العدد 292 -

العدد 292 – السنة الخامسة والعشرون، جمادى الأولى 1432هـ، نيسان 2011

الثوارت الشعبية في بلاد المسلمين: ما لها وما عليها

الثوارت الشعبية في بلاد المسلمين:

ما لها وما عليها

 

يعيش المسلمون حالة واحدة من الانتفاض ضد حكامهم بالرغم من تقطيع بلادهم إلى دول، وبعث مفاهيم القومية والعرقية والوطنية بينهم، فما إن تثور في بلد إسلامي حتى تتجاوب معه سائر البلاد شعبياً مباركة ما يحدث، وحتى تنتقل إلى بلد إسلامي آخر يعيش أوضاعاً مشابهة، وهكذا يتوقع أن تعم هذه الحالة بلاد المسلمين الواحد تلو الآخر… وكذلك يعيش حكام المسلمين حالة واحدة من الخوف على عروشهم لأنهم سواء في ظلم شعوبهم وقهرهم والتخلي عن قضاياهم بل ينتاب الغرب حالة واحدة من الاندهاش والخوف مما يحدث، ومبعث ذلك أن الأمة بالرغم من كل ما فعله بها هذا الغرب من فصل عن بعضها، وجعلها تعادي بعضها، مازالت أمة واحدة تتعاطف مع بعضها كالجسد الواحد؛ فلم ينفع كل ما مارسه عليها من إبعادها عن دينها، وفرض دساتير وضعية عليها، وجعل رؤيتها للحياة تزيغ وتضطرب… أما (إسرائيل) فهي الخائف والمتوجس الأكبر مما يحدث. فهي، ما قَبِل حكامها الأوائل أن يأتوا إلى فلسطين ويجلبوا معهم قطعان يهود، إلا بعد أن أخذوا المواثيق المغلظة من دول الغرب بأنهم سيحمونهم بقواهم العسكرية مباشرة، وسيؤمنون لهم الحماية الدولية، وسيحرسونهم بحكام يسيطرون على إرادات شعوبهم، وها هي الحالة تصل إلى أن قوى الغرب العسكرية المباشرة لم تعد فاعلة بعد حربي العراق وأفغانستان، وها هو سياج حمايتهم من الحكام يتهاوى…

إن رهان الغرب على إذلال الأمة بدا واضح الخسران، والخوف من الإسلام عاد ليعاود الجميع، فقد أدهشت الأمة الغرب والعالم بثوراتها المنضبطة، التي يشارك فيها الرجال والنساء والكبار والصغار على السواء، والتي لم تخرب، ولم تقتل، ولم تنفعل طائفياً ولا عرقياً ولا قومياً، بل هي سائرة نحو أهدافها من الإطاحة بالحكام بخطى واثقة، وهذا ما دفع الغرب الآن ليطلب من عدد من المفكرين والمخططين الاستراتيجيين ومراكز الأبحاث دراسة ظاهرة هذه الأحداث التي لم يحسب لها أحد منهم من قبل حساباً، وما الذي وراءها؟، وهل هي فقط مجرد شعور بالظلم طفا بقوة على سطح التحركات الجارفة، أم هو شعور عميق بالانتماء إلى الإسلام الذي يجمع الناس كلهم على صعيد واحد من الرفض للواقع بما فيه من مفاهيم خاطئة وأنظمة وقوانين داعرة، وإن كانت لا تملك التعبير عنها بشكل واضح؟

إن الغرب يخشى حقيقة من هذا الإسلام الكامن من النفوس الذي لا ينتظر حتى يحقق وجوده على أرض الواقع إلا الجماعة المخلصة الواعية التي تحسن التفكير والتخطيط والتنظيم والتدبير والتنفيذ لتفاجئه باستلام مقاليد الأمور، نعم إن الغرب يعيش أجواء المفاجآت من تطور وضع المسلمين، وهو يخشى الآن من مفاجأة أخرى تليها تجعل الأمة أقرب إلى الهدف الذي بات يشكل الهاجس الأكبر والأخطر عليه وهو إقامة الخلافة، نعم إن الأمة باتت تفاجئ الغرب بمفاجآت تفرض موضوعها على ساحة الصراع الدولي، وتجبر الأطراف الدوليين على التعامل معها.

إن ما يحدث في العالم الإسلامي اليوم من ثورات واحتجاجات يعتبر من الأحداث الكونية المفصلية التي يسجلها التاريخ العالمي بالخط العريض. ومن الطبيعي أن تفرض نفسها على ساحة الصراع الدولي، وهذه الثورات يجب النظر إليها على أنها من خطوات التغيير التي تسلكها الأمة الإسلامية وليست نهاية الخطوات. وهي تحتاج إلى ترشيد بقوة وبحكمة وتوجيه بوصلتها لتصل إلى شاطئ الإسلام. وبقراءة هادئة لما حدث ومازال يحدث يرى أن الأمة تعيش واقعاً أليماً تريد الخلاص منه، وهذا الواقع الأليم هو من صنع حكام مرتبطين بالغرب ومشتركين معه في صناعة هذا الواقع. وهذا الواقع يجب تغييره، وتغييره يعني التخلص من هؤلاء الحكام. وممن يقف وراءهم، وإيجاد النظام الصحيح الذي يرعاهم الرعاية الصحيحة. والإسلام هو ذلك المخلص، ولابد من وجود جماعة مخلصة واعية يوكل إليها رعاية هذا التغيير المبارك.

هذه عناوين مختصرة للواقع، وقد عبر المنتفضون عن بعضها، وهو أن هناك ظلماً واقعاً سيئاً، وهناك حكاماً مجرمين يجب التخلص منهم. أما من هو وراء هؤلاء الحكام؟ وما هو النظام الذي ينقذهم؟ ومن هم المخلصون الواعون الذين سيتولون قيادة هذا التغيير؟ فهذا في طريقه إلى التعبير عنه إن شاء الله تعالى، وهذا ما ينبغي توجيه الاحتجاجات وترشيدها باتجاهه حتى تؤتي ثمارها الطيبة، ومع التوجيه والترشيد إن شاء الله تعالى تصل سفينة التغيير إلى شاطئ الإسلام بسلام. وبنظرة سريعة لما تبقى من عناوين للإنجاز نجد أنها ستكون إن شاء الله تعالى سهلة التحقيق، إذ إن الأمة باتت تدرك بوضوح مدى ولوغ الغرب في الإجرام بحق المسلمين وأنه الشريك الأكبر للحكام في ظلمهم للمسلمين، وأصبحت طريقة حياة الغرب الفاسدة وقيامها على المصالح على حساب القيم مكشوفة، وأصبحت الرغبة بالعودة إلى طريقة الحياة الإسلامية القائمة على إحقاق الحق ونشر العدل رغبة جامحة، ومن الطبيعي أن يصبح لدى الأمة بالتبع لما سبق أن إقامة الخلافة هو الذي يحقق ذلك، وبالتالي يصبح وجود الجماعة التي يقوم مشروعها على إقامة الخلافة مطلباً شعبياً عاماً على اعتبار أن لا تغيير فعلياً إلا بها.

أما ما هي الخطوات الترشيدية التي يجب اتباعها لتحقيق التغيير المنشود فهي عملياً كما يلي: بداية نقول: إن التغيير يجب أن يكون إسلامياً يتأسى في خطواته بطريقة الرسول  صلى الله عليه وسلم  في التغيير، وعليه فإن مكونات التغيير التي يجب أن تعمل مجتمعة لا منفردة تقوم على ثلاثة مكونات رئيسية:

1- جماعة أو حزب تبنى إسلام الحكم؛ فحدد خطواته للتغيير وأعد دستوره وهيأ شبابه لهذا. إذ التغيير ليس مطلوباً لذاته بل لتكون كلمة الله سبحانه وتعالى هي العليا. وهذا ما فعله الرسول  صلى الله عليه وسلم  مع صحابته الكرام في مكة والذين سموا بالمهاجرين.

2- حالة شعبية عامة تريد التغيير على أساس الإسلام.

3- قوة تنصر هذا التغيير وتمكن الجماعة أو الحزب الواعي المخلص من الحكم، وبالحالتين الثانية والثالثة حقق الرسول وجود ما سمي بالأنصار في القرآن الكريم. وعليه كان ما أوجده الرسول  صلى الله عليه وسلم  من مهاجرين في مكة وأنصار في المدينة هما طرفا التغيير اللذين حقق بهما الرسول  صلى الله عليه وسلم  تغييره الرباني. هذا ما يجب أن يحصل، أما ما وجد وما حصل فعلاً حتى الآن، وما يجب الانتباه إليه في الذي مازال يحصل فهو:

– إن الجماعة أو الحزب المؤمن الواعي المخلص الذي أعد برنامجه للتغيير قد وجد بحول الله ورعايته وحفظه وتأييده وهو متمثل بنظرنا بحزب التحرير.

– إن الحالة الشعبية العامة التي تريد التغيير قد وجدت، أما أن تكون على أساس الإسلام فهي موجودة كامنة في نفوس الجميع وتنتظر من يستطيع إظهارها والتعبير عنها. وهذا ما يجب أن تبذل الجهود باتجاهه، وهو أن توجه هذه الجماهير المؤمنة المحتشدة، نحو المطالبة بإسلام الحكم، وخاصة وأنها تنطلق يوم الجمعة في أغلب المناطق، وبعد الصلاة مباشرة، أي بعد الخطب التي يجب أن تقوم بدورها في ذلك والتي تجمع المسلمين في صلوات الجماعة بصفوف منتظمة. فالأمة فيها خير إلى قيام الساعة، وما أسهل أن تنقاد الأمة لهذا انقياداً لا يستطيع أن يوقفه أحد من الناس. ولو قدر الله سبحانه وتعالى لهذا الأمر أن يحدث، وما أسهل حدوثه لاختصرت طريق التغيير بشكل مدهش، يدهش الغرب اندهاشاً فوق اندهاشه، ويرضي الله سبحانه.

– إن الضباط من المؤمنين من أهل القوة والنصرة يجب أن يتم الاتصال بهم لأخذ المواثيق منهم لنصرة هذا الدين تماماً كما فعل أنصار الرسول  صلى الله عليه وسلم  في المدينة، وكم يسهل الأمر في كسب أمثال هؤلاء الضباط عندما يترشد الرأي العام في الحالة الشعبية العامة ليكون إسلامياً بدل أن يكون ضد الظلم فقط. فهذه الحالة الشعبية تملك الإيمان وتملك الإحساس بالظلم ولكن بشكل منفصل، والمطلوب وصلهما. أن يعملا معاً أي أن يكون الحكم بالإسلام هو الحل. ولعل أهم من يقوم بذلك هم العلماء والخطباء، ولعل أهم ما يجب أن يتوجه بالنشاط إليه هم هؤلاء العلماء ولفت نظرهم إلى حق الله عليهم في ذلك.

– إن الحالة الشعبية العامة وأهل النصرة من الضباط المؤمنين يجب أن يتوجها إلى الجماعة أو الحزب المؤمن الواعي المخلص بالتأييد وإيصاله إلى الحكم.

 وهذا الحزب المؤمن الواعي المخلص المتمثل بحزب التحرير إن شاء الله تعالى ولا نزكي على الله أحداً، عليه أن يقوم بأعمال من أجل ذلك، وكذلك على كل مسلم وعلى كل مجموعة عمل، أن يقوموا من أجل ذلك، من أجل تأييده ونصرته لإقامة حكم الله سبحانه وتعالى بإقامة الخلافة الراشدة الثانية التي تكون على منهاج النبوة. والتي وعد بها الرسول  صلى الله عليه وسلم  أنها تقوم في آخر الزمان والتي أعد حزب التحرير نفسه لها.

نعم هذه الأمور يجب أن تعمل مجتمعة، وإن العمل السياسي المبدع هو أن تجعل ما يحدث يسير بهذا الاتجاه، وهذا لا يكون إلا بتوفيق الله سبحانه وتعالى ونصرته يقول تعالى: ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *