العدد 143 -

السنة الثالثة عشرة – ذو الحجة 1419 هـ – نيسان 1999م

الصـراع على منطقة بحر قـزويـن

تحدث الرئيس الشيشاني مسخادوف في مهرجان لأنصاره في غروزني في 16/3/99، فقال إن واشنطن تريد إيجاد نظام مشابه لطالبان في بلاده من أجل إرهاب جيرانها، والسيطرة على منطقة بحر قزوين وثرواتها الطبيعية، ولمح إلى أن دولاً عربية تساعد في تمرير المخطط الأميركي.  فما هي قصة الصراع على نفط بحر قزوين؟  وما هي قصة الصراع على مد خط أنابيب النفط والغاز إلى الأسواق العالمية؟  المقال التالي يكشف هذه الأسرار

ويبرز أهمية هذه المنطقة اقتصادياً واستراتيجياً، ويُشير إلى الإمكانات الواعدة التي تبشّر بها، وهو مقتبس من مقال نشر في صحيفة واشنطن بوست بتاريخ 4/10/98.

الزيارة التي قام بها الرئيس الأذربيجاني إلى واشنطن في آب (أغسطس) 1997 كانت بناء على نصيحة من مدير العمليات الآسيوية ـ الأوروبية في شركة أموكو الأميركية للنفط، والتي مقرّها شيكاغو. والمعروف أن أموكو تدفع بكثرة للحزب الديمقراطي، وقبل الزيارة بحوالي ستة أشهر دفعت أموكو لصندوق الحزب الديمقراطي مبلغ 50 ألف دولار. وشهدت الزيارة حفل توقيع اتفاق للتنقيب عن النفط بين أذربيجان وأموكو، ووعداً من الرئيس كلينتون برفع العقوبات الاقتصادية عن أذربيجان. إن الروابط بين أموكو وأذربيجان، ودور أموكو في دفع الولايات المتحدة إلى الاهتمام بهذه الدولة المطلة على بحر قزوين، تعكس خرائط معقدة أعدتها شركات النفط، والقوى الكبرى، والحكومات الإقليمية التي تتصارع على النفوذ في هذه المنطقة الاستراتيجية التي تفصل روسيا عن الشرق الأوسط. واللاعبون الأساسيون ليسوا فقط شركات النفط مثل: أموكو، موبيل، وشيفرون، ولكن أيضاً مسؤولون حكوميون كبار من واشنطن إلى موسكو إلى بكين إلى طهران، لأن الغنيمة ضخمة مالياً واستراتيجياً. والحكومة الأذربيجانية مثل جارتيها تركمانستان وكازاخستان سعت من أجل إغراء شركات النفط الأميركية ومن ثمَّ الحكومة الأميركية من أجل تدعيم استقلالها المالي والسياسي. وستكون الجائزة النهائية احتياطي نفط وغاز أضخم بكثير من كل النفط المكتشف خلال العقود الثلاثة الأخيرة سواء في بحر الشمال أو ألاسكا. ويقدّر الخبراء الأميركيون أن المنطقة قد تنتج على الأقل ثلاثة ملايين برميل نفط يومياً بحلول عام 2010 ثمنها 14 بليون دولار سنوياً بحسب الأسعار الحالية؛ وهذا الرقم أقل بكثير من الإنتاج السعودي، ولكنه أكثر من إنتاج الكويت (برغم أن قلة من المحللين يعتقدون أن احتياطي نفط بحر قزوين قد جرى تضخيمه). أما احتياط الغاز فهو في المرتبة الثالثة بعد الشرق الأوسط وروسيا، بحسب تقرير لوزارة الخارجية الأميركية.

إن توجه الشركات الأميركية لاستغلال هذه الموارد، أدى إلى إعادة اصطفاف سياسية ذات أبعاد تاريخية، تتضمن وجوداً أميركياً غير مسبوق في منطقة كانت بشكل دائمي تحت السيطرة الروسية منذ منتصف القرن التاسع عشر، ولكن مصالح أميركا في المنطقة تعرّض أميركا لمخاطر ومآزق سياسية، ففي المقام الأول هناك العلاقة مع موسـكو، فروسـيا القيصـرية والاتحاد السوفييتي نظرا إلى موارد بحر قزوين باعتبارها حقاً موروثاً، والآن تتهم روسيا الولايات المتحدة بأنها تناور من أجل تحديد سـيطـرة موسكو، وإنشاء منطقة نفوذ أميركية في المنطقة.

كما أن نفط بحر قزوين مهم لإدارة كلينتون بالنسبة للعلاقات مع طهران؛ فبعض شركات النفط الأميركية ترى أن إيران هي المعبر الأرخص والأسرع لنقل نفط بحر قزوين، وهذا على النقيض من تصورات شركات أخرى، التي تشجع استمرار جهود الحكومة الأميركية لعزل الجمهورية الإسلامية. إن التدخل الأميركي هو ما طلبه قادة الدول الحديثة الاستقلال: أذربيجان، كازاخستان وتركمانستان حين أغروا الشركات التي ترفع علم الدولة الأعظم الوحيدة في بداية هذا العقد. وقد صرّح مسؤول نفطي أميركي، طلب عدم ذكر اسمه: «اعتبروا أن علاقة قوية مع الولايات المتحدة توفر فرصة للاستقرار ولعدم التسلط الكلي من قبل القوى المجاورة: روسيا وإيران. وبما أن حكومة أميركا كانت بطيئة في إدراك أهمية المنطقة، فإنهم صاغوا علاقات مع رجال أعمال أميركان» وقد قال إلهام علييف، نائب رئيس شركة النفط الأذربيجانية الحكومية، ونجل رئيس البلاد: «استخدمنا النفط من أجل هدفنا الأسمى، وهو أن نصبح دولة حقيقية.» وقد استثمرت شركات النفط الأميركية أكثر من بليوني دولار في الجمهوريات السوفييتية السابقة الثلاث، والتي تملك أكثر نفط وغاز بحر قزوين، ما أحيا اقتصادياتها المنهارة وأنهى اعتمادها الاقتصادي على روسيا والمستمر منذ قرن. وكذلك تحققت لها أيضاً مكاسب سياسية واستراتيجية. فشركات النفط الأميركية أصبحت مدافعة عن حكومات بحر قزوين في واشنطن، وتجذب الانتباه إلى ثروة بحر قزوين، وتدعم قضاياها السياسية، وبذلك أصبح بحر قزوين على جدول أعمال المناقشات السياسية في واشنطن، فعلى سبيل المثال ضغط ممثلو شركات النفط في أذربيجان على المسؤولين، وفي كل مناسبة، من أجل إنهاء النزاع الإقليمي الدموي بين أذربيجان وأرمينيا؛ وفي عام 1997 نجحوا في الضغط على الكونغرس من أجل تخفيف قيود العقوبات الاقتصادية المفروضة على أذربيجان منذ 1992 بسبب حربها مع أرمينيا. أما شركة شيفرون، التي تملك أكثر استثمارات نفطية في كازاخستان، فقد كافحت في واشنطن وموسكو من أجل خطة كازاخية لتحويل صادرات النفط من السوق الروسي إلى السوق الغربي حيث العملة الصعبة الهامة جداً لاستقلال كازاخستان الاقتصادي؛ في حين نشرت شركة موبيل إعلانات في الصحف الأميركية تبرز إنجازات حكومة تركمانستان التي يقودها شيوعي سابق.

هذه العلاقات تربط أميركا بمنطقة تضطرب بالنزاعات الإثنية، والحركات الانفصالية المسلحة، وتحكم بنظام حكم أوتوقراطي فاسد، وهي تخاطر في زج نفسها في «دائرة من عدم الاستقرار والأزمات» كما يقول اختصاصي روسي في مؤسسة كارينجيا للسلام العالمي. ويُتوقع أن تزداد روابط أميركا مع منطقة بحر قزوين، لأن شركات الطاقة الأميركية تملك بدائل جذابة قليلة، والسياسة الأميركية تحظر الاستثمار في إيران والعراق، والمشاريع في أماكن أخرى تبدو باهتة بالمقارنة مع بحر قزوين. وكما يقول أحد رجال النفط الأميركان: الحقيقة الصارخة هي «أنه لا توجد قزوينات كثيرة» أما كيف أصبحت أميركا لاعباً في منطقة على هذه المسافة من أرضها فهي قصة الجغرافيا السياسية بعد الحرب الباردة، والمغامرين القدامى، وضعف موسكو وقوة واشنطن، قصة النفط والمال والقوة، والتي لم تكتب نهايتها بعد.

حين قابل رئيس شركة أموكو الرئيس كلينتون في 6 آب (أغسطس) عام 1996، كانت شركته أشهر مؤسسة أميركية في أذربيجان، فمن مقرها في باكو، قامت الشركة بحملة تلقيح للأطفال، وأعانت الموسيقيين الأذريين، وموّلت عمليات تبادل الطلاب. ومن أجل إدخال شركة أميركية، كان لا بد من إخراج شركات أخرى من هناك. كانت الشركات البريطانية، على وجه الخصوص، وبرغم كونها ممثّـلة من خلال ثالوث أميركي، أول من دخل أذربيجان. في عام 1990، كانت باكو ما تزال عاصمة مقاطعة سوفييتية، وقليل من رجال النفط الأميركان ثَمَّنوا مواردها الكامنة، فصناعة النفط في أذربيجان مرت في ظروف صعبة منذ القرن التاسع عشر، حين حَوَّل آل روتشيلد، وإخوة الفرد نوبل، مخترع الديناميت، باكو إلى مركز نفطي عالمي قادر على تحدي شركة ستاندارد للزيت التي يملكها جون روكفلر، في السيطرة على سوق الكيروسين في أوروبا. ومع حلول عام 1990، ترك الاستغلال السوفييتي غير المحدود في المنطقة حفّـارات قديمة في مناطق قاحلة، وبرك سوداء من النفط، وكان الإنتاج الأذربيجاني يتناقص، لكن الجيولوجيين السوفييت قد استشرفوا المستقبل في اكتشاف 4.7 بليون برميل من النفط الممتاز على عمق مئات الأقدام من ماء بحر قزوين. وبعيداً عن إمكانات أدوات الحفر السوفييتية، في حوض اسمه أبشِرون. وأول من اكتشف إمكانيات هذا الحوض شخص اسمه رمب، من أصل أميركي كان يدير شركة خدمات نفطية صغيرة اسمها رامكو في أبردين باسكوتلندا منذ عام 1977، وكان يطمح إلى العمل في التنقيب والإنتاج، ولهذا بدأ السفر إلى باكو في 1989 ولم تكن باكو مكاناً مناسباً لضعاف القلوب، فالتوترات بين أذربيجان وجارتها أرمينيا كانت في تصاعد، وفي كانون الثاني (يناير) من عام 1990 أرسل الرئيس السوفييتي ميخائيل غورباتشوف قواته إلى باكو لقمع انتفاضة وطنية حيث قتل حوالي 200 متظاهر في العاصمة، والدبابات ظلت في الشوارع لأشهر بينما لبس الأذريون السواد إحياءً لذكرى القتلى، وقد استغل رمب الأحداث من أجل الاتصالات وتجميع المعلومات، ثم فيما بعد استأجرته شركة نفط أذربيجان الحكومية للتعرف على الشركات الغربية التي تستطيع تطوير الحقل الرئيس بعيداً عن الشاطئ الذي سمي «الحقل الأذري»، فاتصل بشركة «بريتيش بتروليوم» التي كانت حصلت على تقارير خاصة بها عن «كويت قزوينية»، وكانت أرسلت اثنين من مواليد أميركا للتأكد، وقد اعتقدا أن «بريتيش بتروليوم» ستعقد صفقة خاصة بها في أذربيجان، ثم فكّرا في استبعاد رمب مع المـجـازفـة باحـتـمـال انضـمـامـه إلى شـركات منافسة؛

وفي تشرين الأول (أكتوبر) 1990، حصل كونسورتيوم مؤلف من شركة «بريتيش بتروليوم»، وشركة رامكو، وشركة النفط النرويجية الحكومية على وعد غير رسمي لتطوير «الحقل الأذري» بمفردها، وفي الشهر نفسه وصل إلى باكو أستاذ علوم سياسية في جامعة جورجتاون، عمره 30 سنة، اسمه روب سُبحاني، الذي كانت وعائلته الأذرية هاجرت إلى أميركا من شمال إيران في عام 1979، ولكونه يعرف اللغة الأذرية، فقد كان شيئاً هاماً في باكو، ولهذا استدعي إلى مكتب زعيم الحزب الشيوعي مطاليبوف، الذي حدّثه عن خططه لإنشاء ديموقراطية على النمط الأميركي في أذربيجان، ثم عهد بالصفقة النفطية إلى شركة «بريتيش بتروليوم». ولكن سُبحاني قام بواجبه الوطني كأميركي، فأخبر زعيم الحزب الشيوعي «أن هناك أميركا واحدة، وأن هناك قوة أعظم واحدة، وأنه يجب عليك العمل معها»، وقد أبرز مساوئ الشركة الأم لشركة بريتيش بتروليوم وهي الشركة الإنكلو ـ إيرانية، وتذكر فضـائل الشركات الأميركية، وفكّر في شركة أموكو.

وقد لاقت هذه الفكرة صدى عند مطاليبوف، وفي اليوم نفسه كان رمب في مكتب رئيس شركة النفط والغاز الحكومية حين اتصل مطاليبوف بلهجة آمرة: ألغوا الصفقة مع «بريتيش بتروليوم»، وأعطوا الأميركان حصة في الحقل الأذري، وبذلك أصبح الملعب ممهداً للشركات الأميركية، ولكن النجاح لم يكن مضموناً. وفي نيسان (إبريل) 1991، قدّم وفد أموكو عرض شركته لتطوير الحقل الأذري، وبعد شهرين، استدعى الأذريون شركة أموكو وشريكتها «ماكدرموت الدولية» من أجل مناقشة بنود الاتفاق.

أعلن استقلال أذربيجان في 30 آب (أغسطس) عام 1991، وخلال السنوات الثلاث التي تلت الاستقلال جرى إذلال الدولة الجديدة في حرب دموية مع أرمينيا، ما أدى إلى مئات الآلاف من المهاجرين، وإلى سيطرة أرمينيا على إقليم ناكورو قره باخ، وهي منطقة أذرية جبلية مساحتها بقدر مساحة جزيرة رودس. وقد أدت الحرب إلى تصارع المجموعات السياسية والمليشيات المحلية على السلطة، وقبل وقف إطلاق النار في آذار (مارس) 1994 تعاقبت على السلطة في باكو أربع حكومات. وفي هذه الأثناء لم تهدأ حركة رجال النفط، ودخلت على الخط شركات أميركية عملاقة مثل شركة أونوكال، التي سعت إلى إشراك سعودي معها من أجل تحسين علاقات أذربيجان مع البلدان الإسلامية.

في أيلول (سبتمبر) 1992، وصلت رئيسة وزراء بريطانيا السابقة، مرغريت تاتشر، إلى باكو وقدّمت لحكومة أذربيجان شيكين بمبلغ 30 مليون دولار في محاولة لجعل شركة «بريتيش بتروليوم» في القمة. وقد ضغط المسؤولون البريطانيون من أجل مصلحة الشركة، حتى إن البعثة الديبلوماسية البريطانية في باكو كانت تمارس عملها من مكاتب الشركة، وكانت حكومة أذربيجان تعتبر الاتفاق مع الشركات البريطانية اتفاقاً مع الحكومة البريطانية. أما بالنسبة للشركات الأميركية، فلم تكن حكومة أذربيجان تعرف كيف تتصرف معها، لأن الحكومة الأميركية كانت تجهل أو ربما تعادي انغماس الشركات في أذربيجان، فعلى سبيل المثال، في خريف 1992، فإن الكونغرس، الذي تضغط عليه جماعات الضغط الأميركية ـ الأرمنية، حظر معظم المساعدة الأميركية المباشرة إلى أذربيجان، بينما سمح بمساعدات سخية إلى أرمينيا. وقد بذل مدير عمليات شركة أموكو في أذربيجان، جهوداً متواصلة مع مسؤولي الإدارة الأميركية، وأعضاء الكونغرس، لتعريفهم بأهمية منطقة آسيا الوسطى، ومواردها الكامنة، وموقعها الجغرافي السياسي، وكان يحمل معه خارطة للمنطقة أثناء اتصالاته.

اسـتلم حيدر علييف السلطة في انقلاب عسكري أطاح بالرئيس المنتخب، ويعتقد بعض الأذريين، ورجال النفط الغربيين، أن موسكو دبّرت الانقلاب في محاولة لمنع صفقة نفط ضخمة بين باكو وشركات غربية.

وقد كان حيدر علييف مسؤولاً في جهاز الاستخبارات السوفييتية أيام بريجينيف، ولكنه تحوّل إلى القائد الذي كانت تنتظره شركات النفط الأميركية لأنه يتمتع بالذكاء ويفهم السياسة البترولية. إذ بعد فترة اضطراب قصيرة عيّن فيها الأذريون شخصاً سلوفاكياً لإدارة مفاوضات النفط، تدخّـل علييف بنفسه، فأصدر تعليماته إلى مرؤوسيه لمتابعة صفقة في مركز شركة أموكو في هيوستن، قلب صناعة النفط الأميركية. وفي 20 أيلول (سبتمبر) 1994، اجتمع علييف ومسؤولي النفط من أجل حفلة توقيع ما أسماه علييف «صفقة القرن»، وقد وافق كونسورتيوم شركات النفط على إنفاق 7.4 بليون دولار لتطوير الحقول الثلاثة الأساسية، بهدف إنتاج ما بين 800.000 إلى مليون برميل يومياً بحلول عام 2010؛ وأخذت أربع شركات أميركية أكثر من 40%، بينما شركة أكسون ستنضم إلى الكونسورتيوم في العام القادم (1995)، وأعطيت نسبة 17% لشركة بريتيش بتروليوم، والبقية توزعت على شركة نفط أذربيجان وشركات أجنبية صغيرة. وقد كوفئ رمب، باعتباره أول رجل نفط أجنبي يصل باكو، فحصلت شركته، شركة رامكو، على 2%، وما بين 8 آلاف ـ 12 ألف برميـل يوميـاً بالمـجـان، ومهـمـة تنظيف أنابيب النفط عند إنشائها بمبلغ 30 مليون دولار سنوياً ما دام الكونسورتيوم يعمل.

وقد عارضت روسيا أي وجود أميركي في منطقة بحر قزوين، وقد اتصل وزير الطاقة الروسي بنائب وزير الطاقة الأميركي قبل زيارته الأولى إلى المنطقة في 1994 محذّراً «هذه احتياطيات روسية، ويجب تطويرها من قبل الروس»، وقد كان لروسيا حصة متواضعة في صفقة القرن فقط 10% لشركة روسية خاصة ولكن روسيا كانت تتحكم في الجغرافيا. فنفط بحر قزوين لا يمكنه أن يصل إلى الأسواق العالمية إلاّ عبر دول مجاورة غير مستقرة سياسياً، أو منافسة تجارية في مجال النفط مثل إيران وروسيا. وفي حالة أذربيجان، لم يبق من خط أنابيب القرن التاسع عشر، الذي يمتلكه إخوة نوبل، والممتد من باكو إلى البحر الأسود، إلاّ خط من الصدأ، وما يصل أذربيجان بأسواق النفط العالمية هو مراكب قليلة صدئة تنقله عبر نهر الفولغا، وخط أنابيب وحيد يمتد من روسيا إلى أذربيجان عبر الشيشان التي تمزقها الحرب.

وقد واجه المصدّرون لغز من يملك بحر قزوين وموارده؟ ففي بداية هذا القرن وقعت إيران والاتحاد السوفييتي معاهدات اعتبرتا فيها البحر بحيرة مشتركة بينهما، الآن الاتحاد السوفييتي لم يعد موجوداً، ولكن موسكو لا تزال تتشبث بحقوقها بموجب المعاهدة. ولهذا فقد ترك هذا الوضع شركات الكونسورتيوم معتمدة بشكل غير اعتيادي على الديبلوماسية الدولية من أجل التفاوض بشأن طرق أنابيب النفط.

وفي بداية 1995، أنشأت شركات النفط الأميركية العاملة في أذربيجان، مجموعة شركات النفط الأجنبية في واشنطن، وقد التقت مع خبير الطاقة في مجلس الأمن القومي الأميركي، شيلا هسـلن، ثم مع لجنة وسـيطة يرأسـها صـموئيل بيرجر (مستشار الأمن القومي الحالي). وتفيد الوثائق الحكومية أن مجلس الأمن القومي وشركات النفط عملا سوياً في حزيران (يونيو) 1995، من أجل إحباط محاولة روجيه تمرز، الأميركي ـ اللبناني، لمد خط أنابيب خاص به من باكو إلى تركيا عبر أرمـيـنـيـا. وقد تم تأجيل اتخاذ قرار حول خط أنابيب تصدير النفط.

إن بالإمكان تحويل خط أنابيب النفط الروسي بثمن زهيد، ليسمح بضخ نفط أذربيجان، لكنّ ذلك يسمح لروسيا بإملاء شروط تجارية بشأن نقل النفط عبر الناقلات، كما أن خط الأنابيب يصل إلى ميناء نوفوروسيسك على البحر الأسود، وهو يغلق عدة أشهر في السنة بسبب الثلوج. ولهذا تريد إدارة كلينتون، وشركات النفط خيارات أخرى. ومنذ أخذت شركة شيفرون حقل تنجيز في كازاخستان في 1990، وضعت روسيا عراقيل لمنع مد خط أنابيـب مـن تنجيز عبر أراضـيـهـا. ولهذا يخشى رجال النفط الأميركيون أن يصير حالهم مع روسيا مثل شركة شيفرون.

في صيف 1995، اجتمع صموئيل بيرجر مرتين مع شركات الكونسورتيوم، وحاول إقناع رئيس الكونسورتيوم، وهو مسؤول في «بريتيش بتروليوم» بالحاجة إلى خط أنابيب جديد بكلفة 250مليون دولار من باكو إلى الميناء الجورجي، سوبسا، على البحر الأسود بعيداً عن السيطرة الروسية، ولكن «بريتيش بتروليوم» فضّـلت الحل الأرخص، وهو إنفاق 50مليون دولار لإصلاح خط الأنابيب المار عبر روسيا. وفي أيلول (سبتمبر) 1995، وافق الكونسورتيوم على استخدام كلا الخطين، وظهرت سياسة جديدة في إدارة كلينتون «خطوط أنابيب متعددة» لنفط بحر قزوين.

وأخيراً، بقي إقناع علييف، الذي يجب أن تفاوض حكومته الدول المجاورة بشأن خط الأنابيب، ولكن مع وجود الضغط الروسي، فإن الدعم بعيد عن التحقيق. وقد طلب أنطوني ليك، مستشار شؤون الأمن القومي السابق، بصورة خاصة من سلفه بريجنسكي، مستشار الأمن القومي في إدارة كارتر، أن يحمل رسالة من كلينتون إلى علييف، وتتضمن الرسالة تفضيل أميركا لخطي الأنابيب، وتعرض مساعدة واشنطن لحل النزاع مع أرمينيا. وقد يصبح بريجنسكي مستشاراً لشركة أموكو بأجرة، ولكنه حين طار إلى باكو في أيلول (سبتمبر) 1995، أكد أنه كان مدفوعاً بقلقه على نوايا روسيا في القفقاس. وقد سلّم بريجنسكي الرسالة إلى علييف، ولخّص محتوياتها. ولعدة أيام، جرت محادثات بينهما لساعات طويلة، فهم بريجنسكي من خلالها  أن الروس يطلبون أن يمر كل نفط أذربيجان عبر أراضيهم، وأن توجد قوات روسية في أذربيجان، وفي 2 تشرين الأول (أكتوبر) طلب كلينتون من علييف أن يضغط من أجل فكرة مد خطي أنابيب، وبعد أسبوع أعطى علييف موافقته، واقتنع الروس أخيراً أن السيطرة على أحد الخطين أفضل من استبعادهم نهائياً، ولكن الاحتكاكات الروسية الأميركية ستستمر.

فيما يلي جدول عن إنتاج واحتياطي النفط والغاز والمداخيل للدول الثلاث: أذربيجان، كازاخستان، وتركمانستان، والذي يبرز التصارع على النفوذ في منطقة بحر قزوين.

 

الدولة

إنتاج النفط (1995)

(آلاف البراميل يومياً)

احتياطي النفط (1997)

بلايين البراميل

احتياطي الغاز (1997)

تريليون متر مكعب

الناتج القومي (1996)

بلايين الدولارات

أذربيجـان

185

31

1.3

3.7

كازاخسـتان

440

95

4

15.93

تركمانسـتان

80

33.5

8.9

3.78

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *