العدد 127 -

السنة الحادية عشرة – شعبان 1418 – كانون الأول 1997م

»معـهـد شـِمـلان« مركـز جواسـيس

»معـهـد شـِمـلان« مركـز جواسـيس

بمناسبة مرور خمسين سنة على تأسيس »معهد شملان« نشرت جريدة »الحياة« (21/11/97) نبذة عن هذا المعهد. إن هذا المعهد كان إحدى المؤسسات التي أنشأتها بريطانيا لتأهيل السفراء وكبار الموظفين والجواسيس الذين يعملون في البلاد العربية، من أجل إحكام ربط هذه البلاد باستعمارها.

وفيما يلي تنشر »الوعـي« فقرات من هذه النبذة:

لمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيس معهد شملان، ألقى السفير البريطاني السابق جيس غريغ (من خريجي المعهد) محاضرة عن تاريخ المعهد ودوره، في نادي خريجي الجامعة الأميركية في بيروت.

غريغ أحصى نحو 1100 طالب درسوا العربية في شملان ينتمون إلى نحو 97 مؤسسة وهيئة وشركة، وهناك 103 من السفراء البريطانيين في العالم كانوا في شملان. وخلال غزو الكويت كان كل السفراء المعتمدين في الدول العربية المعنية بالأزمة من خريجي شملان، واليوم هناك ثلاثة من كبار ديبلوماسيي الخارجية البريطانية وكذلك رئيس المخابرات والمدير العام للمجلس الثقافي البريطاني والمدير العام لجمعية الشرق الأوسط من خريجي شملان، كذلك سفير بريطانيا في الولايات المتحدة ونائب الأمين العام للأمم المتحدة.

تأسس »مركز الشرق الأوسط للدراسات العربية« (معهد شملان) العام 1945. وكان مقرّه الأول القدس وغايته تعليم اللغة العربية لموظفي وزارة الخارجية البريطانية، أو بكلام آخر، للديبلوماسيين البريطانيين الذين تولوا مهام في الشرق الأوسط خصوصاً في تلك الحقبة – المفصل من التاريخ الحديث.

ولم تدم الإقامة في القدس طويلاً خصوصاً مع تصاعد التوتر في المدينة التي قسمت لاحقاً وهجّر أهلها واحتُلَّت. فانتقل المركز إلى الأردن ومن ثم إلى لبنان العام 1947، واختيرت في حينه بلدة شملان الجبلية القريبة من سوق الغرب والمطلّة على بيروت موقعاً للمركز الذي سرعان ما توسّع ليستقبل، إلى البريطانيين، ديبلوماسيين ومصرفيين وأكاديميين ورجال نفط من ألمانيا واليابان وباكستان والولايات المتحدة وكندا وسويسرا وأستراليا، على مدى ثلاثة عقود.

طلاب معهد شملان كانوا يخضعون لدورتين دراسيّتين تمتدان سنة ونصف سنة، يعكف خلالها أساتذة لبنانيون وفلسطينيون على تعليمهم اللغة العربية الحديثة، لغة الصحف والأدب الحديث وحتى اللغة العامية.

السفير البريطاني الحالي في لبنان ماكلينان تحدث عن التحاقه بالمركز عام 1966، وقال: »بعد سنة ونصف أصبحت قادراً على قراءة الصحف ومتابعة نشرة الأخبار والدخول في نقاش جاد مع أحدهم في مواضيع سياسية واقتصادية، إلا أن ما يميز دراستنا في المركز أن تعلم العربية لا يعني فقط إتقان لغة إنما تعلم ثقافة وتقاليد وحضارة هي مرآة الشعب العربي، وهي مفتاح لمعرفة كل ما يدور من حولك. فما يفكر به العرب ينعكس في لغتهم وأدبهم وبالتالي نحن تعلمنا كيف يفكر العرب، وما تعلمته استخدمته في عملي الديبلوماسي في الخليج تحديداً، إذ عملت في اليمن والإمارات العربية المتحدة والكويت وفي أماكن أخرى في الشرق الأوسط«.

في 18 كانون الثاني (يناير) 1976 أجبرت الحرب اللبنانية القيّمين على مركز شملان على هجرته. فانتقل إلى الأردن سنة، ثم عاد إلى شملان في تشرين الأول (أكتوبر) 1978 ليعاود التهجير في العام الذي تلاه، متحولاً مقراً دراسياً في الجامعة الأميركية في القاهرة لمن يرغب في تعلم اللغة العربية أو التدرب عليها.

ويبدو أن مغادرة المركز شملان كانت بمثابة إغلاق غير معلن له. وبَيْع المبنى من مؤسسات الرعاية الاجتماعية – دار الأيتام الإسلامية أخيراً ليس هو السبب الذي يحول دون إعادة إحيائه. فزمن تعلم الأجنبي لغتنا لم يعد ملحاً. ويقول السفير ماكلينان: »هناك الكثيرون من الديبلوماسيين ورجال الأعمال الأجانب يتدبرون أمورهم من دون اللغة العربية في العالم العربي، فعندما بدأت عملي الديبلوماسي في المنطقة لم يكن العرب يتقنون اللغة الإنكليزية جيداً، خصوصاً في الخليج، لكن اليوم الكل يتكلم الإنكليزية والتواصل أصبح أسهل«.

لكن السفير ماكلينان يعتقد »أن تعلم اللغة العربية مهم وضروري إذا أردت الدخول في النسيج العربي، فعلى رغم أن الشعب اللبناني، على سبيل المثال، يتميز عن غيره بإتقانه اللغتين الإنكليزية والفرنسية إلى جانب العربية، فاللبنانيون يثمنون عالياً معرفة الآخرين لغتهم الأم. وأنا عندما أقول لهم إنني أعرف اللغة العربية أرى رد فعل إيجابياً حتى من الناس الذين يتقنون الفرنسية والإنكليزية. وهذا يشعرني بالراحة لأنني أكون في محيط ما لا أشعر أني معزول بل أكون جزءاً منه«.

البريطانيون باعوا مركزهم لتعليم اللغة العربية في شملان، في وقت استعادوا مركزهم لتعليم اللغة الإنكليزية في رأس بيروت (المركز الثقافي البريطاني الذي توقف العمل فيه خلال الحرب وسيّرته »جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية« بعض الوقت)، علّ هذه المفارقة لا تعني انسلاخاً عن أنفسنا ولا تجعل »مرآتنا« من صنع أجنبي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *