العدد 125 -

السنة الحادية عشرة – جمادى الآخرة 1418 – تشرين الأول 1997م

كلمة الوعـي: اندفاع المسلمين لإعادة الخلافة يزداد وعياً

الدول الغـربيـة وعمـلاؤهـا يـخـافون عودة الخلافة الإسلامية، ولذلك يعملون، وخاصة الأوروبيون، بكل الوسائل لمنع هذه العودة. ومن جملة وسائلهم محاولة تيئيس المسلمين من ذلك، وتصـوير العمل الإسلامي أنه بدأ بالتراجع والانحسار.

كثير من الكُتّاب العلمانيين، وكثير من الإذاعات مثل إذاعة لندن صاروا يكتبون عن انحسار (الأصولية الإسلامية) كما يحلو لهم أن يسمّوا العمل الإسلامي السياسي.

وهم يضربون الأمثلة التالية للتدليل على صحة تحليلهم للأمور:

1- يقـولـون: هـذا حـزب الرفـاه فـي تركـيـا تـمّ إقـصـاؤه عن السـلطة بعد أن كاد يحوّل الدولة التركية العلمانية إلى دولة إسلامية.
2- الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر تم ضربها وزج مسؤوليها في السجون بعد أن كادت تأخذ السلطة عن طريق الانتخابات بشكل كاسح لتقيم دولة إسلامية.
3- في أفغانستان كانت جميع الحركات الإسلامية تقاتل النظام الشيوعي، وكانت تنادي بإقامة دولة إسلامية في أفغانستان، وما إن سقط النظام الشيوعي حتى بدأت الجماعات الإسلامية تتقاتل وتدمّر البلاد لدرجة أن الناس صاروا يترحمون على أيام النظام الشيوعي.
4- الإخوان المسلمون في الأردن كانوا في الوزارة فخرجوا منها، وكانت لهم كتلة نيابية كبيرة وها هم الآن قرروا ألاّ يترشحوا للانتخابات. فيكونون قد فقدوا الوزارة والنيابة.
5- قادة الجماعة الإسلامية وقادة جماعة الجهاد المسجونون في مصر فقدوا الصبر وتراجعوا عن عملهم، وصاروا ينادون بالتوقف عن العمل المسلح ومصالحة النظام.
6- الثورة في إيران تراجعت كثيراً عن نَفَسِها الثوري في نشر الإسلام بعد تسلُّم خاتمي رئاسة الجمهورية، وقد أيدته أكثرية كبيرة من الشعب الإيراني، وأيدت شعاراته التي تميل نحو العلمانية ونحو مصالحة الغرب.
7- حزب اللـه في لبنان صار يدعو الحركات الإسلامية للتصالح مع الأنظمة. وكذلك قادة حماس صاروا يشكرون الملك حسين وياسر عرفات رغم العلاقات الحميمة بينهما وبين إسرائيل.
8- حركة التوحيد في طرابلس – لبنان كانت في يوم من الأيام تحكم طرابلس، وها هي حكومة لبنان تقتحم مقرها وتغلق إذاعتها بعد أن قتلت وجرحت واعتقلت عدداً من المتعاطفين معها.

أليس كل ذلك علامات على تراجع المدّ الإسلامي واتجاهه نحو الانحدار؟

الذي ينظر دون تدقيق قد يصل إلى هذه النتيجة . والذين يخشون انتصار الإسلام يغالطون أنفسهم ويتمنون هذه النتيجة. ولكن الحقيقة الحاصلة هي غير ذلك.

فحزب الرفاه يقوده رجل علماني رفع أثناء الانتخابات شعارات تدغدغ مشاعر المسلمين، وما إن وصل إلى السلطة حتى تخلّى عن كل تلك الشعارات وغيّر اتجاهه 180 درجة. فالذي تم إقصاؤه هو زعيم حزب الرفـاه، أما القواعد الشـعبية لحـزب الرفـاه فـقد زادت وعياً على انتهازية رئيس الحـزب وعلى مدى كراهية

قيادة الجيش للإسلام. وهذا الإقصاء لقادة حزب الرفاه عن السلطة جعل قواعده تزداد معرفة بالواقع وتصميماً على أخذ السلطة بشكل صحيح وتطبيق الشريعة الإسلامية رغم أنف قادة الجيش ورغم أنف العلمانيين.

والجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر لم تكن مؤهلة لتطبيق الإسلام حين نجحت في الانتخابات، وفشلها في تطبيق الإسلام – لو استلمت الحكم – في حينها كان سيصيب الجماهير المسلمة بالإحباط. ولكن حكمة اللـه اقتضت أن يقوم قادة الجيش الجزائري (بتوجيه فرنسي) بإلغاء الانتخابات وحظر الجبهة. وهذا حفظ الجماهير المسلمة من الإحباط، وزادها وعياً على أن ديمقراطية الغرب كاذبة، وأنهم لا يمكن أن يسمحوا بإقامة الدولة الإسلامية بواسطة الانتخابات. والشعب الجزائري يعرف أن السلطة الحاكمة الآن هي التي تقوم بالمجازر الشنيعة عن طريق أجهزتها السرية وعملائها الذين تظهرهم بمظهر إسلامي لتلحق الأذى بسمعة المسلمين.

وفي أفغـانسـتـان جـمـيع الحركات التي كانت تقاتل النظام الشيوعي كانت تتحرك بتوجيه غربي وخاصة أميركي. كان عندهم عقيدة إسلامية ومشاعر إسلامية، ولكن كان ينقصهم الوعي السياسي. وما إن استطاعت أميركا طرد النظـام الشـيـوعـي حتـى أوقعت العداوة والتقاتل بين الحركات الإسلامية. وهؤلاء قد أساء قتالهم إساءة بالغة للعمل الإسلامي.

أما خروج قادة الإخوان المسلمين من الوزارة ومن النيابة فنأمل أن يقربهم من العمل لإقامة الدولة الإسلامية. واشتراكهم بالوزارة يجعلهم يدافعون عن النظام الذي لهم فيه حصة. ونسأل اللـه أن يهديهم ليبتعدوا عن المشاركة في حكم الكفر. أما القواعد الشعبية التي تؤيد الإخوان فإنها يداخلها الإحباط حين يناصر قادتها أنظمة الكفر، وتنشط حين يقاومون هذه الأنظمة.

وأما السجناء من الجماعة الإسلامية والجهاد في مصر فإن بعضهم فقط دعا للاتفاق مع النظام. وهؤلاء أفراد قلّة، وليس غريباً أن ينفد صبر بعض الأفراد.

وأما خاتمي فلا يختلف عن رفسنجاني من حيث محاولة الانفتاح على الغرب. فإيران لم يحصل فيها تغيير في الواقع، وإنما الذي حصل هو إعلان أمر كان مستوراً.

وأما دعـوة حـزب اللـه للمـصـالـحة مع الأنظمة فإن حزب اللـه يأخذ توجيهاته الأساسية من إيران. وقد يكون عند إيران خطة معينة مع بعـض الأنظـمـة. علمـاً أن حزب اللـه لم يَدْعُ إلى مصالحة جميع الأنظمة، بل تلك التي تأخذ موقفاً ضد إسرائيل.

وقادة حـمـاس هم جزء من الإخوان المسلمين. ولما كان الإخوان عندهم آراء متناقضة فإن قادة حـمـاس عندهم آراء متناقضة. وتوجيه الشـكر من بعض قادتهم لعرفات ولحسين ليس فيه دلالة على أن جميع حماس صارت تابعة لعرفات أو لحسين.

وأما حركة التوحيد فإن هيمنتها في طرابلس قبل حوالي 15 سنة كانت بسبب ظروف الحرب اللبنانية. وعادت الحركة إلى حجم عادي من فترة طويلة. وإقدام الحكومة الآن على إقفال إذاعتها ليس دليل ضعف الحركة بل بسبب صدور قانون أقفل جميع الإذاعات غير المرخصة.

كل الحركات المار ذكرها معروف سلفاً عند المراقب المدقق أنها ستفشل في إقامة دولة إسلامية ما دامت تسير في نفس الطريق. ولكن غالبية الناس ليسوا من المدققين. ولذلك يبنون آمالاً وهمية على هذه الحركات، وبعد مرور زمن طويل يصدمهم فشلها فيصابون بالإحباط والقعود. ولذلك فإن بروز فشل هذه الحركات في وقت مبكر هو أفضل للعمل الإسلامي العام.

ونحن نلاحظ أن المدّ الإسلامي في صعود وتوسع، وأن الاندفاع الإسلامي صار يتمتع بكثير من الوعي. وندعو اللـه أن يكلل ذلك قريباً بالنصر العزيز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *