العدد 364 -

السنة الواحدة والثلاثين العدد 364 -جمادى الأولى 1438هـ – شباط 2017م

معركة إسقاط حلب والتحضير لها، والدور القذر لأردوغان في هذه المعركة

معركة إسقاط حلب والتحضير لها،

والدور القذر لأردوغان في هذه المعركة

 

    بدايةً، لا بد من التأكيد على أمر مؤكد ولا يحتاج إلى كثير إنعام نظر، ولكن لا بأس من التذكير به معذرةً إلى ربنا ولعل أصحاب العقول الضالة تعي حقيقة المؤامرة على ثورة الشام المباركة، وعلى حقيقة اللاعبين المؤثرين على مجريات الأحداث المتعلقة بهذه الثورة؛ من حيث تحديد الدولة الموجِّهة للخطط السياسية الهادفة إلى إجهاضها والالتفاف عليها، وتحديد الأطراف اللاعبة، ودور كل طرف؛ لأن الوعي على هذا الأمر يعين السياسي على الوصول إلى أصل المؤامرة ومنبعها، ومن ثَمَّ يصل إلى أصل الداء، ويوازي ذلك بوضع الحلول الصحيحة له استنادًا إلى شرع الله تعالى وحده، وليس استنادًا إلى أي فكر آخر كالديمقراطية؛ لأن الاستناد لغير شرع الله حرام، فضلًا عن كونه لا يأتي بالحلول الصحيحة للمشكلة الحادثة.

      إن أميركا رأس الكفر هي التي تقف وراء كل التحركات السياسية والعسكرية الموجهة لضرب ثورة الشام، وما روسيا إلا مقاول لأميركا في سوريا تولت عنها وِزر مواجهة هذه الثورة التي شيبت رأس أوباما كما كان قد صرح من قبل، ولو كانت روسيا تفقه من السياسة دسائسها وفخاخها؛ لبقيت متجمدة في مهدها كثلوج سيبيريا إلى أن يمن الله على المسلمين بدولة الخلافة الراشدة؛ فتنقذها من مخلفات اشتراكيتها البائدة؛ وتُنهضها النهضة الصحيحة على أساس الإسلام العظيم، ولكن القوم أبوا إلا أن يضعوا أنفسهم في باقورة الدول التي سيطالها ثأر المسلمين عما قريب، وإنه لكائن بإذن الله، ويكفي روسيا تلك الصفعة الموجعة التي وجهها لها مسؤول أميركي رفض الكشف عن اسمه عندما قال: «هذه الدولة التي عندها اقتصاد في حجم اقتصاد إسبانيا – يقصد روسيا – تتبختر وتتصرف كما لو كانت تعرف ماذا تفعل، لا أعتقد أن الأتراك والروس يمكنهم فعل ذلك دوننا… رويترز / 28 / 12 / 2016م « أما بشار وإيران وحزبها وباقي الشبيحة والذبيحة، فهم القتلة السفاحون الذين أضاءت لهم أميركا ولاتزال الضوء الأخضر ليمعنوا في قتل المسلمين في الشام أملًا في تركيعهم ومن ثم سوقهم إلى حتف المفاوضات الذي كانت منظمة التحرير الفلسطينية قد سلكته من قبل، فباعت البلاد وتنازلت عن المقدسات، بل وصارت حارسًا أمنيًا يسهر على راحة كيان يهود فهل من معتبر؟

      أما تركيا في ظل حكم المراوغ أردوغان، فقد صنعت ما عجزت براميل بشار والآلة الروسية الفتاكة أن تصنعه، كل ذلك سيرًا في خطط أميركا لإجهاض هذه الثورة، وللحديث بقية نُرجئِهُ إلى حينه.

      لقد جاءت نتائج مؤتمر (جنيف3) مطلع العام الماضي/2016م بعد أكثر من ثلاثة أشهر من التدخل العسكري الروسي الإجرامي في سوريا مخيبة لآمال أميركا، لدرجة أن وزير خارجيتها السابق (جون كيري) لم يستطع أن يكتم غيظه تجاه الثوار، فتوعدهم حينها بثلاثة أشهر من الجحيم، وفق ما نشره الموقع البريطاني المتخصص (عين على الشرق الأوسط) بتاريخ 7/2/2016م جاء فيه: «إن كيري لم يقر بمعرفته بخطط روسيا، وبالتالي موافقته عليها فقط، بل أبدى شماتته بالسوريين وغبطته بأن روسيا ستسحق المعارضة» ونقل الموقع عن عمال في منظمات إغاثية تعمل في سوريا أن (كيري) قال لهم: «إن سوريا مقبلة على 3 أشهر من القصف العنيف وأن قوات المعارضة ستهلك».

      إلا أن أميركا لم يهدأ لها بال، فقد أتبعت الفشل في مؤتمر (جنيف3) بتحركات سياسية وأخرى عسكرية مباشرة وغير مباشرة محمومة لفرض واقع سياسي تفاوضي بين الفصائل التي كانت قد وقعت على هدنة العار على إثر مؤتمر (جنيف3) وبين النظام البعثي أملًا في تحقيق حل سياسي يُسجل لأوباما الراحل قبل مغادرة بيته البيضاوي، فقد أوردت [الدرر الشامية بتاريخ 25/3/2016م] خبرًا جاء فيه: «أعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري، مساء أمس الخميس 24/3/2016م، عن توصل بلاده إلى اتفاق مع روسيا بتحديد جدول زمني للانتقال السياسي في سوريا يبدأ من أغسطس/آب القادم. وقال كيري في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: «اتفقنا على جدول زمني لتأسيس إطار عمل للانتقال السياسي فضلًا عن مسودة دستور، ونهدف إلى أن ينجز كلاهما بحلول أغسطس»، دون الإشارة إلى مستقبل بشار الأسد».

      ويُفهم من ذلك أن أميركا بدأت التحضير لجولة جديدة أشد ضراوة من سابقاتها، تشترك في تنفيذها روسيا بسلاحها المدمر، ونظام بشار وإيران وحزبها بالقتل الهمجي المسعور، وثالثة الأثافي أردوغان صاحب الجعجعات الرنانة هذه المرة بخبثه وتأثيره على فصائل الشمال السوري بما له عليها من سلطان أوجده المال السياسي القذر! ولأن مدينة حلب أيقونة الثورة في الشام؛ فقد جعلتها أميركا هدفها الاستراتيجي وذلك لكسر رقبة الثوار فيها، وإطباق سيطرة نظام الأسد عليها؛ فتكون حلب نموذجًا يُحتذى في سائر حواضر الشام؛ فتسقط المدينة تلو المدينة؛ ويكون لأميركا ما تريد، ولكن أميركا تريد، والله يريد، والله يفعل ما يريد؛ من أجل ذلك عملت أميركا عبر روسيا وعملائها وأشياعها وأتباعها على التحضير لمعركة إسقاط مدينة حلب، وفق سلسلة من التحركات السياسية والعسكرية المحمومة والتي منها:

أولًا: التلويح بالخطة البديلة، خطة التدخل العسكري والتقسيم، فقد ذكرت محطة (CNN التلفزيونية الأميركية بتاريخ 26/2 /2016م) أن «إدارة الرئيس باراك أوباما تجري في الأيام الأخيرة مناقشات بشأن «الخطة البديلة» في سوريا تحسبًا لانهيار وقف إطلاق النار هناك، وأفادت المحطة بأن الخطة البديلة المذكورة قد تشمل إمكانية إرسال قوات خاصة إضافية، إضافة إلى إنشاء مناطق حظر جوي في سوريا وبحسب CNN فإن القوات الخاصة الإضافية يمكن أن تستخدمها واشنطن لزيادة عدد عمليات مكافحة الإرهاب، وكذلك لتدريب مسلحين من المعارضة السورية «المعتدلة» وتقديم الاستشارات دعمًا لها. هذا وتقتضي «الخطة البديلة» تزويد هؤلاء بمزيد من الأسلحة، إلى جانب نية الإدارة الأميركية إشراك «دول أخرى» (ولم تذكرها المحطة) لتوريد أسلحة ومساعدات أخرى للمعارضة المسلحة، ونقلت CNN عن مسؤول في إدارة أوباما قوله إن واشنطن لا تزال تدرس إمكانية إنشاء «مناطق حظر جوي ومناطق آمنة للاجئين والنازحين» في سوريا، وإن كان البيت الأبيض ما زال يرى هذا المشروع «مكلفًا جدًا»، وبحسب المحطة فإن «الخطة البديلة» تعد في الوقت الحالي «فكرة عامة أكثر منها تسلسل خطوات محددة، وليس هناك شيء متفق عليه» .

ثانيًا: التأكيد على أن الحل الوحيد للأزمة السورية يجب أن يمر عبر التفاوض على أساس (جنيف1)، جاء ذلك على لسان المبعوث الأميركي بالزيِّ الدولي الثعلب (دي مستورا) كما نقلت عنه (الدرر الشامية بتاريخ 21/3/2016م) قوله: «إن الانتقال السياسي هو القضية الرئيسية على طاولة مفاوضات جنيف» وكل ذلك بهدف حصر المخرج الوحيد للثورة بهذا الحل السياسي، وجعله أمرًا واقعًا لا مناص منه.

ثالثًا: إظهار النظام السوري بمظهر القوي المتزمت الذي لا تبدو عليه أمارات الضعف أو اللين أو الاهتزاز؛ وذلك لتحطيم نفسية الثوار وكسر إرادتهم، فقد نقلت (صحيفة الأخبار اللبنانية بتاريخ 24/3/2016م)، عن بشار الأسد قوله خلال استقباله المشاركين في ملتقى «التجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة» الذي انعقد في دمشق في 19 و20 من نفس الشهر برئاسة الأمين العام للتجمع يحيى غدار: «إنه لا رهان على الحل السياسي مع هذه المعارضة، أمام الإرهاب لا حلّ إلا بالمواجهة والنصر، والرهان الحقيقي هو على الحسم العسكري مع القوى الإرهابية وتعزيز منطق المصالحات السورية…».

رابعًا: زيادة الدعم العسكري الإيراني للنظام؛ وذلك لفرض توازن عسكري على الأرض لصالح النظام بمزيد من المدد والعدد والعدة، فقد جاء في موقع (عربي 21 بتاريخ 4/5/2016م) تحت عنوان «جنرال إيراني: قوة غير مسبوقة توجهت إلى سوريا وأخرى بالانتظار»: «كشف نائب قائد القوات البرية في الجيش الإيراني اللواء على آراستة عن إرسال مستشارين عسكريين وقوات خاصة من الفرقة 65، للمشاركة في العمليات العسكرية في سوريا، ونقلت وكالة (تسنيم)، التابعة للحرس الثوري عن آراستة، قوله إن القوات الخاصة ليست الوحيدة في سوريا، وإن المستشارين العسكريين يتواجدون هناك، وإن قوات أخرى ستلتحق بهم أيضًا، وتابع آراستة: «نحاول تجهيز الفرقة 23 للمركبات القتالية في الجيش الإيراني للالتحاق بالفرقة 65 الكوماندوز في سوريا» .

خامسًا: شل حركة فصائل الجنوب وعزلها وتحييدها وإضعافها من خلال الدور القذر لغرفة الموك في عمان: فقد نشر موقع (عربي 21 بتاريخ 5/7/2016م) تحت عنوان: «الموك» تعيد رسم خارطة الفصائل في جنوب سوريا» ما نصه: «والغرفة التي تقدم الدعم المالي والعسكري واللوجستي لبعض الفصائل (المعتدلة) في الجنوب السوري منذ سنوات تنشط هذه الأيام بعمليات دمج للفصائل الصغيرة ضمن قوة أو قوتين كبيرتين، مستخدمة سياسة الثواب والعقاب المالي، بحسب تصريحات قادة فصائل في الجنوب السوري لـ [عربي21]. وقال هؤلاء القادة إن (الموك) قطعت التمويل المالي، المتمثل برواتب بعض الفصائل لمدة ثلاثة أشهر؛ بهدف إجبارها على الاندماج، بينما حُرمت فصائل أخرى من التمويل نهائيًا… وأكد قائد لواء فرسان حوران أبو وسيم الحوراني أن أغلب الفصائل الموجودة في الجبهة الجنوبية المحاذية للحدود الأردنية؛ هي تابعة للجيش الحر، وتتبع في الوقت ذاته لغرفة (الموك) الموجودة في الأردن، والتي تديرها دول كأميركا وبريطانيا والسعودية والإمارات والأردن، وقال الحوراني لـ [عربي 21] إن هذه الغرفة تدير فصائل الجبهة الجنوبية، وتقدم لها رواتب شهرية، وذخائر، وطرودًا إغاثية..» .

سادسًا: الدور التركي القذر: وهنا يحسن بنا أن نتوقف طويلًا حول الدور التركي بقيادة المراوغ الخائن أردوغان، هذا الذي ملأ الأرض ضجيجًا من قبل ومن بعد بخطاباته التي زعم فيها نصرته لقضايا المسلمين في فلسطين والشام! فكان كالذي قِيل فيه:

يُعطيكَ من طَرَفِ اللسانِ حلاوةً        وَيروغُ منكَ كما يروغُ الثعلبُ

      إن السياسي الواعي يدرك أن نظام بشار سقط أو كاد بعد سنة ونصف من عمر الثورة، فكان الزجُّ بإيران وحزبها الذين عملوا على تثبيته ومنع سقوطه، ثم كاد أن يسقط مرة أخرى حتى بعد التدخل الإيراني، فكان الدفع بروسيا وسلاحها ودمارها بما تملكه من عنصر التفوق الجوي وفعالية صواريخها الفراغية والعنقودية؛ فكان الدمار والقتل والهدم والردم حتى فاحت رائحة الموت في كل مكان، لكن هذا الدمار على ضخامته لم يكسر رقبة الثوار، ولم يفلح في إنجاح مساعي أميركا في تحقيق حل سياسي وفق ما تشتهي؛ فكان الفشل في مؤتمر (جنيف3) كما أسلفنا الذكر، حينها كان لا بد من كشف ورقة أردوغان – آخر سهم في كنانة أميركا – وإطلاقه على الثورة بما له من سلطان على فصائل الشمال السوري الذين تلطخت أياديهم بماله السياسي القذر السالب للإرادة، وتم التحضير للدور التركي القادم بسلسلة من الخطوات:

1 – الاعتذار لروسيا عن إسقاط الطائرة التي كانت أسقطتها جهات محسوبة على الإنجليز في الجيش التركي في تشرين ثاني/2015م ، فكان لا بد من ترميم ما أفسده صنائع بريطانيا، ولا يكون ذلك إلا بالاعتذار المهين، والتقارب مع روسيا التي أقحمتها أميركا في سوريا نيابة عنها، فلا يُتصور نجاح أردوغان في مهمته والعلاقات مع روسيا يشوبها القلق والاضطراب.

2 – التقارب مع كيان يهود والجهر بالتطبيع معه بطي ملف حادثة (سفينة مافي مرمرة)، وقد تم ذلك بشكل فاضح عندما قبلت تركيا بالتعويض البخس لأهالي الشهداء (20 مليون دولار) ، وقد أتبع أردوغان ذلك بتصريحات مخزية كقوله: «إن تركيا بحاجة إلى إسرائيل على غرار إسرائيل التي تحتاج إلى تركيا في الشرق الأوسط، داعيًا إلى المضي في التطبيع بين البلدين… سكاي نيوز عربي/ كانون ثاني/2016م).

3 – التقارب أيضًا مع إيران: وقد تم ذلك بعد سلسلة من الزيارات المكوكية بين الطرفين، بعضها كان ظاهرًا يحمل الطابع الاقتصادي، بينما يخفي وراءه الأهداف السياسية، ومن ذلك (اللقاء الذي جمع الرئيسين التركي أردوغان والإيراني حسن روحاني، عندما ترأسا الاجتماع الثالث لمجلس التعاون رفيع المستوى… (الأناضول في 14/ 4/2016م).

      بذلك تكون أميركا قد أوجدت مناخًا سياسيًا موحدًا منسجمًا مع الدور المرسوم للأطراف ذات العلاقة بالملف السوري – روسيا وإيران وتركيا – يُمكِّنهم من أداء هذه الأدوار كما تريد أميركا؛ فما إن ترمَّمت علاقة تركيا بروسيا وإيران وكيان يهود؛ حتى انبرى حكامها إلى التبشير بخارطة طريق للحل السياسي في سوريا، جاء ذلك على لسان رئيس وزرائها بن علي يلدرم كما نقلت (الدرر الشامية في 15/ 8/2016م). عندما تحدث عن خارطة الطريق التي تقترحها تركيا للحل في سوريا، معربًا عن تفاؤله بإمكانية التوصل إليها بمشاركة اللاعبين الإقليميين، وقال: «إِن ذلك ممكن بعد التغييرات التي عملت عليها أنقرة في السياسة الخارجية ناحية تطبيع العلاقات مع كل من روسيا وإسرائيل، وكذلك التقارب مع إيران»، وقد جاءت هذه التصريحاتُ من يلدرم بعد زيارة أردوغان لروسيا في 9/8/2016م؛ حيث أعلن أردوغان أن العلاقات التركية الروسية ستدخل مرحلة مختلفة، وأن بلاده وروسيا مصممتان على إعادة العلاقات بينهما إلى سابق عهدها، وأن تصبح أقوى، وأكد أن دعم بوتين له بعد المحاولة الانقلابية كان مهمًا، وأن الجانبين يمتلكان الإرادة اللازمة لتطوير العلاقات، وتم الاتفاق مع الروس على إحياء التعاون على كافة الصعد، وأشار إلى أهمية التعاون بين روسيا وتركيا في سوريا، مؤكدًا استحالة تسوية القضية السورية وإيجاد حل سياسي بمعزل عن روسيا…».

      وبهذا تراءى لأميركا أن الفرصة سانحة لتحقيق نصر عسكري على الثوار بإعادة سيطرة النظام على المناطق المحررة من مدينة حلب؛ فكان الهجوم العسكري الثلاثي – الروسي الإيراني والنظام – مسعورًا على حلب في تموز/من العام الماضي 2016م عندما حاصروا المدينة وسيطروا على طريق الكاستيلو – منفذ المدينة الوحيد – والذي استطاع الثوار كسره ودفعه بعد تشكيل غرفة عمليات موحدة تمكنوا من خلالها رد العدوان الروسي والأسدي والإيراني الوحشي بكل كفاءة ميدانية أوائل آب/2016م ، وهنا سارعت أميركا إلى إنقاذ الموقف المتأزم بعد انتصار الثوار الأسطوري بطرح هدنة جديدة بتاريخ 12/9/2016م، بموازاة تحرك حشد عسكري ضخم – روسي إيراني بشاري – وعلى الجانب الآخر كانت كلمة الفصل عند أردوغان الخائن الذي فتح جبهة (جرابلوس ودرع الفرات) آمرًا الفصائل المرتبطة به بالانسحاب من جبهة حلب إلى جبهة جرابلوس ، ومن ثم تُفتح الطريق أمام الهجمة الروسية بطائراتها وصواريخها الفتاكة، والإيرانية التي استجلبت الآلاف من الميليشيات بالإضافة إلى ميليشيات حزبها، وقوات النظام وشبيحته وذبيحته، فيمعنون بالقتل والدمار في سابقة لم يحدث مثلها من قبل إلا على أيدي جنكيز خان وهولاكو وستالين… وبذلك يكون أردوغان قد سَــلَّـــم حلب لا في عتمة الليل، بل وفي وضح النهار، دون أن يستحي من الله القائل: ( وَإِنِ ٱسۡتَنصَرُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيۡكُمُ ٱلنَّصۡرُ) وهو – أي أردوغان – الذي يملك أقوى جيش في المنطقة، لا يُعجزه شيء إن أراد أن ينصر الشام وأهل الشام، فالعدو قبل الصديق يدرك أنه بإمكان الجيش التركي أن يقلب الطاولة في وجه أميركا وروسيا ونظام بشار وسائر الأشياع والأتباع خصوصًا بعد فشل الكماليين في انقلابهم الأخير الذي أحبطه الشعب التركي المسلم بتاريخ 15/7/2016م… ، فقد (قال وزير الخارجية البريطاني الأسبق اللورد ديفيد أوين، إن تركيا تستطيع حاليًا أن تخلق عامل توازن مهمًا في سوريا، بتنفيذ خطوة إنسانية عاجلة بقواتها البرية والجوية لرفع الحصار عن حلب، كونها الدولة الوحيدة التي لديها وضع سياسي وعسكري مؤات للتدخل البري من أجل إنقاذ المدينة… ) (موقع الوطن، 2016/10/3).

      وهكذا ازدوجت المؤامرة على حلب الشهباء، القصف والنسف والحصار والدمار على يد روسيا وإيران وحزبها والنظام من جهة، وانسحاب الفصائل التي انصاعت لإرادة تركيا بسبب مالها القذر من جهة أخرى، فسقطت المدينة في مشهد يُبكي الحجر قبل البشر على ما أصاب حلب من مجازر ودمار البيوت فوق النساء والشيوخ والأطفال، بل وتدمير كل المستشفيات وإخراجها عن الخدمة؛ فلا يجد الجريح من يداويه، ولا يجد الطريح من يستنقذه…!.

      إن روسيا مع ما تملكه من عامل التفوق الجوي ونوعية أسلحتها الفتاكة، وإيران بما تملكه من الحشود المتتابعة حشد يردفه آخر، ونظام بشار بما يتقوى به من الميليشيات والمرتزقة… لم يكن لهؤلاء جميعًا أن يهزموا حلب الشهباء بما تملكه من بضعة آلاف من الثوار الذين لا تُقاس عدتهم بعدة عدوهم؛ لولا خيانة أردوغان المارق صاحب الجعجعات الفارغة! الذي دَوَّنَ لنفسه في ذمة التاريخ خيانةً كخيانة ابن العلقمي الذي كان قد سلَّمَ بغداد – عاصمة الخلافة العباسية – للتتار عام 656ه؛ فقد كان فتحه لجبهة جرابلوس ودرع الفرات – بإيعاز من أميركا طبعًا – الضربة القاضية لمن تبقى من الثوار الأشاوس في حلب! فقد صرح الرئيس التركي أردوغان في كلمة ألقاها في أنقرة يوم 4/8/2016م من الشهر الجاري قائلًا: «بدأنا في الساعة الرابعة صباحًا عملية عسكرية في شمال سوريا بغية إزالة المخاطر الناجمة عن داعش ومليشيات كردية في سوريا… وإن الحكومة التركية تعتزم وضع حد للاعتداءات على أراضيها انطلاقًا من المناطق الحدودية». وكعادته في المخادعة والتضليل، أراد أردوغان أن يخفي جريمته بأن عملية درع الفرات لم تكن جزءًا من المؤامرة على حلب، فصرح أردوغان بأن درع الفرات مقصود منه «رحيل الأسد» ، هذا وقد «قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر كلمة ألقاها في ندوة مكرسة للقدس في إسطنبول، الثلاثاء 29 تشرين الثاني/نوفمبر: «… ودخلنا سوريا مع الجيش السوري الحر»، واستدرك أردوغان قائلًا: «لماذا دخلنا؟ دخلنا لكي نضع الحد لحكم الطاغية الأسد الذي يرهب السوريين بدولة الإرهاب. ولم يكن دخولنا لأي سبب آخر» (روسيا اليوم، 2016/11/29م). ثم أدان نفسه من فَمِهِ عندما ألقى أردوغان كلمة في الاجتماع الثلاثين للمخاتير الذي عُقد في المجمع الرئاسي «الكُليّة»؛ حيث قال إن عملية درع الفرات المستمرة في سوريا بقيادة القوات المسلحة التركية لا تستهدف شخصًا أو بلدًا بعينه. «إن هذه العمليّة المستمرّة منذ 24 آب/أغسطس تستهدف التنظيمات الإرهابية». (تي أر تي عربية 2016/12/1م).

      ومع ما أصاب حلب بل وما أصاب الأمة بسقوط حلب الشهباء، فإننا لا نيأس من روح الله: ( إِنَّهُۥ لَا يَاْيۡ‍َٔسُ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ) فالباطل مهما بغى؛ فقد تَوَّعدَ الله بإزهاقه: (بَلۡ نَقۡذِفُ بِٱلۡحَقِّ عَلَى ٱلۡبَٰطِلِ فَيَدۡمَغُهُۥ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٞۚ وَلَكُمُ ٱلۡوَيۡلُ مِمَّا تَصِفُونَ ) والكفر مهما طغى؛ فقد جعل الله عاقبة أمرهم خسرانًا مبينًا: ( وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعۡسٗا لَّهُمۡ وَأَضَلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ٨)، والطغاة الخونة من الحكام مهما غدروا؛ فإن غدرهم سوف يبور: (وَٱلَّذِينَ يَمۡكُرُونَ ٱلسَّيِّ‍َٔاتِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۖ وَمَكۡرُ أُوْلَٰٓئِكَ هُوَ يَبُورُ ).

      والحق مهما ضعُف فهو حـــقٌّ مؤيدٌ بتأييد العزيز الجبار: ( لِيُحِقَّ ٱلۡحَقَّ وَيُبۡطِلَ ٱلۡبَٰطِلَ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٨ )، والمستضعفون مهما توالت عليهم المحن؛ فهم الأئمة المـُـمَكَّنون: ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةٗ وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَٰرِثِينَ ٥ ) والأمة الإسلامية مهما تداعت عليها الأمم؛ فهي الأمة الشاهدة على الناس: ( وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗاۗ )، وثورة الشام المباركة مهما تَحزَّبَ عليها البعيد والقريب؛ تبقى عقر دار الإسلام، وموضع عموده، وأهلها خيرة الله من عباده، عن أبي الدرداء – رضي الله عنه –  قال: قال رسول الله – صلوات ربي وسلامه عليه: «بينا أنا نائم، إذ رأيت عمود الكتاب احتُمل من تحت رأسي، فظننت أنه مذهوب به، فأتبعته بصري، فعُمد به إلى الشام، ألا وإن الإيمان حين تقع الفتن بالشام» [رواه أحمد] وحزب التحرير مهما كثرت أمامه العقبات؛ فهو الرائد القائد الذي لا يكذب أهله: ( وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ ).

      فاللهم انصر ثورة الشام بأتقياء وأقوياء المؤمنين، اللهم إن في الشام ثورةً نحسبها نقيةً طاهرةً طيِّبةً كشجرةٍ طيبةٍ أصلها ثابت وفرعها في السماء، اللهم ثَبِّت جُذورها، وأغلِظ ساقها، ومُدَّ أغصانها، وأورِق أوراقها، وأنضِج ثمارها، واجعل فيها بركةً للمسلمين، اللهم واجعل عاقبتها خلافة راشدة ثانية على منهاج النبوة يا رب العالمين.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *