العدد 122 -

السنة الحادية عشرة – ربيع الأول 1418 – تموز 1997م

إزالة اللبس عن مسـألة جهاد النفس

إزالة اللبس عن مسـألة جهاد النفس

إن مما هو معلوم من الدين بالضرورة أن إقامة دولة الخلافة وتنصيب خليفة واحد على المسلمين فرض على الكفاية في الأصل، ولكن بما أن الكفاية غير حاصلة بعمل الذين يعملون فإن الوجوب يتوسع حتى يعم كل مسلم. وهذا هو شأن كل فرض من فروض الكفاية.

إلا أن هناك من يجعل إقامة الخلافة أمراً ممتنعاً حتى تسبقها أمور عدة، من أبرزها: مجاهدة المسلمين لأنفسهم. لذلك، إذا أنت دعوته للعمل لإقامة دولة الخلافة وتنصيب خليفة للمسلمين، أجابك بأنه يجب علينا أولاً أن نجاهد أنفسنا ونصلحها، ومن ثم نعمل للخلافة…؛ فما حقيقة الأمر في هذه المسألة؟

إن الرسول صلّى اللـه عليه وآله وسلّم يقول: «المجاهد من جاهد نفسه…» رواه أحمد والترمذي. لذلك فإن جهاد النفس مسألة مطلوبة شرعاً، والإسلام يحض عليها. فيجب أن لا يعترض أحدٌ على هذا التعبير بحد ذاته، أو على الفكرة بشكل عام، لأن هذا التعبير وهذه الفكرة قد جاء بهما محمد صلّى اللـه عليه وآله وسلّم. وإنما الاعتراض هو على الفهم الخطأ لمضمون الحديث الشريف، وعلى بناء أحكام مـخـالـفـة للشـرع علـى هذا الفـهـم! من هنا فإن مسألة «جهاد النفس» يجب أن تفهم بالشكل الآتي:

أولاً:  إن جهاد النفس وإصلاحها يكون بالقيام بالفرائض وبالانتهاء عن المحرمات، بشكل أساس؛ ويكون أعلى درجة بزيادة: القيام بالمندوبات والانتهاء عن المكروهات. فإذا اكتفى المسلم بالأمر الأول – وهو القيام بالفرائض والانتهاء عن المحرمات فقط – كان ذلك مجزئاً له، وكان من المفلحين إن شاء اللـه؛ فعن أبي هريرة – رضي اللـه عنه – أن أعرابياً جاء إلى رسول اللـه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللـه دُلَّني على عمل إذا عملتُه دخلتُ الجنةَ، قال: «تعبدُ اللـهَ لا تشركُ به شيئاً وتقيمُ الصلاةَ المكتوبةَ وتؤدي الزكاةَ المفروضةَ وتصومُ رمضان» قال: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا شيئاً ولا أنقص منه. فلما ولّى قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من سَرَّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا» رواه مسلم. أما إذا عمل المسلم بالأمرين: القيام بالفرائض والمندوبات والانتهاء عن المحرمات والمكروهات، فإنه يكون مجاهداً ومصلحاً لنفسه أحسن جهاد وأحسن إصلاح إن شاء اللـه تعالى.

ثانياً:  إن النفس تميل إلى الشهوات التي قد تكون محرمة، وتكره القيام بالفروض الصعبة؛ والرسول صلّى اللـه عليه وآله وسلّم يقول: «حُفَّتِ الجنةُ بالمكاره وحُفَّتِ النارُ بالشهوات» رواه البخاري ومسلم. واللـه تعالى يقول: ]إنَّ النفسَ لأَمّارةٌ بالسُوءِ[… لذلك كان لا بد من مجاهدة النفس في هذه الأمور. وجهاد النفس هنا يكون بإلزامها بالقيام بأوامر اللـه وبدفعها إلى ذلك دفعاً قوياً. ويكون أيضاً بردعها عن ارتكاب أي حرام وبكبح جماحها وإخضاعها لحكم اللـه تعالى. من هنا كان جهاد النفس هو في عدم مسايرتها أو مطاوعتها أو الاستجابة لها إذا كانت أوامر اللـه ونواهيه على المحك، وعندها يجب سوقها – رغم أنفها – إلى طاعة اللـه عز وجل إذا أصرت على اتباع سبيل الشيطان. وهذا الذي ذكرناه يُعد قمة جهاد النفس وأعلى رتبه.

ثالثاً:  إن من الفرائض التي يجب على المسلم القيام بها – بل من أهم الفرائض – العمل لإقامة الخلافة بأقصى طاقة وبأقصى سرعة. وهذا الفرض يُعَدُّ أمراً عظيماً، والعمل له شيء ترغب عنه النفس ولا تميل إليه، وتحاول أن تختلق الأعذار والحجج الواهية للتهرب منه… لذلك كانت مسألة جهاد النفس في القيام بهذا الفرض ضرورية جداً ومهمة كثيراً؛ لأننا نرى اليوم أن كثيـراً من المسـلمين قد تقاعسـوا عن القيام بهذا الفرض، لأنهم لم يكن عندهم مجاهدة لأنفسهم، ولم يستطيعوا كبح جماحها، فانساقوا وراء الدنيا وملذاتها وشـهواتها، وانغمسـوا بأشـغـالها وهمومها؛ فاتبعـوا أهواءهـم وأطـاعوا أمر الشـيطـان وخالفـوا أمر اللـه سبحانه وتعالى.

من هنا فإنه لا تعارض بين العمل لإقامة الخلافة بأقصى طاقة وبأقصى سرعة، وبين مسألة جهاد النفس وإصلاحها…؛ أما أن يمتنع المسلم عن القيام بهذا الفرض أو أن يتساهل فيه أو أن يؤخره بحجة إصلاح النفس أو مجاهدتها…، فإن ذلك ليس جهاداً للنفس ولا إصلاحاً ولا تربية لها، وإنما هو إفساد وإهلاك لها، وهو بمثابة إلقاء للنفس في غضب اللـه وفي سخطه وبالتالي في نار جهنم والعياذ باللـه؛ لأن المسلم إذا ترك فرضاً أو تهاون فيه، فإنه لا يكون مصلحاً لنفسه ولا مربياً لها. وهل يمكن أن يحصل إصلاح للنفس و صلاح للمسلم بترك الفروض أو بالتهاون بها ؟!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *