العدد 360 -

السنة الواحدة والثلاثين – محرم 1438هـ – تشرين الأول 2016م

الاقتصاد العالمي… على حافة الانهيار!!. (2)

بسم الله الرحمن الرحيم

الاقتصاد العالمي… على حافة الانهيار!!. (2)

حمد طبيب بيت المقدس

إننا بعد هذه الحقائق والوقائع العملية والأحداث نصل إلى الحقيقة الساطعة البينة، وهي أن النظام الرأسمالي هو نظام الأزمات والتقلبات والكوارث الاقتصادية المستمرة؛ والتي لا تنتهي طالما بقي مطبقًا في أرض الواقع، منذ نشأته حتى اليوم؛ والسبب في ذلك يعود لعدة أمور ذكرها كبار الساسة والاقتصاديين من الغربيين:

 فقد جاء على لسان  الخبير الاقتصادي (روجر كيري) في كتابه (جنون الاقتصاد) قال: «إن المشكلة لا تكمن في كيف نطبق نظامنا الاقتصادي، فنظامنا الاقتصادي بعينه هو المشكلة».

ويقول  البروفيسور (عبد الحي زلوم) في كتابه الشهير (نذر العولمة): «لقد حقق النظام الرأسمالي المعلوماتي إنجازات علمية وتكنولوجية هائلة صاحبه خواء روحي وانحطاط أخلاقي كبيرين، كما حقق إنجازات مادية لشعوبه على جانبي الأطلسي والبالغة حوالى 10% من سكان الكرة الأرضية؛ وذلك باستلاب مقدرات الـ90% من بقية السكان الآخرين، وجاءت أدوات العولمة واقتصادها لتزيد من عملية الاستلاب تلك، واستلبت فئة الواحد بالمائة من كل شعب من شعوبها مقدراته، ثم استلبت خيرات ومقدرات البقية من الشعوب؛ فأصبح العالم مضطربًا كالواقف على رأسه لن يقوى على مثل هذا الوضع ولا يمكن الاستمرارية به، حتى إن النظام المعلوماتي بجبروته ووحدانيته هذه الأيام كان قاب قوسين أو أدنى من الانهيار!!».

ويقول الكاتب سالم كيلة في مقال نشرته الجزيرة نت  12-10-2013م: “ما يحدث من أزمات عالمية يؤشّر على اختلال هائل في التكوين الرأسمالي، وعلى أننا مقبلون على نهوض عالمي ضد الرأسمالية؛  فالاقتصاد الرأسمالي ليس في حالة جيدة، ونسبة نموه ضئيلة، وهو يغرق في أزمات قديمة وملاصقة للنمط الرأسمالي، مثل أزمة فيض الإنتاج؛ التي تفضي إلى الكساد والركود، وانهيار صناعات وشركات وبنوك، وأزمات جديدة نشأت عن التشكل الجديد للرأسمال، وتحوّل كتلة هائلة منه إلى النشاط المضارب، وبالتالي اختلال العلاقة بين الرأسمال المنتج والمال البنكي لمصلحة الأخير، وهو الأمر الذي فرض نشوء أزمات جديدة أكثر تعقيدًا من الأزمات الدورية التي كانت تمرّ بها الرأسمالية؛ ولقد انفجرت الأزمة الأخيرة يوم 15 سبتمبر/أيلول 2008 وما زالت مستمرة، رغم كل محاولات تجاوزها، وفي سياق السعي لتجاوزها تجري محاولة حلها على حساب الشعوب، شعوب الأطراف أولًا، وشعوب البلدان الرأسمالية الطرفية ثانيًا، وشعوب البلدان الرأسمالية عمومًا ثالثًا… هذا الحل هو الذي يفجر الاحتجاجات، حيث تقوم الدول التي راكمت مديونية هائلة خلال العقود الثلاثة الأخيرة باتباع سياسة تقشفية تنهك العمال والفئات الوسطى».

لقد حاولت أميركا عن طريق عنجهيتها وتسلطها على دول العالم – خلال السنوات الماضية- أن تحمل أعباء هذه الأزمات والنكبات على كاهل العالم أجمع لتنجو من هذه الهزات والأزمات؛ فالأزمة التي حصلت سنة 1929م، لم يتعافَ منها الاقتصاد الأميركي إلا عندما دخلت أميركا الحرب العالمية الثانية؛ واختلقت الأسباب لإقناع الشعب الأميركي بذلك، يقول «غوردون توماس» مؤلّف كتاب «الكتاب الأسود» لوكالة الاستخبارات الأميركية”: خرجت الولايات المتحدة من الحرب قوة صناعية مسيطرة في العالم، وجعلت منها أكبر مصدر استثمار، وتوسعت وتجددت صناعتها، وأصبحت تبحث عن أسواق خارجية لتصريف منتجاتها. ولم تكن أوروبا تستطيع الاستجابة، بسبب النقص في قدراتها الشرائية عند انتهاء الحرب، مما أعطاها مؤشرات لبداية كساد اقتصادي في العام 1947 (شبيه بالكساد الرهيب عام 1929) نتيجة تخفيض مشتريات الدولار في أسواق أوروبا، وخفض الطلب فيما وراء البحار؛ ولذلك فقد جاء (مشروع مارشال) استجابة لحاجة الاقتصاد الأميركي، وضرورة إنعاش وتنشيط الاقتصاد الأوروبي، ونمو أسواق أوروبا أمام منتجات الصناعة الأميركية… لقد كانت الحرب ونتائجها والدعوة إلى إعمار أوروبا سببًا لاستعادة الاقتصاد الأميركي عافيته منذ الأزمة المالية التي عصفت به عام 1929».

جاء في الموسوعة العربية: «أهداف مشروع مارشال… لقد خرجت دول أوروبا من الحرب العالمية الثانية بخراب في البنى التحتية لبلدان أوروبا مما جعلها بحاجة إلى استثمارات كبيرة لاستعادة توازنها الاقتصادي وتحقيق الانتعاش من جديد، في حين خرجت الولايات  المتحدة من الحرب قوة صناعية مسيطرة في العالم، وجعلت منها أكبر مصدر استثمار، وتوسعت وتجددت صناعتها، وأصبحت تبحث عن أسواق خارجية لتصريف منتجاتها، لقد كانت الحرب ونتائجها والدعوة إلى إعمار أوروبا سببًا لاستعادة الاقتصاد الأميركي عافيته منذ الأزمة المالية التي عصفت به عام 1929».

لقد تغيرت كثير من الأمور في ظل الأزمة الحالية التي بدأت سنة 2008م، ولم تعد أميركا قادرة على قيادة العالم بنفس الطريقة وبنفس القدرات السابقة، وهذا الأمر أثر على قدرة أميركا على التعافي مما هي فيه من أزمة كبيرة… فمنذ العام 2008م والأزمة تتفاقم ويتسع مجالها، وتجر كوارث جديدة في كل فترة حتى أدت إلى الكساد الحالي، وأدت إلى انخفاض أسعار البترول، وأدت إلى انهيارات في سوق البورصة الحالي كذلك؛ هذا عدا عما أحدثته من كوارث سابقة عند حصولها سنة 2008م .

فكل التقارير الكاذبة التي تصدر عن الساسة الأميركان (بأن الأزمة قد انقضت وتعافت منها أميركا)؛ هي عبارة عن تقارير تخالف الحقيقة، وهي أشبه بتغطية الشمس بالغربال؛ فهناك مؤشرات رئيسة يمكن أن تحدد مدى صدق القول إن أميركا قد تعافت من الأزمة أم لا، ومن هذه المؤشرات:

1- ازدياد حجم الدين الأميركي بطريقة تصاعدية؛ فقد ذكر موقع روسيا اليوم 4-2-2016م  نقلًا عن صحيفة «ذي واشنطن تايمز»: «إن الرئيس أوباما عند استلامه السلطة؛ كان حجم الدين الحكومي 10.6 تريليون دولار، وبعد سبع سنوات من حكم أوباما تضاعف الدين تقريبًا؛ فبلغ معدل ازدياد الدين الأميركي 150-200 مليون دولار أسبوعيًا… ولكن إدارة الميزانية في الكونغرس تتوقع ارتفاع حجم هذا الدين إلى 30 تريليون دولار خلال 10 سنوات… ويذكر أن مجلس الشيوخ الأميركي كان قرر في 30 تشرين الأول 2015 رفع سقف الدين الحكومي إلى 20 تريليون دولار، وقد صادق الرئيس أوباما على هذا القرار».

2- ارتفاع معدل البطالة باطراد في كل شهر منذ الأزمة وحتى اليوم؛ فقد ذكر موقع (إيرو نيوز) نقلًا عن وزارة العمل الأميركي 4-3- 2016م  استقر معدل البطالة في شهر شباط م2016 عند معدل 4.9%. وذكرت صحيفة الرياض 8- فبراير 2015م: «أعلن مكتب إحصاءات العمل الاتحادي في  الولايات المتحدة عن ارتفاع معدل البطالة خلال يناير الماضي بعد وضع المتغيرات الموسمية في الحساب إلى 7،5% بسبب عودة العديد من العاطلين الذين توقفوا في الماضي عن البحث عن وظيفة إلى سوق العمل، وكان معدل البطالة في ديسمبر الماضي 6،5% بحسب بيانات الحكومة».

إن من الأمور التي تغيرت ولم تعد أميركا- بسببها- قادرة على التحكم باقتصاد العالم كما كانت  تفعل من قبل، ولم تعد عندها القدرة بسبب ذلك على الخروج من هذه الأزمة الخانقة، والتي باتت تهدد اقتصادها واقتصاد العالم بالدمار والخراب:

1- عدم قدرة أميركا على إشعال حروب كبيرة كما كانت تفتعل من قبل؛ في الحرب العالمية بعد أزمة الكساد سنة 1929م، وسنة 2003م، بعد هزات الأسواق والانكماش الاقتصادي الذي أعقبها.

2- خروج صيحات كثيرة في العالم تطالب بالتخلص من تبعية الدول لأميركا عن طريق تحكمات الدولار؛ مثل روسيا والصين وفرنسا وغيرها…

3- التوازن النووي في العالم؛ حيث إن أميركا لم تعد قادرة على جر العالم لحروب كبيرة بسبب هذا التوازن النووي…

4- بروز مناطق اقتصادية منافسة في العالم وخاصة الاتحاد الأوروبي (منطقة اليورو)، والصين حيث أصبحت منافسًا قويًا للاقتصاد الأميركي في الأسواق الداخلية والخارجية.

5- الأزمات المالية المتعاقبة والحروب المتتالية والتي تسببت في ضعف الولايات المتحدة ونزولها عن مركز التفرد العالمي، وعدم قدرتها على قيادة العالم؛ كما كانت في الفترة التي أعقبت سقوط الاتحاد السوفياتي…

يقول وزير المالية الألماني (شتاينبروك) في بيان حكومي رسمي: “إن الولايات المتحدة الأميركية ستخسر تدريجيًا مكانتها كدولة عظمى على الصعيد المالي، وإن الدولار الأميركي سيفقد مكانته يومًا بعد يوم أكثر مما مضى، وإن الحكومة الأميركية ارتكبت أخطاء فاحشة في سياساتها الاقتصادية والمالية».

يقول (ديفيد وركر) كبير مفتشي الحكومة الأميركية، وهو الممسك بالملف الوطني الأميركي كله: «… إن الولايات المتحدة الأميركية تقف الآن على حافة الهاوية، وذلك في صورة سياسات وممارسات لا تطيقها البلاد تسببت في العجز الشديد في الميزانية، والنقص الحاد في الرعاية الصحية، وتزايد التزاماتها العسكرية الخارجية مما يهدد باندلاع أزمة طاحنة… إن وضع البلاد يشبه وضع روما القديمة قبل احتراقها وانهيارها… فعلى مدى أكثر من نصف قرن، كان الدولار الأميركي قويًا؛ لأنه كان يمثل 40% من الناتج الاقتصادي العالمي. أما الآن فقد تغير الحال، إذ لا يمثل الاقتصاد الأميركي اليوم إلا 10% من الناتج الاقتصادي العالمي»

أما الخبير الفرنسي (إيمانويل تود) في كتابه (ما بعد الإمبراطورية) يقول فيه: «… إن الولايات المتحدة أصبحت مشكلة بالنسبة للعالم، بعد أن كنا نراها تقدم الحل لمشاكله، وكانت تضمن الحرية السياسية والنظام الاقتصادي خلال نصف قرن مضى، أما اليوم فقد بدأت تظهر كعامل فوضى… فهي تستفز اليوم دولًا كالصين وروسيا، وتحتم على العالم أن يعترف بأن هناك دولًا تمثل محورًا للشر، وتضع حلفاءها في موقف حرج باستهدافها المناطق المجاورة لهم التي لهم فيها مصالح حيوية كاليابانيين والأوروبيين».‏

فمثل هذه الأسباب وغيرها  جعلت من الصعب على أميركا أن تصدّر أزماتها الاقتصادية إلى الخارج تصديرًا كاملًا كما فعلت من قبل في أزمة 1929م، وربما استطاعت تحميل العالم بعض شرور تلك الأزمات عن طريق تحكمات الدولار وسندات الخزينة الأميركية، وعن طريق التحكمات السياسية للدول الضعيفة في العالم الإسلامي… ولكن كل هذه الأمور لا تستطيع أن ترحّل الأزمة ترحيلًا كاملًا كما فعلت من قبل، بل إنها تستطيع أن تخفف قليلًا من شرور هذه الأزمة على الاقتصاد الأميركي… لهذا السبب وقفت أميركا عاجزة هذه الأيام عن القضاء على هذه الأزمة (م2008)، وما زالت تتمدد وتتسع ويزداد بسببه الدين الخارجي والداخلي، وتزداد معدلات البطالة ويعم الانكماش الاقتصادي… وقد أثر ذلك على هيبة الدولار لدرجة أن دولًا عديدة صارت تدخر الذهب كاحتياطي عوضًا عنه، وخوفًا مما هو آتٍ في المستقبل القريب…

وأمام هذا الواقع الاقتصادي المتردي، وفي خضم هذه الأمور المتتابعة الخطيرة صدرت تصريحات عديدة من قبل ساسة واقتصاديين كبار، تدق ناقوس الخطر بقرب حدوث انفجار أو انهيار اقتصادي عالمي شامل، يحدث أثرًا سيئًا على كل مناحي الحياة، وتكون له ردات فعل أو ارتدادات جانبية مدمرة في كل أرجاء المعمورة أخطر وأشد مما جرى سنة 1929م وسنة 2008م ، لدرجة أن بعض هؤلاء الاقتصاديين والساسة قد حذر من انهيار كامل يبدأ أولًا في أميركا، ثم يمتد إلى كل أنحاء المعمورة، وتعاني منه البشرية سنوات طويلة، وربما لا تستطيع أن تقوم من حفرته إلا بالتخلي نهائيًا عن هذا النظام الرأسمالي الشرير. ومن هذه التحذيرات والأقوال:

ما حذر منه  صندوق النقد الدولي في نهاية سنة 2014م من «خطر وقوع أزمة اقتصادية عالمية جديدة، مشيرًا إلى أن مخاطر حدوث هذه الأزمة عادت من جديد خلال الأشهر الماضية، الأمر الذي دعا الصندوق لتخفيض توقعاته بشأن نمو الاقتصاد العالمي خلال العام الجاري بمقدار نقطة مئوية إلى 3.3%، كما خفض من توقعاته بشأن نمو الاقتصاد العالمي في العام المقبل بمقدار 0.2 نقطة مئوية إلى 3.8% من إجمالي الناتج المحلي، وربما يكون تحذير صندوق النقد الدولي من هذه الأزمة سببه الرئيسي مخاوف من حدوث كساد… ويدعم هذه المخاوف أن البروفيسور « أوليفييه بلانشار» كبير خبراء الاقتصاد في الصندوق أشار مؤخرًا إلى أن النمو العالمي يمضي بدرجة متوسطة، وأن هناك خطر جمود التعافي في منطقة اليورو، وأن يزداد ضعف الطلب، وأن يتحول التضخم المنخفض إلى كساد».

ما ذكره (جيم ريكاردز)؛ (مستشار التهديد المالي والحرب غير المتماثلة لكل من البنتاجون ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية  CIAوالمستشار المالي في مجال الاستثمار المصرفي الدولي، وأحد العقول المدبرة لبورصة «ناسداك» الأميركية التي تعد من أكبر البورصات حيث تتعامل مع 3200 شركة مدرجة بها)، قال لصحيفة «ماني مورنينغ» الأميركية: «إن الولايات المتحدة ستدخل أحلك فترة اقتصادية في تاريخها، وسينهار اقتصاد أولى الدول في العالم… وحذر «ريكاردز» من هذا الانهيار، والذي سيبلغ حجمه 100 تريليون دولار. وقال: «الجميع يعرف بأن لدينا مستوى خطيرًا من الديون، والجميع يعرف بأن البنك الفيدرالي قد طبع بتهور تريليونات من الدولارات، وأن هذه لم تعد أسرارًا بالنسبة لأحد، ولكن الجديد هو أن كل الدلائل تشير إلى أن الأمور قد اقتربت جدًا من بلوغِ منتهاها… واستند في تصريحاته على «مؤشر البؤس»، وهو المؤشر الذي تم إنشاؤه قبل عدة عقود كعلامة تحذير فريدة من نوعها لتحديد مدى اقتراب أميركا من انهيار اجتماعي؛ حيث يعمل هذا المؤشر ببساطة من خلال إضافة معدل التضخم الحقيقي إلى معدل البطالة الحقيقية. ويعتقد «ريكاردز» أن البنك الاحتياطي الفيدرالي يتعمد تغيير طريقة احتساب مؤشر البؤس على مر السنين؛ ليستخدم المؤشر عمليًا في التستر على الحجم الحقيقي للمشكلة… وتوقع: «أن تظهر المرحلة الأولى من خلال انهيار سوق الأسهم فجأةً بنسبة 70%، وهو الأمر الذي لن يشعر أحد من الخارج بقدومه». وأضاف: «سوف يصبح من الواضح أنه ليس حادثًا مؤقتًا، وإنما انهيار منهجي في الاقتصاد نفسه، وعند ذلك سوف يصبح الوضع خطيرًا جدًا، ولن نستطيع انتشال أنفسنا منه».

  يقول الكاتب الأميركي (تود وود) الاقتصادي الشهير؛ في مقال له في صحيفة (واشنطن تايم) الأميركي 9/5/2015م: «إن الاقتصاد الأميركي يقف على شفا الانهيار، وإن الحالة الراهنة للاقتصاد الأميركي مزعجة حقًا، فهناك ديون أجنبية على أميركا تقارب (20) تريليون دولار، وفي نفس الوقت يزداد الدين الأجنبي المستحق على الولايات المتحدة بوتيرة سريعة جدًا… « وختم تود مقاله قائلًا: «إن واشنطن ربما تستفيق قريبًا لتجد نفسها في عالم – وقد أصبحت مفلسة فيه – ووصف تود الولايات المتحدة بأنها (مكسورة)، لافتًا إلى أن الشيء الوحيد الذي يحافظ على الاقتصاد الأميركي في الوقت الحالي هو (الاحتياطي الفدرالي) الذي تدخّل للإبقاء على أسعار الفائدة عند مستويات منخفضة…».

نقل موقع العربية نت في 2- 6-2015 عن( CNN)  قالت: «حذر باحث اقتصادي معروف (نوريل روبيني؛ وهو أستاذ الاقتصاد في جامعة نيويورك)، الذي لقب بـ (دكتور الكوارث) بتوقعاته الدقيقة التي تستبق عادة الكوارث المالية والاقتصادية الكبرى في العالم، وبينها ركود عام 2008م من جملة عوامل قال إنها تتفاعل في الأسواق العالمية حاليًا، وقد تؤدي إلى ظهور أزمات جديدة على صلة بمستويات السيولة النقدية المتوفرة… « وأضاف روبيني أن «السيولة تعتبر عصب حياة الأسواق المالية، وتقاس بمدى سهولة بيع المستثمرين للأسهم والسندات مقابل نقود سائلة، لكن عندما يخاف المستثمرون من بيع أسهمهم، ينتشر القلق في الأسواق، مما قد يقود إلى انهيارها… «  الأزمة التي تعيشها الولايات المتحدة اليوم، هي أزمة اقتصادية، والدين العام الذي في ذمتها ليس فقط للأفراد والحكومات المحلية والشركات والبنوك، بل باتت تمتد إلى دول عالمية، من أهمها الصين التي لها دين عند الحكومة الأميركية يقدر بنحو 3.2 ترليون دولار.  ثم يختم مقاله فيقول: «هذا هو الواقع الاقتصادي للولايات المتحدة الأميركية، ويمكن لنا أن نتصور كيف سيكون الانهيار قاسيًا بحال أعلنت الحكومة الأميركية عن إفلاسها، ولا أعتقد أن هذا اليوم ببعيد».

ويقول (أولريش شيفر) صاحب كتاب (انهيار الرأسمالية) – صدر سنة 2010م: (… إن العالم سيعيش في الأيام المقبلة حقبة تتسم بمعدلات نمو سلبية؛ أي بتراجع مستويات الإنتاج بنحو مطلق وعنيف. فالمخاطر التي تحفُّ بالاقتصاد العالمي فاقت كل المخاطر التي خيمت عليه في سابق الزمن … إن مستقبل النظام الرأسمالي يتوقف على مدى التغيير الذي سيطرأ على الأخلاقية السائدة في المجتمع… أما إذا تجاهل المجتمع هذه الحقيقة؛ فإن اقتصاد السوق معرض للمصير نفسه الذي تعرضت له الاشتراكية (الانهيار والاختفاء عن الوجود).

أما ( البروفسور عبد الحي زلوم)؛ في كتابه المشهور (نذر العولمة) صدر سنة 1998م  فيقول:  «يقول الاقتصادي الشهير (جورج سوروس): قبل أقل من  ستة شهور كان النظام المالي العالمي على شفير الهاوية… وكان ذلك النظام لا يبعد سوى أيام قليلة عن الانهيار التام… وإني أخشى أن تؤدي النتائج السياسية الناجمة عن الأزمات المالية الأخيرة إلى انهيار النظام الرأسمالي برمته..».

إن هذا الواقع الاقتصادي المتردي، والكوارث الاقتصادية المدمرة، والمؤشرات والنذر المتوقعة – والتي يخبر بها كبار الاقتصاديين في العالم –  خلال السنوات القليلة القادمة؛  لتقودنا إلى مجموعة حقائق أخبرنا بها رب العزة جل جلاله منها :

 1- إن الله عز وجل ينتقم من هذه القوى الجبارة ومن أموالها؛ بسبب تسخيرها في حرب أمة الإسلام: يقول الحق تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) الأنفال 36؛ فقد أنفقت أميركا وأوروبا وروسيا والصين التريليونات من الدولارات في حرب الإسلام للحيلولة دون عودة دولة الإسلام إلى أرض الواقع، فأتى الله عز وجل بنيانهم من القواعد، حيث ضربهم في أموالهم، التي يسخرونها في حرب الله ورسوله وأمة الإسلام؛ قال تعالى: ( قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ ) 26 النحل، وبعد هذا الانتقام الإلهي من الكفر والكافرين ينصر الله عز وجل دينه، قال تعالى : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) الروم 47

2 – من خلال التمعن والنظر في واقع هذه النظم الوضعية الوضيعة، وفيما تجلبه على البشرية من آفات عظام، والنظر في منهج الله عز وجل وأحكامه النورانية الهادية المستقيمة نقول: إن القادر على إنقاذ البشرية مما هي فيه من شقاء وتعاسة وضنك ومشقة وانحلال خلقي وغير ذلك من آفات كبيرة – إنما هو فقط منهج الله  عز وجل، أي الإسلام ؛ قال تعالى :  ( وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ) النساء  125 ، وقال:( قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى 123 وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى 124 قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا)    125 طه

3- إن الله عز وجل يسخر جنوده وآياته وسننه لهدم الكفر وأعوانه، ورفع المؤمنين الصادقين المخلصين، وتظهر آياته في الآفاق، وفي النظم والمبادئ والأفكار، وفي بني الإنسان ليتبين لهم ما هو الحق وما هو الباطل ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) فصلت 53

4- إن هذه هي سنة الله تبارك وتعالى في كل بناء يقوم على غير تقوى من الله عز وجل ورضوان، وإن السنوات القليلة القادمة – بإذنه تعالى – هي سنوات انهدام الكفر، ومبادئه وقواه المادية والمعنوية التي يسخرها في حرب الإسلام، وانتصار الإسلام – دين الله تعالى-  ليظهر على الدين كله؛ على دين أميركا وأوروبا والصين وكل الدول الكافرة قال تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ 8 هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) الصف9. وقال عليه الصلاة والسلام :»ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل و النهار، و لا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزًا يعز الله به الإسلام، وذلًا يذل به الكفر  رواه الإمام أحمد في مسنده.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *