العدد 362 -

السنة الواحدة والثلاثون – ربيع الأول 1438هـ – كانون الأول 2016م

حركات السلام اليهودية: وجه آخر للصهيونية (2)!!

بسم الله الرحمن الرحيم

حركات السلام اليهودية: وجه آخر للصهيونية  (2)!!

حمد طبيب – بيت المقدس

تحدثنا في الحلقة السابقة عن فشل محاولات ملة الكفر، في مواجهة أمة الإسلام وجهًا لوجه، في الحروب المادية والفكرية، في كل ميادين المواجهة التي خاضها مع أمة الإسلام، وإن هذه الملة الخبيثة الماكرة قد لجأت إلى أساليب ووسائل أخرى من ألوان الحرب، لإضعاف الأمة تمهيدًا لهزيمتها وبالتالي استعمار بلادها…

ومن هذه الأساليب والوسائل القديمة الجديدة (المكر والتضليل والتخفّي) في وسائل الحرب وأساليبها؛ وذلك بالظهور أمام المسلمين بمظاهر وأسماء مضللة، ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب، وفي نفس الوقت تخفى على كثير من أبناء المسلمين…

وهذا الأمر في الحقيقة ليس جديدًا – كما ذكرنا – وإنما هو قديم منذ عهد النبوة؛ حيث لجأ إليه الكفار المشركون في مكة المكرمة، والمنافقون واليهود في المدينة المنورة، عندما عجزوا عن مواجهة دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعجزوا عن تحدّي فكره الصحيح… فقد حاول كفار مكة أكثر من مرة حرف الرسول عليه الصلاة والسلام وفتنته عن الذي أوحي إليه، قال تعالى: (  وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا * وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا )، وقد حاولوا أيضًا مشاركته في عبادة أصنامهم إلا أن الله سبحانه حذره منهم قائلًا: (  قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)

 ). وحاول الكفار من اليهود والنصارى تضليل الناس وصده عن الإسلام عن طريق الإيمان بالإسلام ثم الارتداد عنه والطعن في صحته؛ فأنزل الله تعالى قوله: ( وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )… ولجؤوا إلى تبني فكرة النبوة، كما فعل مسيلمة العنسي (الكذاب)، وسجاح التميمية لصرف الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتضليل المسلمين من أتباعه… جاء في كتاب (تاريخ الرسل والملوك) للطبري: «عرف مسيلمة بين أتباعه برسول الله، وكانوا يتعصبون له، ويؤمنون بدعوته إيمانًا شديدًا…» (3/283)، وجاء في (السيرة النبوية لابن هشام): «وقد كان مسيلمة بن حبيب قد كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مسيلمة رسول الله، إلى محمد رسول الله: سلام عليك، أما بعد، فإني قد أشركت في الأمر معك، وإن لنا نصف الأرض، ولقريش نصف الأرض، ولكن قريشًا قوم يعتدون».(ج2 ص601).

 ولجأ المنافقون في المدينة المنورة إلى فكرة بناء مسجد الضرار في المدينة المنورة. قال تعالى: ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ) التوبة، يقول (الشهيد سيد قطب) في تفسير الظلال في بيان حقيقة الخداع والتزوير للحقائق، وما يراد من هذا التزوير والخداع، وكيف أنه يتلون ويتعدد في كل زمن، حسب ما تبتكره عقول الكفار من أساليب: «هذا المسجد ما يزال يُتخذ في صور شتى، تلائم ارتقاء الوسائل الخبيثة، التي يتخذها أعداء هذا الدين… تُتخذ في صورة نشاط ظاهره للإسلام وباطنه لسحق الإسلام، أو تشويهه وتمويهه وتمييعه! وتُتخذ في صورة أوضاع ترفع لافتة الدين عليها لتتترس وراءها، وهي ترمي هذا الدين! وتُتخذ في (صورة تشكيلات وتنظيمات)، وكتب وبحوث تتحدث عن الإسلام لتخدر القلقين؛ الذين يرون الإسلام يذبح ويمحق، فتخدرهم هذه التشكيلات وتلك الكتب إلى أن الإسلام بخير لا خوف عليه ولا قلق!… وتتخذ في صور شتى كثيرة. ..ومن أجل مساجد الضرار الكثيرة هذه يتحتم كشفها وإنزال اللافتات الخادعة عنها؛ وبيان حقيقتها للناس وما تخفيه وراءها… ولنا أسوة في كشف مسجد الضرار على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك البيان القوي الصريح: ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ…)… والتعبير القرآني الفريد يرسم هنا صورة حافلة بالحركة، تنبئ عن مصير كل مسجد ضرار يقام إلى جوار مسجد التقوى، ويراد به ما أريد بمسجد الضرار، وتكشف عن نهاية كل محاولة خادعة تخفي وراءها نية خبيثة؛ وتطمئن العاملين المتطهرين من كل كيد يراد بهم، مهما لبس أصحابه مسوح المصلحين: ( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ).

وفي عهد حركات التحرر من الاستعمار في بدايات القرن الماضي وأواسطه، لجأ المستعمرون (الفرنسيون والإنجليز والإيطاليون ..) إلى ركوب موجة حركات التحرر؛  فقادوها بواسطة عملاء مأجورين ظاهرهم الوطنية وحب التحرر، ولكنهم في الحقيقة عملاء للاستعمار، كما جرى في ثورة الجزائر وتونس وليبيا والعراق وغيرها... يقول الدكتور عبد الحي زلوم في صحيفة رأي اليوم 13 كانون الثاني 2016م: «منتصف القرن العشرين كان نقطة التحول من الاستعمار المباشر إلى الاستعمار غير المباشر، أو ما سموه بالاستقلال… « ويقول الدكتور (فيصل القاسم) في مقال له في مدونته 20\8\2016م بعنوان: (لماذا يخرج الاستعمار منتصرًا حتى لو هزم؟؟) :»إن الثورة الجزائرية العظيمة قدمت أكثر من مليون ونصف المليون شهيد لطرد المستعمر الفرنسي، وتمكنت في النهاية من تحرير التراب الجزائري من رجس وجوده العسكري… لكن هل انتهى التأثير الاستعماري الفرنسي على الجزائر بعد التحرير؟ بالطبع لا… لقد كان التحرير عسكريًا فقط أو بالأحرى اسميًا.. فالثقافة الفرنسية ما زالت هي المسيطرة في الجزائر بعد مرور خمسين عامًا على الثورة». ويتابع: «هل خرجت الأنظمة العربية التي حكمت البلدان المقسمة بموجب اتفاقية (سايكس بيكو) قيد أنملة عمّا رسمه الاستعمار؟ هل انقلبت على التركة الاستعمارية؟ حاشى!.. لقد التزمت بها التزامًا حرفيًا لتصبح أمرًا واقعًا لا يمكن مجرد التشكيك فيه، لا بل إن بعض الأنظمة العربية ذهب أبعد من سايكس بيكو، فقسم بلاده إلى ملل ونحل وطوائف وأعراق وعوائل وعشائر، وكأنه كان يقول للبريطانيين والفرنسيين نحن نضاهيكم ونتفوق عليكم في تفتيت الأوطان وتخريبها».

ويقول الأستاذ (حاتم أبو عجمية) في جريدة الراية بتاريخ 15 تموز 2015م: «الاحتلال العسكري مكلف وباهظ التكاليف للمستعمر؛ فهو بحاجة لقوة بشرية كبيرة قد لا تتوفر له، وأموال لتغطية مصاريفه الباهظة، وبحاجة لوجود دائم في تلك البلاد بالإضافة للمقاومة الشرسة من المخلصين من أهل البلاد؛ فكان لا بد لهذه الدول- وبعد تفكير خبيث – أن تغير من أساليبها ووسائلها، فبدأت بصناعة أوساط سياسية واقتصادية ودينية وغيرها من أهل البلاد، وبدأت بتلميعهم وصقلهم وفرضهم على مفاصل تلك الدول، وما حصل في مصر والشام وصناعة مصطفى كمال في تركيا دليل على ذلك؛ فخرج الاستعمار بجيوشه من تلك البلاد بعد أن مكن صنائعه منها؛ فهدمت الخلافة الإسلامية في تركيا على يد صنيعة بريطانيا (مصطفى كمال)، وسلمت باقي البلاد لأعوانهم وصنائعهم في كل البلاد من الخليج وحتى المغرب بلا استثناء».

وفي مقالة في (جريدة القدس العربي)9\6\2015م بعنوان: (السياسة الاستعمارية والاستعمار في الوطن جدلية العلاقة بين التابع والمتبوع، وأثرها في تشكيل عالم اليوم): «فأينما يحل الاستعمار يخلف وراءه سياسات أو ممارسات استعمارية تستمر في ظل وجود تلامذة نجباء من نخب ذات ولاءات سابقة للمستعمِر، أو من قبل مجموعات وطنية ناشئة، تسعى لتبني السياسات عينها، وربما يُلجأ إلى ابتكار سياسات بمظاهر وآليات جديدة من أجل تحقيق تابعية دائمة لقيمة مصلحية لمجموعة معينة، أو لتعمل بوصفها أداة تكفل تحقيق تابعية دائمة للعقل الأوروبي أو الغربي المتفوق، أو لتحقيق تابعية لتنظيم، أو أيديولوجية معينة، كل ما سبق بمعزل عن الولاء للوطن، أو حتى أدنى استشعار لقيمة الإنسان وحريته».

والحقيقة إن هذه الطرق الخبيثة الماكرة؛ (في التضليل والتخفي وقلب الحقائق وتسمية الأمور بغير أسمائها الحقيقية…) لم تنتهِ بفترة النبوة، ولا بفترة الحرب التبشيرية والثقافية، ولا بالفترة التي عاصرت الاستعمار العسكري، أو جاءت بعده مباشرة… بل إن هذه الطرق والأساليب مازالت تمارسها قوى الظلم والاستعمار وأعداء الأمة في الداخل والخارج وعملاء الاستعمار في بلاد المسلمين… ومن هذه الطرق الخبيثة الماكرة المضللة – إضافة إلى ما ذكر ما يقوم به (الكيان اليهودي) وعملاؤه في الداخل والخارج؛  من – (الشاباك والموساد)- بدعم وتوجيه من المنظمات الصهيونية العالمية؛ في إنشاء حركات وأحزاب ومنظمات داخل بلاد المسلمين، وخاصة في الأرض المباركة (فلسطين) يغطونها بأسماء وبألقاب تضليلية، حتى تخفى على الناس، ويسهل عليهم جلب عقول المسلمين إليها… ومن هذه الأسماء المضللة (حركات السلام اليهودية)؛ على اختلاف أسمائها ومسمياتها وبرامجها السياسية… فلماذا أنشئت مثل هذه الحركات؟، ومن الذي قام على إنشائها ابتداء؟، ومن أين يأتيها الدعم المالي والمعنوي؟، وما هي أهدافها القريبة والبعيدة داخل فلسطين، وداخل بلاد المسلمين بشكل عام؟، وما هو الموقف الشرعي تجاه مثل هذه الحركات؟، وما هو واجب المسلمين تجاهها؟، وكيف نعمل لإزالتها  وإزالة خطرها من بلاد المسلمين؟؟!                                                          [يتبع]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *