العدد 470 -

السنة التاسعة والثلاثون، ربيع الأول 1447 هـ الموافق أيلول 2025م

لوازم الفهم السياسي ورسم السياسات [٥]: نشأة القانون الدولي

لقمان حرزالله- فلسطين

إن وجود الكيانات والدول في العالم واحتكاكها بعضها ببعض دفعها مع مرور الزمن إلى التوافق على أعراف يُعيَّر من يخالفها. وبحكم سطوة الرأي العام على الحكام والكيانات، كانت الكيانات والدول تلتزم هذه الأعراف طوعاً. لقد كان العرف الدولي النواة الأساسية التي تشكل منها القانون الدولي فيما بعد.

والعرف الدولي قد يكون عاماً، وقد يكون غير عام. فأما العرف الدولي العام فهو العرف الذي تلتزمه كل دول العالم، والذي له قبول في الرأي العام، ويكون اعتباره عرفاً اعتباراً مطرداً وليس عابراً. وأما العرف الدولي غير العام فهو عرف تختص به منطقة دون غيرها من العالم، ولذلك استخدمت مصطلحات العرف الدولي القارّي والعرف الدولي الإقليمي، وذلك تبعاً لاتساع نطاق الدول التي تعمل بالعرف المعيّن. ومن الأمثلة على ذلك العرف الدولي الإقليمي الذي حصل عقب حروب سمك القد بين بريطانيا وآيسلندا، والذي تعلق بحقوق الصيد في المياه الدولية، حيث حصلت آيسلندا على تنازل بريطانيا عن الصيد لمسافة 200 ميل بحري من مياه آيسلندا. فقد أصبح هذا الحل عرفاً، ثم أصبح قانوناً دولياً ترسم بناء عليه ما تسمى بالمناطق الاقتصادية الخالصة في البحار. ومن أمثلة الأعراف الإقليمية ما كان متعارفاً عليه عند العرب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم من أن الأشهر الحرم لا يقاتَل فيها. ومن الأعراف الدولية العامة حصانة الرسل والسفراء.

لقد اندفعت الدول الأوروبية في أواسط القرن السابع عشر لتنظيم العلاقات فيما بينها، فأسست في معاهدة وستفاليا عام 1648 م لقانون ينظم علاقاتها، وكانت هذه المعاهدة تأسيساً عملياً لما سيحصل بعد من تشريع قانون دولي يعم دول العالم، وليس فقط أوروبا. كما كان من أبرز المؤتمرات التي نظمت العلاقات بشكل دولي مؤتمر فيينا عام 1815 م الذي عمل على تسوية العديد من القضايا التي نشأت من حروب الثورة الفرنسية، وانتهى بترسيم حدودي في القارة الأوروبية. وكذلك مؤتمر باريس عام 1919 الذي نتج عنه اقتسام تركة الدولة العثمانية وإنشاء عصبة الأمم.

والقانون الدولي العام هو عبارة عن القانون الذي ينظم العلاقات بين الدول في حالة السلم وحالة الحرب، ويجعل للمنظمات الدولية سلطاناً على الدول في ذلك. تباشر هذا السلطانَ الهيئاتُ الدولية التنفيذية، كمجلس الأمن، وهذا يكون تحت سلطان الدولة الأولى في العالم، أو تتنازعه الأقطاب في العالم التي تؤثر في رسم الموقف الدولي.

ومن الأمثلة على القانون الدولي العام القوانين التي نتجت عن اتفاقيات دولية مثل معاهدة جنيف. كما أنه يلحق بالقانون الدولي العام القوانين التي تصدر على مستوى مجموعة من الدول ويكون التزامها على مستوى الدولة لا على مستوى الأفراد، مثل معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.

إن من الواضح أن الذي يضع القانون الدولي هي الدول الكبرى التي تُحصِّل النصر في النزاعات، أو الدول الكبرى حين تستوي قواها فتعلم أن النزاع ليس فيه نصر فتذهب باتجاه تنظيم علاقاتها من خلال اتفاق يجمع عليه الموقعون عليه، ومن ثم يصبح قانوناً دولياً، وذلك من خلال المعاهدات والاتفاقيات الدولية أو المبادئ القانونية العامة أو ما يكون مستمداً من العرف الدولي. إن اتفاق الدول الأوروبية على أثر معاهدة وستفاليا مكن هذه الدول من الوقوف على أقدامها لتحارب الدولة العثمانية التي دكت أسوار كبريات الدول الأوروبية، وهددت الدول الأُخَر؛ ولذلك فإنه من الواضح أن القانون الدولي إنما أنشئ ليوقف مد الإسلام تجاه أوروبا.

لقد اشتغلت القوى الغربية على إنشاء منظمات وهيئات تقوم على صياغة القوانين الدولية والقرارات الأممية ومحاكمة الأشخاص والدول على أساسها، وذلك من باب فرض السيادة على العالم قانونياً، وجعل هذه الهيئات والمنظمات حاكمة فوق الجميع، وفي ذلك السياق أنشئت عصبة الأمم ومن ثم الأمم المتحدة، وكذلك المحكمة الجنائية الدولية. وارتبطت هذه الهيئات بالدولة الأولى في العالم من حيث التوجه، وبمجلس الأمن من حيث الناحية التنفيذية في حالة هيئة الأمم المتحدة. وعليه فإن هذه المنظمات والهيئات هي أداة بيد الدولة الأولى في العالم لتمرير سياساتها على العالم. لكن بحكم أن الدول الأخرى تشترك معها في هذه المنظمات، فإن هذا يجعل الدولة الأولى عرضة لمشاكسات من غيرها من الدول.

إن عدم التزام القانون الدولي يحرج الدول، حتى الدولة الأولى في العالم، مع أنها يمكن أن تفاضل في لحظة من اللحظات بين تحقيق مصلحة حيوية يلزم لتحقيقها مخالفة القانون الدولي وبين احتمال الحرج الذي يصيبها، لكنها تسعى بالحيل لتحسن صورتها ولتنفي تهمة مخالفة القانون الدولي عن نفسها. فمثلا كان بوتين رئيس روسيا في حربه على أكرانيا عام 2022 يسعى جاهداً لأن يظهر بأنه لا يخالف القانون الدولي، فهو لم يدخل بَرِّيّاً في أكرانيا حتى استدعته الجمهوريات الانفصالية للدفاع عنها، وكذلك أمريكا فإنها لم تدخل العراق في حرب عام 2003 إلا بعد أن حشدت رأيا عاما مفاده أن العراق فيه أسلحة دمار شامل، ولو كانت هذه الكذبة قد أحرجتها لاحقا، لكنها كانت قد حققت هدفها، وقد سعت بعدها للتخفيف من أثر الرأي العام الذي تكون عقب اكتشاف كذبتها بشأن أسلحة الدمار الشامل. فالدول بلا شك تهتم بالرأي العام العالمي، بل إن الرأي العام العالمي قد ينعكس إلى رأي عام داخلي في الدولة يحرج حكومتها، فأمريكا تسعى إلى ضبط الرأي العام الداخلي، فهو بطريقة أو بأخرى يؤثر على الانتخابات، وقرارات مجلسي النواب والشيوخ.

إن لزوم بحث مسألة الأعراف الدولية والقانون الدولي مهم في الفهم السياسي، ومهم كذلك في رسم السياسات. كما يلزم فهم وضع التزام القانون الدولي عند الدول الكبرى في العالم، فلا يصح أن يستقر في الذهن أن هذه الدول لا يمكن أن تتجاوز القانون الدولي، ولا يصح كذلك أن يستقر في الذهن أن هذه الدول لا تبالي بالقانون الدولي على الإطلاق، بل إن فهم العرف أو القانون الدولي يساعد في رسم السياسة الموصلة إلى الهدف المرجو؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم حين خرج لعمرة الحديبية أعلن عن ذلك، وأخبر العرب أنه ذاهب إلى العمرة، وأنه لا يحمل من السلاح إلا سلاح الراكب، وهو ليس بسلاح حرب، فهيّأ الأجواء لتضع قريشاً في حرج شديد إذا منعته من دخول مكة، فوق حرجها إذا فتحت له أبوابها، وكان يرنو بنظره إلى الصلح، فدفعهم إليه دفعاً، وذلك باستخدام عرف إقليمي مفاده أن قريشاً تخدم الحرم ولا يصح لها أن تمنع من قصده للعبادة.

الموقف الدولي

الموقف الدولي هو الحالة التي تكون عليها الدولة في العالم وعلاقتها بالدول الفاعلة، أو هو عبارة عن هيكل العلاقات القائمة بين الدول المؤثرة في العالم. وهذا يعني أن لا ننظر إلى الموقف الدولي مثل النظر إلى سياسة كل دولة بعينها، لأن سياسة كل دولة تنبع من وجهة نظرها في الحياة، وفهم تلك السياسة يتعلق بفهم الفكرة والطريقة التي تقيم عليها الدولة سياستها، بخلاف الموقف الدولي، فإنه يتكون من العلاقات بين الدول المؤثرة في العالم، وليس بالضرورة أن تحمل هذه الدول نفس وجهة النظر في الحياة، بل إن الحالة العامة أن تكون هذه الدول مختلفة في وجهة نظرها في الحياة، لكنها تشكل علاقات بينها سلماً وحرباً.

والموقف الدولي يتشكل من خلال تفاوت الدول المؤثرة في العالم، من حيث موقعها في السياسة الدولية. وهذا الموقع الدولي يتشكل من خلال عناصر، منها قوة الدولة العسكرية، وقوتها الاقتصادية، وقوتها الدبلوماسية، وقوتها الصناعية والتكنولوجية، وقوتها الديمغرافية. فيظهر بناء على ذلك تفاوت بين الدول، وبالتالي تفاوت في تأثير الدول في العلاقات الدولية، وبالتالي في الموقف الدولي. ولهذا ظهرت مصطلحات: الدولة الأولى في العالم، والدولة المستقلة، والدولة الدائرة في الفلك، والدولة التابعة. فيلزم فهم مركز الدولة الأولى في العالم ومراكز الدول الأخر بالنسبة لها.

وإن الدولة الأولى في العالم هي الدولة التي تأخذ الصدارة في رسم الموقف الدولي، وذلك من خلال العلاقات التي تربط الدول الأخر بالدولة الأولى. فالدول تسعى إلى تحقيق مصالحها من خلال العمل على تحقيق مصالح الدولة الأولى، وبالتالي تشاركها في المصلحة، أو من خلال منافسة الدولة الأولى أو منازعتها، ما يجعل الدولة المنازعة للدولة الأولى في العام تؤثر في الموقف الدولي حسب حجم منازعتها لها، وحسب نجاحها في تلك المنازعة.

والدولة الأولى في العالم تشكل جواً سياسياً في العالم، يدفع الدول باتجاه فكرتها وطريقتها السياسية. وأي دولة تسعى لأن تأخذ مركز الدولة الأولى في العالم لا بد لها من أن تشتغل على تحويل الجو السياسي باتجاهها. وإن طريقها باتجاه أخذ مركز الدولة الأولى في العالم لا بد أن تمر من خلال مزاحمة الدولة الأولى في العالم، وتحويل الجو السياسي باتجاه الدولة والعمل على انفضاضها من حول الدولة الأولى الحالية، وتبيان ظلمها والأذى الذي يحيق بالعالم من خلال استمرارها في مركز الدولة الأولى، وغير ذلك من الأمور اللازمة لانفضاض الدول عنها والتي تساعد في تشكيل رأي عام ضد سياساتها. ويلزم سلوك أساليب عملية تبين أن الدولة التي تريد أن تصبح الدولة الأولى هي أجدر بحمل مسؤولية العالم، وهكذا.

والموقف الدولي متغير وليس ثابتاً دائماً، ولذلك لا بد لمن يريد تحصيل فهم سياسي صحيح ورسم سياسة تنفع دولته وأمته أن يديم النظر في العلاقات الدولية لفهم الموقف الدولي والحالة التي استقر عليها، أو إن كان يمر بمرحلة تَزعزُع وتَغيّر، فقد انتقل مركز الدولة الأولى من الروم إلى المسلمين، وانتقل من فرنسا إلى إنجلترا، وانتقل من إنجلترا إلى ألمانيا، وتنافَس الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية على العالم، ثم توافقا، ثم تفردت الولايات المتحدة الأمريكية في رسم الموقف الدولي، وهكذا.

هذه الدولة الأولى في العالم، أما الدول الأخر فإما أن تكون تابعة أو مستقلة أو دائرة في الفلك. فالدولة التابعة هي الدولة التي تكون مقيدة بدولة أخرى في سياستها. فمصر منذ عبد الناصر كانت تابعة لأمريكا، واشتغلت بمشاريع أمريكا في المنطقة ونفذت سياسات أمريكا، وإن كانت هذه السياسات قد أضرت بمصر واقتصادها في بعض الأحيان. وإن «السعودية» تنقلت بين ولائها للإنجليز وولائها للأمريكان، حتى وصل سلمان وابنه إلى الحكم، فاشتغلوا بتنفيذ سياسات أمريكا، ولو لم يكن لهم فيها مصلحة، فقد شنت «السعودية» عاصفة الحزم على اليمن عام 2015، واستهلكت تلك الحرب أموالاً طائلة من «السعودية» دون أن تجني منها «السعودية» طائلاً سياسياً، سوى ما تستفيده أمريكا من إيصال الحوثي إلى طاولة المفاوضات التي تثبت موقعهم باعتبارهم جهة سياسة وازنة تشارك في حكم اليمن أو تستفرد به لاحقاً بعد منازعة عملاء الإنجليز فيه.

وأما الدولة الدائرة في الفلك فهي الدولة التي تكون مرتبطة في سياستها الخارجية مع دولة أخرى ارتباط مصلحة لا ارتباط تبعية، ومثال ذلك اليابان، حيث إنها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبعد خروجها مهزومة فيها، ووضع شروط على الطبيعة العسكرية فيها، أخذت تتطلع إلى تحقيق وضع صناعي واقتصادي لها، فحصّلت مركزاً مرموقاً على مستوى العالم في هذا الباب، ولكنها في سياستها الخارجية كانت تعمل على تحقيق مصلحتها من خلال تحقيق مصلحة أمريكا، فانضمت إلى الحوار الرباعي (كواد) مع الولايات المتحدة وأستراليا والهند في عام 2007، وذلك في إطار احتواء الصين. وكذلك تركيا، فإنها بعد الانقلاب على الإنجليز فيها، سعت لتحقيق مصلحتها من خلال تحقيق مصلحة أمريكا، فقد أرسلت قوات تابعة لها إلى ليبيا عام 2020 في سبيل تثبيت أقدام الوسط الأمريكي في ليبيا، وعملت على إجهاض الثورة السورية منعا لانهيار النظام السوري المدعوم من أمريكا؛ حيث احتوت مجموعة من الضباط المنشقين عن الجيش السوري والفصائل المشكلة وقتها، حتى تمكنت من إدخال يدها في الثورة السورية ومنع الجبهات الحاسمة من أن تفتح، وتحويل الجبهة للاقتتال بين الفصائل، وذلك منذ بدايات الثورة السورية عام 2011 حتى الآن. ثم لما أرادت أن تخضع النظام السوري لنوعية من العلاقة التطبيعية مع تركيا ورفض النظام ذلك، حركت قوات تلك الفصائل عام 2024 حتى أطيح بالنظام السوري، وامتدت يد تركيا لتضبط المشهد في سوريا لصالح أمريكا، لكنها في الوقت عينه كانت تشتغل لتحقيق مصلحتها ورسم سياساتها الداخلية بناء على توجهاتها، فكانت ارتباطها بأمريكا في السياسة الخارجية ارتباط مصلحة لا ارتباط تبعية. أما الدولة المستقلة فهي الدولة التي تسلك في سياستها الداخلية والخارجية كما تشاء هي وحسب مصلحتها، مثل الصين، فإنها تتصرف في تحقيق مصلحتها بناء على نظرتها لما يجب أن تكون عليه وكيف يجب أن تصل إلى ذلك، فهي تريد أن تكون قوة اقتصادية قوية، وقوة تجارية لا مُجاري لها، فذهبت تستقصي في جنبات أفريقيا بحثاً عن الموارد، ثم شقت طريقها إلى أمريكا اللاتينية حتى أنشأت ميناء في البيرو امتلكت 60% منه وأخذت امتياز تشغيله لثلاثين عاما.

وثابرت في سبيل هدفها مع وجود العراقيل من قبل أمريكا لها، وهي تنظر إلى تايوان باعتبارها جزءاً منها، وتتخذ معها سياسة تراها مناسبة لها، مع أن أمريكا قد جعلت تايوان شوكة في خاصرتها. وكذلك روسيا في سياستها الداخلية والخارجية.

ولا يتوهم المتابع أن بين روسيا وأمريكا علاقة من التبعية من باب اشتغال روسيا بتحقيق مصالح أمريكا في بعض الملفات، لا يتوهم ذلك لأن الدولة المستقلة يمكن أن تحقق مصالحها من خلال تأمين مصالح الدولة الأولى في العالم، وهذا لا يجعلها دولة تابعة ولا دائرة في الفلك، لأن الدولة المستقلة ترسم هذه السياسة رسماً مستقلاً عن قرار الدولة الأولى، بينما ترتبط مصلحة الدولة الدائرة في الفلك في مصلحتها الخارجية مع الدولة الأولى في العالم ارتباطاً.

إن من المهم جداً سبر أغوار العلاقات الدولية، وفهم مركز الدولة الأولى وغيرها من الدول، حيث إن هذا الفهم يجعل السياسي والمتتبع يدرك ارتباط الأحداث بالمتصدر للموقف الدولي في العالم. وبفهم ذلك يُدرَك أثر المتصدر سياسياً على الحدث من حيث إيجاده أو إخماده أو تحويل اتجاهه أو احتواؤه. فأمريكا دفعت أكرانيا باتجاه الناتو لتشعل حرباً بين أكرانيا وروسيا عام 2022، وبالتالي تؤثر على الحلف الذي كان ينشأ بين روسيا والصين، واشتغلت هي بدعم أكرانيا والتضييق على روسيا، فمنعت روسيا من الاستفادة من نظام «سويفت» المالي، وشرعت مجموعة من العقوبات عليها، ودفعت أوروبا للمشاركة في العقوبات ضد روسيا، حتى أن أوروبا نفسها تضررت بضرر شديد بسبب هذه الحرب، ولكن أمريكا حشدت أوروبا تحت جناحها وقوت حلف شمال الأطلسي الناتو، فهذا حدث سياسي أحدثته الدولة الأولى في العالم، لتحتوي حدثاً آخر اشتغلت عليه روسيا والصين وهو عمل حلف بينهما. وفي المقابل فإن الثورات في البلاد العربية حين حصلت انطلقت عفوياً من الجماهير، ووصلت إلى حد أن أطاحت بأنظمة في حاكماً في مصر، وثبتت نظاماً في سوريا، واستغلت الحدث لإدخال جماعتها إلى النظام في اليمن، ودفعت من يقمع الناس لقمعهم ومن يحتال على الناس باسم جبهات سياسية ثورية إلى هذا العمل، بل إنها دفعت دولاً أخر للمساعدة عسكرياً، فدفعت روسيا وإيران باتجاه سوريا لتقف مع النظام، ودفعت تركيا و»السعودية» للوقوف بجانب الثوار، وهكذا كانت هي المؤثر الأبرز في الحدث. ولهذا كان لزاماً على المتتبع وراسم السياسات أن يفهم الموقف الدولي فهماً دقيقاً، وإلا شطح ونطح، فيَعدّ الدولة التابعة دولة مستقلة، والدائرة في الفلك منازِعة للدولة الأولى! وإن من عجائب هذا الزمان أن يَعُدّ قومٌ محمدَ بن سلمان وليَ العهد في «السعودية» مستقلاً، وذلك لأنه كان قويا في التعامل مع جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي ورفض طلبه بخصوص تغيير سياسته في إنتاج النفط في أول مدة إدارة الرئيس الأمريكي بايدن عام 2021.

 ومن عجائبه كذلك أن يَعدّ قومٌ إيرانَ منازعة لأمريكا حيث إنها نشرت فصائل تابعة لها في العراق وسوريا واليمن تهدد مصالح الأمريكان بل وتقصف قواعدهم بالصواريخ. ولو أنعم الناظرُ النظرَ لوجد أن الذي قوّى ابنَ سلمان في وجه بايدن هو منافس بايدن في أمريكا دونالد ترامب، ولَوَجد أن أمريكا نفسها سيطرت من خلال أحزاب إيران وعملائها على المشهد السياسي في العراق وضبطت بهم الوضع في سوريا وتكاد تسيطر بهم على الحكم في اليمن.[يتبع]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *