العدد 75 -

العدد 75- السنة السابعة، محرم 1414هـ، الموافق تموز 1993م

إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ…

بسم الله الرحمن الرحيم

(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا * وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا).

[سورة النساء: 97 ـ 100]

نحن الآن في أول السنة الهجرية وهذه الآيات الكريمة تتحدث عن الهجرة. وهناك نوع من الهجرة لم ينقطع ولا ينقطع ما دام في الأرض دارُ كفر وظلمٌ وكبت. فإذا كان المسلم يعيش في مكان ما ووجد أن القوانين أو الحكام أو الظروف تجبره على ترك فرض أو ارتكاب محرّم، أو غلب على ظنه أن وجوده في ذلك المكان سيوقعه أو يوقع بعض أهله في المعصية فإنه يجب عليه أن يهاجر من ذلك المكان إلى مكان آخر يأمن فيه على نفسه وأهله من المعصية ولو كان المكان الآخر دار كفر. فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هاجروا من مكة إلى الحبشة فراراً بدينهم، وكانت مكة دار كفر والحبشة دار كفر، ولكنهم في الحبشة كانوا يأمنون على دينهم.

وإذا كان المسلم مستطيعاً على الهجرة وحصلت الأسباب التي توجب عليه الهجرة ولم يهاجر فهو ظالم لنفسه، وإذا مات وهو على ذلك فإنه يستحق جهنم. والمانع من الهجرة قد يكون تعلقه بأرضه وممتلكاته وأقاربه ومصالحه، وهذه كلها لا يجوز أن تكون أغلى عند المسلم من دينه وطاعة ربه. أما إن كان غير مستطيع بأن كان مستضعفاً ومجبراً على الإقامة، أو كان لا يملك وسائل الانتقال ولا يعرف طريق السفر (فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ) (وعسى) من الله موجبة لأنها تعهد ن الله. جاء في البخاري: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء إذ قال: «سمع الله لمن حمده» ثم قال قبل أن يسجد: «اللهم انج عياش بن أبي ربيعة، اللهم انج سلمة بن هشام، واللهم انج الوليد بن الوليد، اللهم انج المستضعفين من المؤمنين، اللهم أشدد وطأتك على مُضَر، اللهم اجعلها سنين كسني يوسف». ويقول ابن عباس رضي الله عنهما: «كنا أنا وأمي من المستضعفين».

(وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً) (المُراغَم) أي متزحزحاً عما يكره. (السعة) يعني الرزق.

(وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ) أي فراراً من معصية الله ورسوله ورغبة في تحصيل طاعة الله ورسوله. وقد صح قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه». وكلمة (هجرة) في هذا الحديث تعني النية من باب الكناية وتعني الهجرة حقيقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *