رسالة إلى إخوتنا وأهلنا في غزة
يومين مضت
المقالات
185 زيارة
أيها الصامدون المرابطون على ثغر من أعظم ثغور الإسلام: اعلموا أن ما أنتم فيه من بلاء ومحنة، إنما هو طريق العز في الدنيا ودرجات العلو في الآخرة، امتحنكم الله به ليطهركم ويعلي مقامكم. قال تعالى: (قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوۡلَىٰنَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ٥١) (التوبة: 51). فهو كتب ما كتب لَكُم لا عليكم، لتزدادوا أجراً وثباتاً، ولتعلو رايتكم بين الأمم.
واعلموا أن ما من مصيبة تقع في الأرض ولا في الأنفس إلا وهي مكتوبة عند الله من قبل أن تكون، كما قال سبحانه: (مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ أَن نَّبۡرَأَهَآۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ٢٢) (الحديد: 22). ليكون يقينكم أن ما فاتكم لم يكن ليصيبكم، وما أصابكم لم يكن ليخطئكم.
وإن هذه سنّة جارية في تاريخ المؤمنين، فما من أمة ابتليت وصبرت إلا أورثها الله الأرض، وهذا المشهد ليس ببعيد عما وقع لقوم موسى عليه السلام، حينما قال فرعون متوعداً: (سَنُقَتِّلُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَنَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡ وَإِنَّا فَوۡقَهُمۡ قَٰهِرُونَ) (الأعراف: 127). أليس هذا الوصف اليوم هو حال عدوكم الذي يستهدف الأطفال والنساء ويظن أنه بقوته قادر عليكم؟!
فقال قوم موسى وقد أرهقهم البلاء: (قَالُوٓاْ أُوذِينَا مِن قَبۡلِ أَن تَأۡتِيَنَا وَمِنۢ بَعۡدِ مَا جِئۡتَنَاۚ) (الأعراف: 129). كلمات تعبّر عن عجز وألم طويل، وهنا جاء الجواب الحاسم من موسى عليه السلام، يحمل وعد الله وبشارة النصر: (قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُهۡلِكَ عَدُوَّكُمۡ وَيَسۡتَخۡلِفَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرَ كَيۡفَ تَعۡمَلُونَ). هكذا علّمهم أن طريق الاستخلاف والتمكين لا يُفتح إلا بالصبر على البلاء، وأن الظلم مهما اشتد فإن نهايته الزوال، والعاقبة للمتقين.
وأنتم اليوم تقولون بلسان حالكم مثلما قالوا، لكن الجواب نفسه هو لكم: إن ربكم سيهلك عدوكم، وسيورثكم الأرض من بعدهم بثباتكم وصدقكم ومرابطتكم. فاصبروا وصابروا ورابطوا، فإن وعد الله حق.
لقد علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننظر إلى البلاء بعين اليقين، فقال لابن عباس: «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك.» فما أنتم فيه بيد الله لا بيد العدو، ورزقكم وأجلكم ودرجاتكم عند الله لا عند أحد سواه.
أهلنا في غزة: أنتم اليوم تقفون في مقام الأنبياء والصالحين، مقام الثبات على الحق في وجه الطغيان. فكل مشقة، وكل جرح، وكل شهيد، هو زاد في ميزان حسناتكم، ورفعة لمقامكم. وإن معية الله معكم، ونصره قريب، فاصبروا واثبتوا، وأبشروا بما وعد الله من جنات ودرجات، ومن عزّ في الدنيا لا ينال إلا بالصمود والتضحية.
ثبتكم الله، وأمدكم بمدده، وربط على قلوبكم، وجعل في خطواتكم نوراً، وأراكم عاجلاً فرجاً ونصراً مبيناً.
1447-04-03