العدد 140 -

السنة الثالثة عشرة – رمضان 1419هـ – كانون الثاني 1999م

السياسة الأميركية لتمزيق الصين والسيطرة عليها

إن الشعب الصيني يميل إلى العزل السياسية بطبعه، وفاقد للطبيعة العسكرية، ولهذا اشتهر بعدم الاعتداء على من حوله والابتعاد عن سياسة التوسع بغض النظر عن الأساس الذي تقم عليه دولته سواء فكرة عالمية أم لا، وهو في حالة الدفاع عن كيانه وبلاده لا يعتبر الأمر قضية مصيرية تستوجب الحياة أو الموت، ولهذا أضحى لا يخيف دول الجوار أو غيرها، وأصبح مطمع الطامعين ومحط أنظام المستعمرين، ولقد جرى تقسيم بلاده مرات عديدة ووقع تحت سيطرة غيره لفترات طويلة عبر تاريخه المديد، ونال من الذل والمهانة الشيء الكثير من دول الجوار ومن الدول الاستعمارية: الأوروبية والولايات المتحدة.

إن الدول الاستعمارية الغربية الخبيثة وعلى رأسها بريطانيا ماضياً والويات المتحدة حاضراً كانت تقيم علاقاتها التجارية مع الصين على أساس الرأسمالية بما فيها من أفكار الاستغلال والاستعباد ومص الدماء، فقد قامت بريطانيا باحتكار تجارة الأفيون عن طريق شركة الهند الشرقية البريطانية وعمدت إلى إدخاله إلى الصين بوسائل وأساليب رخيصة والقيام بمبادلة سلع الصين بالأفيون، ولما تصدى بعض أهل الصين لذلك تدخلت بريطانيا في شؤون الصين الداخلية يشكل مباشر وعدواني وأعلنت عليها الحرب المعروفة بحرب الأفيون. وكلما جرت مقاومة لهذه التجارة المسمومة تدخلت بريطانيا بالقوة والإرهاب، ولم تكتف بذلك بل تمادت في ظلمها وعطرستها وإرهابها لفتح أسواق الصين كرهاً أمام تجارتها، فاحتلت شنغهاي ثم اقتحمت سفنها نهر اليانغتسي واستعدت للهجوم على نانكنع، واستولت على هونغ كونع، وفرضت على الصين التمتع بخمسة موانئ صينية والسماح للتجار الأجانب وعائلاتهم بالإقامة في الصين ومواصلة أعمالهم التجارية بلا قيود، وفق معاهدة فرضت على الصين باسم معاهدة نانكنغ. ثم ما لبثت فرنسا والولايات المتحدة الأميركية أن انظمتا إلى بريطانيا وأجبرت الدول الثلاث الصين عام 1854 على تعديل المعاهدة تعديلاً يبيح لهذه الدول العمل والتحرك في كافة أجزاء الصين بما في ذلك إباحة تجارة الأفيون و«تجارة الخنازير»، وهو وصف أطلقه الغرب الغاشم على عمال الصين الذين كانوا يصدرون للعمل في ظروف أقرب ما تكون إلى الرق وبخاصة في أميركا. وفي عام 1857 احتل الفرنسيون والبريطانيون ميناء كانتون بتأييد من الولايات المتحدة ثم انضمت إيطاليا وألمانيا واليابان وروسيا إلى ركب المنقضين على الفريسة بهذا أصبحت الصين مستباحة لكل طامع ومستعمر، وقد جرى استغلالها واستغلال شعبها من قبل الدول الغربية بلا رحمة وبإحساس ميت وتفكير خبيث.

والشعب في الصين والقوى السياسية فيها تتحمل جانباً من المسؤولية في السماح لأعداء الصين بتقطيع بلاده، والتدخل في سيادته وشؤونه الداخلية، وفي استساغة العيش في أجواء الظلم والاضطهاد والذل وجرح الكرامة والدورس عليها بالأقدام.

والصين لم تكن في يوم من الأيام من الدول الكبرى، ولم تؤثر في السياسة الدولية في أي زمن مضى، وحين اعتنقت الشيوعية وصارت دولة شيوعية أرادت للمبدأ الشيوعي بصفة محلية ووطنية، لا عالمية ولا إقليمية ولا دولية، وإن قامت ببعض الأعمال السياسية على المستوى الإقليمي، ولكن هذه الأعمال لم تكن جادة، لذلك لم تستطع متابعتها ورعايتها، ورجعت إلى مدارها الأصلي. وهي عديمة التأثير الدولي والعالمي، بل أضحت منهمكة بالمشاكل الداخلية التي تثار من قبل أعدائها. وعليه فالصين لا تعتبر من الدول الكبرى بالرغم من أن عدد سكانها يزيد عن المليار نسمة، لأن حال سكانها بعدده الكثير والضخم كحال غثاء السيل لا وزن له ولا قيمة له ولا يحسب له حساب حقيقي، والصين من ناحية إدارية مقسمة إلى أقاليم يتمتع بعضها بالحكم الذاتي، ومدنها الحيوية: بكين وشنغهاي ويان تسين تخصع للإدارة المركزية لحكومة الصين.

ومنذ أن خرجت الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية من عزلتها، صممت على التأثير في الموقف الدولي عن طريق التأثير في السياسة الدولية والعالمية وفي العلاقات الدولية، وفي التربع على العرش الدولي كدولة أولى بلا منافس، بل عزمت على فرض سيادتها على العالم، وانتزاع السيادة من جميع الدول، وقررت أن على الدول التي كانت كبرى أن تحال على التقاعد وتستريح وترضى بما هو عليه باقي العالم من الخضوع لسيطرة الأقوياء، فقامت بمساندة الحزب الشيوعي في الصين بالخفاء ليصل إلى الحكم فيها لتعالج الصين بروسيا على اساس حقيقة العداء المستحكم بينهما، وقامت بانتهاك سيادة الصين ووحدة أراضيها، ففصلت تايوان عن الصين، وزودتها بالأسلحة المقاتلة، واتخذت منها قاعدة عسكرية لها وجسراً للعمل من خلاله ضد الصين. وإبان فترة الحرب الباردة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية أخفقت الولايات المتحدة في سياستها تجاه الصين بسبب تأثير الإنجليز عليها ولأ،ها نجحت بزجها في الحرب الكورية، وفي فترة الوفاق كانت الصين واقعة ضمن المخططات الدولية التي جرى الاتفاق عليها بين أميركا وروسيا، وكانت مهمة الولايات المتحدة إشعال حرب محدودة في مسرح المحيط الهادي من أجل احتواء الصين من ناحية دولية ولهذا كانت حرب فيتنام، ونجحت الولايات المتحدة في مهمتها في جذب الصين نحو سيطرتها الدولية عن طريق ضمها إلى عضوية مجلس الأمن وهيئة الأمم، وبهذا وقعت الصين في فخ العمل ضمن الشرعية الدولية، وأضحت ضمن السيطرة الدولية بقيادة الولايات المتحدة بالرغم من أن لها حق النقض (الفيتو) لأن هذا الحق هو حق شكلي لا فعلي، وإبان الحرب الباردة قامت الولايات المتحدة باحتضان الصين وتقويتها لتعالج بها أمر القوة السوفيتية ولجعلها ضمن سيطرتها العالمية، وفي منتصف الثمانينات حين أحست الولايات المتحدة بدنو انهيار الاتحاد السوفيتي عمدت إلى دمج فكرة السيطرة على الصين بفكرة تمزيق الصين، وباشرت العمل بهذه الأفكار بعد أن حطمت الاتحاد السوفيتي وفكرته الشيوعية ورسمت خططها لتمزيق روسيا والسيطرة عليها.

ومن هنا فالنظرة السياسية الأميركية تجاه الصين هي تفتيت الصين وجذبها نحو نير الاستعمار الأميركي بقوة، وهذه النظرة تتفق مع حلمها في السيطرة على العالم، وأن العالم مزرعة لها، وما يستلزم ذلك من إضعاف دول العالم وشعوبه وتفتيته، وإحداث الفوضى العالمية فيه للحيلولة دون تمكن دول العالم وشعوبه من الانعتاق من ربقة استعمارها العالمي الجديد والخبيث.

والأساس الذي تقوم عليه السياسة الأميركية تجاه الصين هي نشر الرأسمالية فيها بالمفهوم الأميركي عن طريق الاستعمار الثقافي والسياسي والاقتصادي. والأفكار السياسية التي تعتمد عليها الولايات المتحدة في تجسيد حلمها وتحقيق نظامها العالمي الجديد، أي: فرض سيادتها وسيطرتها على العالم ومنه الصين هي: الديمقراطية، الحرية التعددية، الشراكة، اقتصاد السوق الحرة، العولمة، الخصخصة، الاستقلال، الحوار أو التعايش، حقوق الإنسان، مكافحة الإرهاب، تطوير هيئة الأمم، القومية، الوطنية..

والقواعد السياسية التي تقوم عليها السياسة الأميركية تجاه الصين هي:

  • الانفتاح على الثقافة الأميركية والمفاهيم الرأسمالية.

  • الدعوة إلى الإصلاح السياسي والاقتصادي على أساس رأسمالي.

  • محاربة واحتواء خطر انعزال الصين عن الولايات المتحدة.

  • التأثير على القرار السياسي في الصين.

  • إثارة النزعة الاستقلالية داخل الصين وخصوصاً في الأقاليم.

  • إحداث الفراغ السياسي والعسكري والاستراتيجي داخل الصين.

  • القضاء على الفكرة الاشتراكية داخل الصين.

  • ربط الصين بالمؤسسات الدولية والإقليمية.

  • اصطناع الأزمات والمشاكل داخل الصين. وربط علاجها بالأفكار السياسية الأميركية.

  • تهيئة المجتمع في الصين للفكر الرأسمالي بالمفهوم الأميركي.

والحقائق التي تعتمد عليها السياسة الأميركية تجاه الصين:-

أولاً:- الحقائق التاريخية والسياسية للصين من أنها سهلة التمزيق وكذلك أمر السيطرة عليها، وحقيقة أن قوة المركز على الأقاليم تتأثر بقوة الصين أو ضعفها، وأن السيطرة على الصين موحدة يحتم السيطرة على المركز، وأن السيطرة على الأقاليم وخلق الصراع بين المركز والأقاليم ودفع الأقاليم نحو الإنفصال يؤدي إلى تفتيت الصين، ولهذا عمدت أميركا إلى إضعاف قوة سيطرة المركز على الأقاليم وقامت بالنفاذ إليها، وأثارت فيها النزعة الاستقلالية لأنها تريد تمزيق الصين لا وحدته بالإضافة إلى السيطرة عليه.

ثانيا:- الحقائق المتعلقة بتغيير المجتمعات وتدميرها والسيطرة عليها.

ثالثاً:– حقائق الواقع السياسي للصين وحال القوى السياسية فيها ودوافعها وخصائصها ومشاكلها.

رابعاً:- الحقائق المتعلقة بعلاقة الصين بدول الجوار.

خامساً:- حقائق التضليل الفكري والسياسي، فعمدت الولايات المتحدة إلى تضليل الصين بحقائق الإصلاح السياسي والاقتصادي، وحقيقه القوى العالمية، وحقيقة خطر القومية، والنزعة الاستقلالية على الصين، ونحو ذلك من الحقائق، ومن أجل هذا تريد الولايات المتحدة أن يصبح شعار «القومية الصينية» حجر الزاوية للسياسة الصينية لتكون القومية كفكرة سياسية معول هدم لوحدة الصين.

السياسات الأميركية لتمزيق الصين والسيطرة عليها تتخلص بما يلي:

أولاً:- إذكاء روح الانفصال داخل الصين تحت شعارات الحرية والرأسمالية والقومية والغنى والفقر.

ثانياً:- إحداث الميوعة والفوضى داخل المجتمع في الصين من أجل إحداث الفتن والحروب الأهلية والصراعات فيه ليتفجر المجتمع من الداخل، ورعاية المطالبين بالحريات.

ثالثاً:- تدمير الحياة الاجتماعية والزراعية في الصين باسم الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

رابعاً:- إغراء الجيش في الصين للتوجه نحو التجارة والعمل التجاري من أجل إحداث الفراع العسكري عن طريق نزع ثقة الجيش بالسياسيين واختراقه والتأثير عليه، وتحويل الصناعات العسكرية في الصين إلى صناعات تجارية ومدنية، وتغيير عقليته العسكرية الضعيفة أصلاً إلى عقلية تجارية بحتة تقوم على أساس رأسمالي، ليفسد الجيش ويعمه الفوضى وعدم الانضباط وقتل روح الدفاع والقتال من أجل وحدة بلاده بشكل تام، ليسهل استغلاله في تمزيق الصين والسيطرة عليها لتصبح مزرعة من المزارع الأميركية.

خامساً:- فتح محطات إذاعية بإشراف أميركي موجهة تبث الأفكار الغربية الفاسدة والثقافة الرأسمالية القذرة، والأخبار الكاذبة، والمعلومات المضللة لتهيئة التربة والمناخ داخل المجتمع في الصين للانفجار والتدمير والوقوع تحت الهيمنة الأميركية الغاشمة، وهذه المحطات هي على نمط المحطات التي كانت تستهدف أوروبا الشرقية من حيث النظرة والأساس والحقائق والقواعد.

سادساً:- استغلال تايوان وهونغ كونغ وبعض الأقاليم الساحلية في الصين ودول الجوار التابعة للولايات المتحدة كسنغافورة وكوريا الجنوبية من أجل تنفيذ السياسات الأميركية وتحقيق أغراضها.

سابعاً:- جذب المثقفين من أبناء الصين للولايات المتحدة للتأثير عليهم من ناحية ثقافية وربط بعضهم بعجلة المخابرات ليكونوا جميعاً معول هدم لبلادهم.

تاسعاً:- ممارسة سياسة التضليل عملياً في عدة مسائل أهمها:-

  • حقيقة خطر وجود الشركات والاستثمارات الأميركية أو التابعة لها داخل الصين.

  • حقيقة خطر شعار الإصلاح سواء بالمفهوم الأميركي أم بالمفهوم الصيني.

  • حقيقة النماذج الآسيوية المسماة بالنمور وخطر سلوك الصين مسلك هذه الدول المفضي إلى التبعية والتشرذم للصين.

  • خداع الصين ومن حولها في حقيقة قوتها ووزنها لتقف على أرض رملية ليسهل على الولايات المتحدة تحقيق نظرتها أو تحقيق غاياتها الأساسية، فكل ما يشاع عن الصين من أنها ستصبح المسيطرة على العالم وأنها مؤهلة من ناحية القوة لتكون قوة عالمية ذات وزن كبير وأن شعبها سيكون أغنى شعب في العالم، وأن هناك فائضاً في الميزان التجاري مع أميركا لصالح الصين، ونحو ذلك من الإشاعات التي تصدر عن المؤسسات الدولية أو الأكاديمية وعن الساسة الأميركان، هي أوهام وهرطقات يراد منها التسلل إلى الصين وضرب اقتصادها وإيجاد التضخم فيه، ونهب كنوزها وتسخير شعبها ونشر الفساد فيه، وتوليد فئات رأسمالية عفنة داخل الصين، وإيجاد العصابات والمافيا فيها، وإشباع نهم الصين بالحصول على الدولارات الورقية، وإذكاء روح الخوف لدى روسيا والهند واليابان ودول الجوار منها لتبرر سيطرة أميركا على دول الجوار واليابان واستغلال هذه الدول في مهمتها الأساسية وهي تمزيق الصين والسيطرة عليها.

إن المستقبل المنظور للوضع في الصين مستقبل مظلم وقاتم وينذر بعواقب وخيمة لا تقتصر على الصين وحدها بل تشمل العالم كله، وخصوصاً إذا ما نجحت الولايات المتحدة في مخططاتها تجاه الصين وروسيا وأوروبا لأن ذلك يعني تجسيد الحلم الأميركي في الواقع، وهذا فيه خطر كبير على العالم كله. وبما أن القضايا التي تواجه الصين وروسيا واليابان والعالم الإسلامي وسائر الدول الضعيفة هي قضايا مصيرية تتعلق بالوجود والبقاء على قيد الحياة بعزة وكرامة وسيادة وإرادة حرة أو بذل وتبعية وعبودية للولايات المتحدة، لذلك لا بد أن يكون الإجراء تجاه هذه القضايا إجراء الحياة أو الموت، وما يتطلب ذلك من تبني السياسات الجريئة والحاسمة والاستعداد لخوض غمار الحرب الساخنة إن لزم الأمر، لكي يتأتى رفع السيطرة الأميركية الغاشمة عن العالم وتقزيم الإخطبوط الأميركي واحتواء أخطاره العالمية. والسبيل الذي يمكن اتباعه بالنسبة لدول العالم:

أولاً:- الانسحاب من هيئة الأمم الحالية وإنشاء هيئة عالمية جديدة تقوم على العرف الدولي لا القانون الدولي، ثم تجري مناقضة هذه الأعراف بين الدول والأسس الصحيحة التي تقوم عليها لمعالجة الأخطار العالمية، كخطر القومية والوطنية، ومعالجة المشاكل الحدودية بين الدول، وغير ذلك من المشاكل التي تواجه دول العالم.

ثانياً:- التنسيق فيما بينها للعودة إلى قاعدة الذهب والفضة ورفض التعامل مع الدولار ا وغيره من العملات الورقية، ووضع مخططات للتخلص من هذه الأوراق ومعالجة أمرها.

ثالثاً:- قطع العلاقات السياسية والثقافية والدبلوماسية مع الولايات المتحدة ومن يساندها من دول أوروبا، وإخراج الشركات والاستثمارات الأميركية أو التابعة لها من دول العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *