العدد 132 -

السنة الثانية عشرة – محرم 1418هـ – أيار 1998م

شعار (السلام والمساواة) في ميزان الإسلام

شعار (السلام والمساواة) في ميزان الإسلام

بقلم: أحمد الخطيب – بيت المقدس

تفرز الحضارة الغربية أنماطاً مجتمعية متعددة، وكلها منبثقة عن الفكر الرأسمالي ومقاييسه النفعية، لتتلائم مع المجتمعات التي لا تحتضن الرأسمالية بجملتها، أو المجتمعات التي تحوي في إطاراتها مجموعات متناقضة دينياً وفكرياً.

وفي كثير من هذه المجتمعات المتعددة الايديولوجيات لا سيما تلك التي تسيطر عليها أكثرية من غير المسلمين ويعيش في ضمنها أقليات كثيرة من المسلمين لا تستسيغ الرأسمالية بل وترفضها كفكر وكنظام حياة، تحاول القوى الرأسمالية في هذه المجتمعات السيطرة على المفاصل الرئيسية لتلك المجتمعات عن طريق طرح وتسويق أنماط مجتمعية بأشكال متنوعة تحكم من خلالها السيطرة على الأقليات المسلمة فيها.

ومن هذه المجتمعات تلك الموجودة في الهند والحبشة وكينيا وبورما وتايلاند وسنغافورة وجنوب السودان ولبنان وفلسطين والبوسنة وغيرها.

في مثل هذه المجتمعات يتـم رفع شـعارات تعبر عن أنماط رأسمالية يسعون من خلالها لخداع المسلمين وترسيخ تفوق غير المسلمين، وتركيز الفكر الرأسمالي من خلال هذه الشعارات البراقة في المجتمع والدولة باعتبارها القانون والتشريع الذي يجب أن يخضع له الجميع مسلمين وغير مسلمين.

والشعارات التي ترفع في هذا المقام كثيرة مثل السلام والتعايش والمساواة والحرية والديمقراطية والسلام الاجتماعي والعولمة والعلمنة وما شاكلها.

الذي يعنينا في هذه الكلمة شعار (السلام والمساواة) وهو الشعار الذي يُرفع في فلسطين لتحقيق نمط مجتمعي معين يستهدف تحقيق الغلبة والسيطرة لليهود، ويطوع المسلمين ليجعلهم يقبلون بحكم اليهود ويكيفوا أنفسهم خانعين لما يطرحه اليهود عليهم من شعارات وأنظمة، وأقصى ما يمكن أن يتمنوه ويطالبوا به هو مساواتهم في الحقوق والخدمات مع اليهود ضمن سلطان اليهود ودولتهم.

وشعار (السلام والمساواة) لم يكن معروفاً قبل عام 67، حيث كان عرب فلسطين التي احتلت عام 48 عند قيام الكيان اليهودي يُحكَمون حكماً عسكرياً، وكانت القيود الأمنية التي يفرضها الاحتلال عليهم قد أحالتهم إلى مجموعات سكنية متقطعة الأوصال تعيش في مناطق معزولة بما يشبه السجون الكبيرة.

ولكن حرب 67 أوجدت ظروفاً جديدة فأدخلت أعداداً كبيرة من الفلسطينين تحت الاحتلال في الضفة وغزة وسيناء والجولان، وقدرت الدولة اليهودية أن عرب 48 قد تم تطويعهم خلال تسع عشرة سنة من الاحتلال، فرفعت عنهم الحظر وسمحت لهم بالعمل السياسي، وسلطت عليهم الأحزاب الصهيونية ومنها الحزب الشيوعي لأخذ قيادتهم، وأوعزت لهذه الأحزاب وللسياسيين بالدعوة والعمل بين الجماهير لحملهم على الاستسلام للدولة والقبول بشرعيتها والعمل ضمن دستورها وقوانينها، فاستخدمت هذه القوى السياسية المشبوهة شعارات التعايش والسلام والمساواة كستار لتحقيق أهداف الدولة اليهودية.

ثم وبعد مدة من الترويض أنشيء تكتل حزبي يجمع بين الحزب الشيوعي وبعض الحركات اليسارية، على أساس هذه الشعارات فوجد ما يسمى بالجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، ثم أخذت باقي الأحزاب القومية بالفكرة، ولحقها فيما بعد ما يسمى بالحركة الإسلامية وأخذت جميع هذه القوى والمجموعات والأحزاب السياسية تنعق بالدعوة لفكرة (السلام والمساواة) حتى غدت شعاراً مألوفاً عند الجميع أصموا به الآذان.

وعند التدقيق في فهم واقع هذا الشعار من خلال الاستعراض التاريخي لمنشئه ثم محاكمته وفق الأدلة الشرعية يتبين لنا مجموعة الحقائق التالية:

ان الكيان اليهودي هو الذي أوجد هذا الشعار وروّجه عن طريق الحركات الصهيونية والأحزاب والقوى السياسية التابعة لها.

إن الغرض الرئيسي من ترويج هذا الشعار هو ترويض المسلمين في فلسطين وحملهم على التعامل مع الكيان اليهودي باعتباره كياناً شرعياً ومعترفاً بحقه في الوجود على أرض فلسطين، والاعتراف بهذا الكيان على أنه إسرائيل. وأما فلسطين المحتلة عام 48 فالأصل أن تزال من الخارطة ومن الوجود وأن تصبح إسرائيل كحقيقة واقعة.

ومن أغراض هذا الشعار الفرعية تركيع المسلمين وإخضاعهم للدولة اليهودية باعتبارهم مواطنين من الدرجات الدنيا، ليس لهم وظيفة إلا خدمة اليهود، وليس لهم من عمل إلا القيام بالأعمال الوضيعة التي لا تليق بالأسياد اليهود.

والسلام الوارد في الشعار ليس المقصود منه الصلح أو السلم، وإنما المقصود منه عدم القيام بأعمال عسكرية  ضد اليهود -أو كما يحلو لهم تسميتها أعمال العنف والإرهاب- من قبل الأفراد أو المجموعات ضد الدولة أو مواطنيها اليهود، وهذا السلام يقتضي وجود التعايش والتسامح بين الشعبين فالعرب يسامحون اليهود على اغتصابهم لديارهم ويتعايشون معهم بكل احترام وود تحت حماية اليهود وفي ظل حراب دولتهم.

وأما المساواة هنا فتعني المطالبة بالحقوق المستحقة كالتي يحصل عليها اليهود، والحقوق هي عبارة عن الخدمات والمنافع التي تقدمها الدولة لمواطنيها بحسب قوانينها وأنظمتها ودستورها.

ان الحكم الشرعي في هذا الشعار هو الحرمة، لأنه يعطي الأمان والسلطان، أي القوة والحكم، لليهود الكفار ويجعل لهم سبيلاً على المسلمين، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) بمعنى أنه لا يجوز ولا ينبغي أن يكون للكفار أي شكل من أشكال السيطرة على المسلمين في أي زمان وفي أي مكان.

هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فشعار (السلام والمساواة) بهذا المعنى وبهذا المضمون هو شعار كفر لا يُقبَـل في الإسلام، لأن السلام له معانٍ شرعية من قبيل التحية والصلح لا من قبيل الاستسلام لقوة الكافر وعدم مقاتلته.

وأما المساواة فلا وجود لها في الإسلام لا بالاسم ولا بالمسمى، لأن الإسلام يقارب بين الناس ولا يساوي، ويستحيل أن توجد المساواة بين الناس في هذه الحياة الدنيا وأما طلب الحقوق من الدولة وإعطاء كل ذي حق حقه فلا يسمى مساواة وإنما يسمى عدلاً، وفَرقٌ كبير بين الكلمتين.

ثم إن العدل لا يكون إلا بالإسلام، وعلى فرض أن هؤلاء يقصدون بالمساواة العدل فهل يطلبون العدل من الكفر والكفار الذين اغتصبوا الديار وشردوا أصحابها.

وأما حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «المسلمون تتكافأ دماؤهم» فالمقصود بالتكافؤ القصاص والديات فقط وفق الشريعة الإسلامية.

وعليه يكون شعار (السلام والمساواة) حراماً شرعاً، وباطلاً حقاً، ولا تجوز الدعوة له أو العمل من أجله، وكل من يدعو له أو يؤيد من يدعو له أو ينتخب من يرفعه كشعار له فإنه يقترف ذنباً عظيماً ويرتكب معصية كبيرة ويوالي الكفار .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *