العدد 132 -

السنة الثانية عشرة – محرم 1418هـ – أيار 1998م

أميركا والخليج… والمشهد الخليجي المتكرر

أميركا والخليج… والمشهد الخليجي المتكرر

د. عبد الله خليفة الشايجي

في المقال التالي يبرز الكاتب كيف ينظر حكام الخليج إلى أميركا (ينظرون إليها أنها أتت إليهم لتأخذ ثرواتهم وتتحكم برقابهم بحجة حمايتهم)، وكيف تتعامل أميركا مع الخليج وأهله وثرواته (تعتبر ثروته مصلحة حيوية لها وأرضه ساحة لها، وأهله عبيداً لها). وقد رأت (الوعي) إطْلاع قرائها عليه. وفيما يلي المقال:

  • “إن تخفيض القوات الأميركية في المنطقة (الخليج) يجب ألا يكون باعثاً على ارتياح الرئيس العراقي… سيكون لدينا قوة قادرة على الانتشار السريع ومستعدة للذهاب إلى هناك خلال (48) ساعة إذا دعت الضرورة… لقد خفت حدة التوتر إلى حد ما، لكنه (صدام) لا يزال خطراً على المنطقة. سنبقي على ما بين 17 إلى 20 ألف عنصر من القوات المسلحة في المنطقة…”.

وليم كوهين/ وزيـر الدفاع الأميركي عن عزم

واشنطن خفض عدد قواتها في الخليج 25/5/98.

  • “الوجود العسكري الأميركي في الخليج هو بمثابة قوات احتلال…”.

من تصريحات عراقية متكررة.

  • “نرحب بخفض القوات العسكرية الأميركية في الخليج. ولكن استمرار الوجود العسكري الأميركي يبقي التوتر في المنطقة، ويهدد الخليج كله…”.

  • “إننا نرفض ضرب العراق وهو ضعيف منهك، وشعبه جائع وعريان. كيف يمكن لنا أن نقبل ضرب العراق؟ لا بد من حل المشكلات بالحوار”.

الشيخ زايد بن سلطان/رئيس دولة

الإمارات عن العراق 11/2/1998

  • “إن السياسة الأميركية خاطئة لأنها لا تعمل لصالح شعوب المنطقة… السياسات الغربية لا تركز إلا على النفط ومصالح إسرائيل ولو لم يكن النفط متوفراً لكنتم عاملتمونا كموريتانيا… إن استطلاعاً للرأي أجري في المملكة العربية السعودية أثبت أن 90% كانوا ضد ضرب العراق… يجب زوال صدام حسين ونظامه، ولا أعتقد أن الولايات المتحدة تريد زواله، لحسابات خاصة بها لا نعلمها. ويقول البعض إن ذلك يخدم المصالح الأميركية في المنطقة، وإلا لماذا نجحت واشنطن في اعتقال نورييغا عندما أرادت ذلك؟…”.

الأمير طلال بن عبد العزيز/صحيفة (السفير)

3/3/1998 عن أميركا والخليج والعراق.

  • “رفع الحصار عن شعب العراق أصبح ضرورة لا بد منها، لأن الشعب العراقي يعاني معاناة قاسية، وأميركا تريد أن يظل الحصار مفروضاً على الشعب… وهي في ذلك مدفوعة بضغط من اللوبي اليهودي الذي يعتقد بأن العراق ربما يشكل خطراً على إسرائيل. ويريدون التأكد من أن العراق تتم فيه تصفية كل ما يمكن أن يشكل خطراً على إسرائيل، هذا ما تريده أميركا وتعمل له…”.

الشيخ محمد بن راشد ولي عهد دبي وزير دفاع

الإمارات العربية المتحدة (الأهرام العربي) 4/4/1998

  • “لقد فقدت الولايات المتحدة مصداقيتها في الشرق الأوسط. وبالإضافة للعقوبات المفروضة على العراق. فإن واشنطن فرضت عقوبات على ليبيا وإيران والسودان، وفي المقابل لم تفعل شيئاً من أجل عملية السلام. هذا ما يقوله الناس. ثم يراقب الناس مساعي الولايات المتحدة لتوجيه ضربة للعراق. بينما في نفس الوقت تملك إسرائيل أسلحة دمار شامل، والولايات المتحدة لا تقول شيئاً!”.

الرئيس حسني مبارك عن كيل واشنطن بمكيالين

وفقدانها المصـداقية (فايننشال تايمز) 16/2/98

في البحث الذي أقوم بجمع مواده تكملة لبحثي السابق الذي نشر في الخريف الماضي في دورية (M. E. Policy) في واشنطن استطعت أن أقف على العديد من التصريحات والمواقف لمسؤولين خليجيين لافتاً النظر في حدة طرحها وصراحتها والغمز من قناة المشهد الخليجي المتكرر في أشبه ما يكون بموقف خليجي موحد من أقصى شمال الخليج من الكويت إلى جنوبه، تجاه السياسة الأميركية، أو عدم وجود استراتيجية أميركية بعيدة المدى أو عدم عزم واشنطن على الابتعاد عن موقفها السياسي وسياساتها المتبعة منذ حرب تحرير الكويت.

المراقب للشأن الخليجي، بدأ يقترب من مرحلة الملل وبدأ يستشعر ثقل الاعتماد على الأمن المستورد، وبدأت تتسرب إليه قناعة بأن الأمور ستبقى تراوح مكانها. وبدأت تبرز وبشكل نافر مؤشرات تثبت صحة نظرية المؤامرة – بأن واشنطن هي المستفيدة – وعندما يصرح شخصية مثل الرئيس المصري التي تتلقى بلاده دعماً مالياً وعسكرياً من واشنطن يتجاوز الملياري دولار سنوياً بأن أميركا فقدت المصداقية فعلينا أن نتوقف لنتأمل في ذلك التصريح. ثم عندما يقترح شخصية سعودية بارزة مثل الأمير طلال بن عبد العزيز ناقداً السياسة الأميركية بأنها خاطئة، وفي مقابلة ثانية له مع الواشنطن تايمز في إبريل الماضي يطالبها بفتح صفحة جديدة من العلاقات مع إيران في ضوء التقارب الإيراني – السعودي، منتقداً وبشكل مبطن سياسة الاحتواء المزدوج الأميركية تجاه العراق وإيران.

والمشهد الخليجي يتكرر: واشنطن تحشد القوات والعتاد رداً على تعنت صدام حسين، ثم يُنزَع الفتيل فتسحب وتخفض القوات في مسرحية نشاهد بين الحين والآخر فصلاً من فصولها المتعددة في عام 1994، بعد الحشود العراقية على الحدود مع الكويت وبعد التصعيد والحشد الأميركي المضاد، الذي استمر ثلاثة أسابيع ووصلت تكلفة تلك الحشود الغربية مليار دولار قامت الكويت والمملكة العربية السعودية بتغطية النفقات. الحشود الأخيرة في الخليج استمرت منذ مطلع العام وعبر أزمتين كلفت المليارات ولم تطلق رصاصة.

الاستنـزاف للموارد الخليجية، في ظل انخفاض حاد بأسعار النفط، في ظل تصاعد عجز الموازنات الخليجية المرشح للارتفاع أكثر إلى 124 مليار دولار، بينما كان 78 مليار دولار عندما غزا صدام حسين الكويت – وسط بطالة حقيقية في دول الخليج، وبطالة مقنعة والحديث عن ضرائب ورسوم تفرض على مجتمعات لم تَعْتَد الرسومَ والضرائب والخصخصة وهو ما يطالب به البنك الدولي – كل ذلك الاستنزاف يترافق مع إنفاق هائل على التسلح حيث ترصد دول الخليج في المتوسط ربع ميزانيتها على التسلح والدفاع والأمن، ما يحرم الوزارات الأخرى والتنمية والإنفاق على التطوير والتعليم، ويقدم المدفع والصاروخ والطائرة على المدرسة والأستاذ والطالب.

  • معضلة الأمن الخليجي مضاعفة بعدم قدرة دول المجلس على تأمين الحماية الذاتية، وعدم قدرة مجلس التعاون في الذكرى ألـ 17 لإنشائه على إيجاد منظومة دفاع أمني تقلص من الاعتماد على الأمن المستورد. معضلة الأمن الخليجي تبقي باستمرار النظام العراقي متمرداً غير منصاع لصوت المنطق والتهدئة والعودة عن خطئه وإصلاح السياج التي حطمها، وإعادة جسور الثقة المدمرة مع الكويت والمملكة العربية السعودية، معضلة الأمن الخليجي ستبقى تؤرق الخليجيين، طالما النظرة لمصدر الخطر تبقى أمراً نسبياً، وتختلف في ذلك دول شمال الخليج التي ترى الخطر يكمن في العراق، بينما تصر دول جنوب الخليج بالرغم من عصر الوفاق بين ضفتي الخليج بأن الخطر يكمن في إيران، وكل فئة من الخليجيين تسعى لترميم العلاقات مع قطبي الرحى الخليجي في حسابات للتوازنات وتوازن للقوى على حساب شمال الخليج أو جنوبه بالغزل مع العراق وإيران وليس بالعمل المشترك.

  • الأمن الخليجي سيبقى مستورداً وغربياً طالما واشنطن لديها أجندة خاصة وحسابات مختلفة، وطالما بقيت تقدم مصالح مصانعها ومؤسساتها، وطالما بقيت حاجة لإبقاء بؤر للتوتر وأشخاص يؤمِّنون ذلك التوتر، لا بل يرفعون بين الحين والآخر هذا التوتر لنقاط حارة من تصعيد مفتعل سرعان ما يهدأ بعد الحشود، ليتبع الحشود خفض لها.

الحلقة المفرغة التي مللنا منها وملت منا يجب أن تصل لنهايتها المحتومة، ولكنها لن تصل لتلك النهاية طالما بقيت دول المجلس مختلفة… تسيطر عليها البروتوكولات والمجاملات والرسميات وطالما بقيت ترهن أمنها للقوى الأجنبية التي يقول الجميع إن وجودها مؤقت، وطالما بقيت إيران تناقض نفسها، وطالما بقي العراق يتلذذ بشكل سادي بتعذيب نفسه وشعبه. وبانتظار الفصل الثاني من مسرحية (البقرة تُحلب والراعي راقد) نبقى راقدين .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *