العدد 274 -

العدد 274 – السنة الرابعة والعشرون، ذو القعدة 1430هـ، الموافق تشرين الثاني 2009م

حوار في الحرم

حوار في الحرم

موسى عبد الشكور – فلسطين

لقد أكرمني الله برحلة لأداء العمرة هذا العام حيث قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «تابعوا الحج إلى الحج والعمرة إلى العمرة فإنه كفارة لما بينهما» صدق رسول الله. هذا التجمع الكبير للمسلمين الذي لا يوجد مثيل له عند باقي الأمم حيث يلتقي المسلمون من كل بلاد الإسلام حول بيت واحد وشعائر واحدة وقرآن واحد… ولكن أين الإمام الواحد؟!

عندما نقطع الحدود الصعبة القاتلة حيث ينتظر المرء كثيراً للسماح له بالمرور بذل وهوان عبر حدود مصطنعة لم تكن موجودة قبل 88 عاماً، وعندما يلاقي المرء ما يلاقي من عناء، تخطر في البال أسئلة كثيرة خاصة في ظروف السفر الصعبة وتعقيدات الإجراءات هذه التي لا مثيل لها في العالم ويتساءل: من الذي وضع هذه الحدود؟ ومن الذي يحافظ عليها؟ وما مدى ضررها على أمة الإسلام؟ ويتساءل المرء عند عبوره الصحراء أيضاً: كيف عبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصحابته رضوان الله عليهم كل هذه الفيافي على الناقة والبعير دون حافلات مكيفة؟ وما الذي دفعهم للتضحية وقطع كل هذه المسافات؟ ولماذا توقفت مسيرة الصحابة وأبنائهم ولم يعد الغزو والفتح موجوداً؟ ولماذا سكت أحفاد الصحابة -أهل الجزيرة- في الوقت الحالي على هذه الحدود وعلى هذا الوضع وحاصروا أنفسهم بها ورضوا بها؟ ولماذا حكم أهل الجزيرة إسبانيا وجنوب وشرق آسيا وسكت وتقاعس أحفادهم في دولة تسمى السعودية؟ ولماذا لم يتطلع أحفاد الصحابة الآن لحكم لندن وباريس وغيرها كما كان أجدادهم؟

أسئلة كثيرة يحب المسلم أن يحصل على إجابات لها من أهل الجزيرة أحفاد من ضحى وقاتل وبشر بالجنة، وهذا ما جرى في أحد اللقاءات حيث كنت أجلس مقابل الكعبة  بعد صلاة الفجر للتأمل والنظر إلى الكعبة ذلك المنظر الجميل المتعبد به، وإذا بشابين يجلسان أمامي وشكلهما يوحي بأنهما من أهل الحرم أي من سكان مكة، فأحببت أن أتحدث معهم فسألتهم: هل أنتم من أهل الحرم؟ قالا: نعم، فقلت لهما: أنا من أهل فلسطين، فرحبوا بي، فقلت لهم: ألا تحبون أن تصلوا في المسجد الأقصى؟ قالوا: بلى، وبشوق، فقلت: قوموا لنذهب إلى الأقصى الآن فقالوا: لا نستطيع، فقلت لهم: وماذا يمنعكم خاصة وأن الصلاة في الأقصى كالصلاة في المسجد الحرام، وأنا أتيت من هناك لأن الحرم جزء من عقيدتنا والأقصى كذلك، فلماذا لا تأتون إلى الأقصى للصلاة فيه؟ فقالوا: توجد أمور كثيرة تمنع من ذلك. فقلت لهم: ما هي الموانع؟ فسكتوا، قلت لهم: إن الموانع هي الحدود بين السعودية والأردن، والحدود بين الأردن وفلسطين، قالوا: نعم، قلت: وهناك حراس للحدود فلا يمكن لأحد منكم دخول فلسطين، فقالوا: نعم صحيح. قلت لهم: هل يستطيع أحد أن يمنعكم من سنة الطواف بالكعبة مثلاً؟ فقالوا: لا، فقلت لهم: لماذا منعتم من الصلاة في الأقصى ورضيتم وحكمها كالطواف؟ وماذا فعلتم مع المانع؟ هل أزلتموه؟ فقالوا: لا، إن المانع كبير، فقلت: لابد حتى تصلوا في الأقصى أن تزيلوا المانع الذي يمنعكم من الصلاة، فقالوا: نعم، ولكن الموانع كثيرة، فقلت: نعم فالحدود مانع، والحكام هم مانع، و(إسرائيل) محتلة أرض الإسلام فلسطين مانع، ولذلك يجب إزالة الموانع، فقالوا: نعم. فقلت: إن الموانع هم الحكام، خاصة حكام الأردن وحكام سوريا وحكام مصر من حول فلسطين يمنعون المسلمين من دخول فلسطين والصلاة فيها بل وقبل ذلك تحريرها. إذاً فيجب إزالة هذه الموانع كلها، هذا بالنسبة للصلاة في المسجد الأقصى، فكيف إن كان الأقصى محتلاً من قبل (إسرائيل) أتعلمون أنني لم أصل في الأقصى منذ عشر سنوات وأنا أسكن على بعد نصف ساعة بالسيارة عنه؟ إن اليهود يمنعون المسلمين من الصلاة فيه وهم بجانبه، فقالوا: أعانكم الله وبدؤوا بالدعاء على اليهود وبالدعاء لفلسطين وقالوا: قلوبنا معكم ندعو لكم، فقلت لهم أتتصورون أن الدعاء لفلسطين بأن تتحرر يكفي؟ قالوا: لا، فقلت: وهل قراءة القرآن كاملاً يحررها؟ قالوا: لا، فقلت: إذاً كيف يتم تحريرها وقد تكالبت عليها الأمم بدعمها ليهود في احتلالها؟ ورسالتي إليكم أن فلسطين ليست لأهل فلسطين، ونحن أهل فلسطين لا نستطيع تحريرها، ونحن في فلسطين لا ينقصنا المأكل والملبس والدواء وسيارات الإسعاف وإنما ينقصنا الجيوش الجرارة التي تحررها، فلسطين لا تحتاج إلى تعمير وإنما تحتاج إلى تحرير.

قلت لهم: أتقبلون أن يبقى الأقصى محتلاً من قبل اليهود؟ فقالوا: لا، وسألتهم: هل يقبل أجدادكم الصحابة بذلك؟ فقالوا: لا، وقلت: ماذا فعلتم لتحريرها وهو فرض كالصلاة؟ فهي أرض إسلامية والجميع مجمع على أن تحريرها فرض، وفرض على كل مسلم ومسلمة حيث إن المرأة تخرج من دون إذن زوجها، والعبد يخرج من دون إذن سيده عند احتلال شبر من أرض الإسلام، فقالوا: لا نستطيع كذلك لوجود الحدود، فقلت: ومن صنع الحدود؟ وهل كانت الحدود موجودة قبل عام 88 عاماً؟ وهل كانت هناك دولة تسمى السعودية ودولة تسمى سوريا ودولة تسمى مصر؟ فقالوا: لا، فقلت: إذاً كانت بلاد إسلامية واحدة يحكمها حاكم واحد، والذي صنع الحدود هم من هدموا الإسلام وهم إنجلترا وفرنسا وأنشؤوا الدول القائمة حالياً في العالم الإسلامي، وأسموك سعودياً وأنا فلسطينياً وذلك أفغانياً، مع أنك مسلم من أهل الجزيرة وأنا مسلم من أهل فلسطين وهكذا، فقالوا: نعم صحيح، فقلت: فكون فلسطين محتلة وشأنها شأن العراق وشأن أفغانستان والشيشان كل هذه المناطق لا تحتاج إلا إلى تحرير، ولا يتم التحرير إلا بالجهاد والجيوش الجرارة، فنحن في فلسطين لا نستطيع تحريرها، والواقع يدل على ذلك، والجهاد  فرض أليس كذلك؟ قالوا: نعم صحيح، فقلت: ولماذا لا تجاهدون لتحريرها وتحافظون عليها كما حافظ عليها أجدادكم؟ فقالوا: لا نستطيع فالظروف اختلفت، فقلت: وماذا اختلف فيها؟! أليست الأحكام الشرعية ثابتة وحكم الجهاد ثابت لا يتغير؟ أليس حكم تحرير أرض الإسلام المحتلة ثابتاً؟ قالوا: بلى، فقلت: إذاً يبقى الفرض فرضاً.

قالوا: القرار لولي الأمر ونحن لا نخرج عن ولي أمرنا، فقلت: بالله عليكم، لو كان عمر الذي عاش هنا وهو من أجدادكم هل يترك فلسطين محتلة؟ فقالوا: طبعاً لا، فقلت: إذاً لماذا لا يقوم حاكم السعودية بتحريرها كما فعل عمر؟ فقالوا: لا نعلم، فقلت: إذاً، هناك تقصير منه في تحرير فلسطين والعراق وغيرها، خاصة وأن الجيش السعودي يستطيع إزالة (إسرائيل) في يومين فـ(إسرائيل) قد هزمها حزب الله وهو حزب وليس بدولة، فما بالكم بالجيش المسلم في السعودية فهل يستطيع؟ قالوا: بلى، فقلت: إذاً الجيش السعودي بحاجة إلى قرار من الملك لتحرير فلسطين، ومادام لا يحرك ساكناً تجاه هذا الأمر منذ ستين عاماً فإذا هو مقصّر، فقالوا: نعم، فقلت: إذا هو قد خالف الأحكام الشرعية وقصر في الجهاد ولم يغزُ ولم يحدث نفسه بالغزو ولم يحرر الأقصى وفلسطين مع قدرته على ذلك، وهذا عصيان لله ولرسوله، والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «لا طاعة لمن عصى الله» فسكتوا.

وسألتهم: بالله عليكم أيحكم في السعودية بالإسلام؟ فقالوا: ليس بكل الإسلام، فقلت: إذاً هناك جزء من غير الإسلام يطبق في المملكة، وبما أنه ليس من الإسلام إذاً هو من أحكام الكفر، والله سبحانه وتعالى يقول: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) [البقرة 85] قالوا: نعم، فقلت: إذا هو عاصٍ لله في هذه الأحكام، فقالوا: نعم، فقلت لهم بأن هذا يدل على أن طاعة ولي الأمر هنا غير جائزة وفيها احتكام لشرع غير شرع الإسلام وهذا محرم. ثم سألت فقلت: بالله عليكم هل يوجد أحد من الحكام الآن في العالم الإسلامي يحكم بالإسلام ويريد تحرير فلسطين والعراق وغيرها؟ فقالوا: لا، فقلت إذاً هم مخالفون لشرع الله، لأنهم لم يجاهدوا ولم يسمحوا لأحد بالجهاد بل منعوه!! وكذلك فحكام المسلمين اليوم 57 حاكماً، فهل أحد منهم يحكم بالإسلام؟ ثم سألت: هل يقبل أجداكم الصحابة بهذا الوضع لو كانوا موجودين؟ قالوا: لا، فقلت: فلماذا إذاً قبلتم أنتم وسكتم؟؟ وسألت كم حاكماً كان في عهد أجدادكم الصحابة ومن بعدهم في دولة الإسلام؟ فقالوا: واحد، فقلت: فلماذا تقبلون بـ57 حاكماً مع أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» لقد أمر الإسلام بقتله لأن وحدة المسلمين تحت إمام واحد فرض.

وسألت: هل كان أجدادكم يقبلون بهذا الوضع المزري للمسلمين يقتلون ويذبحون ويعتدى عليهم؟ فقالوا: لا، وسألتهم: ما هي قرابتكم بالمعتصم؟ فقالوا: إنه من مكة من أجدادنا، فقلت: لماذا لم يرضَ أن تهان امرأة في عمورية (أنقرة) في تركيا وسير لها جيشاً أدب الروم انتصاراً لاستغاثتها؟ ولماذا لا ينتصر حاكم السعودية وغيره للمسلمين الذين يذبحون في العراق وباكستان وأفغانستان وفلسطين… إن من قبل للمسلمين أن يقتلوا ويهجروا وتنهب خيراتهم قد خذلهم وخانهم ولا يستحق الطاعة.

وسألتهم: ما قرابتكم من عبد الرحمن الداخل؟ فقالوا: إنه من أجدادنا من قريش، فسألتهم: لماذا حكم الأندلس (إسبانيا) وقلت لأحدهم لماذا لا تحكم أنت فرنسا؟ وقلت للآخر لماذا لا تحكم أنت لندن؟ فتبسموا وقالوا: نحن متعجبين!! فقلت: نعم، ألم يفعل ذلك أجدادكم فقد فتحوا البلاد ونشروا الإسلام وحكموا تلك البلاد وأصبحوا سادتها، فماذا ينقصكم؟ فأجدادكم هم من نشروا الإسلام وضحى بنفسه وماله واستحق أن يسود العالم، فلماذا لا تجاهدون؟ لماذا لا تنشرون الإسلام؟ ولماذا لا تنصرون المسلمين المظلومين؟ أين استشهد ودفن الصحابي الجليل عبادة بن الصامت وشداد بن أوس ووائلة بن الأسقع. وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم، إنهم مدفونون في القدس، أين دفنت أم حرام الصحابية زوجة الصحابي الجليل عبادة بن الصامت خرجت معه واستشهدت في قبرص، فما الذي دفعها وقطعت البحر، إنها الجنة وخدمة الإسلام. وأين استشهد أبو أيوب الأنصاري؟ إنه على أسوار إستنبول في تركيا مع أنه من السعودية كما تسمى الجزيرة اليوم، فما دخله بتركيا؟ أم أن الإسلام يفرض عليه نشر الإسلام وفتح البلاد؟ لقد ترك أمواله وأبناءه وموطن إقامته في سبيل الإسلام، فهل فعلتم ذلك؟ فقالوا: لا، فقلت: لماذا، هل اختلف فهم الإسلام عن فهم أجدادكم له مع أن الإسلام لم يتغير؟ فقالوا: لا، فقلت: إن الحكام العملاء قد فرضوا علينا نظاماً ديمقراطياً كافراً وأفسدوا أفكار الناس ولوثوها واستبدلوها بأفكار غريبة عنا، فتغيرت مفاهيم الناس وبعدوا عن الإسلام فأصبح المسلمون غثاءً كغثاء السيل، فاختلفنا عن أجدادنا وغرست الفرقة بيننا وأصبحنا دولاً وأصبحت دولة الإسلام ممزقة مكونة من 57 مزقة تسمى كل واحدة منها دولة، ولها رئيس.

وسألتهم: أترضون أن يشتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فقالوا: لا، فقلت: لماذا لا يسير (الملك السعودي) جيشاً لتأديب الدانمارك ومن شتم الرسول عليه الصلاة والسلام ويفرض عليها الحكم بالإسلام؟ فهل يقبل أي خليفة من أجدادكم بأن يشتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويسكت عن ذلك؟ فقالوا: لا، فقلت: إذاً يجب الإتيان بحاكم ينتصر للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ويقتل من آذى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يجوز السكوت على هؤلاء الحكام. لماذا لا تفعلون كأجدادكم، فقد بلغ عدد الغزوات التي قادها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بنفسه (28) غزوة، فكم غزوة غزاها (ملك السعودية) لنشر الإسلام ونصرة المسلمين؟؟

وسألتهم: ما هي درجة قرابتكم بقتيبة ابن مسلم؟ فقالوا: هو من أجدادنا، فقلت لهم: لماذا فتح جنوب شرق آسيا كله؟ ولماذا حكم الصين والهند ذلك القائد الذي أخضع الملايين لحكم الإسلام؟ فلماذا فقدتم عنصر القيادة؟ ولماذا توقف الفتح للبلاد؟ ولماذا توقف نشر الإسلام؟ وكم من غزوة غزاها (ملوك السعودية)؟

أين أنتم من قيادة العالم وحكمه؟ ولماذا قبلتم المحاصرة بحدود وضعها الإنجليز وهي حدود السعودية مع أن أمير المؤمنين عمر (رضي الله عنه) والمعتصم وعبد الرحمن الداخل وقتيبة بن مسلم لم يحصر نفسه بحدود وحكم كل منهم العالم، ألا ترضون أن تكونوا مثلهم خلفاء وأمراء كما كان أجدادكم. إن من أوصلكم وأوصل المسلمين إلى هذا الذل هو وجود الحكام العملاء للاستعمار، فالمشكلة وجودهم وببساطة. كان أجدادكم مثل عمر (رضي الله عنه) أو هارون الرشيد رحمه الله حاكماً واحداً ونعود كما كان أجدادنا حيث إنه لا يجوز أن نبقى بهذا الحال الذي لا يرضاه مسلم غيور؟؟ ماذ الذي دفعهم للتضحية والموت في سبيل الله؟ ولماذا رفضوا أن يظلم مسلم أو مسلمة في أي بلد؟ وأنتم سكتم على قتل المسلمين واحتلال أراضيهم وليس شتمهم فقط وشتم نبيهم؟

قلت لهم: إن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»، فهل في عنقكم بيعة؟ فقالوا: لا، فقلت: إذاً سوف تموتون ميتة جاهلية حسب الحديث، ومع أن البيعة فرض كفرض الصلاة فلماذا قمتم بالصلاة ولم تقوموا بالبيعة؟ وقت لهم: إن فروضاً كثيرة قد عطلت في العالم الإسلامي وعطل العمل بالقرآن، فمثلاً: لماذا لا نطبق قطع اليد؟ ولماذا لا يجلد الزاني؟ فلماذا سكتم عن عدم القطع والجلد والبيعة مع أن كل واحد منها فرض كفرض الصلاة، فالبيعة فرض حسب الحديث الشريف وإلا ستموتون ميتة جاهلية أي عليكم معصية كبيرة وقد جاءه هذا الإثم العظيم عندما قتل المسلمون، وعندما اعتدي عليهم، وعندما لم يتم نصرهم، وعندما نهبت ثرواتهم، وعندما احتلت أرضهم، وعندما انتهك عرض المسلمات، وعندما عطلت الحدود هذه هي مصادر الإثم العظيم إذ إن كل ذلك يحدث مع عدم وجود إمام يبايع على أن يطبق الإسلام ويرعى المسلمين ويحميهم، فالإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به.

وتساءلتُ: لماذا نمر على بنوك الربا وهي منتشرة في مكة ونسكت عليها مع أنها منكر يجب إزالته، وإزالة المنكر فرض كالصلاة؟ وقلت إن كل هذه الفروض معطلة ومرجعها لأمر واحد وهو غياب الحاكم المسلم، ومن هنا فإن على كل مسلم مسؤولية أن يطبق الإسلام كاملاً؛ ومن أجل ذلك عليه أن يبايع خليفة واحداً كما كان سابقاً في دولة الإسلام وإلا سيحاسب عند الله.

وبما أن المسلم عليه مسؤولية تطبيق الإسلام كاملاً وكثير من الفروض معطلة لأن الحكام يمنعون تطبيقها فذلك يتطلب منا إذا أردنا الجنة والنجاة من النار أن نعمل على إزالة من يمنع تطبيق هذه الأحكام وهم الحكام، وهذا فرض إذ القاعدة الشرعية تقول «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب»… وسأل أحدهم: وكيف ذلك؟ فقلت: إن الإسلام لم يترك أي أمر بدون كيفية لتنفيذه، والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قام بذلك حينما كان في مكة وبقي ثلاث عشرة سنة يعمل حتى أقام دولته في المدينة، وقد تم تطبيق الإسلام كاملاً على ثلاثة عشر قرناً، فإعادة تطبيقه كاملاً لابد له من دولة تطبقه وهذا غير موجود في وقتنا الحالي، إذاً لابد من العمل على إيجاد حاكم مسلم واحد ودولة واحدة لكل المسلمين، وهذا لا يتأتى إلا بتغيير هؤلاء الحكام وتوحيد المسلمين بدولة واحدة كما كانت في عهد أجدادكم صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد أخبرنا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) واصفاً مختلف عصور دولة الإسلام بالحديث الشريف حيث وصف أيضاً واقعنا الذي نمر به ووصفه بالجبري حيث قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ الله ُأَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيّاً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ سَكَتَ» فلابد أن يتغير هذا الحال الجبري إلى حكم إسلامي كما كان في عهد الخلفاء الراشدين أجدادكم حسب وصف الحديث.

ولكن هذا الوضع الجديد يتطلب عملاً دؤوباً لتغييره، وتغييره فرض للأدلة الشرعية الكثيرة، فالآيات التي تطلب تطبيق الإسلام على الناس قال تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (الظَّالِمُونَ) (الْفَاسِقُونَ) [المائدة 44، 45، 47] وبما أنه غير مطبق كما بيّنا، وهذه الآيات أمرها على الوجوب، إذاً لابد من تغيير الحكام إلى حاكم واحد يحكم بالقرآن والسنة. وكذلك أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة جداً، فعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ (رضي الله عنه) عَنْ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلا يُسْتَجَابُ لَكُمْ» (أخرجه الترمذي).

فقد وقف الصحابة للخلفاء والولاة وحاسبوهم وأمروهم ونهوهم ونصحوهم، هذا حافظ على تطبيق أحكام الإسلام وعلى دولة الإسلام مدة ثلاثة عشر قرناً.

وعندما نأتي لنطبق فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نجد أن أكبر منكر موجود يجب إزالته هو عدم تطبيق الإسلام ووجود الحكام الظلمة والفرقة الموجودة بين المسلمين، وأكبر معروف نأمر به هو إعادة أحكام الإسلام للتطبيق في واقع الحياة كما كان في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا يتطلب إيجاد حاكم مسلم واحد يطبق الإسلام في دولة واحدة، وبعدها تحل جميع مشاكل المسلمين وتحرر بلادهم المحتلة، ومن هنا فإن العمل لإيجاد حاكم مسلم هو الحل الوحيد لنا كمسلمين، وهو فرض كالصلاة، وهذا الفرض قدمه الصحابة رضوان الله عليهم عند وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فقدموا تنصيب الحاكم عليهم وهو أبو بكر (رضي الله عنه) على دفن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مع أن الإسراع في دفن الميت فرض، وقدموا تنصيب الحاكم على فرض الجهاد بقيادة أسامة بن زيد الذي كان متوجهاً لفتح الشام، وقدموه أيضاً على فرض قتال المرتدين الذين ارتدوا عند وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعد تنصيب أبي بكر قام بدفن الرسول بعد تركه يومين بثلاث ليالٍ وسيّر حملة أسامة إلى الشام وقاتل المرتدين، ومن هنا نلاحظ تقديم الصحابة أجدادكم فرض تنصيب الحاكم على كل الفروض، وهم قدوتنا في ذلك.

ومن هنا يتبين أن علينا تنصيب حاكم مسلم واحد فرض يجب الإسراع به والعمل على إيجاده بأقصى طاقة، خاصة وإن فترة تنصيب الحاكم المسلم قد انتهت بعد يومين وثلاثة ليالٍ من هدم الخلافة.

فقالوا: وكيف ذلك؟ فقلت: إن الإسلام لم يترك ذلك الأمر؛ لأن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، ووضعنا مشابه لوضع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث لم يكن هناك حكم إسلامي عمل على إيجاده وتمكن من ذلك وهو قدوتنا، وسن لنا طريقة لا يجوز لنا تغييرها في إيجاد الحاكم بما أُنزل الله وإقامة دولة إسلامية، وقد عمل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على إيجاد تكتل صغير وهم جماعته من الصحابة، درسهم الإسلام وكون منهم شخصيات إسلامية ثم جهر بالدعوة، وكان من جراء ذلك أن عذب والصحابة وأوذوا أيما إيذاء، وطلب النصرة لإقامة دولة الإسلام من القبائل إلى أن قيض الله سبحانه وتعالى أهل المدينة الذين بايعوه بيعة الحرب والجهاد على أن يحموه وينصروه. وهكذا وصل إلى المدينة وأعلن دولة الإسلام التي حملت الإسلام بالجهاد والدعوة إلى معظم أنحاء العالم ونشرت الإسلام شرقاً وغرباً في أقل من مئة عام.

ونحن الآن يجب أن نعمل لبناء دولة كما بناها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وبما أن الفرد لوحده لا يستطيع أن يقيم دولة، فيجب أن يعمل على إيجاد جماعة تعمل على إيجاد الإسلام في واقع الحياة، فالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قدوتنا في بناء الدولة وغيرها، فيجب تكوين جماعة ولها أمير تعمل على إيجاد حاكم مسلم يعمل على تطبيق الإسلام كاملاً وإقامة حكمه حسب ما جاء في القرآن الكريم حيث قال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران 104]. وعمل هذه الجماعة أو الحزب وظيفته الدعوة إلى الخير أي إلى الإسلام أي تطبيق الإسلام كاملاً ومنه تنصيب حاكم مسلم، وكذلك تدل الآية على أن مهمة هذه الجماعة أو الحزب هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأعظم منكر نزيله هو عدم تطبيق الإسلام وإزالة الحكام العملاء، وأعظم معروف نأمر به هو تحكيم الإسلام من قبل خليفة واحد للمسلمين.

فالآية تأمر بتكوين حزب أو جماعة حيث قال منكم أي جزء منكم وليس جميعكم، وحدد له مهمة  ومدح العاملين لإيجادها والانضمام تحت لوائها ووصفهم بالمفلحين، ويجب أن يكون لها أمير حيث قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا كنتم ثلاثة بفلاة فأمروا أحدكم» وطبيعة هذا الأمر أيضاً تتطلب وجود الأمير لهذه الجماعة أو الحزب، وإذا لم نقم بذلك فسوف يحاسبنا الله على ذلك، وهذه الجماعة موجودة تأسست ونصب عينيها تطبيق الإسلام كاملاً في الحياة، وتعمل ليل نهار لتنصيب حاكم مسلم يزيل هذه الكيانات الهزيلة وتعود للمسلمين العزة والقيادة في الدنيا والآخرة، واسم هذه الجماعة حزب التحرير وهي تعمل منذ أكثر من خمسين عاماً، ولكن الإعلام في العالم الإسلامي مأجور لا يذكر هذه الجماعة ويعتم على أخبارها وهي ممنوعة في معظم أنحاء البلدان الإسلامية.

فقال أحدهم: إننا لا نسمع هذا الكلام الذي تحدثنا به في الحرم من قبل المشايخ ولا من غيرهم في مكة ولا على الفضائيات ولا يتحدث به العلماء، فقلت: نعم، إن الحكام ومعظم العلماء فريق واحد فلا يتحدث هؤلاء عن أحكام الإسلام السياسي، والعلماء الذين يظهرون على الفضائيات ويتكرر ظهورهم لا يتحدثون عن الإسلام السياسي وكيف يكون في الحكم ولا يشرحون آيات وأحاديث الحكم والبيعة، ويحصرون فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما يتعلق بالفرد ولا يتعدون ذلك، ويتحدثون عن الصلاة وغيرها من العبادات ولكنهم لا يتحدثون عن أمر الحكام ونهيهم عن المنكر ولا يحاسبونهم. نعم إن هذا الكلام يمكن أن يكون غريباً عنكم ولكنه عندنا أمر عادي، لا يطرح عندكم على الفضائيات وفي المساجد مع أنه أحكام شرعية، وإن هذه الجماعة قد ينطبق عليها حديث الغربة حيث يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا ثُمَّ يَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ: الَّذِينَ يُصْلِحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ…» (أحمد).

وقلت لهم إنني قد صليت في مكة والمدينة والخطباء في المسجدين لم يذكروا قضايا المسلمين وتطبيق الإسلام والجهاد وتحرير فلسطين والعراق والعلاقة مع اليهود والنصارى وتقتيل المسلمين، وكذلك يدعون لـ(الملك) على المنابر ولا يحاسبونه مع أنه يعصي الله ورسوله وغيرها، وقلت لهم: ألا تلاحظون أن الأئمة في المسجدين في مكة والمدينة لا يقرأون آيات الجهاد أو الحكم أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والآيات التي تذكر اليهود في الصلاة الجهرية؟ فقال أحدهم: ربما صدفة لم يذكروا ذلك، فقلت له: أنا سأسافر ولكن تابع الأمر وراقبه وستجد كلامي صحيحاً.

فقال أحدهم: هذه الجماعة حزب التحرير متى أسست؟ فقلت: منذ أكثر من خمسين عاماً، فقال أحدهم: ولماذا لم تصل إلى النصر وإقامة الدولة حتى الآن؟ فقلت: إن الأمر بيد الله، فقد مكث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاث عشرة سنة حتى أقام الدولة ولم يسأل أحد: لماذا لم تقم الدولة في أقل من ذلك؟ أليس الله بقادر على إقامتها في عشر سنوات؟ نعم إنه قادر، ولكن حكمته اقتضت ذلك حتى أذن بالنصر والتمكين للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وصحابته، ونحن في حزب التحرير عملنا وسرنا كما سار الرسول عليه الصلاة والسلام، ونعمل ليل نهار وننتظر النصر والتمكين فلا يُسأل عن المدة، وإنما يُسأل عن السير بطريق الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) خطوة خطوة حتى تحقيق النصر والتمكين.

والناس بطبيعتهم ينظرون إلى نتيجة العمل وهي دولة الإسلام لقصر نظر البعض، لو سئل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل نزول الوحي عليه بالهجرة إلى المدينة بساعة واحدة فقط وإعلان الدولة: ماذا فعلت يا رسول الله؟ سيقول آمن معي ثمانون شخصاً في ثلاثة عشر سنة، ومن يسمع هذا الجواب سيستقل العمل، ولكن لو سألنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد ساعة من وصوله إلى المدينة: ماذا فعلت يا رسول الله؟ فسيقول: أقمت دولة الإسلام، وهذه هي النتيجة لعملي في ثلاث عشرة سنة، لقد أثمر بإقامة دولة الإسلام، ونحن الآن لا تظهر نتيجة عملنا عند بعض عامة الناس لأنهم يحبون رؤية دولة الإسلام وخليفة المسلمين ماثلاً أمامهم، ولكن الأمر بيد الله، وعندما تقوم سيفرح المؤمنون بنصر الله.

وعلى هذا فإن الانضمام لحزب التحرير فرض الله حسب الأدلة السابقة مع الحزب الذي يعمل لإقامة حكم الله في الأرض وإقامة شرعه، وهذه هي الجماعة المبرئة للذمة التي سينجو أفرادها من عذاب الله بإذن الله، ومن لم يعمل لإقامة حكم الله فقد توعد الله المقصرين بعذاب من عنده.

وليستعد كل واحد منا أن يجيب الخالق عز وجل عندما يسأله: عن عمره فيما أفناه، وعن فروضه التي فرضها عليه، وعن تطبيقه لأحكام الإسلام كاملة، وعن تقصيره في نصرة المسلمين، وعن عمله لتحرير أراضي الإسلام المحتلة العراق وفلسطين والأقصى والشيشان وأفغانستان، وسنسأل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليتذكر كل واحد منا الجنة والنار كيف أعد لها أجدادنا من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن بعدهم ومن سار على دربهم، ولنتذكر المعتصم المنتصر للمسلمات، ولنتذكر سيد الشهداء حمزة وصلاح الدين، ونفتح صفحة عز ونصر للمسلمين تعود معها الأمة الإسلامية كما كانت تقود العالم قيادة خيّرة كما حدث من قبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *