العدد 243 -

العدد 243- السنة الواحدة والعشرون، ربيع الثاني 1428هـ، الموافق أيار 2007م

تعريف بكتاب «المصارف الإسلامية»

تعريف بكتاب «المصارف الإسلامية»

 

هذا الكتاب يعدُّ مساهمة علمية في جزئية من جزئيات الاقتصاد الإسلامي، وهو يُميط اللثام عن العديد من المعاملات التي تمارسها المصارف الإسلامية، ويسلّط الضوء عليها في ضوء الحكم الشرعي، ومدى مطابقتها أو مخالفتها للأحكام الشرعية.

ويأتي هذا الكتاب لكي يبرز بعض المعاملات الفقهية الأصيلة، ولكي يحذّر من سوء تطبيقها في بعض المؤسسات المالية، ومن تحريفها لكي تتوافق مع العمل المصرفي المعاصر، والأمثلة كثيرة وهي واردة في باطن الكتاب. بعيداً عن الحيل الشرعية، والارتكابات المخالفة للشرع، ويورد هذا المؤلَّف العديد من المعاملات التي أثارت زوبعة من الجدل والانتقاد، حيث دارت هذه الخلافات حول بعض المعاملات المصنّعة، التي طفق المؤيدون يبحثون لها عن عباءة فقهية من فقه المعاملات، فنجحت حيناً وخاب أملها أحياناً أخرى. جاءت تجربة المصارف الإسلامية فاستبشر الناس بها خيراً، وظنّوا أنها سوف تقضي على النظام الربوي، وسوف تحلّ محلّه بوصفها البديل المناسب للنظام المصرفي الربوي، وإذا بهم يفاجَؤون بتعايش المصارف الإسلامية مع المصارف الربوية، وفوجئوا بقيام بعض المصارف الإسلامية بفتح حسابات لها في بعض المصارف الربوية.

ورافق تلك الممارسات العملية التي قامت بها هذه المصارف، أنشطة دعائية عديدة منها:

أولاً: الترويج الإعلامي والإعلاني الضخم.

ثانياً: عقد المؤتمرات والندوات التي بلغت المئات.

ثالثاً: كثرة المؤلفات المؤيدة المادحة المتغاضية عن المخالفات.

رابعاً: تسخير الفتاوى المتزامنة لمراحل وخطوات العمل، ولكل معاملة جديدة تم تصنيعها على أيدي رجال المال، وليس على أيدي العلماء.

خامساً: صدور بعض الفتاوى التي صيغت لتتلاءم مع بعض المعاملات الجديدة المصنّعة، أو المهجّنة.

أسئلة يصعب الحصول على إجابات مقنعة لها:

l هل قامت المصارف الإسلامية لغاية رسالية أم لغايات تجارية، خاصة وأن بعض المدافعين عنها بحماس شديد ينطلقون من دواعٍ عاطفية، ظانين أنها قامت لأسباب رسالية لا تجارية؟

l هل يكفي الاسم الإسلامي الذي يُطلق عليها لإعطائها شهادة حسن سلوك، أو شهادة براءة من الربا؟

l هل تكفي الدعاية والإعلان والإعلام والمؤتمرات لإعطائها تفويضاً بالعمل دون انتقاد محقّ وعادل؟

l هل استطاعت هيئات الرقابة الشرعية تخفيف الانتقادات التي وجهت للمصارف، وهل استطاعت إقناع الناس بصحة أدائها؟

l أين المشروعات التجارية والصناعية والزراعية والعمرانية والخدمية التي تدعي هذه المصارف أنها تقوم بها، خاصة وأنها تدير كتلة نقدية وصلت إلى قرابة 300 مليار دولار؟

l هل يعدُّ تشجيع المصارف الإسلامية رغم مخالفاتها للشرع تصرفاً إسلامياً شرعياً؟

l هل يُعدُّ استغلال العاطفة الدينية الجيّاشة لدى المسلمين موافقاً للحكم الشرعي؟

l لماذا يتم ربط نجاح هذه المصارف بنجاح الإسلام، وفشلها بفشل الإسلام، وكأنها ذروة سنام الإسلام؟

l لماذا يُتّهم من يمارس دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأنه معادٍ لهذه المصارف؟

ومن النتائج التي توصل إليها الباحث أن الذين نظّروا للمصارف الإسلامية هم غير الذين امتلكوها، فالمنظّرون لها هم أشخاص أُطلق عليهم اسم «الآباء المؤسسون»، لمس منهم البعض نية جدية، وكانت نظرتهم إلى عمل المصارف الإسلامية باعتباره رسالة مرتبطة بالدين، وبكونه تطبيق جزئية من جزئيات الاقتصاد الإسلامي، وأن جهودهم كان دافعها تطبيق هذه الجزئية بقصد إزالة الربا من المجتمع، ولإثبات صلاحية الإسلام للتطبيق في كل زمان ومكان، خاصة ما يتعلق منه بالشق المالي المصرفي.

إلا أن بعض رجال الأعمال تلقَّفوا الفكرة، وأخذوا نظريات المنظّرين واستغلوها لمصالح خاصة بعيدة عن الهدف الذي انطلق منه المنظّرون. وبناء على ذلك الموقف من قبلهم، ينبغي على المتحمسين لهذه التجربة التفريق بين العمل الرسالي، والعمل التجاري، وأن لا يخلطوا بين العاطفة والفكر السليم، أو بين العاطفة والعلم.

وقد يسأل المرء نفسه السؤال التالي: هل قامت هذه المصارف لإزالة الربا، وأين وصلت في ذلك؟ وهل تكون المفاضلة بين العمى ونصف العمى، أي بين الربا ونصف الربا؟

إن ما تنشره المصارف الإسلامية عن توظيفاتها في الكتيبات الصادرة عنها، والمنشورات، والصحف، والمؤتمرات، كان كلاماً في العموميات، لكي لا تكشف عن الواقع الفعلي المطبّق، والارتكابات المخالفة للشرع، إضافة إلى أن تقارير نهاية العام التي تصدرها مكاتب المراجعة وتدقيق الحسابات التي تتضمن الميزانية العمومية والقوائم المالية الأخرى مليئة بالغموض، والأرقام الإجمالية، والتسميات الفضفاضة، ولا يفهم القارئ المتخصص ماذا تخفي هذه الأرقام، بل إنها تثير التساؤلات أكثر مما تفصح بشفافية عن طريقة جمع هذه الأرقام الواردة في الكشوفات المالية المعلنة للرأي العام، ولا تجيب عن التساؤلات التي تثار حول أنواع التوظيفات والتمويلات التي حققت هذه الأرباح!

ومع مرور الأيام والسنين تتكاثر وتتعدد المعاملات الجديدة المصنّعة، ويتكرس تقليد كل جديد ظهر في المعاملات المصرفية الغربية، ويندفع اللاهثون وراء غطاء من التأييد الشرعي. ويتصرف البعض وكأنه من واجب الشرع مساعدته في البحث عن حلول ملتوية لغايات شخصية، أو البحث عن مخارج للهروب من الحرام بارتكاب بعض التلفيق.

المنهجية: هذا الكتاب يتّصف بالمنهج العلمي لكونه في الأصل رسالة علمية أكاديمية تتصف بما يتصف به البحث العلمي من حيث الالتزام بالمواصفات العلمية ومنها:

1- اتباع المنهجية العلمية المطلوبة للبحث العلمي. 2- الموضوعية والبعد عن التحيز. 3- التبويب المنهجي ضمن أبواب وفصول ومباحث. 4-عزو المعلومات إلى مصادرها، وتوثيق المعلومات الواردة في البحث. 5- تخريج الأحاديث الواردة فيه. 6- الاستعانة بأقوال أهل الاختصاص ممن مارسوا العمل المصرفي الإسلامي أو شاركوا في تأسيس تلك المصارف، سواء أكانوا مع هذه التجربة أم ضدها. 7- الاستعانة بآراء بعض مالكي تلك المصارف ومنها آراء منتقدة وذلك من باب «من فمك أدينك».

المعالجة الفقهية الاقتصادية: عالج المؤلف معاملات المصارف الإسلامية من خلال ذكر آراء الفقهاء في المعاملة المصرفية، ثم انتقل بعد ذلك ليوصّف طريقة أداء تلك المصارف للمعاملة نفسها، ثم انتقل المؤلف ليتحدث عن المخالفات الشرعية التي حصلت في ممارسات تلك المصارف، والتي تظهر لكل مدقق في الفقه إذا ما قورنت بالممارسات العملية. وقد تكرر ذكر المخالفات الشرعية والثغرات في نهاية كل عنوان من عناوين التوظيف المالي.

ويتميز هذا الكتاب بأنه يجمع بين الجانب الفقهي والجانب الاقتصادي، الأمر الذي يمكّن الاقتصادي من فهم بعض الجوانب الفقهية، ويمكّن الفقهي من الاطلاع على بعض الجوانب الاقتصادية، وهذا يوسع دائرة المهتمين لكي تطال الطالب، والمصرفيّ، والأكاديميّ، والاقتصاديّ، والفقيه.

الموضوعات التي تمت معالجتها بالتفصيل: تطرق المؤلف إلى الربا موضحاً أخطاره وأدلة تحريمه والشبهات التي أثيرت في الماضي والحاضر حول جوازه، ثم رد على فتوى صدرت عن مجمع البحوث في الأزهر عام 2002م والتي أجازت «استثمار الأموال لدى المصارف التي تحدد الربح مقدماً». ومقصودهم هنا ربا المصارف الربوية.

وقد عقد المؤلف مقارنة شاملة بين أعمال المصارف الربوية والمصارف الإسلامية بشيء من التفصيل، وتحدث عن العلاقة بين المصارف الإسلامية والمصارف المركزية في مختلف الأقطار، مستعرضاً العقبات أو المعوقات التي وضعت في طريق هذه المصارف، مع الإشارة إلى أن القوانين التي تحكم وتتحكم بالعمل المصرفي هي قوانين وضعية، ووضعت لمؤسسات غير إسلامية، وغير شرعية.

ثم انتقل المؤلف للحديث المفصّل عن التوظيفات المالية ومسمياتها المختلفة بدءاً بالتمويل بالمضاربة، والتمويل بالمرابحة، والتمويل بالمشاركة، والتمويل بطريقة السّلَم (وتم درس ذلك من واقع صيغ التعامل على الورق، أما ما يجري على أرض الواقع فلا يعلم به إلا الله)، ثم تحدث عن البورصة وكيفية تعامل المصارف الإسلامية مع البورصات وبيع أسهمها في البورصة.

وخاض المؤلف في مسألة المرابحة، محاولاً وضع خط فاصل بين المرابحة في الفقه كما ذكرها الفقهاء منذ مئات السنين، فتطرّق لآراء الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية، ولم يجد في ما اطلع عليه من آراء فقهية رأياً واحداً يقول إن هناك شيئاً اسمه «المرابحة للآمر بالشراء»، وكشف أن هذه المعاملة المستحدثة هي رأي شخصي «وليست اجتهاداً» لأحد طلبة الدكتوراه نالها في القاهرة عام 1976م.

وظهر للمؤلف أن الرأي الوارد في أطروحة الدكتوراه لأحد الباحثين من قبل إحدى الجامعات قد بُني على فهم مغلوط لعبارة وردت في كتاب «الأم» للإمام الشافعي، حيث تأكد للمؤلف أن الإمام الشافعي كان يتحدث عن «بيع السَّلَف» لبضاعة أصلها غير موجود، ولم يكن يتحدث عن شيء اسمه (المرابحة للآمر بالشراء) بتاتاً، وكل من يدقق في كتاب «الأم» يستطيع اكتشاف هذا الخطأ الذي وقع فيه كل من روّج لهذه المعاملة التي أثارت ضجيجاً كبيراً منذ حوالى ربع قرن. ولاحظ المؤلف أن المصارف الإسلامية تلقفت هذه المعاملة المصنّعة، وبالغت في تطبيقها في معاملاتها لأنها تؤمن لها الربح السريع، دون تحمل أية مخاطر، على الرغم من مخالفتها للشرع.

وختم الباحث بحثه بطرح الانتقادات العامة والانتقادات التفصيلية التي وجهها العديد من الباحثين والاقتصاديين والمصرفيين إلى هذه المصارف، ومن المنتقدين بعض الآباء المؤسسين لهذه المصارف الذين فوجئوا بحصول انحرافات عن الأهداف التي ساهموا بوضعها. ثم قام المؤلف بطرح البديل المقترح لعمل المصارف الربوية، ولعمل المصارف الإسلامية، ونصح المهتمين بمعرفة البديل لهذه التجربة التي تثير الجدل الشرعي، بالفصل بين العمل المصرفي والعمل التجاري، وذلك لكون العمل التجاري لا تحفّه الشبهات والمخالفات الشرعية، بينما يطاول العمل المصرفي العديد من المخالفات، والتي تكمن في تطويع الدين لخدمة المعاملات المصرفية وليست تطويع المصارف لخدمة الدين، وتحدث الباحث عن تسخير تلك المصارف للفتاوى التي تمهد لها الطريق وتزيل الألغام الشرعية من طريقها وهي تعلم ماذا تفعل، ولا يضيرها العبث بالأحكام الشرعية.

اسم الكتاب: المصارف الإسلامية.

المؤلف: د. عايد الشعراوي.

الناشر: الدار الجامعية/ بيروت.

عدد الصفحات: 592 من القطع الكبير.

سنة النشر: 1428هـ / 2007م.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *