العدد 123 -

السنة الحادية عشرة – ربيع الآخر 1418 – آب 1997م

نظـرة فـي العـزة

نظـرة فـي العـزة

العزة مظهر من مظاهر البقاء عند الإنسان، فما من إنسان على وجه الأرض إلا ويطلبها لأنه مفطور على ذلك، ومن المعلوم أن الذي يدفع الإنسان لتصرفاته في الحياة إنما هو الغرائز والحاجات العضوية ولما كانت العزة من مظاهر البقاء فإن الأصل في الإنسان أنه يندفع لإشباعها اندفاعه لإشباع سائر غرائزه، فطلب العزة أمر فطري ولا كلام.

وفي الوقت الذي يتفق فيه أكثر الناس على أن حب الحياة يقع على رأس سلم الأولويات بالنسبة لمظاهر الغرائز، فإنهم يختلفون فيما تبقى من المظاهر في الترتيب وذلك حسب قوة هذه المظاهر أو ضعفها عند كل منهم، وحسـب الظـروف التي تصـاحـب تـحـقـيق مظهر من هذه المظاهر عند أي منهم، فمنهم من يقدم التملك على الجنس مثلاً، ومنهم العكس. ومنهم من يقدم العبادة على الحنان، ومنهم العكس. ومنهم من يقدم العزة على حريته، ومنهم العكس. وعلى أي حال فإن الواقع أن حب الحياة هو الذي يتربع على رأس السلم.

وهذا من ناحية فطرية أما من الناحية العقلية وما يقتضيه العقل فإن ترتيب أولويات المظاهر مسألة كغيرها من المسائل في الحياة، إذا تركت إلى العقل أو إلى فطرة الإنسان فإنه يعجز عن تنظيمها وترتيبها الترتيب الصحيح فلا بد أن تكون هناك جهة غير العقل وغير الفطرة تنظمها وترتبها ترتيباً آخر غير الذي تقتضيه الفطرة، وقد جاء الإسلام فرتبها ترتيباً جديداً لم يجعل فيه حب الحياة على رأس السلم، وجعل للعزة مركزاً مرموقاً بعيداً عن الحياة وحبها، وذلك حين جعل السعي لنيل رضوان اللـه على رأس السلم، وعلق حصول رضاه بتحقيق العزة عند المسلمين، أو بالسعي لها على الأقل حتى ولو كان ثمن هذه العزة حياة أكثر المسلمين فقد أوجب اللـه تعالى على المسلمين العزة وجوباً، قال تعالى: (وللـه العزة ولرسوله وللمؤمنين) وقال صلى الله عليه وسلم: «الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه» والآية والحديث وإن كان كل منهما خبراً إلا أنهما يفيدان الطلب، فيجب على المسلمين أن يسعوا إلى العزة وأن لا يغمض لهم جفن حتى يجعلوا الإسلام عالياً ظاهراً على كل ما سواه، ولا يحل لمسلم أن يقعد عن السعي للعزة لحظة واحدة مهما كلفه ذلك من ثمن، فلا يحل له أن يقعد عن السعي لها بحجة أن السعي لها يصادر حياته، أو يصادر حريته، أو يحرمه من الوظيفة، أو من العائلة، لأن اللـه تعالى قد جعل العزة فوق كل هذه المظاهر. وعليه فإنه لا يحل للمسلمين أن يسكتوا على إذلال أمريكا وروسيا وأوروبا وسائر الكفار لهم. فلا يحل لهم أن يسكتوا عليهم وهم يرونهم يمارسون استغلالهم وسلب خيراتهم في الوقت الذي يفني المسلم حياته في صخب ونصب من أجل لقمة العيش وذلك على أنغام «القناعة كنز لا يفنى». ولا يحل لهم أن يسكتوا عليهم وهم يرونهم يتحكمون بالدنيا كما يشاؤون، ويقضي المسلم حياته لا يقوى على الحركة حتى في الرجوع إلى بلاده. وهكذا لا يحل لمسلم أن يسكت على الكفار في سيادتهم عليه في كافة مظاهر الحياة في الوقت الذي يجب أن يسود المسلمون ليبلغوا رسالة اللـه (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون باللـه).

والسعي للعزة هو سعي للتغيير وتفكير فيه وليس مجرد توجه لسعة العيش، ومشكلة حَمَلَة الدعوة مع الناس في مدى استجابتهم لهم تقع في كثير من مساحتها في شعور الناس بمدى ضرورة التغيير، لأن حملة الدعوة وللـه الحمد لم يعجزوا حتى الآن عن إقناع أحد بما يحملونه من فكر، فالمشكلة مع الناس ليست في قناعتهم أو عدم قناعتهم، بل بإرادتهم للتغيير وعدم إرادتهم لذلك، وفرق عظيم بين العمل في مجتمع يريد من نفسه التغيير وبين مجتمع يراد حمله عليه، فالأول تكون فيه الدعوة سهلة ميسورة ونتائجها سريعة وباهرة، والتأني غالباً ما تخفق فيه الدعوة. والذي حصل معه صلّى اللـه عليه وآله وسلّم خير شاهد على ذلك، فالرسول صلى الله عليه وسلم بمكة لم يحقق النجاح ليس لأنه لم يحسن إقناع أهلها، وليس لأن ما يحمله باطل، بل لأن أهلها لا يريدون التغيير أصلاً، بينما كانت النتائج مذهلة في المدينة في فترة قياسية لأن أهلها يريدون التغيير ويريدون العزة، من هنا كان العمل على إثارة مظهر العزة في نفوس الناس ضـرورياً، لأنه إثارة للتـغـيـيـر تجـعل من حامل الدعوة موجهاً لإرادة جاهزة عند الناس .

أبو إسلام – قلقيلية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *