العدد 366-367 -

السنة الواحدة والثلاثون – رجب / شعبان 1438 هـ – نيسان / أيار 2017 م

خطورة الموقف التركي أردوغان في خدمة المشروع الأميركي

خطورة الموقف التركي

أردوغان في خدمة المشروع الأميركي

عصام الشيخ غانم

لقد نقل أردوغان تركيا خطوات متقدمة في خدمة أميركا وسياستها، واستخدم موارد البلاد لأجل ذلك، وقد كان من البراعة بحيث ألبس أعماله لباس المسلمين ودعم الحركات الإسلامية –الإسلام المعتدل-، والأدهى من كل ذلك أن قسمًا من المسلمين قد صدّقه ووالاه. وهذا يذكرنا بقدرٍ ما بما كان يقوم به رئيس مصر عبد الناصر، فقد كان يلهب الجماهير، وتوهم وسائل إعلامه الناس بأن السمك يتجهز لأكل اليهود، فصدقه الناس وصفقوا وانقادوا له، فجرّ الأمة من هزيمة 48 إلى هزيمة 67، وزادت انتكاسة الأمة وتعاظمت خيبة أملها.

واليوم قد عاد أردوغان، وإن بقدر أقل، يظهر نفسه زعيمًا اسلاميًا ليلقى ما يلقى من القبول عند بعض الناس، في دورة جديدة من الانتكاسات كما يحصل في سوريا، لتستفيق الأمة بعد ذلك وقد نقلها أردوغان من انتكاسة بشار ونظامه إلى انتكاسة تسليم حلب، وتستمر المسيرة نفسها لتزيد من إعادة الأمة إلى الوراء، وحتى نلمس هذا الوضع الخطر لا بد من وضع الإصبع عليه أولًا، ونعرضه على ديننا إن كنا مؤمنين، ثم نتخذ من المواقف ما يبعدنا عن السقوط في حفر أردوغان التي يحفرها مع المخابرات الأميركية للمسلمين.

وقبل ذلك نقول بأن المؤمن يجب أن يكون كيِّسًا فطِنًا، فلا يخدع بالكلمات الفارغة، بل يراقب كلام القادة ويرى مدى انطباقها على الواقع إن كانوا صادقين، فمجرد الكلام لا يغني من الحق شيئًا، ألا ترون مثلًا أن زيارة نتنياهو لواشنطن 2017م قد أكدت دعم إدارة ترامب لكيان يهود، وكذلك زيارة عباس لواشنطن قد أكدت هي الأخرى دعم أميركا للفلسطينيين، ففي الزيارتين سمع الكثير من الكلام الديبلوماسي الجيد، ولكن في حقيقة الأمر فإن أميركا بكافة إداراتها تقف خلف كيان يهود بصلابة، ولا قيمة لأي كلام صادر عن واشنطن بدعم الفلسطينيين. وقد قال أردوغان في بداية الثورة السورية بأنه لن يسمح بحماة ثانية، فكان كلامًا جيدًا، ولكنه كلام خدّاع تمامًا ككلام عبد الناصر عن يهود وفلسطين، وإذا كان المسلم كيِّسًا فطِنًا فله أن يتسائل مع طول سنوات الثورة السورية: ماذا فعل أردوغان لحماية الشعب في سوريا من مجازر بشار؟ وسيكون الجواب مروِّعًا! إذ إن أردوغان لم يفعل شيئًا، وها هو نظام الإجرام في سوريا قد جلبت أميركا له الدعم من الدول البعيدة إيران وروسيا، ولكن أردوغان الجاثم على حدود شمال سوريا لم يتقدم خطوة واحدة لحماية الناس من جرائمه. بل إن الكثير من قذائف النظام المجرم قد طالت الأراضي التركية، بل وقتلت أتراكًا دون أن يظهر من أردوغان إلا الكلام.

إن ما يقوم به أردوغان يرقى إلى درجة استغباء الناس! وإلا فكيف يفسر المفسرون أنه عندما قرر استئناف كامل العلاقات مع كيان يهود سنة 2016م، استدعى زعيم حركة حماس خالد مشعل واجتمع معه في أنقرة. وكأنه يريد أن يقول للشعب التركي إن حركة حماس تؤيد هذه الخطوة التركية في إعادة كامل العلاقات مع كيان يهود. وإلا فما معنى هذه الخطوة؟ ولا يجوز النظر إلى الخطوات السياسية بسذاجة، فالساذج في المسائل السياسية هو من يسحق تحت الأقدام، إذ لا رحمة عند دول الكفر كأميركا فيما تدفع به أتباعها كأردوغان، ولا تقيم وزنًا إلا لمدى تحقيق مصالحها. ومن لا يفقه هذه الحقائق فقد وضع نفسه تحت الأقدام للسحق. وهذا ما تفعله الكثير من حركات ما يسمى بالإسلام المعتدل والتنظيمات السورية مع أردوغان.

وتجدر بنا هنا الإشارة إلى هدم محمد عليه الصلاة والسلام لمسجد الضرار في المدينة، فلو نظر أحدنا إلى هذا الفعل بسذاجة، سيجد أن الرسول الكريم قد هدم مسجدًا يعبد فيه الله! وبهذه النظرة الساذجة سيرفض هذا الفعل! ولكن عندما يدرك أن ذلك المسجد بني على النفاق وللصد عن دين الله، فإنه يدرك تمامًا أهمية ودقة هذا العمل. صحيح أن المسلمين لا يناقشون كثيرًا في هذا الفعل باعتبار التسليم بما قام به سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، ولكن سذاجة النظرة عند كثير من المسلمين تدفعهم إلى رؤية الوجه الإسلامي لأردوغان (كما ذكرنا عن وجه عبادة الله في مسجد الضرار)، ولا تدفعهم لرؤية النفاق، ولا يتساءل هؤلاء عن بعض الحقائق التالية عن أردوغان:

لماذا يستمر هذا «الزعيم المسلم» في إقامة العلاقات الديبلوماسية والعسكرية مع كيان يهود مع شدة عداء الأخير للإسلام والمسلمين قولًا وعملًا، تقتيلًا وهدمًا وإجرامًا في غزة والضفة والقدس، بل وأينما تطول يد يهود؟ أليس هذا وحده كافٍ للحكم على نفاق أردوغان، أي معاملته كمعاملة مسجد الضرار؟!.

لماذا لا يحكم أردوغان بالإسلام؟ ولماذا يبقي على أحكام الكفر العلمانية؟ وهل تنقصه القوة، فالجيش طوع يديه، والشعب مؤيد له، والبرلمان لحزبه فيه أغلبية مطلقة وقادر على قلب القوانين رأسًا على عقب! وإذا كان البعض «يلهي نفسه» بفكرة التدرج، فيا ترى خلال سنوات أردوغان في الحكم منذ 2003م إلى اليوم كم هي أحكام الإسلام التي طبقت في تركيا، أو ما هي نسبتها؟ سيجد هذا «الذي يلهي نفسه» بأن تلك النسبة صفر، إذ لم يشرع البرلمان التركي أي تشريع من الإسلام. بل وسيجد أكثر من ذلك، فقد ذكرت بي بي سي 27/8/2016م: (وقررت الحكومة التركية السماح، اعتبارًا من السبت، للشرطيات بارتداء الحجاب الإسلامي تحت غطاء الرأس الرسمي، على أن يكون من نفس لون البدلة الرسمية، وألا يحتوي على أي نقوش) علمًا بأن نظام السيسي وباقي الأنظمة العربية تسمح بارتداء الحجاب منذ وقت طويل، أي أن «الزعيم المسلم» أردوغان متخلف كثيرًا حتى عن السيسي في التوجهات الإسلامية.

في زيارته لمصر بعد فوز الإخوان المسلمين برئاسة مصر (دعا رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان المصريين إلى وضع الدستور استنادًا إلى مبادئ الدولة العلمانية، وكان أردوغان دعا، أثناء لقائه في برنامج حواري على إحدى الفضائيات، المصريين إلى صياغة دستور يقوم على مبادئ العلمانية) قناة العالم 14/9/2011. وأمام هذه الدعوة الصريحة لعدم انتهاج الإسلام في الحكم، فهل بقي لعاقل أن يقول بأن أردوغان «نموذج إسلامي» أم أنه نموذج حي في النفاق، يدعو المسلمين للبعد عن الإسلام والتقرب من العلمانية. وهل فكر هؤلاء المسلمون المنخدعون به بأن قول الله تعالى ينطبق عليه أم لا (إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) 140 النساء، وإذا كان ينطبق عليه فما هو الموقف الواجب منه؟

لماذا يسمح «الزعيم الإسلامي» للطائرات الأميركية بقصف المسلمين في سوريا انطلاقًا من قاعدة إنجرليك التركية (أعلن مسؤولون أميركيون كبار الخميس أن تركيا وافقت على السماح للولايات المتحدة باستخدام قاعدة إنجرليك الجوية جنوبي البلاد في شن غارات على تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا مما سيعزز قدرات التحالف الدولي العسكرية الذي تقوده واشنطن. وقال المسؤولون إن الرئيس الأميركي باراك أوباما ونظيره التركي رجب طيب أردوغان عقدا الاتفاق خلال مكالمة هاتفية) الجزيرة نت 24/7/2015. علمًا بأن الغارات الأميركية قد شملت تنظيم الدولة وجبهة النصرة وأحرار الشام وتنظيمات أخرى، فكيف لـ «زعيم إسلامي» أن يسمح للكفار بقتل المسلمين؟ ويقدم لهم التسهيلات؟!.

مضيق البوسفور والدردنيل هي المعابر الرئيسية التي تستخدمها روسيا لإمداد قواتها في سوريا بالسلاح والذخائر، وقبل مشاركتها المباشرة كانت عبر هذه المعابر البحرية تمد نظام بشار المجرم بما يلزم من سلاح وذخيرة لقتل المسلمين في سوريا. وبما أن «الزعيم الإسلامي» لا يسمح بـ«حماة ثانية» فلماذا يسمح بمرور آلة الموت الروسية عابرة قلب مدينة إسطنبول التي تشطرها القناة إلى جزئيها الأوروبي والآسيوي؟ ربما سيقول البعض بأن هناك اتفاقات دولية لهذه المعابر ولا تستطيع تركيا خرقها! وهؤلاء العجزة الذين يتخذون من ذلك سبيلًا لاقناع أنفسهم لا يدركون بأن تركيا هي من وقعت هذه الاتفاقية، وهي تستطيع تعديلها بل وتستطيع إغلاق المعابر في وجه روسيا، وهؤلاء لا يدركون معنى الحكم. فسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام رفض أن تنصره قبيلة بني شيبان على شرطها «دون أنهار كسرى»، مع شدة حاجته للنصرة قبل أن يهاجر إلى المدينة المنورة، فكان شرط بني شيبان بسيطًا، وهو قتال كل من يأمر بقتاله محمد عليه الصلاة والسلام إلا دولة فارس التي بينها وبينهم عهود! فهل يقول هؤلاء بأن سيدنا محمدًا عليه الصلاة والسلام كان متطرفًا عندما رفض نصرتهم؟ أم أنه لم يلتزم بالاتفاقات الدولية بين بني شيبان ودولة فارس، ودعا إلى خرقها.

إن النقاط الأربعة المذكورة ما هي إلا قطرات من بحر نفاق أردوغان، وأن الإسلام والحكم بما أنزل الله ليس له وزن عنده أبدًا، فالوزن كل الوزن لما تريده أميركا والغرب، فهذا عنده ثقيل، وأما آيات الله ونصرة المسلمين فهي من أخف الأوزان ولا قيمة لها في ذهنه وأفعاله، وهو يتستر أحيانًا بالأقوال، وهذا واقع المنافقين الذين يظهرون الوقوف بجانب أهل الايمان مع أنهم في الصف المعادي لهم. وهل يظن المسلم الذي ينظر بإيجابية إلى أردوغان أن نظرته الإيجابية هذه ستعلي من مقامه في الآخرة؟ أم أنها ستكون سببًا في خسارته أعماله الصالحة أو بعضها؟ أم أن ذلك لا يخطر بباله حتى يأتيه الكتاب!.

وحتى نتبين خطورة السياسة التي يقوم بها أردوغان في خدمة أميركا علينا النظر في سياسته لسوريا، بوصفها النقطة الأكثر التهابًا في العالم:

احتوت سوريا على مخاطر إسلامية هائلة على أميركا، تمثلت بالحالة الإسلامية للثورة، والمطالبات الصادقة والجادة بتحكيم شرع الله، وأنها لم تكن كباقي الثورات مثل مصر وليبيا وتونس التي سرعان ما سيطر عليها الغرب، فاحتاجت أميركا إلى تشغيل كل أدواتها لحرب الثورة السورية، فدفعت إيران وروسيا لاستئصالها بسخونة، ودفعت السعودية وتركيا لاستئصال خطورتها ببرودة، وهو ما يسمونه سياسة الاحتواء، فكانت أميركا تدفع بجهات للحرب، وجهات لمناصرة الثورة بالاسم كتركيا والسعودية وإغراق الثوار بالدولارات على نظرية «إذا أردت أن تجهض ثورة فافتح عليها نافورة الأموال لتخريبها»، وهذا ما قامت به تركيا أردوغان، وقد بدأت تركيا خدمتها لأميركا على الساحة السورية على النحو التالي:

أولًا: في تركيا كان السفير الأميركي لسوريا فورد يقوم بتنظيم مؤتمرات لتوليد قيادة للثورة. وكانت أميركا تريد من وراء ذلك خلق قيادة عميلة لها لتسمى قيادة الثورة السورية، ويتم إبرازاها وتلميعها عبر فتح المحطات الفضائية لها واستقبال الرؤساء والملوك لها، على أمل أن تصبح قيادة للشعب السوري الثائر. وفي كل خطوة من خطوات أميركا على هذا المسار كانت تركيا هي الأداة، فهي المنظم للمؤتمرات، وهي من يغطي تكاليف السفر والفنادق عن المعارضة السورية التي عرفت بمعارضة الفنادق، وتعين تركيا في ذلك باقي أدوات أميركا كالسعودية. وبالمجمل فقد نشطت تركيا مع أميركا وبشكل مكشوف لايجاد معارضة سورية يتم إظهارها على أنها قيادة للثورة السياسية، فتم توليد المجلس الوطني السوري، ومن ثم توليد الائتلاف، وحكومة المنفى، وأخيرًا هيئة التفاوض التي نشاهدها في جنيف اليوم.

ثانيًا: على الصعيد العسكري، كانت تركيا تستدعي الضباط المنشقين عن نظام بشار للقاء وكالة الاستخبارات الأميركية في تركيا، فكان نشاط الوكالة الأميركية في تركيا كبيرًا خاصة في سنوات (2011، 2012، 2013)م، وبالتأكيد فإن تلك المخابرات لم يكن بمقدورها الاتصال بالسوريين لولا الخدمات الجليلة التي قدمتها لهم مخابرات «الزعيم الإسلامي» أردوغان. وكانت هذه الأنشطة المخابراتية تنتج هيئات مثل القيادة العسكرية للثورة السورية، والمجلس الأعلى للقيادة العسكرية، وأخيرًا هيئة الأركان العسكرية، وكل هذه الهيئات المصنوعة مباشرة من المخابرات التركية والأميركية تحاول أخذ قيادة الفصائل داخل سوريا، وكانت تتخذ لتحقيق ذلك الدعم المالي الذي توفره تركيا. فتحت الإغراء بالملايين ودفع رواتب عناصر الثوار أخذ الكثير من قيادات التنظيمات بالتقاطر على تركيا لبناء العلاقات مع مخابراتها ومع CIA، وقد أثمرت هذه الجهود المخابراتية لتركيا بناء شبكة من قيادات الألوية والكتائب في الثورة السورية المتعاملة معها، وبعض تلك القيادات من ذوي التفريط الشديد أمام «مزراب» الملايين قد أصبحت عميلة للمخابرات الأميركية بشكل مباشر وتأتمر بأوامرها، وأما أصحاب التفريط المتوسط فقد أصبحوا عملاء للمخابرات التركية التي تمدهم بأوامر أميركا بشكل غير مباشر. وبالمجمل فإن الكثير من القيادات السورية التي كان يشتم منها رائحة «المرونة» أو «الإسلام المعتدل» قد سقطت في عمالة المخابرات التركية، وربما بعضها مع المخابرات الأميركية مباشرة.

وقد فضح موقع (روسيا اليوم) في 1/4/2017م هذه العلاقات، فذكر (أبلغت «غرفة العمليات العسكرية» التي تديرها وكالة الاستخبارات الأميركية «سي آي أي» جميع فصائل المعارضة السورية، التي تعتبرها «معتدلة» بوجوب الاندماج في كيان واحد. ونقلت صحيفة «الحياة» عن من وصفته بـ «قيادي معارض» قوله، إن مسؤولين في «غرفة العمليات العسكرية» جنوب تركيا، أبلغوا قياديين في فصائل مدرجة على قوائم واشنطن للدعم المالي والعسكري بـ «وجوب الاندماج في كيان واحد برئاسة فضل الله حاجي القيادي في فيلق الشام قائدًا عسكريًا للكيان الجديد، مقابل استئناف دفع الرواتب الشهرية لعناصر الفصائل وتقديم التسليح، بما فيه احتمال تسليم صواريخ تاو أميركية مضادة للدروع». وأضافت الصحيفة أن القرار يشمل فصائل تنتشر في أرياف حلب وحماة واللاذقية ومحافظة إدلب، بينها «جيش النصر» و»جيش العزة» و»جيش إدلب الحر» و»جيش المجاهدين» و»تجمع فاستقم» والفرقتان الساحليتان، مضيفة أن هذه الخطوة قد ترمي إلى قتال «هيئة تحرير الشام» التي تضم تنظيمات بينها «فتح الشام».وقال القيادي، الذي لم تذكر الصحيفة اسمه: «سي آي أي فرضت الاندماج على المشاركين، ولم يبق أمامنا سوى القبول بها»).

وأما الجزيرة  والتي تتستر على هذه العلاقات، لأن دولة قطر نفسها تنخرط مع تركيا والأردن في تخريب الثورة السورية، فقد ذكرت الجزيرة الخبر ولكنها لم تذكر أن تشكيل هذا الكيان الجديد لفصائل ملتقى الخيانة في أستانة كان بطلب من المخابرات الأميركية.

ثالثًا: أنشأت أميركا غرف التحكم بمسار الثورة السورية في الأردن وتركيا «الموك» و»الموم»، وكان الهدف من هذه الغرف السير بالأعمال العسكرية إلى الدائرة المفرغة في الساحة السورية. وأشهر ما نتج عن هذه الغرف ما يعرف بـ «الخطوط الحمراء» وأصبحت التنظيمات التي تنسق عملها مع هذه الغرف الأميركية، وهي تلك التنظيمات التي تتلقى الدعم التركي والسعودي والأردني، ممنوعة من القتال في دمشق والساحل وأي بلدة أخرى مسيحية أو علوية أو شيعية. وأما التنظيمات التي لم ترتبط بهذه الغرف فصار يطلق عليها وصف «التنظيمات الإرهابية»؛ لذلك أصبحت الثورة في سوريا تدور في حلقة مفرغة دون أن تقترب من دمشق أو الساحل.

رابعًا: عندما أصبح ارتباط هذه التنظيمات بهذه الغرف الأميركية كبيرًا، طلبت منها أميركا أن تحارب «الإرهاب»، أي ترك محاربة نظام بشار والتوجه لمحاربة تنظيم الدولة والنصرة. وبالأخطاء الكثيرة المتراكمة من تنظيم الدولة فقد وجدت تلك التنيظمات العميلة لغرف الموك والموم حجتها للانتقال إلى حرب تنظيم الدولة، ولكن لم تجد حجة لحرب جبهة النصرة، أو أنها صارت تخلط بين حرب التنظيم وحرب النظام، ولكن حصرًا في إطار «الدائرة المفرغة» أي حسب ما تسمح به تلك الغرف الأميركية المشرفة على الدعم المالي، وعلى شيء يسير من الدعم العسكري، وهكذا اندلع الاقتتال الداخلي المحرم بين الثوار أنفسهم، وبدأ نظام بشار يتنفس الصعداء.

خامسًا: ولما كانت الثورة السورية تحتوي الكثير من الفصائل المخلصة التي لم تسقط في براثن غرف الموم والموك، فإن أميركا كانت بحاجة لضرب الثورة السورية ضربة موجعة، وقد تزامن ذلك مع قرب انتهاء ادارة أوباما التي تريد أن تنهي حكمها بشيء من الإنجاز، فقامت أميركا بالضغط على «الزعيم الإسلامي» ليضغط هو الآخر بدوره على الفصائل الموالية له ولمخابراته بدرجة أكبر. إذ كانت التنظيمات المخلصة تشدد من حربها لفك الحصار عن شرقي حلب، فأرادت أميركا أن تخرج تركيا الفصائل الموالية لها من ساحة المعركة خارج حلب حتى لا تنجح محاولات فك الحصار. وعندها والمعارك على أشدها حول حلب، أعلن «الزعيم الإسلامي» أردوغان 24/8/2016م عن عملية «درع الفرات» لقتال تنظيم الدولة، وأخذت القوات التركية تعبر الحدود إلى مدينة جرابلس شمالي سوريا بصحبة مئات من مقاتلي «المعارضة المعتدلة» المتواجدين على الأراضي التركية، أي الذين تم تجهيزهم لهذا الغرض، وربما ظن بعض السذج أنها قادمة لفك الحصار عن حلب، ولكن ذلك كان أبعد ما يكون عن تفكير «الزعيم الإسلامي».

أخذت تركيا تطلب بضغط شديد من الفصائل الموالية لها، أي التي يقتات قادتها على أموالها، وتوفر لهم تركيا المأوى والفنادق بمشاركة تركيا عملية «درع الفرات» ضد تنظيم الدولة، وأخذت هذه الفصائل تنسحب من حول حلب وتغادر إلى جبهة تركيا في جرابلس، فذكرت روسيا اليوم  25/8/2016م بأنه تم ردفهم بألف مقاتل من («فرقة الحمزة» و«فيلق الشام» و«السلطان مراد» و«حركة أحرار الشام» و»حركة الزنكي» و«جيش التحرير» و«صقور الجبل» و«الجبهة الشامية») (روسيا اليوم 25/8/2016) منسحبين من جبهة جنوب غرب حلب بناءً على الأوامر التركية، وتحدثت الأنباء عن أن مجموع قوات الجيش الحر التي تشارك الآن في «درع الفرات» بلغ خمسة الآف مقاتل. وكان من أولى نتائج عملية «الزعيم الإسلامي» أردوغان «درع الفرات» في إضعاف جبهة حلب، أن تمكنت قوات المجرم بشار مدعومة من روسيا وإيران من إعادة احتلال الراموسة جنوبي حلب ومنطقة الكليات العسكرية، أي إعادة إطباق الحصار على شرقي حلب.

سادسًا: وبعد هذا النجاح الكبير لـ«الزعيم الإسلامي» أردوغان، فقد رأت أميركا أنه يمكنها الآن توجيه ضربة أكثر قسوة للثورة السورية، فطلبت من أردوغان الضغط على الفصائل الموالية له للانسحاب من داخل حلب، وهذا ما قام به، فقد مارس ضغطًا شديدًا على تلك الفصائل حتى أجبرت على تسليم أكبر مدينة مع الثوار للنظام، فقد أعلنت قناة روسيا اليوم 16/12/2016م «وذكر رودسكوي أن قرابة 3500 من مسلحي المعارضة المعتدلة ألقوا سلاحهم واستسلموا، وتم العفو عن 3 آلاف منهم.»، أي توفير ممر لهم للخروج من حلب لأنهم من جماعة أردوغان، وبدل أن يهبَّ «الزعيم الإسلامي» لإنقاذ حلب، وجيشه في ريفها الشمالي، فقد أعلن أردوغان عن فتح المستشفيات التركية لجرحى حلب، وإذا أضيف إلى ذلك الأنباء عن سيطرة فصائل مخلصة داخل حلب على مقرات لفصائل أخرى ومخازن أسلحة تركتها خلفها دون قتال؛ فإن ذلك يدل بشكل كبير على أن تلك الفصائل قد استجابت للتخذيل التركي، وانصاعت لضغط تركيا المباشر أو عبر الوفد المفاوض أو عبر القيادات العسكرية والسياسية لها القابعة في تركيا، والتي تمرغت في المال القذر المسموم المقدم من تركيا والسعودية. ولما تخلت تلك الفصائل عن القتال في حلب، سواء أغادرتها في مشهد تسليم أنفسهم للجيش بضمانات تركية، أم بالانسحاب إلى الخلف في مشهد الهزيمة وتخذيل البقية الباقية من الفصائل خاصة جنوب حلب، فإن عملية تسليم حلب قد وقعت فعلًا. ولولا هذه المشاهد لما تمكن جيش المجرم من السيطرة السريعة على حلب، قلعة الثورة في الشمال السوري والشوكة الكبرى في حلق أميركا، إذ كانت تقديرات العسكريين تشير إلى قدرة المقاومة في حلب على الصمود لعام كامل. وما يؤكد ذلك أيضًا ما نشرته (اليوم الجديد) عن تلك الفصائل الموالية لتركيا 7/12/2016م: (بل واتجهت -الفصائل في حلب- للمرة الأولى إلى إلقاء المنشورات على المدنيين في حلب تطالبهم بترك المدينة والنجاة من الموت، ونقلت صحيفة «نيوزويك» الأميركية نص هذه المنشورات: «إذا لم تتركوا هذه المناطق سريعًا فسوف تُبادون، أنقذوا أنفسكم، فالجميع ترككم لتواجهوا الموت المحتم».، وكذلك ما ذكرته (آسيا نيوز) 7/12/2016م: (ونقلت صفحات المعارضة تسريبات عن قادتها، وصفتها بأنها «خيانة بحق الثوار» حيث تمّ تأكيد خبر إجراء بعض قادة الفصائل المسلحة في حلب محادثات مع واشنطن للاستسلام وإخلاء كامل المدينة، ابتداء من صباح الأربعاء، ما وصفوه على صفحاتهم بأنه « اتفاق روسي أميركي أرغم القادة على تسليم حلب للحكومة السورية وإيران» حسب تعبيرهم.)

وعلى جانب عسكري آخر وبموازة الحملة المسعورة للنظام وروسيا وايران في حلب، فقد أخذت تركيا تدشن حملة أخرى في مدينة الباب ضد تنظيم الدولة، وهو السم الآخر الذي نفثه «الزعيم الإسلامي» أردوغان لإنجاز تسليم حلب، وذلك لأنه كان بذلك يوجد المبرر والداعي لضرورة تسريع خروج المقاتلين من حلب لحاجته إليهم في مدينة الباب بالتزامن التام مع الحملة المسعورة على حلب. فحماية المسلمين في حلب والدفاع عنهم لا تساوي شيئًا في عرف «الزعيم الإسلامي» أردوغان الذي رضي أن ينحط إلى هذه الدرجة من الرخص في تنفيذ مشاريع أميركا. ومع شدة التخذيل التركي للفصائل الموالية لها، وضغطها الشديد للالتحاق بمعركة الباب في «درع الفرات» فقد وجد المخلصون أنفسهم في وضع أضعف حول حلب، دون أن يمتلكوا من القوة ما يكفي لنجدة إخوانهم داخل المدينة المحاصرة.

ثامنًا: وبهذه الانسحابات وقبلها عمليات التسليم في شمال المدينة، فقد ضاقت الأحياء المتبقية تحت سيطرة الثوار حتى انحسرت في الجنوب الغربي كأجزاء من صلاح الدين والسكري في مساحة ضيقة بعد أن تكدَّس فيها أعداد كبيرة من المدنيين الفارين من الأحياء الأخرى. وهنا وبصدمة لا تقل ترويعًا، فقد أعلنت تركيا عن توصلها لاتفاق مع روسيا لإجلاء المسلحين والمدنيين من حلب. (وأكدت مصادر في المعارضة السورية، أنه تم الاتفاق مع نظام الأسد على وقف إطلاق النار وإخلاء الأحياء المحاصرة في شرق حلب من المدنيين والمسلحين، وأن التنفيذ سيبدأ صباح الأربعاء. ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن المسؤول في جماعة نور الدين الزنكي قوله، إن الاتفاق جرى برعاية روسية تركية، وسيبدأ تطبيقه خلال الساعات القادمة. وأعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن بلاده ستكثف اتصالاتها مع روسيا للتوصل إلى وقف إطلاق النار في حلب، خاصة لإفساح المجال للمدنيين كي يغادروا.) أخبار الآن 13/12/2016. وأما الثمن الذي ناله أردوغان لقاء تسليمه حلب، فقد ظهر فقط ببضع كلمات رخيصة من أوباما (عبَّر الرئيس أوباما عن شكره للرئيس أردوغان لجهود بلاده في التوسط في وقف إطلاق النار في حلب للسماح بالإخلاء الآمن للمعارضة والمدنيين). موقع وزارة الخارجية الأميركية تويتر 16/12/2016.

وبهذا تتضح الفصول المتعاقبة لخدمات «الزعيم الإسلامي» أردوغان ومخابراته لأميركا في تصفية الثورة السورية عبر سنواتها الطوال. وكيف أن تركيا سارت مع أميركا خطوة خطوة في محاولات أميركا الإمساك بعصب الثورة في سوريا، فكانت محاولات الاحتواء والاتصالات والربط بغرف المخابرات الأميركية، وكانت تستخدم لأجل أميركا سياسة الصب بملايين الدولارت من خزينة الدولة، بدل أن تنفقها لدعم الثورة، وكانت الكثير من هذه الأموال تذهب إلى حسابات شخصية للقيادات السورية العميلة، وكانت تركيا تعلم ذلك وتشجعه، إذ لا يمكن بناء العملاء دون إسقاطهم، وحتى لو كانت الأموال تذهب كرواتب للثوار بشكل شريف؛ فإن الضغط على تلك القيادات سيكون صعبًا، إذ لا يكون الضغط سهلًا وممكنًا إلا بعد عمليات الإسقاط.

وبعد فشل سياسة الاحتواء بسبب المخلصين الكثر في الثورة السورية، حتى داخل تلك الفصائل التي يوالي قادتها تركيا، فقد انتقلت تركيا أردوغان مع أميركا خطوة أخرى لحمل هذه الفصائل على ترك القتال ضد نظام بشار والتوجه للاقتتال الداخلي المحرم في عملية أردوغان «درع الفرات»، ثم انتقلت خطوة أكثر خطورة، أي تسليم حلب للنظام المجرم، وجر الثوار إلى ملتقى الخيانة في أستانة عاصمة كازاخستان، فقبل قادة الفصائل المشاركة أن يكون أعداؤهم إيران وروسيا هم الضامنون لوقف إطلاق النار.

وكان وقف إطلاق النار الذي يشرف عليه «الزعيم الإسلامي» أردوغان جنبًا إلى جنب مع المجرمين الروس معناه أن النظام وروسيا وايران لا يطلقون النار على الفصائل السورية المشاركة في العملية التركية «درع الفرات»، بينما يواصلون «الحرب على الإرهاب»، أي قتال الفصائل الأخرى التي لم توافق على وقف إطلاق النار، فكانت تركيا تجر تلك الفصائل حتى يتمكن النظام وحلفاؤه روسيا وإيران من القضاء على الثورة السورية فصيلًا فصيلًا تحت تسميات «محاربة الإرهاب»، فالفصائل الموالية لتركيا توقف النار، والنظام يركز على قتال الفصائل الأخرى.

ودفعت أميركا بـ «الزعيم الإسلامي» أردوغان للتنسيق الكامل مع روسيا في سوريا، فبعد أن طلبت منه الاعتذار لها على حادث إسقاط الجيش التركي للمقاتلة الروسية في 24/11/2015م، بدأت عملية التنسيق الكامل لضرب الثورة السورية، وكان أردوغان يتولى قيادة الفصائل التابعة له حتى أوصلها إلى ملتقى الخيانة في أستانة. فمفاوضات أستانة قد جرّت الفصائل المشاركة خطوة أخرى لإجهاض الثورة السورية بموافقتها على حرب فتح الشام (جبهة النصرة) بالإضافة إلى حرب تنظيم الدولة، وكان هذا أحد بنود البيان الختامي للدول الثلاث الضامنة (روسيا وتركيا وإيران). وهذا تطور أكثر خطورة يبين مدى الانحطاط الذي تدفع تركيا بالموالين لها على الساحة السورية. ولتأكيد هذا التوجه فقد أعلنت تركيا تنظيم فتح الشام (جبهة النصرة) منظمة إرهابية (قال مصدر في وزارة الخارجية التركية، إن تركيا تعتبر كلًا من تنظيم داعش وجبهة النصرة التي تعرف الآن باسم جبهة فتح الشام، جماعتين إرهابيتين، وتتصرف وفقًا لذلك). رويترز 26/1/2017م، وهذا الإنجاز الخطير لمفاوضات أستانة يدل على أن السياسة الأميركية قد صارت تحرز تقدمًا على مستوى احتواء بعض الفصائل في سوريا بسبب إخلاص تركيا أردوغان لها.

يظن المنافقون أنهم ناجحون، وهم لا يلتفتون لما يتوعدهم الله به من درك أسفل في النار، فهذا أبعد ما يكون عن أذهانهم، خاصة وأن بعض العلماء ممن باع دينه بعرض من الدنيا قليل، يزينون لهم أعمالهم، فيظن هؤلاء المنافقون أنهم على طريق صحيح، ويخفون ما في صدورهم من خيفة أميركا وتقديرها والإخلاص الشديد لها دون الله تعالى، ولكن الله تعالى لهم بالمرصاد في الدنيا قبل الآخرة.

فهذا «الزعيم الإسلامي» أردوغان يتمكن من استجلاب العلماء، فتنعقد على أرض تركيا المؤتمرات «الإسلامية»، ويجتمع مع قيادات من حركات إسلامية خاصة تلك التي توصف بـ «الإسلام المعتدل» ويتخذ من الأقوال ما يرضي بها الناس، وهو خادعهم، ولكن الله يركسه على عدة صعد:

الأول: في سوريا فقد استفاق الثوار بعد تسليم حلب واكتشفوا ألاعيب تركيا أردوغان، فدبت الانشقاقات في الفصائل الموالية له لتصبح فصائل ثانوية بعد أن انشق عنها المخلصون فيها، وبذلك يقوي الله شوكة المخلصين في الثورة السورية، ويتقلص نفوذ القيادات والفصائل التي تشرب وتأكل من فضلات أردوغان.

ثانيًا: إن أميركا أشد معاقبةً لعملائها المخلصين ولا تكترث بهم، فكلما زاد إخلاص عميلها زادت به استهتارًا. فقد كان «الزعيم الإسلامي» يتبجح بأنه بعد معركة الباب سينطلق إلى معركة الرقة، (وقال أردوغان في كلمة الخميس 27 أكتوبر/تشرين الأول «حررنا جرابلس، والآن أهلها يعودون إليها… هدفنا القادم مدينة الباب… تنظيم «داعش» سيغادرها كذلك. وبعدها سنتجه نحو منبج والرقة») روسيا اليوم 27/10/2016، أي يقول لأميركا بأني مستمر في خدمتكم بسفك دماء المسلمين في منبج والرقة بعد الباب، ولكن أميركا أركسته، ودعمت الفصائل الكردية، وأرسلت قواتها مباشرة للفصل بين الجيش التركي وفصائله السورية «درع الفرات» وبين الأكراد في مدينة منبج. فقد ذكرت بي بي سي 6/3/2017م: (أعلنت وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» أن الجيش الأميركي نشر عددًا من جنوده في مواقع غربي بلدة منبج الواقعة شمالي سوريا لمنع أي اشتباك بين القوات التركية من جهة والقوات السورية المدعومة من روسيا. وقال المتحدث باسم البنتاغون جيف ديفيز إن «الجنود الأميركيين انتشروا في البلدة لمنع احتكاك القوات الموجودة هناك، وطمأنة تركيا إلى أن البلدة تخضع لجماعات مسلحة معارضة عربية تسمى المجلس العسكري لمنبج») أي أن أميركا قد استغنت عن خدماته في سفك دماء المسلمين، وتريد الآن خدمات الأكراد، لذلك أغلقت الطريق عليه، ووضعت قواتها حتى لا تسوِّل له نفسه ولفصائله السورية الاقتراب من الأكراد المدعومين منها، وطلبت منه الوقوف بانتظار أوامر أخرى، فأعلنت تركيا على لسان رئيس الوزراء بن علي يلدرم انتهاء عمليتها «درع الفرات»، أي وقفت بانتظار الأوامر الجديدة.

والدعم الأميركي للأكراد يمثل إحراجًا كبيرًا لـ «الزعيم الإسلامي» أردوغان أمام الشعب التركي، فرغم العلاقة الخدمية الوطيدة مع أميركا، إلا أنها لا تأخذ بعين الاعتبار أي مصلحة تركية، تلك المصالح المتخوفة من إقامة كيان كردي شمالي سوريا يشكل ضغطًا على أكراد تركيا للانفصال. وترفض أميركا كافة الطلبات التركية المتعلقة بالأكراد؛ إذ إن المصالح الأميركية اليوم تقتضي دعم الأكراد بغض النظر عن مصالح تركيا.

وبقيت كلمة يجب قولها لأولئك المنخدعين بهذا «الزعيم الإسلامي»: إذا كانت هذه الخدمات الكبيرة من تركيا لأميركا غير كافية لوضعه في خانة النفاق «صاحب مسجد الضرار»، بعد أن مكن لأميركا ما لم ترمه من المسلمين بدون خدماته وموارد دولته واتصالات مخابراته، وبعد أن مكن لها قتل المسلمين، بل وقام هو بالقتل أيضًا… وإذا كان يدفع من يثق به من الثوار، أي من أسقطه بالمال والرواتب فصار تابعًا له، ودفعه لتخذيل المخلصين، ومفاوضة الأعداء في أستانة وجنيف، والآن يدفعهم إلى حرب الفصيل الثاني «جبهة النصرة» بعد أن حاربوا الفصيل الأول «تنظيم الدولة»… فإذا كانت كل هذه الخدمات والعبث بدماء المسلمين، وكأنها قطع من الحلوى، وبعد كل ذلك نتغنى بأنه بنى في تركيا تنمية ومصانع، ونحمده عليها، ونعتبره نموذجًا، فلبئس النموذج ولبئست النظرة، التي لا تضعه مكانه «كبير منافقي العصر»، ولبئس التفكير خارج دائرة الدين، فجرائم أردوغان في دين الله عظيمة، ومن يقللها فهو إما جاهل، أو لا يقيم لدين الله وزنًا، قال رسول الله B: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» وقال عليه الصلاة والسلام: «أبى الله أن يجعل لقاتل المؤمن توبة». فالواجب إذن هو سرعة التنصل من هذا المنافق وفضحه أمام الأشهاد حتى لا يقع في مساقطه مسلم آخر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *