العدد 150 -

السنة الثالثة عشرة – رجب 1420هـ – تشرين الثاني 1999م

عودتنا إلى فلسـطـين أم عودة فلسـطـين إلينا ؟!

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن (التوطين) في لبنان، وخاصة توطين (الفلسطينيين)؛ وبرز شبه إجماع من مختلف الجهات على رفض التوطين للفلسطينيين، وذلك من منطلق أن التوطين لهم يعني تخليهم عن قضيتهم وتنازلهم عن أرضهم، وهذا ما يريده العدو الصهيوني!

            بداية نقول، إن الفلسطينيين متوطنون حيث هم، فهم لا يعيشون في الفراغ، وإنما على الأرض، ولكن محور المعارضة هو إعطاؤهم جنسية البلد الذي يعيشون فيه، وفي لبنان فقط، التخفيف من معاناتهم والتضييق عليهم، وإعطاؤهم بعض الحقوق المدنية كحق العمل والتنقل.

ونود هنا أن نلقي الضوء على جانب من هذا الموضوع فنورد الملاحظات التالية:

 1ـ إن مسألة (التوطين) مسألة استثنائية، وهي مشكلة ناتجة عن الواقع الفاسد الذي يعيشه المسلمون؛ هذا الواقع نشأ عن مشكلة أساسية هي هدم الخلافة الإسلامية وإزالة الحكم الإسلامي من واقع المسلمين وحياتهم، وتجزئة بلادهم وتقسيمها، وتعيين حاكم على كل جزء منها. وعَـمِل الاستعمار ـ بالتعاون مع الحكام العملاء ـ  على بث أفكار خطرة وغريبة عن الإسلام ومخالفة له، من أبرزها: القومية والوطنية.

                ونتيجة لتغلغل (الوطنية) في المسلمين، صار هناك المسلم الليبي، والمصري، والباكستاني، والسوري، والفلسطيني واللبناني …الخ. وبناءً عليه صار المسلم يُـنظر إليه على أنه غريب أو ضيف في بلد أخيه المسلم الذي ينتمي إلى (وطنيةٍ) غير وطنيته!! مع أن الأصل أن للمسلم الحق في أن يسكن في أي مكان يشاء من بلاد المسلمين.

                وهنا في لبنان، يُـنظر إلى غير (اللبناني) على أنه غريب، وخاصة السوري والفلسطيني؛ إلا أنهما ـ ومن باب المجاملة ـ يسمَّـيان ضيوفاً!

                إذن، فمشكلة (التوطين)، هي مشكلة اسـتثـنـائيـة غير طـبـيـعـيـة، ناتجـة عن واقـع فاسـد لا يرضــي اللـه ورســولـه يعـيـشـه المـسـلـمـون منذ زمن طويل!

 2ـ إن الإسلام لا يقرّ النظرة الوطنية ولا مفهوم الوطنية، فالمسلمون كلهم أمة واحدة، وهم إخوة في الله، تربط بينهم العقيدة الإسلامية وأخوة الإسلام؛ ولا فرق بين المسلمين، ولا تفاضل بينهم إلا على أساس تقوى الله عز وجلّ؛ يقول تعالى: (إنما المؤمنون إخوة)، ويقول عز وجلّ: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، ويقول صلى الله عليه وآله وسـلم: «المـسـلم أخو المـسـلم»، ويقول عليه وآله الصـلاة والسلام: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد: إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».

 3ـ بالنسبة لعودة (الفلسطينيين) إلى فلسطين، فنحن نقول: إنه ليس المهم أن يعود الفلسطيني إلى فلسطين، بل المهم أن تعود فلسطين إلى المسلمين وأن تكون تحت حكم الإسلام وفي ظل سلطان للمسلمين؛ هذا هو المهم، لا أن يرجع المسلمون إليها ويكونوا تحت حكم اليهود واستعبادهم وإذلالهم، أو تحت سلطة تترأسها فئة خائنة وعميلة ومجرمة بحق الإسلام والمسلمين وقضاياهم، سلطة تسمى كذباً وتضليلاً: (دولة فلسطينية)، وهي ليست أكثر من إدارة موجهة من قبل إسرائيل!

                إن المشركين أخرجوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مكة المكرمة، وبعدما أقام الرسول عليه وآله الصلاة والسلام الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، فتح مكة وجعلها تحت سلطان المسلمين؛ إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم بقي مقيماً في المدينة، ولم يعد إلى مكة المكرمة!

                المسألة ليست مجرد عاطفة فردية، أو حب للوطن، إنها مسألة عقيدة ودين، والدين يفرض على المسلمين إعادة فلسطين إلى المسلمين. وهذه القضية لا تخص (الفلسطينيين) فقط، وإنما تخص جميع المسلمين. فإن فلسطين أرض إسـلاميـة، وهي جـزء لا يتـجـزأ مـن بـلاد المسلمين؛ وهي أرض خراجية رقبتها ملك لبيت مال المسلمين ومنفعتها فقط لأهلها، وفيها المسجد الأقصى، مسرى رسولهم الكريم صلوات الله وسلامه عليه، ولا يملك أحد حق التنازل عن ذرة من ترابها.

 4ـ بناءً على ما ذكرنا، فإنه من المؤسف أن نرى ونسمع حركاتٍ وفئاتٍ إسلامية وعلماء مسلمين يتعاملون ويتعاطون مع مسألة (التوطين) من منطلق وطني، فيكرسون ما قام به الاستعمار وعمل له من تجزئة بلاد المسلمين وتقسيمها وتفريق المسلمين وشق صفوفهم. فهم يؤكدون رفضهم للتوطين، على أساس أن (للفلسطينيين) حق العودة إلى بلدهم.

                وبالنسبة لما يسمى (دولة فلسطينية)، فقد سبق أن قلنا إنها ليست إلا إدارة موجهة من قبل إسرائيل؛ فأية دولة يقصدون، وبأية دولة يفكر ويحلم (الفلسطينيون) يا ترى؟!

                إن المسلم يسعى إلى إقامة دولة الخلافة، لا إلى إقامة دولة فلسطينية أو كردية أو بربرية أو غيرها … وسعي المسلم وعملُه لإقامة دولة الخلافة فرض عليه بأقصى طاقة وبأقصى سرعة؛ تلك الدولة التي تعيد السيادة والعزة والكرامة للمسلمين، وتسترجع بلادهم وأراضيهم المغتصبة، ومنها فلسطين، إن شاء الله تعالى.

 5 ـ إن رفض التوطين عند غير المسلمين هو لاعتبارات طائفية؛ ولكن الرفض جاء على أنه لمـصـلـحـة الطـرف الآخـر، لكي يكون لائقاً ومقبولاً، ولا تظهر فيه (الطائفية)، فقالوا إن رفض التوطـين جاء من منطـلـق وطـنـي، ومـن أجل مصلحة الفلسطينيين.

 6ـ أخيراً نقول: المسألة ليست تأييد التوطين أو رفضه … المسألة هي أن المسلمين يعيشون واقعاً يسود فيه الكفر وتلغى فيه أحكام الإسلام وأنظمته وقوانينه منذ ثلاثة أرباع القرن، حين تم القضاء على الخلافة الإسلامية سنة 1924م. فالقضية المصيرية للمسلمين اليوم هي إقامة الخلافة الإسلامية، وتنصيب خليفة واحد عليهم، يحكمهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ليطبق المسلمون الإسلام في بلادهم، ويحملوا رسالة الإسلام إلى باقي الأمم والشعوب بالدعوة والجهاد. وهذا هو الحل لمشاكل المسلمين والخلاص لهم مما هم فيه. نسأل الله العلي العظيم أن يعجل لنا بالفرج القريب والنصر العزيز، وأن يهيئ لنا خلافة راشدة على منهاج النبوة، إنه سميع قريب مجيب .

محمد أبو بكر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *