسلمفقال: إن لي دينارًا. قال: أنفقه على نفسك. قال: إن لي دينارين. فقال: أنفقهما على أهلك. قال: إن لي ثلاثة. قال: أنفقها على خادمك. قال: إن لي أربعة. قال: أنفقها على والديك. فقال: إن لي خمسة. قال: أنفقها على قرابتك. فقال: إن لي ستة. فقال: أنفقها في سبيل الله تعالى»(4). وكما جاء في الحديث: «الصدقة على الفقير صدقة، وهي على الرحم صلة وصدقة»(5). ثم بعد الوالدين والأقربين للمحتاجين، والأولى اليتيم وهو من كان صغيرًا وفاقدًا للأب، ثم المساكين والفقراء من غير اليتامى، ثم الذي انقطع به السبيل، وهكذا فالإنفاق في الأَولى فالأَولى أفضل مما سواه، والله سبحانه لا يضيع عنده مثقال ذرة من خير، فكلّ نفقة من مال حلال طيب بإخلاص لله توضع في موضعها أي لمستحقيها مهما صغرت، يتقبلها الله بقبول حسن، ويعلمها سبحانه على أي حال أنفقت (وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ ).

(1)           البخاري: 2884، مسلم: 3544

 

(2)           ابن ماجه: 3661، أحمد: 4/131، 132

 

(3)           أبو داوود: 4474، الترمذي: 2532، الدر المنثور: 2/611

 

(4)          أحمد: 3/369، ابن حبان: 828، البيهقي: 7/466، 477

 

(5)           النسائي: 2535، ابن ماجه: 1834، أحمد: 4/17، 218

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *