العدد 122 -

السنة الحادية عشرة – ربيع الأول 1418 – تموز 1997م

حكم سب الأديان الباطلة

حكم سب الأديان الباطلة

بسم اللـه الرحمن الرحيم

قال تعالى: (ولا تَسـُـبّوا الذين يَدْعونَ مِنْ دون اللـه فيسُـبّوا اللـه عَدْواً بغيرِ عِلْم قلـ كذلك زيَّـنّا لكل أُمّةٍ عملهمْ ثُمَّ إلى ربهم مَرْجِعُهُمْ فينبِّـئُـهُـم بما كانوا يعملون) [سورة الأنعام 108].

نقرأ هذه الآية الكريمة بمناسبة ما فعله اليهود في مدينة الخليل في 28/6/97 من رسم صورة فيها إهانة للإسلام وللقرآن وللنبي محمد صلى اللـه عليه وآله وسلم. وما فعلوه بعد ذلك من رسم صورة لمريم ابنة عمران عليها السلام لها رأس بقرة. وسبق لهم أن حرقوا المسجد الأقصى سنة 1969م. وفي السنة الماضية حفروا نفقاً تحت المسجد الأقصى بقصد تقويض أسسه. وهم يعملون بكل جد لهدم المسجد الأقصى وإقامة هيكل سليمان.

الإسلام ينهى أتباعه عن سب معبود الكفار لئلا يفضي ذلك إلى سَبِّ اللـه سبحانه وتعالى. إن سَبَّ الكفر والشرك والآلهة المزيفة التي تُعبَد من دون اللـه أمر مباح في الأصل. ولكن إذا كان هذا السبُّ يشكّل استفزازاً وفيه احتمال أن يؤدي إلى ردة فعل يُسَبُّ فيها اللـه أو أي شيء من مقدسات المسلمين فإنه يحرم عندئذٍ سب معبودات الكفار.

ومن هذه الآية أخذ الأصوليون قاعدة: «الوسيلة إلى الحرام حرام». فأي عمل مباح إذا رجح على الظن أنه سيوصل إلى الحرام فإنه يصبح حراماً ما دام فيه هذه المـَظِـنَّة.

ومن هذا القبيل قوله صلى الله عليه وسلم الوارد في الصحيحين: «من الكبائر شتم الرجل والديه» قالوا: يا رسول اللـه، وهل يشتم الرجلُ والديه؟ قال: «يَسُبُّ أبا الرجل فيسبّ أباه، ويسبّ أمه فيسب أمه».

وقريب من هذا قوله تعالى: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظَلموا منهم وقولوا آمنّا بالذي أُنزِل إلينا وأُنزِل إليكم وإلـهـنا وإلـهـكم واحد ونحن له مسلمون).

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهما عن ابن عباس في قوله تعالى: (ولا تسبّوا الذين يدعون من دون اللـه) الآية قال: قالوا: يا محمد لتنتهِيَنَّ عن سـبّـكَ آلهتنا أو لنهجوَنَّ ربك. فنهاهم اللـه أن يسُـبـّوا أوثانهم فيسـبـوا اللـه عَدْواً بغير علم.

وقد بينت الآية أن كل أمّة زُيِّنَ لها عملها ودينها، فهي لا تريد أن يشتم دينَها أحد. واللـه سبحانه جعل محاسبة الناس عنده، ولم يجعل هذه المحاسبة للرسل. فالرسل ليس عليهم إلاّ البلاغ المبين، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.

وهذا لا يعني المجاملة والنفاق وترك الصدع بالحق، بل يعني عدم الهبوط إلى الشتائم والاستفزاز بالتحقير والإهانة.

وحين أرسل اللـه موسى وهارون إلى فرعون قال لهما: (اذهبا إلى فرعون إنه طغى * فقولا له قولاً ليّـناً لعله يتذكر أو يخشى) ومن هذا القول الليّن إنذارٌ صريح لفرعون: (إنّا قد أوحيَ إلينا أَنَّ العذابَ على من كذّبَ وتولى).

فالإسلام أمرنا أن لا نستفز أصحاب العقائد المخالفة بالمسبات والشتائم، حتى لو كانت عقائدهم تستأهل ذلك، لأن هذا يطفئ نور العقل، ويشعل غريزة الدفاع عن النفس، ويقفل الباب أمام الاستجابة للدعوة. وفي الوقت نفسه أَمَـرَنا أن نبـيّن ضلال العقائد المخالفة وزيفها وسوء عاقبة أصحابها بأسلوب صريح وحجة قوية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *