العدد 76 -

العدد 76- السنة السابعة، صفر 1414هـ، الموافق آب 1993م

رسالة إلى قاهر الروم وبطل اليرموك

الشاعر: يوسف إبراهيم

ذو القعدة 1413هـ أيار 1993م

يا خالدَ المجدِ يفنى الدهرُ والحِقَبُ
.

 

وتَكْسِفُ الشمسُ والأقمارُ والشهبُ
.

وأنتَ باقٍ رفيعُ العزِّ خالدُهُ
.

 

في الأرض ذِكْرٌ وفي الفِردوسِ مُنْقَلَبُ
.

واختاركَ اللهُ سيفاً صارماً حُطِمتْ
.

 

به الطواغيتُ والتيجانُ النُّصُبُ
.

ما خضتَ معركةً إلا وكان بها
.

 

لسيفكَ النصرُ في الميدانِ والغَلَبُ
.

يَوْمٌ بِمُؤْتَةَ مشهودٌ لفارسها
.

 

والخيلُ تَنْقَضُّ والميدانُ يَصْطَخِبُ
.

وخَرَّ زَيْدٌ شهيداً فوقَ ساحتها
.

 

وصاحِباهُ، فلاحَ الموْتُ يَقْتَرِبُ
.

فكنتَ للجندِ نِبراساً بظلمتها
.

 

إلى النجاةِ، وزالَ الخوفُ والعَطَبُ
.

وفي اليمامةِ كَذّابٌ بها أَشِرٌ
.

 

يختالُ بالكفْرِ تيهاً جَيْشُهُ اللَّجِبُ
.

وسارَ جيْشٌ من الإيمان معتصمٌ
.

 

بالله، منتصرٌ لله، مُحْتَسِبُ
.

والخيل تَقْتَحِمُ الميْدانَ مرعدةً
.

 

كالسيل قد حَطَّة في جَرْيهِ صَبَبُ
.

والموتُ يلتهمُ الأرواحَ في نَهَمٍ
.

 

والأُفْقُ داجٍ ونارُ الحرب تَلْتَهِبُ
.

ألقيتَ نَفْسَكَ خلْفَ السورِ مقتحماً
.

 

وِرْدَ الشهادةِ سَلْسالاً لمن شربوا
.

حديقةُ الموتِ قد حطَّمْتَ رهبتها
.

 

بساعديْكَ، فخافَ الخوفُ والرَّهَبُ
.

كأنَّها وَهيَ غضبى في تَوَقُّدِها
.

 

عُرْسٌ دعاكَ إليه الشوقُ والطّرَبُ
.

يا فاتحاً فوْقَ مَتْنِ المجدِ مَرْكَبُهُ
.

 

وَمِنْ ورائِكَ جنْدُ الفتْح قد رَكِبوا
.

تسيرُ النورُ في يُمناك تسكبُهُ
.

 

من كوثرٍ في ثنايا الرُّوحِ يَنْسَرِبُ
.

فمن جبينكَ ضوءُ الشمس مُقْتَبَسٌ
.

 

ومن حسامِكَ غَيْثُ اللهِ مُنْسَكِبُ
.

قد جئتَهُمْ من رِمالِ البيدِ عاصفةً
.

 

يمدها الرَّعدُ والإعصارُ واللهَبُ
.

وجِئتَهُمْ من قضاءِ اللهِ صاعقةً
.

 

يمدها الرَّعدُ والإعصارُ واللهَبُ
.

فجحفلُ الرومِ من زلزالها صَعِقٌ
.

 

وعَرشُ قيصرَ مُنْدكٌ بها خَرِبُ
.

 

] ] ]

 

أبا سليمانَ واليرموكُ ما برحتُ
.

 

ذكراهُ في كل قلب خافقٍ يَجِبُ
.

مسطورةً بحروف النور نقرؤها
.

 

لها من الخُلْدِ في سِفْرِ العُلا نَسَبُ
.

أوقدْتَ جذوتَها حرباً مقدّسةً
.

 

تفورُ والرومُ في نيرانِها خَطَبُ
.

قد أَعْجَبَهُمْ على اليرموكِ كثرتُهمْ
.

 

وما أعدّوا ما عَدّوا وما جَلَبوا
.

فجلجلتْ صيحةُ التكبير تصعقُهُمْ
.

 

فزُلزِلوا في لظى الميدان واضطربوا
.

ضاقتْ عليهمْ فجاجُ الأرض إذْ عَلِموا
.

 

ألا نجاةَ لمن صالوا ومن هَرَبوا
.

لَمْ ينجُ منهمْ وهمْ في حرّ وَقْدَتِها
.

 

إلا الأسيرُ وإلا السَّبْيُ والسَلَبُ
.

ولّى هِرَقْلٌ فلم تنفعْهُ سطوتُهُ
.

 

ولا الجنودُ ولا الرهُّهبانُ والصُّلُبُ
.

وودَّعَ الشام توْديعاً بلا أَملٍ
.

 

يرجوه، وَهْوَ حَسيرُ النَّفْسِ مكتئِبُ
.

وزغردَ النصرُ في اليرموك تحملهُ
.

 

بُشْرَى تَهُشُّ لها الأرواحُ والهُدُبُ
.

 

] ] ]

 

أبا سليمان كم من طالبٍ أَمَداً
.

 

جاراكَ نحوَ المعالي فاتَهُ الطَّلَبُ
.

أفنيت عُمْرك في جَهْدٍ وفي دَأَبٍ
.

 

وما لَوى ساعدَيْك الجَهْدُ والدأبُ
.

«تبكي عليك البواكي» قالها عُمَرٌ
.

 

لمّا قضَيْتَ، ولا مالٌ ولا نَشَبُ
.

سيفٌ ودِرْعٌ وتُرْسٌ عن نفاستها
.

 

تأخّرَ الدُرُّ والياقوتُ والذّهَبُ
.

 

] ] ]

 

أبا سليمان أَقْبِلْ كي ترى عَجَباً:
.

 

خُضْرُ الربوعِ على اليرموكِ تَنْتَحِبُ
.

أقبِلْ فإن جموعَ الرومِ يَقْدُمُها
.

 

هِرَقْلٌ عادوا غُزاةً بعدما غُلِبوا
.

وعادتِ الشامُ تبكي فَقْدَ فاتِحها
.

 

والقدسُ تُسْبى ومَسرى النورِ يُسْتَلَبُ
.

تبكي فتوحَ صلاحِ الدين في رَجَبٍ
.

 

أغضى الجهادُ وأغضى بعدَهُ رَجَبُ
.

كتائبُ الفتحِ قد فُلَّتْ صوارمُها
.

 

وخيْلُها هدَّها الإعياءُ والتَّعَبُ
.

يا فاتح الشامِ سَلْها كيف ساكنُها
.

 

وكيفَ أضحى يباباً رَبْعُها الخَرِبُ
.

وسَلْ فلسطين هل غاضت مناهِلُها
.

 

وهل تَعَرّى أَسَىً بستانُها الطَّرِبُ
.

يا نفحةَ التينِ والزيتونَ هَلْ عَبَقٌ؟
.

 

يا شُعْلَةَ الطورِ هل للنور مُنْقَلَبُ؟
.

قد صَوَّحَتْ في بروابيها حدائقُها
.

 

وحُرِّقَ التينُ والزيتونُ والعنَبُ
.

والنهرُ في السهلِ مسجورٌ، وقدْ نَضَبَتْ
.

 

من وابلِ الغيثِ في آفاقها السُّحُبُ
.

يا قائد الفتحِ أينَ الأمس نَلْمَحُهُ
.

 

طيْفاً من النور يدنو ثُمَّ يَحْتَجِبُ
.

نراكَ في كُتُبِ التاريخِ مكتئباً
.

 

يلوحُ في مقلتَيْكَ اللوْمُ والعَتَبُ
.

مَجْدٌ بسيفك قد شُدَّتْ أواصرُهُ
.

 

في كل ناحيةٍ أُمٌّ له وأَبُ
.

واليومَ تبصرُهُ نهباً لمن نَهَبوا
.

 

ومغنماً سائغاً سهلاً لمن رَغِبوا
.

ساحاتُ نصركَ أسرى تحت أرجلِهمْ
.

 

ونصل سيفكَ مسلوبٌ ومغتصَبُ
.

 

] ] ]

 

أبا سليمان والأمجادُ واجمةٌ
.

 

في كفِّ من سرقوا الأمجاد أو سَلَبوا
.

وأمّةٌ النورِ خلفَ الليل قابعةٌ
.

 

ثكلى يُطِل كئيباً وجهُها التَّرِبُ
.

أقبلْ وسَلْ قَبْلَها أطلالَ أندلس
.

 

وكيف عادت سبايا غيدُها العرَبُ
.

تفرقوا شِيَعاً من بعد وحدتهمْ
.

 

وأَلقَوُا من منارِ المجدِ أو نّصّبوا
.

وبعدما شيَّدَ الماضونَ نهضتَها
.
.

 

وما بَنَوْا من منارِ المجدِ أو نَصَبوا
.

أضاعها الكأسُ واللذات جامحةً
.

 

واللهوُ والتَّرفُ الفتّانُ واللّعِبُ
.

وما بَنَوْا من قصور العُهْرِ أو كنزوا
.

 

وما تَساقَوْا مِنَ الآثَامِ واكْتَسَبوا
.

واليوم عاد لنا التاريخ في دَمِهِ
.

 

مُضَرَّحاً وعَذارى المَجْدِ تُغْتَصَبُ
.

فكمْ تداعَوْا إلى ميدانِ مؤتمرٍ
.

 

وكمْ تنادَوْا وكمْ نادَوْا وكَمْ نَعَبوا
.

قد أَوْقَروا السمعَ من تَردادِ ما هتفوا:
.

 

سَيْناءُ والقدسُ والجولان والنقَبُ
.

وليس من فيلق للقدس ينصرُها
.

 

إلا الجرائدُ والمذياعُ والخُطَبُ
.

ألقوْا فلسطين في بشر مُعَطَّلَةٍ
.

 

وقارفوا الفَعْلَةَ الشنعاء وارتكبوا
.

وأقبلوا بعدها يبكون قد حملوا
.

 

قميصَ يوسف يعلوهُ الدمُ الكَذِبُ
.

إذا تصفحْتَ في الأوطانِ سيرتَهُمْ
.

 

يُغْنيكَ مختصرٌ عنها ومقتضَبُ
.

عُبّادُ آلهةٍ في قُدْسِها سجدوا
.

 

المالُ والجاهُ والألقابُ والرُتَبُ
.

 

] ] ]

 

أبا سليمان أين العادياتُ، على
.

 

سُرُوجهِنَّ يطيبُ الجَرْيُ والخَبَبُ
.

هَلاّ تعودُ إلينا اليومَ أجنحةً
.

 

في السُّحْبِ، تُمْطِرُ سِجّيلاً بها السُّحُبُ
.

طيراً أبابيل ترمي جندَ أبرهةٍ
.

 

وفوقَ مسرى الهُدى ميدانُها الرَّحِبُ
.

هَلاّ يعودُ بُراقُ النور يغمرُها
.

 

قد شحَّ أو كاد يخبو نورُها الشَّحِبُ
.

لعلَّ خفقَ جناحيْهِ يُلامِسُها
.

 

فتنجلي حالكات الليلِ والكُرَبُ
.

 

] ] ]

 

أبا سليمان يعيا كل من كتبوا
.

 

يعيا البيانُ ويعيا الشعرُ والأدَبُ
.

وإنما هو وَحْيٌ شاقه نَسَبٌ
.

 

للخالدين، فراحَ الحَرْفُ يَنْتَسِبُ
.

يَعُبُّ من صَفَحاتٍ كُلُّها عَجَبٌ
.

 

وفي سَمَواتها لا ينتهِي العَجَبُ c
.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *