العدد 92 -

السنة الثامنة – رجب 1415هـ -كانون الأول 1994م

القمة الإسلامية وتحسين صورة الإسلام في نظر العالم

في الفترة 13 – 15 كانون أول (ديسمبر) 1994 عقدت في الدار البيضاء – المغرب القمة السابعة لزعماء البلاد الإسلامية. وقد شاركت في هذا المؤتمر خمسون دولة هي أعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي. وكان على جدول المؤتمر ما يزيد عن خمسين مسألة. ولسنا هنا في صدد التعليق على هذه المسائل كلها، بل سنكتفي بمسألتين منها هما مسألة الإرهاب ومسألة وضع مرجعية لتفسير الإسلام.

بخصوص الإرهاب اعتمدت القمة مدونة لقواعد السلوك لمكافحة الإرهاب هي قرار يدعو إلى التنسيق بين الدول الأعضاء لمكافحة الأعمال الإرهابية، وكانت القمة السادسة في الصومال أوصت بها. وطالب بعضهم بوضع تعريف للإرهاب. ونحن نعلم أن مسألة الإرهاب الآن تقض مضجع جميع دول العالم، وليس العالم الإسلامي وحده. ولكن ما يسميه بعضهم إرهاباً يسميه الآخرون مقاومة مشروعة ضد احتلال غاصب، كما هو الحال مع الاحتلال اليهودي. أو ما يسميه بعضهم جهاداً ضد حاكم كافر أو أظهر الكفر البواح كما هو الحال في الجزائر ومصر وغيرها.

أما مسألة المرجعية التي تضبط تفسير أحكام الإسلام فيه كانت اقتراحاً من الملك الحسن رئيس المؤتمر. وهي في الحقيقة مكملة لمسألة الإرهاب. فالمسألتان تشكلان مسألة واحدة.

هم قالوا بأنه لا يحق للجهلاء والمتطرفين أن يعطوا للإسلام معاني للإسلام تشوه حقيقته وصورته الجميلة. لذلك لا بد من هذه المرجعية.

ونحن نسأل الملك الحسن ومن رأى رأيه: من سيعين العلماء الذين سيؤلفون هذه المرجعية؟ إذا كان الحكام هم من سيعينهم فإن الثقة فيهم معدومة مسبقاً لأن الثقة بهؤلاء الحكام معدومة. والآن يوجد علماء ومفتون عند هؤلاء الحكام، ولا تثق الشعوب بفتاويهم ولا تفسيراتهم، لأنها رأتهم يؤولون النصوص ويحرفونها لتوافق هوى أسيادهم وأولياء نعمتهم الحكام.

هذه ناحية، وناحية أخرى فإن الدول في البلاد الإسلامية تزيد عن خمسين، وهذه الدول ليست متفقة، بعضها عميل لأميركا، وبعضها لإنجلترا، وأخرى لفرنسا، وأخرى لها مطامع شخصية. وتبعاً لذلك فإن العلماء في المرجعية سيختلفون في تأويلاتهم تبعاً لاختلاف أسيادهم. الصلح من الناحية الشرعية، بينما أفتت المرجعية المصرية بشرعيته. والآن حين غير الحكام رأيهم بشأن مصالحة العدو، غيّر علماء السلطان فتاويهم ليوافقوا رغبات الحكام.

ومن ناحية ثالثة، على فرض أن هذه المرجعية اتفقت على رأي واحد، وقامت دولة معينة وطعنت برأي المرجعية ولم تلتزم به، من سيجبرها على الالتزام؟ هذا الملك حسين لم يعجبه قرار مؤتمر القمة برفع ولايته عن القدس، فانسحب من المؤتمر. وإذا أصدرت المرجعية رأياً وطعنت به إيران أو السودان مثلاً وقام علماؤها يهاجمونه، فأين يصبح رأي هذه المرجعية؟

ومن ناحية رابعة فإن الفقه الإسلامي منه أحكام متفق عليها بين المذاهب، ومنه أحكام خلافية لأن النصوص التي دلت عليها ليست قطعية الدلالة. فإذا تعرضت المرجعية للأحكام المتفق عليها فلا فائدة من عملها لأن عملها تحصيل حاصل. وإذا تعرضت للمسائل الخلافية تكون أقحمت نفسها في مسألة لا يمكن أن تخرج منها سالمة.والمسلمون يعرفون أن رفع الخلاف في المسائل الخلافية يكون بترجيح الخليفة للرأي الأقوى وسنّه قانوناً وإلزام رعيته به، ولا يستطيع أني لزم غير رعيته.

فهذا الكلام عن تشكيل مرجعية تضبط تفسير الأحكام الشرعية كلام نظري، ويدل على بساطة القائلين به، فضلاً عن أنه مخالف للطريقة الشرعية في تبني الأحكام الشرعية.

ولنترك المرجعية التي تضبط تفسير الأحكام، ولنأخذ بعض الأحكام الواضحة المتفق عليها عند جميع المذاهب الإسلامية، وهي التي يقال عنها لا اجتهاد في مورد النص، وهي معلومة من الدين بالضرورة، ولنحاكمكم بموجبها يا حكام المسلمين.

مثلاً الربا حرام بنص القرآن القطعي، وهذا متفق عليه في جميع المذاهب. قد يكون هناك من تكلم عن ربا النسيئة، أو قد يكون هناك من تكلم عن الربا مع الكفار في دار الكفر. أما إباحة الربا بجميع أنواعه وبشكل مطلق فهذا تحليل لما حرم الله. أي هو تشريع لشرع ينقض شرع الله. وهذا كفر بإجماع المذاهب الإسلامية.

إن من يتعامل بالربا وهو يعتبره حراماً، ويسأل الله المغفرة، هذا يكون عاصياً وآثماً عند الله. أما من يستحل الربا بشكل مطلق فهو كافر عند الله وخارج عن ملة الإسلام، لأنه أنكر نصاً قطعي الثبوت قطعي الدلالة.

ولا يغرنكم شذوذ بعض الأفراد الذين يحاولون تبرير الخروج من الدين وتبرير استحلال الحرام من ربا وغيره. لا يغرنكم شذوذ هؤلاء وتبريرهم وإن كانوا على درجة من العلم، فإبليس كان عالماً، وحين عصى وكفر حاول أن يبرر لنفسه، ولكن هيهات.

أنتم أيها الحكام تبيحون الربا، جعلتموه قانوناً مشروعاً. لم يجبركم أحد على استحلال الربا ولا توجد لكم شبهة. فانظروا لأنفسكم.

الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله مختاراً، ويشرع شرائع تتصادم مع كتاب الله مستحلاً لتلك الشرائع، مفضلاً إياها على شرع الله هو كافر. وحكام البلاد الإسلامية الآن في غالبيتهم العظمى هم من هذا الصنف. ومع ذلك يظنون أنهم غير كافرين، ويظنون أنهم ذوو فهم كبير، ويظنون أنهم يحسنون صنعا. فهل ظنهم هذا يشفع لهم عند الله؟ كلا. اسمعوا قول الله تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا).

من زيادة حرص هؤلاء الحكام على الدين الإسلامي يريدون أن يفسروا هذا الدين بشكل يصبح جميلاً في نظر العالم. وأي عالم؟ العالم الغربي. ولقد نسوا قول الله: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ). منذ حوالي قرن من الزمن صار المستشرقون والمبشرون يهاجمون أحكام الدين الإسلامي: يسمح بتعدد الزوجات، يقول بالجهاد، يضيق على المرأة باللباس ولا يسمح لها بالاختلاط، جامد لأنه يتبع نصوصاً جاءت قبل ألف وثلاثمائة عام، يمنع الربا وهو أس الاقتصاد في العصر الحديث، العقوبات فيه متأخرة ومتوحشة، إذ كيف تقطع اليد وترجم النفس… وهكذا. فقام نفر من المسلمين وصاروا يؤولون أحكام الشرع ويفسرونها بشكل يرضي المستشرقين والمبشرين. والآن يريد مؤتمر القمة أن يفسر الإسلام تفسيراً يرضي الغرب. إن أمثال سلمان رشدي يرضيهم، وأمثال هؤلاء الحكام يرضونهم، لأنهم يسيرون بموجب الحضارة الغربية العلمانية التي تفصل الدين عن الدولة والحياة ¨

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *