العدد 252 -

العدد 252- السنة الثانية والعشرون، محرم 1429هـ، الموافق كانون الثاني 2008م

تحطيم القانون الدولي

تحطيم القانون الدولي

 

الحمد لله معز المؤمنين وناصر المستضعفين وقاصم الجبابرة ولو بعد حين، والصلاة والسلام على خير البشر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مخترق الأعراف الدولية في سبيل نشر الإسلام وتمكينه مصداقاً لقوله تعالى: ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ).

إن تحطيم شيء يعني تكسيره وإزالته من الوجود, وكما ورد في لسان العرب ومختار الصحاح: حطم ويحطم أي يكسر تكسيراً، والحطمة من أسماء النار لأنها تحطم ماتجده أمامها.

ونحن اليوم بصدد تحطيم القانون الدولي وتكسيره, وإن من بدهيات العقل أن من يريد أن يحطم شيئاً ويهدمه لابد له من معرفة واقعه حتى يتسنى له اختيار الأساليب والوسائل الناجعة ليصل لمبتغاه وهو التحطيم الكلي, فمن أراد تحطيم مبنى من الخرسانة المسلحة فإن وسائله وأساليبه بالتأكيد تختلف عمن يريد تحطيم مبنى من الطين وهكذا… لكل ذلك فلا بد لنا من معرفة واقع القانون الدولي، والغاية من وجوده، والآثار المترتبة على وجوده في أرض الواقع.

القانون الدولي… بين الأمس واليوم

منذ قديم الزمان وبقدم الدول والإمارات والكيانات نشأ مايسمى بالعرف الدولي: وهو مجموعة القواعد التي نشأت من جراء العلاقات البشرية في حالة الحرب وفي حالة السلم؛ فصارت من جراء اتباع المجموعات لها أمداً طويلاً أعرافاً دولية, ثم استقرت هذه القواعد لدى الدول وصارت الدول تعتبر نفسها ملتزمةً بهذه الأعراف التزاماً طوعياً، وصارت أشبه بالقانون المجرد من السلطان الذي ينفذه, فالالتزام بالأعراف الدولية التزام معنوي لا مادي بل طوعي, وكانت المجموعات البشرية تلتزمه خوفاً من نقمة الرأي العام… وكان مصير كل دولة تخالف تلك الأعراف الدولية التعرض لنقمة الرأي العام.

نشوء وتطور القانون الدولي في العصور القديمة

بجمع المراجع التي تناولت هذا الموضوع, يتضح أن الثقاة من فقهاء القانون الدولي يؤكدون أن هذا القانون نشأ وترعرع في منطقة الحضارات النهرية, وهي بالتحديد منطقة نهر النيل ومنطقة مابين النهرين التي تكونت فيهما أوائل الدول في تاريخ البشرية، عند نهاية الألفية الرابعة وبداية الألفية الثالثة قبل الميلاد.

وقد دخلت هذه الدول في علاقات مختلفة فيما بينها ما أدى لكسر حاجز الإقليمية الضيقة, الشيء الذي قاد لإرساء اللبنات الأولى لقواعد القانون الدولي. والمعروف أن بدايات القانون الدولي انطلقت من القواعد العرفية، ولكن بعد إزدياد وتعميق العلاقات بين الدول ظهرت إلى حيز الوجود أول معاهدات دولية أُبرمت في القرن الثالث عشر قبل الميلاد. بين رمسيس الثاني (فرعون مصر) وحاتوشيل الثالث ملك الحيثيين عام 1278ق.م وهي أول معاهدة دولية تعرفها البشرية منذ خلق آدم عليه السلام، وهدفت هذه الاتفاقية للسلام والتعاون كما أنهت حرباً طويلة الأمد بين البلدين.

وقد نصت هذه المعاهد على إيقاف العمليات الحربية بين البلدين وتبادل المساعدة في حالة حدوث عدوان داخلي أو خارجي. كما احتوت على قَسَمَ مقدس مشفوع بدعاء على من يحنث العهد من الأطراف, وقد كان هذا الشكل-أي القَسَمَ – هو الذي ساد في العرف الدولي آنذاك لإيجاد الضمان الوحيد لتنفيذ الالتزامات التي جاءت بها بنود الاتفاقية, فكان ذلك “القَسَمَ المقدس” هو رأياً عاماً يردع الدول ويمنعها من اختراق القانون والاتفاقيات الدولية.

أما منطقة الهند فقد تلت المنطقتين المذكورتين في إنشاء القواعد الدولية، وقد احتوى الأثر التاريخي الهام “قوانين مانو” (القرن الثاني قبل الميلاد) على قواعد للعمل الدبلوماسي, وأحكام للممارسات الحربية نذكر منها: تحريم قتل الأسرى والجرحى والعزل وطالبي الرحمة، وكذلك حرمت تلك القواعد استخدام الأسلحة المسمومة.

الصين القديمة عرفت النشاط الديبلوماسي في عهد الفيلسوف (كونفوشيوس) عبر مايسمى بالسفراء المتجولين، والذين كانوا يمثلون الأعراف لمحاسبة الدول على أساسها، وكانوا يتمتعون بحصانة دبلوماسية. وكانت لديهم هيئة لفض النزاعات سُميت بـ(مجلس الزعماء) وقد أسفر هذا المجلس عام 546ق.م عن أول معاهدة في تلك المنطقة نصت بنودها على التسوية السلمية للنزاعات.

أما عن قدماء الإغريق فقد عرفوا ومارسوا النشاط الدبلوماسي على أساس الأعراف والقوانين آنذاك، كقواعد حماية الأجانب وحماية وحصانة الدبلوماسيين. وكذلك عرفوا تجربة المعاهدات الجماعية والتي كانت تُبرم في الأساس لإقامة الأحلاف العسكرية التي تقودها دولة قوية تُملي إرادتها وتضم تحت جناحها بعض الدويلات الأقل قوة، وكمثال لهذه الأحلاف (حلف إسبارتا) المنعقد بين القرنين السابع والسادس قبل الميلاد. ويتضح أن الأعراف الدولية لم تكن متمثلة في منظمة مسؤولة عن تطبيق هذه الأعراف على الدول حتى ظهر مايسمى (الأمفكتيون) كأول شكل من أشكال المنظمات الدولية في تاريخ البشر، و(الأمفكتيون) هو هيئة دينية سياسية أنشأها قدماء الإغريق، ويتكون من 18 شعباً في دول إغريقية، ومن أهدافه تطبيق الأعراف الدولية وضمان مراعاتها في العلاقات الدولية مثل: فض النزاعات ومنع الحرب وإيقاف الضرر الواقع على دولة جراء نشاطات دولة أخرى. وكان الأمفكتيون يتمتع بسلطة إصدار قرارات ملزمة يمكن إجبار الأعضاء على تنفيذها بواسطة قوى عسكرية موحدة تماماً كالحال مع الأمم المتحدة اليوم.

وهكذا بدأ تطور القانون الدولي حتى عند العرب قبل الإسلام، فقد كانوا يعتبرون منع القتال في الأشهر الحرم من قبيل الأعراف الدولية, وكذلك كون الرسل لايقتلون هو أيضاً من قبيل الرأي العام, إلا أن هذه الأعراف منها ماهو خاص بمجموعات بشرية معينة ومنها ماهو عام وكان يتطور حسب حاجة الدول والكيانات، فكانت الأعراف الدولية يحتكم فيها الناس للرأي العام ويعير مخالفها, ولم تكن هناك قوة مادية تطبقها، فاستناداً لهذه الأعراف كانت تحصل الأعمال السياسية آنذاك في العصور القديمة.

تطور القانون الدولي في العصور الحديثة

إن ما يسمى بالقانون الدولي اليوم بشكله هذا فإنه نشأ ووجد ضد الدولة الإسلامية حين كانت تتمثل في الخلافة العثمانية، وذلك لما قامت الخلافة بغزو أوروبا وأخذت تفتح بلادهم بلداً بلداً، فاكتسحت اليونان ورومانيا وألبانيا ويوغسلافيا والمجر والنمسا حتى وقفت جياد المسلمين وارتفع صهيلها على أبواب فينا ومدافعهم تدك بابها بقوة وعزة الإسلام… فأثار كل ذلك الرعب في قلوب النصارى بأوروبا، ووجد عرف عام أن”جيش المسلمين لايغلب”. حتى رأى النصارى من شجاعة المسلمين وشدة فتكهم ما جعلهم يفرون من وجههم, مما سهل على المسلمين اكتساح البلاد ونشر الإسلام.

فقامت الدول النصرانية بمحاوله لتكوين عائلة نصرانية من مجموع دولها للوقوف ضد الإسلام ودولته الخلافة… فنشأ عن ذلك التجمع قواعد اصطلحوا عليها لتنظيم علاقاتهم مع بعضهم، فكان ذلك أول نشوء ماسمي بالقانون الدولي، ونشأ ماسمي “بالأسرة الدولية النصرانية” واتفقت على قواعد منها التساوي بين أفراد هذه الدول بالحقوق, ومنها أن هذه الدول تسلم للبابا الكاثوليكي بالسلطة الروحية العليا على اختلاف مذاهبها الروحية. فكانت هذه القواعد نواة القانون الدولي.

إلا أن هذا الاجتماع للدول النصرانية لم يؤثر، فإن نظام الإقطاع ظل حائلاً دون قوة الدولة…

فحدثت جراء ذلك صراعات رهيبة لفصل سلطة الكنيسة عن سلطة الدولة ما أدى لولادة مبدأ عالمي جديد ذي عقيدة شاملة انبثقت عنها أنظمة لكافة شؤون الدنيا، وكانت بدايةً لولادة نظام علماني رأسمالي جديد… وكان ماكان، فقد ظهرت دول قوية في أوروبا، ولكنها مع ذلك لم تستطع الوقوف في وجه الدولة الإسلامية… وظل الحال كذلك حتى سنة 1648م بانعقاد مؤتمر وستفاليا والذي وضعت على إثره القواعد الثابتة لتنظيم العلاقات بين الدول النصرانية ونظمت الأسرة الدولية… وهكذا وضعت القواعد التقليدية لما يسمى بالقانون الدولي، قانوناً دولياً للدول الأوروبية النصرانية ليس غير، ويحرم على الدولة الإسلامية الدخول فيه, واستمر الحال على ماهو عليه سنوات تلو السنوات حتى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، حيث أصبحت الدولة الإسلامية ضعيفة وسميت (بالرجل المريض) فطلبت الدولة الإسلامية الدخول في القانون الدولي”عصبة الأمم” فشرطت عليها شروط قاسية، منها عدم تحكيم الإسلام في الشؤون الدولية والعلاقات الدولية، وكذلك إدخال بعض القوانين الأوروبية.

ولذلك يعتبر مؤتمر وستفاليا المنعقد سنة 1648م هو الذي نظم القواعد التقليدية للقانون الدولي.

وكان من أبرز هذه القواعد فكرتان خطيرتان هما: “التوازن الدولي وفكرة المؤتمرات الدولية”، أما التوازن الدولي فهو يقضي بأنه إذا حاولت إحدى الدول التوسع على حساب الدول الأخرى، فإن الدول الباقية تتكتل لتمنعها من التوسع وللمحافظة على التوازن الدولي، وبالتالي فهو كفيل بمنع الحروب وانتشار السلام (كما يصرح بذلك زعماء أميركا في كثير من خطاباتهم (We want the peace). وأما المؤتمرات الدولية فهي أن تجتمع الدول النصرانية لبحث مشاكلها وشؤونها في ضوء المصالح الأوروبية. ثم تطورت هذه الفكرة إلى مؤتمرات الدول الكبرى التي تنعقد للنظر في شؤون العالم على ضوء مصالح الدول الكبرى فقط. كمؤتمرات تعقد لحل قضية فلسطين كما يزعم زوراً وبهتاناً، وكمؤتمرات وجلسات تعقد لحل قضية لبنان و(إسرائيل) فتحصل التسويات لتصب الحلول في مصلحة الدول المستعمرة، والمستعمرة الكبرى فقط.

وبالتالي فقد كانت هاتان الفكرتان أساساً لما يعانيه العالم من صعوبات في سبيل رفع سلطة الدول الاستعمارية الكبرى في كافة ضروب الاستعمار سواء الاستعمار الثقافي أو الاقتصادي بل وحتى العسكري.

هذا هو أصل القانون الدولي وهو الذي أوجد المبررات للدول الكبرى للتدخل والتحكم في أدق تفاصيل الدول الضعيفة الهزيلة… وهو عينه الذي أوجد لبوش المبررات لحملته الصليبية على المسلمين. فالبترول في بلاد المسلمين وهنالك خوف من وقوعه في أيدي دولة إسلامية وليدة واستغلاله لضرب مصالح الكفار، وذلك يخالف فكرة التوازن الدولي؛ فلا بد من خوض الحروب الاستباقية ضد العراق وأفغانستان من قبل أميركا (إمبراطورية الشر)، وهنا لابد من لفت النظر إلى أن فكرة “التوازن الدولي” لاتخضع لها الدولة العظمى في العالم وحليفاتها من الدول العظمى, فبالنسبة لهذه الدول المؤثرة في الموقف الدولي يتم التغاضي عن فكرة التوازن الدولي, فإمبراطورية الشر (أميركا) يحق لها امتصاص ثروات العالم وأن تصبح دولة متفردة على حساب دول المنطقة, وهذا هو عينه ماصرح به صراحة قادة وصانعو الإمبراطورية الأميركية والنظام العالمي الجديد ففي مجلة “أوربز Orbis” وهي مجلة متخصصة في الشؤون الدولية أعضاء هيئة تحريرها هم (وليم إليوت) رئيس كلية سياسات الدولة في جامعة هارفارد, وتلميذه (هنري ألفرد كيسنجر!) وقد كانت المهمة المعلنة لهذه المجلة هي الدعوة لإقامة إمبراطورية أميركا ولو على حساب الجنس البشري، وهو ماجاء في مقالة بعنوان (موازين الغد) جاء فيها:

«إن مهمة الولايات المتحدة هي توحيد العالم بأكمله تحت قيادتها، أما الإمبراطورية الأميركية والجنس البشري هما اسمان لشيء واحد هو النظام العالمي الجديد» أي أميركا. وبالتالي ففكرة التوازن الدولي يتم ضربها بعرض الحائط بالنسبة للدول العظمى، وهاهو الحزب الجمهوري الأميركي في مؤتمره للبرنامج السياسي في فلادلفيا بتاريخ 3/8/2000م يبارك السياسات نفسها التي وضعها (صاموئيل هنتنغتون) صاحب صراع الحضارات، حيث يتضمن البرنامج نصاً: “1-إن الممارسات الأجنبية وقوانين الدول الأخرى ذات السيادة لن تعود مقبولة أو محتملة إذا لم تصب في خانة المصالح الأميركية” “إن تطبيق سياسات الإمبريالية الأميركية يجب أن تكون مقدمة على أية مصالح أخرى” “إن أحادية الولايات المتحدة ووضعها كقوة عظمى وحيدة في العالم تجب المحافظة عليها”.

ففكرة التوازن الدولي لا اعتبار لها عند سياسة أميركا مطلقاً.

وأيضاً فإن قانون مايسمى بالحد ومنع انتشار السلاح النووي “هو أيضاً ضد فكرة التوازن الدولي، وهو إساءة لتطبيق القانون الدولي، ولم يوضع إلا لمصلحة دول عظمى بعينها كأميركا، فلوكان السلاح النووي ضاراً فيجب تحريمه على كل دول المنطقة… لا كما يحدث الآن، فيتم السماح لبعض الدول بامتلاكه ويمنع من الانتشار على البقية كإيران وكوريا الشمالية.

وما حرب العراق الأخيرة إلاخير شاهد على إساءة تطبيق القانون الدولي بل ومخالفته صراحة، وذلك باستخدام الأسلحة المحرمة دولياً وبمباركة منظمات القانون الدولي نفسها!  فهي حقاًشرعة الغاب!؟

فمهما يحصل من تطور للقواعد الدولية والقانون الدولي، فهو تحول وتطور لصالح الدول الكبرى صاحبة القوة في العالم الجديد, وبعبارة سياسية أدق (لتقسيم منافع وثروات العالم فيما بينها على حساب شعوب الأرض) على وجه لايؤدي الى الحروب والنزاع المسلح… فتلك الدول الاستعمارية قد استفادت من التاريخ وعلمت أن الحروب المسلحة لابد أن تخسرها في وجه أمة إسلامية عريقة في تحطيم عروش الظلمة… أمة تدرك أن حياتها هناك عند جنات عدن والفردوس… أمة تدرك أن الموت بيد الله والآجال بيده تعالى، فتقدم على الموت منشرحة الصدر، فمصيرها جنات تجري من تحتها الأنهار… نعم أدركت الدول النصرانية ذلك من تاريخها فأرادت نهب ثروات العالم دون جهد وعناء يكلفها الرجال والمال الكثير.

وفعلاً سارت الأمور كما تريد أوروبا النصرانية حتى وقعت الحرب العالمية الثانية، فرأت بعد انتهاء الحرب أنه لابد من إنشاء منظمة دولية عالمية لتنظيم العلاقات بينها, ونظمت العلاقات بميثاق هذه المنظمة… وهكذا ولدت الأمم المتحدة كمنظمة دولية عالمية يتاح لكل دول العالم الدخول فيها … وبذلك يكون القانون الدولي قد تمثل في منظمة تسيطر عليها الدول الكبرى لتوزيع مغانم العالم فيما بينها حسب قوة كل دولة منها وتأثيرها على الموقف الدولي، وفي الوقت نفسه الحيلولة دون نشوء دولة كبرى غيرها (كالخلافة الإسلامية).

ولكن هذه المرة لم تقع الدول الاستعمارية الحالية (أميركا، بريطانيا، فرنسا) في الخطأ السابق في فترة الأعراف الدولية… فهي لم تترك أمر تنفيذ القانون الدولي إلى العامل المعنوي، بل جعلتها تنفذ بالقوة والسلاح والعقوبات حتى على الدول غير المشتركة بها. وبالتالي جعلت الدول الكبرى من نفسها “البوليس الدولي” المسؤول عن تنفيذ القانون الدولي، فكان هذا العمل من أفظع الأعمال، وكان سبباً من أسباب شقاء العالم.

وهنا يرد سؤال: كيف كان القانون الدولى سبباً من أسباب شقاء العالم؟ وماهي الآثار المترتبة على وجوده اليوم في ظل الأمم المتحدة وأجهزتها من مجلس أمن وغيره؟

وقبل الإجابة على السؤال فلا بد من استصحاب الآتي: إن المسلمين ستقام لهم، إن شاء الله، دولة على أيدي المخلصين منهم وهي دولة الخلافة، ولابد لها من نشر الإسلام، فرب العزة يأمرها بقوله تعالى: ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) [التوبة 33]. وهاهو الحبيب (صلى الله عليه وآله وسلم) يبشر الأمة بالسنا والرفعة حتى يقول (صلى الله عليه وآله وسلم): «لايبقى بيت مدر ولاوبر إلا دخله الإسلام». فكان حتمياً على الخلافة الإسلامية التوسع لنشر الإسلام والخير في ربوع الدنيا وإنارة ظلمات الكفر والطغيان، لا كما يقوم الاستعمار بنهب الثروات والمقدرات… نعم لابد للخلافة من ذلك، والدول الاستعمارية كأميركا لن تسمح لها، وستستخدم كل الأساليب لمنعها، ومنها القانون الدولي، وتأليب الدول الغربية على الخلافة حتى يحصل إجماع ضد الخلافة مما قد ينتج عنه حرب عالمية ثالثة لاقدر الله… فهذا هو أحد آثار وجود القانون الدولي، وهو مشكلة بلا شك!

لذلك فوجود القانون الدولي من أسباب شقاء العالم أجمع، ومن أسباب الحيلولة دون نزع الطغاة وبقائهم مسيطرين على ثروات البشر في الأرض…

وسنورد بعض الدلائل على أن القانون الدولي من أسباب شقاء العالم، والآثار المترتبة على وجوده، ومنها:

1- استخدامه من قبل الدول الآنية الأنانية كأميركا لتحريض الدول الأوروبية حتى تقف في وجه الخلافة فتكون الحرب العالمية الثالثة حتمية، وفي هذا شقاء للعالم يقصد منه منع نشر الإسلام والخير في الأرض.

2- منع الجهاد لأن القانون الدولي يعتبر الحرب غير قانونية إلا في حالة الدفاع عن الوطن من العدو الخارجي… وذلك يتنافى مع الإسلام ويعطل الجهاد.

3- منع وتأليب الرأي العام العالمي ضد الخلافة من أنها تصنع الأسلحة المتطورة للقضاء على العالم، وهذا يتنافى مع القانون الدولي وقاعدة التوازن الدولي فيؤدي لثورة الرأي العام على الخلافة الإسلامية.

4- تحرك للمستعمرين الأنجاس أمثال بوش لإثارة الرأي العام العالمي بأن الخلافة تريد التوسع على حساب ثروات الشعب الأميركي والأوروبي… وقد تصل الحال لتفجيرات في أميركا من قبل الـCIA وغيرها من أجهزة المخابرات الدولية لإخافة الشعب الأميركي من أن الخطر يداهمهم حتى في ديارهم من الخلافة، وكذلك يُفعل مع الأوروبيين ما يثير ويعطي صورة خاطئة عن الخلافة؛ فتصبح الأمور والرأي العام ضد الخلافة الإسلامية.

هذه بعض آثار وجود القانون الدولي في الواقع.

وهنالك بعض الآثار المتعلقة بشقاء العالم غير الاسلامي، أي على الشعوب الكافرة لو استمر القانون الدولي مطبقاً، ومنها:

1- نهب ثروات الشعوب من قبل الدولة الأولى في العالم التي تنصب نفسها بوليساً دولياً مسؤولاً عن تنفيذ القانون الدولي على الدول، وكل ذلك لمصلحة الدول الكبرى خصوصاً في عصر كعصرنا هذا في ظل العالم أحادي القطب “أميركا والتفرد الدولي”… والأمثلة كثيرة بإستغلال أميركا لثروات أميركا اللاتينية ونهب ثرواتها في ظل وجود القانون الدولي.

2- استعباد أميركا لشعوب كتكساس، وبريطانيا لأيرلندا في ظل القانون الدولي.

3- حروب وقعت على لبنان والعراق وأفغانستان بوجود القانون الدولي، فالعالم بيد عملاق واحد هو أميركا كدولة متعرشة على رؤوس كل الدول.

هذه هي بعض الآثار الخطيرة بل والكبيرة لوجود قانون دولي: لكل ذلك يجب إزالة القانون الدولي، بل لا يصح وجود قانون دولي، فالقانون أمر السلطان ولاوجود لسلطان على كل الدول بل لايصح وجود سلطان أي بوليس دولي.

فالقانون الدولي ضد مصلحة الدعوة الإسلامية وانتشارها، وبالتالي ضد مصلحة شعوب الكرة الأرضية…

فلا بد من تحطيمه وتكسيره حتى يصبح هباءً منثوراً كأن لم يكن…

وهاهو الإسلام يبين أنه يجوز اختراق الأعراف الدولية، فهاهي سرية عبد الله بن جحش عندما أرسلها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لجلب أخبار قريش إذ بها ومن تلقاء نفسها تخترق العرف الدولي الموجود آنذاك، وتحارب الكفار وتأسر منهم رجلين في شهر رجب، وهو من الأشهر الممنوع فيها القتال في الأعراف آنذاك بين الدول، فتاجرت قريش بالخبر وأوجدت رأياً عاماً ضد دولة المدينة “نواة الخلافة الإسلامية” وماهو إلا بالوقت القليل حتى ينزل قوله تعالى: ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ) [البقرة 217].

وبهذا يرد القرآن الكريم على قريش أن القتال فى الشهر الحرام إثم، ولكن الصد عن سبيل الله والوقوف في وجه دعوة الخير إثم أكبر… وبالتالي يحطم ذلك العرف الدولي. فمصلحة الإسلام ونشره أهم من كل قانون دولي كبر أو صغر، والقضية أولاً وآخراً: إظهار الإسلام على كل الأديان وحكم الدنيا بكلمات الله وأحكامه عز وجل، فإذا كان يجوز تجاوز الأعراف الدولية في أوضاع معينة، فكيف بالقانون الدولي؟…

إنه لابد اليوم من تحطيم القانون الدولي، فأفكار الرأسمالية الوضيعة منحطة لاترقى لتطبق على الحيوان فما بالك بالإنسان أكرم مخلوقات الله على وجه الأرض، والكفر والطغيان والظلم قد استشرى، ولا بد من إيقافه ونشر الإسلام محله والعدل مكانه من جديد كما كان بالأمس في عهد الخلافة، وصيحات الثكالى والأيامى وبكاء الأطفال ودموع الشيوخ المنهمرة على لحاهم قد أبكت القساة، فكيف بكم يا أمة الخير، يا من حملكم ربكم مسؤولية العالم؟… فالعالم يستنجد بكم والآمال معلقة عليكم… فلتحملوا معاول ضخمة لتحطيم القانون الدولي وإزالته من الوجود…

تحطيم القانون الدولي… أساليبٌ ووسائل

لتحطيم هذا القانون نطرح جملة من الأساليب والوسائل منها مثالاً لاحصراً:

ويجب العلم أن الوسائل هم حكام دول الكفر، المُراد صنع فجوات بينهم وبين سيدة عرش العالم اليوم (أميركا)، أما الأساليب هي في إحسان خطاب شعوب الكفر والشعب الأميركي لكشف قادة الاستعمار أمامه وغاياتهم الحقيقية، والكذب والتضليل الذي يقومون به على شعوبهم ليلَ نهار… وهي:

1- تستخدم الخلافة الإعلام الفضائي المرئي والمسموع لإيصال رسائل لشعب أميركا، بأن الإرهاب لا وجود له، وأن الإدارة الأميركية هي التي اختلقته لكي يدعمها الشعب، ولكي يأخذ بوش وزمرته أصحاب شركات النفط ثرواتٍ هائلة على حساب قتل أبناء الشعب الأميركي.

2- تبين الأرقام الحقيقية للقتلى في مايسمى الحرب على الإرهاب من أبناء أميركا وكذلك من أبناء المسلمين البالغة بالملايين وكل ذلك لأطماع بوش وزمرته تحت مظلة القانون الدولي… فهل أنتم ياشعب أميركا سفاكو دماء؟

3- جواباً على السؤال الذي يسأله الأميركيون هذه الأيام على الفضائيات وهو: (لماذا يكرهوننا)؟! نقول لهم كجواب: إنه رد على استخدام رؤسائكم للقانون الدولي ضد الإنسانية وقتل الشعوب ومص ثرواتها كالعراق والسودان وأفغانستان…

4- تحريك حكام أميركا اللاتينية، مثل حاكم (كوبا) الذي عادى أميركا وتحداها علانية! وحاكم فنزويلا (هوجو شافيز) الذي يمتلك نزعة عدائية لأميركا، فيتم إفهامه أن الخلافة تريد العدل كما هو يريد… ولابد من إزالة القانون الدولي لو أردنا إزالة الهيمنة الأميركية على العالم… خصوصاً إذا عُلم أنه (شافيز) هذا قام بتأميم الشركات الأميركية وقطع جذور أميركا الاقتصادية في بلاده. وهنا يؤخذ في الاعتبار تصريحه بأن:

(الأمم المتحدة يجب أن لاتكون في نيويورك لأنها تحيز ظالم، وينبغي أن تكون الأمم المتحدة منحازة للعدل لا للجور! ولا لخدمة سياسات بوش الأنانية الاستعمارية)، نقلاً عن خطاب مترجم له على الفضائية السودانية لشعب فنزويلا.

5- أخيراً: خطاب للعالم بأسره أن هذا القانون الدولي بيد أميركا، وقد أوجد الويلات والحروب والشقاء بدلاً من إيجاد السلام كما تزعم أميركا.

والاستجابة من الرأي العالمي متوفرة بلا شك، والشعب الأميركي يرى أن سياسة النظام القائم غير مجدية، بل وفي يوم 11/9/2006م على قناة الجزيرة أعلن أن 30% من الشعب الأميركي يرى أن أحداث 11 سبتمبر مشكوك فيها، وأن للإدارة الأميركية يداً فيها.

وأخيراً: تقرير منظمة حقوق الإنسان Human Right Watch بتاريخ 18 يناير 2006م يقول: (إن عام 2005م كان من الأعوام التي حصلت فيها انتهاكات كبيرة لحقوق البشر من قبل من بيدهم القانون الدولي أميركا وبريطانيا وأزلامهم).

هكذا يُحطم القانون الدولي ويُكسرُ تكسيراً فيهشم ويصبح هباءً منثوراً كأن لم يكن بالأمس، فتُزاح الغمامةُ من على شعوب الأرض، ويظهر نور الإسلام، ويسيطر على كافة أرجاء المعمورة… فحينها فحسب يحق للبشرية أن تفرح بعدل الإسلام، ويحق للمؤمنين أن يكبروا بقوة إيمان وهم مقدمون على نصر من الله أكبر ( وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) [البقرة 223].

بقلم: محمد هاشم الريابي – الخرطوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *