العمل الحزبي من منظور الشرع
يومين مضت
المقالات
175 زيارة
فادي السلمي – ولاية اليمن
كلمة حزب لغة: كلمة «حِزْب» في اللغة العربية لها عدة معانٍ ودلالات عند أصحاب اللغة (أي علماء اللغة والمعاجم القديمة)، ويمكن توضيحها كما يلي:
المعنى اللغوي الأصلي: الحِزْب في الأصل يعني الجماعة من الناس الذين يجتمعون على رأي أو هدف واحد.
قال ابن فارس في «مقاييس اللغة»: «الحِزْب: الجماعة من الناس، وأصله من الاجتماع والالتئام».
وذكر الجوهري في «الصحاح »: «الحِزْب: الطائفة من الناس، وجمعها أحْزاب».
معانٍ أخرى لكلمة «حزب»:
القِسْم والنصيب: يُقال: «هذا حِزْبي من الأمر» أي نَصِيبي.
الوقت أو المرة: يُقال: «قرأت القرآن في حِزْبٍ من الليل» أي في جزء من الليل.
الكتاب أو الجزء المحدد: يُقال: «حِزْب القرآن» أي الجزء المقسم للقراءة.
الفرق بين «حِزْب» و«حَزَب»: حِزْب (بكسر الحاء وسكون الزاي): تعني الجماعة أو الطائفة.
حَزَبَ (بفتح الحاء والزاي): فعل يعني اجتمع أو عقد الأمر.
كلمة «حزب» في الاصطلاح لها دلالات متنوعة تختلف باختلاف المجال (السياسي، الشرعي، الصوفي، الاجتماعي). إليك تفصيل ذلك عند أصحاب الاصطلاح:
الحزب في الاصطلاح السياسي الحديث:
التعريف: تنظيم جماعي له أيديولوجيا أو برنامج مشترك، يهدف إلى المشاركة في السلطة أو التأثير على القرار السياسي.
الخصائص:
له هيكل تنظيمي وقيادة.
يسعى للوصول إلى الحكم أو الرقابة عليه.
الحزب في التصوف والعبادة:
الأحزاب الصوفية: أوراد وأذكار جماعية تُنسب لطريقة صوفية معينة (كـ«حزب البحر» للشاذلي). تُعتبر تجمعاً روحانيّاً أكثر منها تنظيماً سياسيّاً.
الحزب في الاجتماع البشري:
عند ابن خلدون: يصف «الحزب» في المقدمة بأنه جماعة متحدة بالنسب أو المصالح، مثل الأحزاب القبلية أو العسكرية.
الحزب في الاصطلاح الشرعي
يُطلق على الجماعة أو الطائفة المتحزبة على منهج معين، سواء أكان حقاً أو باطلاً، ويختلف حكمه بحسب مقاصده وموافقته للشرع.
تعريف الحزب شرعاً: في الاصطلاح الشرعي، يُقصد بـ «الحزب»: جماعة منظمة تنتسب إلى منهج أو فكر معين، سواء أكان موافقاً للشرع أو مخالفاً له، وهذا التعريف مبني على النصوص الشرعية من القرآن والسنة، وفهم السلف الصالح.
أقسام الأحزاب في الشرع:
حزب الله (أهل الحق): هم المؤمنون المتبعون لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، المجتنبون للبدع والضلالات.
صفاتهم:
الاتباع لا الابتداع.
الاجتماع على الحق لا التفرق.
الولاء لله ورسوله والمؤمنين.
الدليل: قوله تعالى: (وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَإِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ ٥٦) (المائدة: 56).
أحزاب الشيطان (أهل الباطل) هم: كل جماعة خالفت الكتاب والسنة، كأهل البدع والأهواء والفرق الضالة.
صفاتهم:
الابتداع في الدين.
التفرق والاختلاف.
موالاة أعداء الدين.
الدليل: قوله تعالى: (ٱسۡتَحۡوَذَ عَلَيۡهِمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَأَنسَىٰهُمۡ ذِكۡرَ ٱللَّهِۚ أُوْلَٰٓئِكَ حِزۡبُ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ) (المجادلة: 19).
ضوابط الحزب المشروع شرعاً:
الاستقامة على الكتاب والسنة.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
عدم التفرق أو التميز ببدعة.
التعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.
الابتعاد عن التحزب العصبي أو الحزبية المقيتة.
الآيات المذكورة فيها كلمة حزب
وردت كلمة «حزب» ومشتقاتها في القرآن الكريم في مواضع عدة، غالباً في سياق الحديث عن الجماعات المتحالفة أو المتنافسة، سواء أكانت أحزاباً للحق أو أحزاباً للباطل. إليك الآيات التي ذكرت اللفظ صراحة:
سورة المائدة (آية 56): (وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَإِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ ٥٦) الدلالة: بيان أن حزب الله (المؤمنين) هم المنتصرون بالتبعية له.
سورة المجادلة (آية 19): (ٱسۡتَحۡوَذَ عَلَيۡهِمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَأَنسَىٰهُمۡ ذِكۡرَ ٱللَّهِۚ أُوْلَٰٓئِكَ حِزۡبُ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ أَلَآ إِنَّ حِزۡبَ ٱلشَّيۡطَٰنِ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ١٩) الدلالة: تحذير من حزب الشيطان (الكفار والمنافقين) وخسرانهم.
سورة الروم (آية 32): (مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمۡ وَكَانُواْ شِيَعٗاۖ كُلُّ حِزۡبِۢ بِمَا لَدَيۡهِمۡ فَرِحُونَ) الدلالة: نقد للأحزاب المتنازعة التي تفرق الدين وتفرح بآرائها دون حق.
سورة المؤمنون (آية 53): (فَتَقَطَّعُوٓاْ أَمۡرَهُم بَيۡنَهُمۡ زُبُرٗاۖ كُلُّ حِزۡبِۢ بِمَا لَدَيۡهِمۡ فَرِحُون٥٣)الدلالة: تشابه مع آية الروم في ذم التفرق والتحزب الباطل.
سورة الأنبياء (آية 92 ): (إِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُونِ ٩٢) سياقها: جاءت بعد آيات تذم الأحزاب المتناحرة، مؤكدةً على وحدة الأمة.
سورة الأحزاب (السورة كاملة(: سميت السورة بـ«الأحزاب» لتحالف الأحزاب (قريش وغطفان واليهود) ضد المسلمين في غزوة الخندق، كما في قوله: (وَإِذۡ زَاغَتِ ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلۡقُلُوبُ ٱلۡحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَا۠١٠هُنَالِكَ ٱبۡتُلِيَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَزُلۡزِلُواْ زِلۡزَالٗا شَدِيدٗا١١) (آية 10-11)
تفسير الآيات:
تفسير آية (وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَإِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ ٥٦) (المائدة: 56) عند المفسرين:
المعنى الإجمالي للآية:
الآية تُعلن أن من يتخذ الله ورسوله والمؤمنين أولياءَ له، فإن انتصارهم حتمي لأنهم «حزب الله»، بينما من يتولى أعداء الله فهم الخاسرون. وهي ترد على المنافقين واليهود الذين تحالفوا ضد المسلمين.
2- التفسيرات التفصيلية:
أ. تفسير الطبري (جامع البيان): الآية نزلت في المنافقين الذين كانوا يوالون اليهود، فبينت أن الولاية الحقيقية هي لله ورسوله والمؤمنين، حزب الله: هم الذين اجتمعوا على طاعة الله، وغلبوا بذلك أعداءهم.
ب. تفسير ابن كثير (تفسير القرآن العظيم): ذكر أن الآية تأمر بموالاة المؤمنين وترك موالاة الكفار، حتى لو كانوا أقارب، الغلبة: تشمل النصر في الدنيا، والفوز بالجنة في الآخرة.
ج. تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن): نبه إلى أن الولاية لله تستلزم اتباع شرعه، وولاية الرسول صلى الله عليه وسلم تكون باتباع سنته، حزب الله: هم أهل السنة والجماعة، لا الفرق الضالة.
د. تفسير السعدي (تيسير الكريم الرحمن): الآية تُعَلِّم المؤمنين اختيار الولاءات بحسب الحق لا الهوى.
الغلبة هنا تشمل:
الغلبة المعنوية: بالحجة والهداية.
الغلبة المادية: بالنصر على الأعداء.
الدلالات المستفادة: وجوب موالاة المؤمنين وقطع الولاء عن الكفار، حتى لو كانوا آباء أو أبناء (كما في آية التوبة: 23)، الغلبة الحقيقية للمؤمنين حتى لو تأخرت، لأنها وعد إلهي، التحذير من التحالفات المضادة للإسلام، كموالاة الكفار ضد المسلمين.
تفسير الآية الكريمة:
(ٱسۡتَحۡوَذَ عَلَيۡهِمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَأَنسَىٰهُمۡ ذِكۡرَ ٱللَّهِۚ أُوْلَٰٓئِكَ حِزۡبُ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ أَلَآ إِنَّ حِزۡبَ ٱلشَّيۡطَٰنِ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ١٩) (المجادلة: 19)
المعنى الإجمالي للآية: الآية تصف حال فريق من الناس تمكن منهم الشيطان فأغواهم حتى نسوا ذكر الله واتباع هداه، فأصبحوا حزباً للشيطان، ومصيرهم الخسران المبين.
ابن كثير (تفسير القرآن العظيم): الاستحواذ: استيلاء الشيطان على قلوبهم حتى صاروا كالمأسورين له.
الخسران: خسارة الدنيا بالضلال، والآخرة بالعذاب الأليم، ذكر أن هؤلاء هم المنافقون الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر.
الطبري (جامع البيان): استحوذ عليهم الشيطان: أي غلبهم فصاروا تحت طاعته. حزب الشيطان: كل من اتبع هواه وعصى الله فهو من حزب الشيطان.
القرطبي (الجامع لأحكام القرآن): نبه إلى أن الشيطان لا يستولي على الإنسان إلا إذا أعطاه الفرصة بالمعاصي والغفلة. حزب الشيطان يقابل «حزب الله» في الآية السابقة (المجادلة: 22)
السعدي (تيسير الكريم الرحمن): الآية تحذر من الغفلة عن ذكر الله، فمن نسي ذكر الله انقاد للشيطان.
الخسران: يشمل خسارة الإيمان، السعادة، والفوز بالجنة.
ابن عاشور (التحرير والتنوير(: الاستحواذ: سيطرة تدريجية تبدأ بالإغواء وتنتهي بالاستعباد. ذكر أن حزب الشيطان يشمل كل المشركين والمنافقين وأهل البدع.
تفسير آية الروم (32): (مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمۡ وَكَانُواْ شِيَعٗاۖ كُلُّ حِزۡبِۢ بِمَا لَدَيۡهِمۡ فَرِحُونَ٣٢)
المعنى الإجمالي للآية: الآية تحذيرٌ للمسلمين من التشبه بالمشركين الذين فرقوا دينهم إلى شيعٍ وأحزابٍ متنازعة، كل فريقٍ منهم يفرح بما عنده من الباطل ويظن أنه على الحق. وهي تندد بالتفرق الديني والانقسامات المذهبية التي تذهب بوحدة الأمة.
أقوال المفسرين في تفصيل الآية:
الطبري: (مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمۡ): أي لا تكونوا مثل المشركين الذين بدلوا دينهم الحق (كاليهود والنصارى) فآمنوا ببعض وكفروا ببعض، أو تركوه بالكلية.
(وَكَانُواْ شِيَعٗاۖ): صاروا فرقاً متعددة، كل فرقة تعبد معبوداً مختلفاً (الأصنام، النجوم، النار، إلخ).
(كُلُّ حِزۡبِۢ بِمَا لَدَيۡهِمۡ فَرِحُونَ): كل طائفة تفرح ببدعتها وتعتقد أنها على الصواب، مع أنهم جميعاً على ضلال.
ابن كثير: ذكر أن الآية تشمل كل أهل الأديان الباطلة (اليهود، النصارى، المجوس، عبدة الأوثان) الذين اختلفوا في دينهم وصاروا شيعاً. أشار إلى أن هذه الآية تنطبق أيضاً على بعض فرق المسلمين الذين تفرقوا في الدين، إلا الفرقة الناجية (أهل السنة والجماعة) المتمسكة بالكتاب والسنة.
السعدي: أوضح أن الآية تذم التفرق في الدين، مع أن الأصل هو التوحيد ووحدة المصدر (الرسول والإله).
حذر من التعصب للآراء الخلافية في الفروع الدينية، ما يؤدي إلى التشتت والشقاق بين المسلمين.
القرطبي والبغوي: فسروا )شِيَعٗاۖ( بأنها الفرق المتناحرة، مثل اليهود (الذين انقسموا إلى فرق كالفرسيين والصادوقيين) والنصارى (الذين تفرقوا إلى نسطورية ويعقوبية إلخ).
(فَرِحُونَ): أي معجبون بآرائهم، حتى لو كانت مخالفة للحق.
سيد قطب (في الظلال): رأى أن الآية تعكس واقع المجتمعات الجاهلية (قديماً وحديثاً) حيث تتعدد «الآلهة» الزائفة (الأهواء، السلطة، المال، إلخ). وأكد أن الإسلام يدعو إلى وحدة المنهج والغاية، بينما الأحزاب والفرق تفرح بانتصار مصالحها الضيقة.
التفسير الوسيط :
بين أن(فَرَّقُوادِينَهُمۡ)يعني اختراع بدع جديدة في الدين، كمن عبدوا الملائكة أو الأولياء.
ذكر أن الفرح بالباطل ناتج عن الجهل وعدم الانقياد للحق. التحذير من البدع: كل بدعة في الدين تؤدي إلى فرقة، كالتي حدثت في اليهودية والنصرانية.
تفسير آية المؤمنون (53): (فَتَقَطَّعُوٓاْ أَمۡرَهُم بَيۡنَهُمۡ زُبُرٗاۖ كُلُّ حِزۡبِۢ بِمَا لَدَيۡهِمۡ فَرِحُونَ٥٣)
المعنى الإجمالي: الآية تصف انقسام الأمم السابقة إلى فرقٍ متناحرة بعد أن كان دينهم واحداً، حيث كل فرقة تتعصب لرأيها وتفرح بباطلها، معتبرةً أنها على الحق. هذا التحذير موجهٌ أيضاً لأمة الإسلام لتجنب التفرق.
تفصيل أقوال المفسرين:
ابن كثير: (فَتَقَطَّعُوٓاْ أَمۡرَهُم بَيۡنَهُمۡ زُبُرٗاۖ): أي تفرقوا في دينهم إلى مذاهب متعددة، كما فعلت اليهود والنصارى والمجوس، فصار لكل طائفة معتقدات منحرفة.
(كُلُّ حِزۡبِۢ بِمَا لَدَيۡهِمۡ فَرِحُونَ): كل فريق يغتر ببدعته ويظنها حقاً، مثل فرق الخوارج والروافض في الإسلام، أو الطوائف النصرانية كالنسطورية واليعقوبية.
الطبري: (زُبُرٗاۖ): أي كتباً متفرقة (كالزبور، التوراة المحرفة)، حيث حولوا الدين إلى أجزاء متناقضة.
يذكر أن التفرق بدأ بعد أن بعث الله الرسل، فحرف الناس الدين وتشيعوا لأهوائهم.
السعدي: الآية تحذر المسلمين من التمزق كالأمم السابقة، وتؤكد أن الفرح بالرأي دون دليلٍ شرعي من علامات الضلال. يدعو إلى التمسك بالكتاب والسنة وترك التعصب للمذاهب أو الأشخاص
المودودي (تفسير التحرير): يربط الآية بالسياق العام للسورة الذي يذكر وحدة دعوة الأنبياء (من نوح إلى محمد صلى الله عليه وسلم)، في مقابل تفرق أتباعهم. يشير إلى أن التفرق غالباً ما ينتج عن تحريف الدين الأصلي، كما حدث في اليهودية والنصرانية.
القرطبي: (فَرِحُونَ): الفرح هنا ذمٌّ لأنه ناتج عن جهلٍ بالحق، كمن يفرح بالبدعة أو الكبر على الآخرين.
يضرب أمثلة بتفرق بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام.
ذكر لفظ «حزب» في السنة النبوية وكلام الصحابة
1- في السنة النبوية المذموم التحزب الضال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَلَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ قَدْ بَرِئَ مِمَّنْ فَرَّقَ دِينَهُ وَاحْتَزَبَ» (رواه أبو داود)
المعنى: تبرأ النبي ممن فرق الدين إلى شيع وأحزاب متعصبة، كأحزاب الكفر والبدع.
الحديث المحمود لحزب الله:
ذكر القرآن صفات «حزب الله» في قوله تعالى: (أَلَآ إِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ) (المجادلة: 22). ووصفهم بأنهم المؤمنون المتقون، المناصرون لدين الله.
في كلام الصحابة: بلال بن رباح رضي الله عنه: قال عند وفاته: «غَداً نَلْقَى الْأَحِبَّةَ، مُحَمَّداً وَحِزْبَهُ»
المقصود: الصحابة والتابعين المتبعين لسنته.
عائشة رضي الله عنها: وصفت نساء النبي صلى الله عليه وسلم بأنهن «حزبان»: حزب فيه عائشة وحفصة، وحزب آخر فيه أم سلمة وسائر الزوجات.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حث على لزوم «الجماعة» (أي جماعة المسلمين الموحدة) ونَهى عن الفرقة، ما يدل على أن التحزب المذموم هو ما خالف الوحدة الإسلامية.
فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية في جواز تكوين الأحزاب
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما «رأس الحزب» فإنه رأس الطائفة التي تتحزب أي تصير حزبا فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة ولا نقصان فهم مؤمنون لهم ما لهم وعليهم ما عليهم. وإن كانوا قد زادوا في ذلك ونقصوا مثل التعصب لمن دخل في حزبهم بالحق والباطل والإعراض عمن لم يدخل في حزبهم سواء أكان على الحق والباطل فهذا من التفرق الذي ذمه الله تعالى ورسوله فإن الله ورسوله أمرا بالجماعة والائتلاف ونهيا عن التفرقة والاختلاف وأمرا بالتعاون على البر والتقوى ونهيا عن التعاون على الإثم والعدوان. (مجموع الفتاوى 11/92)
التعليق على الفتوى:
– هذا هو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يحدد موقفه من الجماعات وأنها ليست كلها فُرقة وليست كلها محرمة بشرط أن يكونوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة ولا نقصان. العبرة في التحريم عند ابن تيمية هي: التعصب لمن دخل في حزبهم بالحق والباطل والإعراض عمن لم يدخل في حزبهم وعدم قبول الحق من غيرهم
رأي الإمام أبي حنيفة النعمان: جاء عن الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه كما ورد في أحكام القرآن للجصاص وغيره من المراجع الموثوقة: حدثنا الحماني قال: سمعت ابن المبارك يقول: لما بلغ أبا حنيفة قتل إبراهيم الصائغ بكى حتى ظننا أنه سيموت، فخلوت به فقال: كان والله رجلا عاقلا، ولقد كنت أخاف عليه هذا الأمر؛ قلت: وكيف كان سببه ؟ قال: كان يقدم ويسألني، وكان شديد البذل لنفسه في طاعة الله وكان شديد الورع، كنت ربما قدمت إليه الشيء فيسألني عنه، ولا يرضاه، ولا يذوقه وربما رضيه فأكله، فسألني عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى أن اتفقنا على أنه فريضة من الله تعالى فقال لي: مد يدك حتى أبايعك، فأظلمت الدنيا بيني وبينه؛ فقلت: ولم؟ قال: دعاني إلى حق من حقوق الله فامتنعت عليه وقلت له إن قام به رجل وحده قتل، ولم يصلح للناس أمر، ولكن إن وجد عليه أعوانا صالحين ورجلا يرأس عليهم مأمونا على دين الله لا يحول قال وكان يقتضى ذلك كلما قدم على تقاضى الغريم الملح كلما قدم على تقاضانى فأقول له هذا أمر لا يصلح بواحد ما أطاقته الأنبياء حتى عقدت عليه من السماء وهذه فريضة ليست كسائر الفرائض لأن سائر الفرائض يقوم بها الرجل وحده وهذا متى أمر به الرجل وحده أشاط بدمه وعرض نفسه للقتل فأخاف عليه أن يعين على قتل نفسه وإذا قتل الرجل لم يجترئ غيره أن يعرض نفسه ولكنه ينتظر فقد قالت الملائكة أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ ثم خرج إلى مرو حيث كان أبو مسلم فكلمه بكلام غليظ فأخذه فاجتمع عليه فقهاء أهل خراسان وعبادهم حتى أطلقوه ثم عاوده فزجره ثم عاوده ثم قال ما أجد شيئا أقوم به للّه تعالى أفضل من جهادك ولأجاهدنك بلساني ليس لي قوة بيدي ولكن يراني اللّه وأنا أبغضك فيه فقتله.
الخلاصة:
في ظل غياب الخلافة وعدم تطبيق شرع الله بشكل كامل، يبرز سؤال مهم حول دور العمل الحزبي ووجوبه في إقامة الدولة الإسلامية. إليك رؤية شرعية وعملية بناءً على أدلة من القرآن والسنة وموقف علماء الإسلام:
وجوب العمل الجماعي لإقامة الخلافة
الأدلة الشرعية: قوله تعالى:(وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ) (آل عمران: 104).
تفسير «الأمة» هنا يشمل التنظيم الجماعي وليس الفردي، ما يدل على شرعية العمل الحزبي المنظم.
حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الإمام جُنَّة يُقاتَل من ورائه ويُتَّقى به» (متفق عليه)، ما يدل على ضرورة وجود كيان سياسي يحمي المسلمين.
ويتضح أن العمل الحزبي فرض كفاية إذا أقامه البعض سقط عن الآخرين، لأننا اليوم ونحن نعيش في ظل غياب دولة الإسلام يجب أن يكون هناك عمل حزبي لكي يتم استئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة. ويقوم عمل الحزب على التثقيف السياسي للأمة بفهم الإسلام كنظام حياة شامل، والكفاح الفكري ضد الأفكار العلمانية والأنظمة الوضعية…إلخ، والضغط السياسي السلمي على الحكام العملاء لإسقاطهم كونهم يحكمون بغير ما أنزل الله، وتبني المصالح الحقيقة للأمة، ولا يجوز المشاركة في الأنظمة الديمقراطية: لأنها تعني الاعتراف بشرعية الحكم بغير ما أنزل الله، وهو محرم شرعاً.
ما يجب على الأمة فعله اليوم
– التوعية السياسية: فهم أن غياب الخلافة هو أصل الأزمات (الضعف، التجزئة، الاحتلال).
– دعم العمل المنظم: الانضمام إلى أحزاب إسلامية تلتزم بالشرع وتجعل الإسلام قيادتها الفكرية ولا تتنازل عن الثوابت.
– رفض الأنظمة العلمانية: لأن المشاركة فيها توطيد للوضع القائم.
– التأهب للنصرة: إعداد الكوادر القادرة على قيادة الدولة عند قيامها.
الخلاصة من لب الخلاصة: هل العمل الحزبي واجب؟ نعم، إذا كان الهدف إقامة الشرع وليس التكيف مع الأنظمة الفاسدة.
فيجب أن يكون هناك حزب يتبنى الإسلام ويلتزم بمنهج النبوة في التغيير. والتركيز على إقناع الأمة الإقناع الفكري وطلب النصرة من أهل القوة والمنعة، أي له غاية وطريقة وتبني وقيادة واعية مخلصة ورابطة صحيحة.
“فالخلافة تاج الفروض، ووعد الله لا يُخلف، ولكن السؤال هو: هل نعمل بما يرضي الله أم نرضى بالذل؟” فالأمر ليس خياراً بين العمل الفردي والحزبي، بل بين العمل الجاد أو الاستسلام للواقع.
هل يوجد حزب مبدئي يتبنى الإسلام كمنهج حياة؟
نعم حزب التحرير الرائد الذي لا يكذب أهله وما هي رؤيته في الحزبية وكيف رد على الذين يزعمون بتحريم الحزبية؟
الحزب هو «جماعة سياسية تعمل لاستئناف الحياة الإسلامية عبر إقامة الخلافة».
التحزب (أي الانضمام إلى حزب سياسي إسلامي) ليس حراماً بل واجب إذا كان الحزب يعمل لإقامة فرض غائب.
والدليل قوله تعالى: (وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ) (آل عمران: 104)، ويقولون إن «الأمة» هنا تعني الجماعة المنظمة (الحزب).
لماذا يُحرِّم بعض الجماعات الإسلامية «التحزب»؟
بعض الجماعات (مثل السلفية التقليدية) تحرِّم التحزب للأسباب التالية:
ـ الخوف من التفرق: يستدلون بحديث «ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة»، ويرون أن الأحزاب سبب للانقسام.
ـ اعتبارها بدعة: يزعمون أن الأحزاب السياسية لم تكن موجودة في عهد السلف الصالح.
ـ الخلط بين «الحزب» و«الفرقة الضالة»: بسبب استخدام القرآن لكلمة «أحزاب» أحياناً بمعنى الجماعات المنحرفة كقوله تعالى: (كُلُّ حِزۡبِۢ بِمَا لَدَيۡهِمۡ فَرِحُونَ)
الرد على هذه المزاعم
الاستدلال بالقرآن والسنة: يؤكدون أن مصطلح «حزب» ورد في القرآن بمعنى إيجابي أحياناً، مثل:
(أُوْلَٰٓئِكَ حِزۡبُ ٱللَّهِۚ) (المجادلة: 22)
حديث «أحبُّ إلى الله الحنيفية السمحة» (رواه البخاري)، ويقولون إنها تشمل العمل الجماعي المنظم.
الفرق بين «الحزب» و«الفرقة»:
الحزب: جماعة تعمل بالدليل الشرعي ولا تفرق الأمة.
الفرقة الضالة: جماعة تخالف الكتاب والسنة.
التمييز بين «التحزب» و«التفرق»:
التحزب السياسي المنضبط ليس انقساماً، بل تنظيم للعمل الإسلامي.
بعض الجماعات تحرِّمه بسبب سوء فهم للنصوص الشرعية من القائلين بهذا الرأي سواءً بحسن نية أم سوء نية.
الرأي الراجح
الأدلة الشرعية لا تحرِّم التحزب مطلقاً، بل تحرِّم التحزب الباطل أو المسبب للفتنة، أما العمل المنظم ضمن ضوابط الشريعة فقد يكون واجباً أو مندوباً أو مباحاً بناءً على الغاية من العمل الحزبي فإذا كان العمل لإقامة فرض فهنا العمل واجب، واليوم في ظل غياب دولة تحكم بالإسلام فإن العمل لإقامة الدولة الإسلامية فرض بل تاج الفروض.
1447-04-03