العدد 125 -

السنة الحادية عشرة – جمادى الآخرة 1418 – تشرين الأول 1997م

الأُمّـة

الأُمّـة

بسم اللـه الرحمن الرحيم

قال الله تعالى: (إِنَّ هذه أُمّتُكُمْ أُمّـةً وحِدّةً وأنا رَبُّكُمْ فاعبدونِ) [الأنبياء 92].

وقال تعالى: (وإِنَّ هذه أُمّتُكم أُمّةً وحِدَةً وأنا رَبُّكُمْ فاتَّقونِ) [المؤمنون 52].

يستدل بعض المسلمين بهاتين الآيتين على وحدة الأمة الإسلامية. والحقيقة أن معنى (أُمّة) هنا يعني الدين والمِلّة ولا يعني الناس الذين تتألف منهم الأمة الإسلامية.

ومن حيث الإعراب فعبارة (إنّ هذه) هي إنّ واسمها، وكلمة (أُمّتُكم) خبر إنّ. وعبارة (أمّةً واحدةً) نُصبت على الحال.

فالآية الأولى (آية 92 من سورة الأنبياء) جاء سياق الآيات قبلها بدءاً من الآية 48 بذكر موسى وهارون عليهما السلام. ثم جاء ذكر إبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب ونوح وداود وسليمان وأيوب وإسماعيل وإدريس وذي الكِفْل وذي النون وزكريّا ويحيى سلام اللـه عليهم أجمعين. ثم جاء ذكر عيسى ابن مريم وأمه سلام اللـه عليهما. ثم جاءت الآية تقول: (إِنّ هذه أمتكم أمّةً واحدة). قال ابن كثير رحمه اللـه في تفسيره [قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وعبد الرحمن بن زيد ابن أسلم في قوله (إن هذه أمتكم أمةً واحدة) يقول: دينكم  دين واحد]. وقال رسول اللـه عليه وآله الصلاة والسلام: «نحن معاشرَ الأنبياء أولاد عَلاّت ديننا واحد».

والآية الثانية (آية 52 من سورة المؤمنون) جاء سياق الآيات قبلها بدءاً من الآية 23 بذكر نوح عليه السلام. ثم جاء قوله تعالى: (ثم أرسلنا رُسُلَنا تترى) ثم جاء ذكر موسـى وهارون ثم جـاء ذكر ابن مريم وأمه عليهم سلام اللـه. ثم جاء قوله تعالى: (يا أيها الرسُـلُ كلوا من الطـيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم * وإنّ هذه أمّـتُـكم أُمّـةً واحدة وأنا ربكم فاتقون).

فالخطاب هو خطاب للأنبياء وأن مِلّتهم جميعاً مِلّة واحدة، وهي الدين الذي يهدي الناس إلى اللـه وتوحيده وعبادته. أما كيفية هذه العبادة فقد تختلف من رسول إلى رسول، وكذلك حلال اللـه وحرامه قد يختلف من رسول إلى رسول، ولهذا قال تعالى: (لكل جعلنا منكم شِرْعَةً ومِنْهاجاً).

أما وحدة الأمة الإسلامية بمعنى وحدة المسلمين على اختلاف قومياتهم ولغاتهم وألوانهم وأقاليمهم فإنها حقيقة راسـخة من حقائق الإسلام، ولكن لا يُستَدَلّ عليها بالآيتين أعلاه، بل يستدلّ عليها بنصوصٍ أخرى كثيرة وخاصة من السنة الشريفة. قال تعالى: (إنما المؤمنون إخوة). وقال رسول اللـه صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره» وفي رواية «ولا يُسْلِمُهُ». وقال صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مَثَلُ الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى». وألزم اللـه المسلمين أن يتوحدوا في دولة واحدة تحت راية خليفة واحد مهما تباعدت أقاليمهم أو اختلفت أعراقهم، قال عليه وآله الصلاة والسلام: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» وقال: «من جاءكم وأمركم جميع على رجل منكم يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاضربوه بالسيف كائناً من كان». ونقل في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ج5/ص416: [اتفق الأئمة رحمهم اللـه تعالى على: أن الإمامة فرض، وأنه لا بد للمسلمين من إمام يقيم شعائر الدين وينصف المظلومين من الظالمين، وعلى أنه لا يجوز أن يكون على المسلمين في وقت واحد في جميع الدنيا إمامان، لا متفقان، ولا مفترقان.]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *