الخلافة فرض لم يقم بعد، والإثم في رقاب القاعدين
2017/05/14م
المقالات
3,856 زيارة
الخلافة فرض لم يقم بعد،
والإثم في رقاب القاعدين
د. إبراهيم بابكر إبراهيم
الفرض أو الواجب ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
أولًا: باعتبار ذاته إلى واجب معين، أي تعيّن على كل مسلم أن يقوم به، مثل الصلوات المفروضة، والصيام (شهر رمضان) وإلى غير محدد في أقسام محصورة من خصال الكفارات، أي أن الواجب هو واحد منها على التخيير لا واحد بعينه، ومثال ذلك كفارة من أفطر في نهار رمضان والمرتبة ومثالها كفارة الظهار، وما جمعت بين الترتيب، فإذا عجز فالتخيير، فهي كفارة حنث اليمين.
ثانيًا: باعتبار وقته، فإن الفرض أو الواجب باعتبار الوقت، ينقسم إلى مضيَّق وموسَّع. فالمضيَّق هو ما كان وقته ضيقًا ومحددًا، ولا يسع وقته أكثر من فعله، كصوم شهر رمضان، فوقت الصوم محدد بهذا الشهر، لا بغيره، أما الواجب الموسع في وقته، هو ما يسع وقته أكثر من فعله، كالصلوات الخمس. والوقت في اصطلاح الفقهاء هو الزمن الذي قدره الشارع للعبادة.
ثالثًا: ينقسم الفرض باعتبار فعله إلى واجب عيني، وواجب على الكفاية، ويدور التعريف للفرضين؛ الكفائي والعيني، حول طلب الوجوب، إذا طلب الفعل الواجب من كل واحد (شخص مكلف) بخصوصه، فهو فرض العين، وإذا كان مقصود الوجوب إيقاع الفعل (فعل المطلوب)، بقطع النظر عن الفاعل، فهو فرض الكفاية، ففعل البعض فيه يسقط الإثم عن الباقين. وهو واجب أيضًا على الجميع بخلاف فرض العين، الذي يجب إيقاعه على كل عين. (التمهيد في تخريج الفروع على الأصول- للأسنوي).
بعد هذه المقدمة التي كان لا بد منها، ما هو وضع إقامة الخلافة، وما هو موقعها في هذه الفروض، وما هو العمل إذا تزاحمت الفروض على المسلم؟ من المعلوم عند فقهاء الأمة، أن نصب خليفة على المسلمين فرض، ويكفي هنا أن نشير إلى ما قاله الإمام القرطبي عند تفسيره لقوله تعالى: (وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗ)، حيث قال: «هذه الآية أصل في نصب إمام وخليفة يسمع له ويطاع؛ لتجتمع به الكلمة، وتنفذ به أحكام الخليفة، ولا خلاف في وجوب ذلك بين الأمة، ولا بين الأئمة، إلا ما روي عن الأصم، حيث كان عن الشريعة أصم، وكذلك كل من قال بقوله، واتبعه على رأيه ومذهبه» (الجامع لأحكام القرآن – الجزء الأول). ولكن فرضية إقامة الخلافة، ونصب إمام، فرض على الكفاية، إذا أقامه بعض المسلمين، سقط الإثم عن الباقين. والحال الآن أن الخلافة لم تقم، رغم أن وقت إقامتها مضيق بثلاثة أيام، وقد مضت الثلاثة أيام، بل مضت عشرات السنين ولم تُقَم الخلافة، فيصبح الأمر واجبًا على المسلمين جميعًا، ولا يسقط عنهم الإثم إلى أن تقوم الخلافة، ولا عذر لمعتذر في أن هناك من يسعى لإقامتها؛ لأن الفرض في وقته الموقت لم يقم، بل لا زال الفرض قائمًا. ولا يقال إن الفروض تزاحمت علينا، لأنه عند تزاحم الفروض، إنما تكون الأولوية حسب الدليل، وليس حسب الأهواء، ومن يقولون ذلك، أي أن الفروض تزاحمت، وأن الناس اليوم يحتاجون لتصحيح العقائد، وهو الذي يجب الانشغال به، رغم الإقرار بفرضية الخلافة، نقول، العمدة في فصل هذا الجدال، هو فعل الرسول صلى الله عليه وسلم الذي علمنا كيف نفصل عندما تتزاحم الفروض التي وقتها مضيق، فالنبي عليه الصلاة والسلام عندما تعارض قتال الكفار في معركة مع الصلاة، قدّم القتال على أداء الصلاة في وقتها، ثم إنه عليه الصلاة والسلام لم ينتظر أن يؤمن جميع الناس، ولا غالبيتهم عندما أقام سلطانًا للإسلام في المدينة، بل كانت المدينة فيها يهود ونصارى ووثنيون ومسلمون. واليوم الناس في جملتهم مسلمون، فإن كان هنالك دخن في عقائد بعض الناس، أو انحراف، أو نحو ذلك، فإن أصحاب العقائد الصحيحة هم كثر، فواجبهم أن يعملوا لإقامة الخلافة، ثم إن الناس لم تفسد عقائدهم، ولم ينحرفوا عن جادة الطريق، إلا عندما فقدوا الراعي والدولة التي تقوم على أساس عقيدة الإسلام، فالخلافة حارسة الدين، وحامية العقيدة، فالأولى العمل لإيجادها؛ لأن واقع الأمة اليوم، وما ألم بها كله مظهر من مظاهر غيابها. فكيف بالذين يشتغلون بالنوافل عن هذا الفرض العظيم، مثل الذين يشغلون أنفسهم ببناء المساجد، أو أداء عمرة نافلة أو حج نافلة، أو غير ذلك من الأعمال التي تعتبر من المندوبات، فالانشغال بالنوافل ولو كثرت، لا يسقط عنا إثم عدم التلبس بالسعي لإقامة الخلافة وتنصيب خليفة.
أما الذين يقولون إن الطريقة التي يسلكها حزب التحرير لإقامة الخلافة غير صحيحة، فنقول لهم هذا اجتهاد حزب التحرير في الطريقة، فدلونا على طريقة أخرى باجتهاد صحيح نتبعه، والحالة أن لا أحد اجتهد في طريقة إقامة الخلافة بعد سقوطها غير الشيخ الجليل العالم تقي الدين النبهاني،رحمه الله، بل لم يجتهد بعده أحد في الطريقة، فإن الواجب والحال أن الخلافة فرض وقتها مضيق أن نعمل بالطريقة التي توصل إليها الشيخ النبهاني باجتهاد صحيح، فإن علماء الأمة الثقاة قد قالوا إن من بلغ رتبة الاجتهاد، ولم يدرِ كيف يقوم بالفرض المضيق، فلا عذر له بالاجتهاد في كيفية أدائه، إن فات وقته المضيق، فعليه أن يقوم به، ويقلد من سبقه إلى الاجتهاد في طريقة أدائه، ولو كان في نظره مخطئًا، كي لا يفوته الفرض، ويقع في المعصية، وهذا قول كبار أئمة أصول الفقه، مثل السبكي والآمدي وابن دقيق العيد. عليه فإن الاجتهاد فيما تم الاجتهاد فيه، وأعطي فيه حكم، يكون نافلة، لا إثم في تركه، وإنما الإثم في ترك الفرض، ويترتب على ذلك أن ترك التلبس بالعمل لاقامة الفرض بحجة الانشغال بالاجتهاد في طريقة القيام به، تضييع لهذا الفرض المضيَّق، كالانشغال في تعيين اتجاه القبلة عند الشروع في أداء فرض مضيِّق كصلاة الجمعة مع وجود من اجتهد في تعيينها- أي القبلة- حتى فات وقت الجمعة، فيكون بذلك آثمًا، فلا مجال لمسلم اليوم أن يقعد عن القيام بحمل الدعوة لاستئناف الحياة الإسلامية، بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، حتى تقوم بإذن الله، وحوله، وقوته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
2017-05-14