العدد 366-367 -

السنة الواحدة والثلاثون – رجب / شعبان 1438 هـ – نيسان / أيار 2017 م

تمهيد

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد

الصراع في المنطقة حضاري،

والتغيير القادم كوني وحتمي،

وحركته باتجاه إقامة خلافة راشدة،

بإذن الله تعالى

      تتزاحم الأحداث السياسية في هذه الأيام بشكل لم يسبق له مثيل من قبل، مُحدثةً صراعَ كسر العظام بين الأمة الإسلامية من جهة، والغرب الكافر بقيادة أميركا من جهة أخرى، إنه صراع بين حضارتين، الحضارة الإسلامية القائمة على أساس كلمة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله) بما تشتمل عليه هذه الحضارة من مجموعة من المفاهيم المتميزة عن الحياة، والقادرة على إنهاض الأمة الإسلامية، والبشرية من ورائها، نهضةً صحيحة يتحقق فيها رضوان الله تعالى والسعادة للإنسانية. وبين الحضارة الرأسمالية القائمة على أساس (دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله) بما تحويه من مجموعة مفاهيم كسيحة عن الحياة.

      لقد أدرك الكفار قديمًا ولا زالوا يدركون، أن القوة الحضارية لدى الأمة الإسلامية تتمثل في التحام الإسلام كمبدأ بدولته – دولة الخلافة – ولقد تبلور لهم هذا الفهم بعد نكوصهم على أعقابهم على إثر الحروب الصليبية؛ حيث رجعوا إلى قارتهم أوروبا بخُفَّيِّ حُنين بعد مئتي عام من التوغل العسكري والاستيطاني في بلاد المسلمين، على الرغم من حجم القتل الذي أحدثوه حينئذ بحق المسلمين. ومما زاد في حنقهم، أن الأمة استردت عافيتها من جديد بعد ذلك، بل وانقضت عليهم في عقر دارهم تفتح القسطنطينية وتدك حصون فيينا على أيدي العثمانيين – رحمهم الله – عندها صار لا بد من بلورة مخطط جديد يستهدف حضارة الأمة وثقافتها ودولتها، فكانت جريمتهم جريمة العصر بهدم دولة الخلافة الإسلامية في 28/رجب/1342هـ.

      نعم إن تَجَرُّعَ الحقيقة المرة ألف مرة، خير من تشييد قصور من الرمال تعصفها الريح في يوم عاصف، لقد نجح الكفار الغربيون أيما نجاح في ضرب الأمة الإسلامية هذه المرة عندما فصلوا دينها عن خلافتها، كما يُفصل الروح عن الجسد «فالإسلام أصل والسلطان حارس، وما لا أصل له فمنهدم، وما لا حارس له فضائع» كما قال الإمام الغزالي، لقد أُقصي الإسلام قسرًا عن سدة الحكم، وفرح بذلك كارزون – رئيس وزراء بريطانيا الأسبق – الذي عبر عن فرحته ونشوته بقوله: «إن تركيا لن تقوم لها قائمة بعد اليوم، لأننا قضينا على قوتها المتمثلة في أمرين: الخلافة والإسلام)، وفرحت معها كل دول الكفر، وفرح يهود الذين شيدوا كيانهم على الأرض المباركة فلسطين! وأنَّى لهم ألا يفرحوا بذلك؟ وقد تَمَّ لهم نقضُ عرى الإسلام عروةً عروة، فكرةً فكرة، حتى لم يبقَ من الإسلام إلا الورق المـُـعَلَّق!

      لقد أحدث هدم الخلافة الإسلامية فراغًا هائلًا عند المسلمين مَكَّنَ الكفار من عزل أبناء الأمة عن تاريخهم وحضارتهم بشكل فظيع، وكان من أبرز نتائجه تصدع ثقة الأمة بأفكارها وأحكام دينها، بل صرف ثقتهم تلقاء الغرب وحضارته التي أطلَّت على العالم بثوب العلمانية المزركش بالحريات التي استهوت صنائع الجهل والمضبوعين والظلاميين من أبناء الأمة البائسين! فكانت العقود الأولى التي أعقبت هدم الخلافة ظلامًا فكريًا دامسًا ارتفعت فيها أصوات الشيوعيين والقوميين والبعثيين ومن لَفَّ لفيفهم عاليًا، وبالمقابل انخفض صوت الفكر الإسلامي الذي كان صيحة في واد، أو نفخة في رماد، ضاع وسط هذه الظلمات المتلاطمة.

      تسارعت الأحداث وانعطفت انعطافًا كبيرًا بعد الحرب العالمية الثانية؛ حيث تبوَّأت أميركا مركز الدولة الأولى في العالم، يزاحمها الاتحاد السوفياتي الذي سرعان ما هوى بفكرته وحضارته تحت ركام جدار برلين، ومنذ تلك اللحظة، وأميركا تعربد على العالم، ومنه العالم الإسلامي. وبغياب الخطر الشيوعي عن مسرح الصراع الدولي؛ صار لا بد من إيجاد عدو تُخاصمه أميركا وتتذرع بمخاصمته لنشر حضارتها وأفكارها الرأسمالية، إنه الإسلام، هذا المبدأ العظيم الذي تنبهت أميركا لخطورته الكامنة في قوة أفكاره وتأثيره العجيب على المد الحضاري.

      لقد كان تأسيس أميركا للنظام الدولي الجديد مطلع عقد التسعينات سعيًا منها في تجييش العالم تحت عباءتها لضرب الإسلام وحضارته، والحيلولة دون قيام دولة الخلافة الإسلامية في بلاد المسلمين، وفي ظل انعدام وجود دولة مبدئية تخالف أميركا ورأسماليتها في وجهة النظر عن الحياة؛ حيث الهيمنة، كل الهيمنة، للرأسمالية، فقد نجحت أميركا في تجيير دول العالم طوعًا أو كرهًا لمحاربة الإسلام والمسلمين دون أن تجد مناوئًا يخرج عن طوعها، حتى قالت وزيرة خارجيتهم حينئذ (مادلين أولبرايت): «إن قتل خمسمائة ألف طفل عراقي، كان أمرًا يستحق ذلك».

      إلا أن عربدة أميركا، واندفاعها الاستعماري المهووس، خصوصًا بعد أحداث11 سبتمبر/2001م بغزو أفغانستان والعراق، عمل على كشف سوءتها، وفضح مخططاتها التي لم تكن إلا لضرب الإسلام والحيلولة دون قيام قوة سياسية تجمع شتات المسلمين فيها؛ حيث أدى ذلك إلى مزيد من الوعي عند المسلمين على الحقيقة الاستعمارية لأميركا، وكذب ديمقراطيتها، وزيف مبدئها الذي لا يعترف بغير النفعية أساسًا له، ولا يضيره تشييد الأمجاد الغابرة على أنقاض الجثث المتناثرة!.

      لقد تأكد لأميركا عن قُرب بعد غزوها لأفغانستان والعراق أن فكرة الخلافة تتنامى في أوساط الأمة الإسلامية، هذا ما صرحوا به جهارًا دون مواربة، فقد صرح هنري كيسينجر في 6/11/2004م: «إن التهديدات ليست آتية من الإرهاب، ولكن التهديد آت من الإسلام الأصولي المتطرف، الذي عمل على تقويض الإسلام المعتدل المناقض لما يراه الأصوليون، في مسألة الخلافة الإسلامية» كما أوردت جريدة (مليات) التركية في 13/12/2005م نقلًا عن صحيفة نيويورك تايمز: «إن أصحاب الصلاحية في إدارة بوش باتوا يتداولون كلمة «الخـلافة» في الآونة الأخيرة « كالعلكة.» من كثرة حديثهم عنها».

      قد تستطيع أميركا ومن في الأرض جميعًا من طواغيت الأرض، أن يهدموا البنيان والعمار، ولكنهم لم ولن يستطيعوا أن يهدموا الأفكار، فكيف إذا كانت هذه الأفكار عقيدةً ربانية تتدفق في صدور أكثر من مليار ونصف المليار مسلم، كلهم يعتنقونها ويؤمنون بها؟ أَمَا وقد وصل الحال بيننا وبين أميركا، ومن معها من باقي الزمر الكافرة المعادية إلى حد كسر العظم، فإما أن تكون هي ورأسماليتها، وإما أن ننهض نحن المسلمين مرةً أخرى بإسلامنا؟ فقد آن للغافل أن يصحو! وللتائه أن يبصر! وللمضبوع أن يخجل! وللظلامي أن يطمس ظلامه؛ فإن الشمس لا تُغطى بغربال.

      إن الوجود العالمي للإسلام واضح جلي، هذا مع عدم وجود دولة له تطبقه وتحفظه وتحمله! وهذا أمر يدركه الغرب الكافر بزعامة أميركا، من أجل ذلك تظهر معالم الصراع الحضاري بين المسلمين والغرب كأوضح ما يكون، أما الغرب بقيادة أميركا، فإنه يعيش في مرحلة الهزال الحضاري بسبب مخالفة رأسماليته لفطرة الإنسان، وإن آثار هذا الهزال ملموسة على شتى الصعد، السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية… وأما المسلمون، فقد لفظوا كل الأيديولوجيات الوافدة من هنا وهناك، ونبذوا حضارة الغرب وديمقراطيته الزائفة، وشاهدوا بأم أعينهم وشاهد العالم معهم كيف أن دعاة الدَّمقرطة والتحرر قد أكلوا صنمهم في مصر مثلًا لا حصرًا عندما طمسوا سيادة الشعب تحت مجنزرات العسكر! وفي الشام ثورة دخلت عامها السابع، وتضيق السجلات عن جمع ما أفرغته أميركا وأشياعها وأتباعها من خطط ومؤامرات لوأد هذه الثورة المباركة، لا لشيء إلا لأنها تريد تحكيم شرع الله الذي تؤمن به، إنه النفاق السياسي، والتكالب الأممي على الإسلام والمسلمين.

      لقد اشتد البلاء وعظُم أمره، ولكنها السُّنة الكونية الثابتة في مسيرة التغيير من أول يوم تفجرت فيه جذوة الصراع بين الحق والباطل، هكذا هي الأمور، تسير وفق سنن ثابتة، الباطل يزهو بقوته وينتفش ببطشه؛ حتى تبلغ الأمور مبلغ خروج الحق قويًا فتِيًا من عنق الزجاجة.

      إن العالم اليوم يشهد فراغًا مبدئيًا بحاجة إلى من يملؤه، وشعوب الأرض التي تتخبط في دياجير الكفر والطاغوت لَكأنها ترقُب عن بُعد لمن تكون الغلبة؟ لأميركا ورأسماليتها العفنة المــُتكئة على منسأةٍ توشك دابــةِ الأرض أن تأكلها؟ أم الإسلام الصاعد نجمه نحو مقعد السيادة على العالم؟

إنه الإسلام، ولا مبدأ سواه، إنها دولة الخلافة وحسب… وبُعدًا للرأسمالية وجشعها كما بعدت الاشتراكية، وسُحقًا للملكيات والجمهوريات والدكتاتوريات وسائر الرويبضات…

قال تعالى: (تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ (1 ) مَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُ مَالُهُۥ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصۡلَىٰ نَارٗا ذَاتَ لَهَبٖ (3) وَٱمۡرَأَتُهُۥ حَمَّالَةَ ٱلۡحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبۡلٞ مِّن مَّسَدِۢ(5))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *