العدد 270-271 -

السنة الثالثة والعشرون ـ العددان 270 – 271

المسلمون في بلاد الغرب: دورهم في المشروع الإسلامي القادم الآن وغداً

المسلمون في بلاد الغرب:

دورهم في المشروع الإسلامي القادم الآن وغداً

 

أبو محمد

إنه مما لا شك فيه أن بلاد الإسلام خلت من حاكم مسلم يلمُّ شعث المسلمين ويجمع شملهم، ويقيم فيهم أحكام الإسلام، ويقودهم إلى الجهاد في سبيل الله، بل هي فوق ذلك ممزقة مشرذمة يتحكم فيها الكفار المستعمرون، يحتلون بعضها بجيوشهم، ويُحكمون سيطرتهم على ما بقي منها بأشكال أخرى من نفوذهم، سياسياً واقتصادياً وثقافياً، تحت سمع الحكام العملاء وبصرهم، بل بعون منهم أحياناً كثيرة، ما أفقد الأمة هيبتها وكرامتها، فأصبحت نهباً لكل طامع، ينهب خيراتها وثرواتها، ويعيش على رقاب أبنائها وجماجمهم، بعد أن كانت بلاد الإسلام منارة العالم، وكان أهلها ملء سمع الدنيا وبصرها، إذا قالوا كلمة دوَّت في جنبات الدنيا، أقويا ء بربهم، أعزاء بدينهم، يقودهم خليفتهم من فتح إلى فتح، يرفع الظلم عن المظلومين، والفقر عن المحتاجين، ويظللهم براية  (لا اله إلا الله، محمد رسول الله).

إن حجم المصيبة عظيم، وإن الواقع جد خطير، ويستلزم الخروج منه حشد كل الطاقات، وتضافر كل الجهود من أبناء الأمة الإسلامية، من كان يعيش منهم في بلاد الإسلام أم من آثر منهم الإقامة في بلاد الغرب، فما دور المسلمين في الغرب تجاه قضايا أمتهم وخصوصاً قضية الخلافة؟… هناك عدة محاور سيتم طرق الموضوع من خلالها:

أولاً: المسلمون في الغرب جزء من الأمة الإسلامية الواحدة.

ينطق بذلك كتاب ربنا عزوجل، قال تعالى: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) [المؤمنون 52]، وقال أيضاً: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء 92]. وحين نصغي إلى النبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) نجده في ميثاقه الذي كتبه حين وصل إلى المدينة يتحدث، كما  قال ابن إسحاق: وكتب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كتاباً بين المهاجرين والأنصار، وادعَ فيه يهود وعاهدهم وأقرّهم على دينهم وأموالهم وشرط لهم واشترط عليهم «بِسْمِ اللهِ الرحمنِ الرَّحِيْمِ، هذا كِتَابٌ من مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بَيْنَ المُؤْمِنِينَ وَالمُسْلِمِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَيَثْرِبَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ فَلَحِقَ بِهِمْ وَجَاهَدَ مَعَهُمْ أَنَّهُمْ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ دُونِ النَّاسِ» في إشارة إلى أن الجامع الجديد هو العقيدة الإسلامية، وأحاديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الشأن كثيرة ومنها: «إِنَّ اللهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا» رواه أبو داود، ومنها التي يقول فيها  (صلى الله عليه وآله وسلم): «أمتي»  في مناسبات متعددة كما في الحديث الذي يرويه مسلم عن ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): «إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا. وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ (الذهب والفضة)»، ما يدل على أن الأمة مصطلح يشمل المسلمين من كل الأعراق وعلى اختلاف اللغات وتعدد البلدان ؛ فالمسلمون الذين يقيمون في أميركا وفرنسا وبريطانيا وإسبانيا وغيرها من بلاد الغرب ، هم جزء من الأمة الإسلامية التي يقيم أبناؤها في بلاد الإسلام ، والتي احتضنت دولة الخلافة الإسلامية فيما مضى  .

وعلى المسلمين في كل مكان أن يدركوا هذا المفهوم الأساسي من مفاهيم الإسلام فيعملوا بمقتضاه، عن علي (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «المُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، أَلاَ لاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلاَ ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» رواه أبو داود والنسائي، ورواه ابن ماجه عن ابن عباس.

ثانياً: الحفاظ على عقيدتهم من الضياع أو التخريب، والتحذير من الاندماج الذي فيه ضياع للدين والهوية.

إن الغرب، وعلى أرضه، حيث يدعي زوراً وبهتاناً أنه يحيا حضارة هي أسمى حضارة على الإطلاق، يعيش تفككاً أسرياً وانحلالاً خلقياً، وانحطاطاً في القيم، وإغراقاً في الشهوات، واختلاطاً في الأنساب، ووفرة في الجرائم. تدل على شذوذ فكري وخواء روحي وقلق نفسي، نابعة من مبدئه المادي الذي جلب الخراب والدمار للعالم أجمع، وولَّد الأزمات تلو الأزمات، ونشر الخراب والدمار، وألحق الضرر بمئات الملايين من البشر، ما دفع جزءاً من أبنائه للتفكير بالتغيير والتحول إلى الإسلام هرباً من لهيب الرأسمالية وجحيمها، وبحثاً عن الطمأنينة والسعادة. فما دام الغرب بهذا الحال من البهيمية في العيش، والانحطاط في السلوك، فإن المسلمين في بلاد الغرب وخصوصاً مَنْ وُلِد منهم هناك، مُعرضون للانجرار وراء الحياة المادية، والتخلي عن القيم الروحية والخلقية والإنسانية، فيفقد المسلم بذلك شخصيته المتميزة، ونمطه الخاص في العيش، والذي استقاه من الإسلام عقيدة ونظاماً، ويلحق بركب الحضارة الغربية، باحثاً فيها عن الراحة والسعادة فلا ينالها، بل ويخسر آخرته.

فعلى المسلمين أن يعضوا على دينهم بالنواجذ وأن لا يخدعهم بهرج المادة الغربية، فما عند الله خير وأبقى، كما أن من القضايا الوثيقة والتحديات الكبيرة التي تواجه المسلمين في بلاد الغرب الحفاظ على أبنائهم وبناتهم وتربيتهم على تعاليم الإسلام، حتى لا يقعوا فريسة التسيب والشذوذ والخمر والإباحية والانحلال وغيره. بل إن المسلمين في الغرب يجب أن يكونوا فوق تمسكهم بعقيدتهم وأحكام دينهم، يجب أن يكونوا دعاة للإسلام، فهم الجزء المتقدم من الأمة في بلاد الغرب، قال تعالى: (قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [آل عمران 64]، والمسلم في نفس الوقت دعاية لدينه وأمته وحضارته، يؤثٍّر بأفعاله أكثر من أقواله، وصدق من قال (فعل رجل في ألف رجل خير من كلام ألف رجل لرجل) .

ولأن الغرب قد فشل في محاولاته لانتزاع الإسلام من صدور المسلمين في بلاده، بل إن المسلمين هناك يلتفُّون حول عقيدتهم يوماً بعد يوم لِما رأوه بأمِّ أعينهم من زيف الحضارة الغربية، وما يتعرضون له من مضايقات وملاحقات، وخصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث يوصم كل مسلم بالإرهاب حتى يثبت العكس، ولِما يرونه من حملة شرسة ضدهم تتسم بالعنف والغطرسة والاحتقار لهم ولدينهم، ولأنه أدرك -أي الغرب- أن مبدأه غير قادر على الصمود في أية مواجهة مع أفكار الإسلام ومفاهيمه، وأنه مهزوم في هذه المعركة لا محالة، لجأ إلى أسلوب خبيث سعى من خلاله إلى دمج المسلمين في المجتمعات الغربية تصل إلى مرحلة الذوبان من أجل أن يفقدوا هويتهم الإسلامية وانتماءَهم إلى خير أمة أخرجت للناس، ولكي تسهُل السيطرة عليهم، وقد يستخدم بعضَهم لضرب أفكار الإسلام، كما  هو حال المستغربين، الذين جيَّشهم الغرب ضد أمتهم وعقيدتهم.

ومن أجل تنفيذ هذا المخطط أصبح الحديث يدور حول الإسلام الأوروبي، أو ما يسمى بدعوات العصرنة والاندماج في المجتمعات الغربية. وقد سبق لمؤسسة “رينمند ترست” وهي منظمة غير حكومية مقرها لندن، أن دعت الحكومة البريطانية إلى اتخاذ كل الإجراءات لضمان اندماج المسلمين في المجتمع البريطاني. كما دعا رئيس الوزراء الهولندي “بيتر بالكينيد” إلى إغلاق المدارس الإسلامية وعددها 35 مدرسة، بحجة أنها لا تشجع على إدماج الأطفال المسلمين داخل المجتمع. كما أنشأت الحكومة الفرنسية وزارة خاصة بالتنمية المستديمة والاندماج.

كل ذلك وغيره كثير من أجل أن يتخذ المسلمون في الغرب من الرأسمالية مقياساً لأفعالهم وتصرفاتهم، ومنطلقاً لتفكيرهم وحكمهم على الأشياء، وباختصار اعتناق الرأسمالية والتخلي عن الإسلام، وتحويل ولائهم إلى البلاد التي يقيمون فيها بدل أن يكون لأمتهم وبلادهم. قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) [الأنفال 36].

وعليه فالمسلمون في الغرب ينبغي أن لا يستجيبوا لكل هذه الضغوط، وعليهم أن يتمسكوا بدينهم مهما بلغ الترهيب أو الترغيب، وليجعلوا موقفهم واحداً وكلمتهم واحدة هي: لا مساومة على أحكام الإسلام. واعلموا أنّكم (وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الحجرات 14]. وعليكم أن تحذروا من جرثومة الاندماج، وأن تعتزوا وتفخروا بهذا الدين العظيم، لأننا لا نستطيع أن نثبت على الإسلام أو نبلغه إلا إذا شعرنا بعظمة بضاعتنا وكمال شريعتنا.

ونحن هنا لا نطالبكم بتطبيق الشريعة في بلاد الغرب لا على مستوى الدول ولا الجاليات؛ لأن هذا الأمر غير مأمول التحقيق، مع إدراك لزوم الحديث عن ضرورة إحلال مبدأ جديد في الغرب بدلاً عن الرأسمالية التي أورثت العالم الشقاء، وهذا المبدأ بالطبع هو الإسلام، بل ندعوكم إلى التقيد بأحكام الإسلام المتعلقة بكل فرد منكم وهي كثيرة. وأن تتصلوا بأمتكم في بلاد المسلمين للعمل بإقامة دولة الخلافة التي تتعلق بها أحكام الإسلام الجامعة لكل أمور الحياة.

ثالثاً: التواصل مع الأمة، وامتلاك نفس النظرة وذات الهم:

بما أن واقع المسلمين وبلادهم من السوء بمكان، وبما أن المسلمين في العالم أجمع هم أمة واحدة من دون الناس، فإن الواجب على المسلمين في بلاد الغرب أن لا ينفصلوا عن قضايا أمتهم وهمومها، وأن يشعروا أنهم جزء منها، وأن يباشروا القيام بواجباتهم نحوها، وأهمها:

1- إن الواجب على المسلمين في الغرب كما حال جميع المسلمين تتبع أحوال أمتهم خصوصاً في هذه الظروف الصعبة والمعقدة التي تعيشها الأمة، وفي خضم الهجمة الشرسة على دينها وبلادها وثرواتها؛ فقضايا المسلمين أكثر من أن تُحصى، ومشاكلهم أكثر من أن تُعد، وذلك يتطلب منهم  الوعي التام على الدور الكبير الذي يلعبه الغرب في إبقاء الأمة في حالة الوهن والضعف الذي تعيشه، بالإضافة إلى الوعي على السبب الحقيقي وراء كل هذه المعضلات والمصائب ألا وهو غياب الحكم بالإسلام في ظل دولة الخلافة التي تتولى مباشرة العمل على علاج قضايا الأمة علاجاً جذرياً وحاسماً بوضع حد للتدخلات الغربية في بلاد المسلمين. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لاَيَظْلِمُهُ، وَلاَ يَخْذُلُهُ، وَلاَ يَحْقُرُهُ».

2- لقد حاول الغرب مراراً وتكراراً استغلال المسلمين الذين يقيمون في بلاده، وخصوصاً السياسيين والمفكرين منهم، لتنفيذ مخططاته ومؤامراته بعد أن يشحنهم ضد بعض النظم القائمة في العالم الإسلامي، فيكونون كحصان طروادة من حيث يعلمون أو يجهلون، وفي هذا المقام نذكر أن معاونة الغرب الكافر في تمرير مؤامراته على المسلمين بأية حجة كانت، وتحت أية ذريعة هي خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين، فليحذر المسلمون من الوقوع في حبائل الغرب وعملائه، وليكن المتعاملون معه والمستقوون به على أمتهم كالشاة الجرباء لا مكان لها بين القطيع.

3- إن استخدام كل وسيلة ممكنة في بلاد الغرب للوقوف في وجه الهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين، كالمشاركة في المسيرات والمؤتمرات والندوات التي تظهر الوجه الحقيقي للغرب وحقده على الإسلام وحربه له تحت مسميات عدة أشهرها (الحرب على الإرهاب)، هو أمر واجب، يبرز للغرب الكافر أن الأمة الإسلامية أمة واحدة، وأن كل المحاولات التي يبذلها الكفار لإبعاد المسلمين في الغرب عن جسمهم الطبيعي وتحييدهم في الصراع لن تنجح.

وهنا نحذر من أي عمل قد يهدف إلى مجرد تفريغ الطاقات الكامنة والغضب المتفجر في صدور المسلمين، أو محاولة احتوائها، كالخروج بالمسيرات والمظاهرات التي تدعو إلى تدخل عاجل من مجلس الأمن أو الأمم المتحدة أو البنك الدولي أو غيرها لحل المشاكل في بلاد المسلمين؛ لأن ذلك انتحار وأي انتحار، وهو هدر للطاقات في غير محلها، وهروب من أمام القاتل بالارتماء في أحضانه، فالحذر الحذر.

4- إن الأمة الإسلامية جمعاء ترنو إلى اليوم الذي تتخلص فيه من الاستعمار الغربي بكافة أشكاله، وتطيح بالأنظمة العميلة للغرب في بلادها. فتستعيد بذلك وحدتها ولُحمتها، تحت راية إمام عادل يحكم فيها بكتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد تجاوز الأمر مجرد النظر والأمل والتدبر، تجاوزه إلى العمل من أجل تحقيق هذا الهدف.

فإخوان لكم، تجدونهم بينكم، شباب حزب التحرير، نذروا أنفسهم لتحقيق هذه الغاية، دون كلل أو ملل، مُتَّكلين على الله وحده، حتى بلغوا مبلغاً أزعج الغرب وقادته؛ لدرجة أنهم ذكروا الخلافة والحزب بالاسم وحذروا منهما كما صرح بوتين وبلير وبوش وغيرهم في محاولة أخيرة يائسة لوأد تلك الفكرة قبل أن تصبح واقعاً ماثلاً يصعب التعامل معه، بل وأدرج بعضهم الحزب على قائمة الإرهاب والحظر، قال تعالى في سورة الصف: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [الصف 8-9].

إن هذا الهم الكبير، وهذه الرؤية الواضحة، وهذا الطريق المستقيم، ينبغي أن يحمله ويسير فيه كل المسلمين، ومنهم إخواننا المسلمين في الغرب، لأنهم جزء من هذا الهم، وجزء من المشكلة، وجزء من الحل، فمعظمهم أقام في بلاد الغرب، هرباً من الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية السيئة في بلدانهم الإسلامية.

لذلك فإن العمل مع الحزب لإقامة الخلافة الراشدة الثانية التي بشر بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: «… ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةً رَاشِدَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ سَكَتَ» رواه أحمد، هو واجب المسلمين جميعاً، في الشرق وفي الغرب، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «… وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً». وهذا العمل هو الذي سيعيد للأمة سيرتها الأولى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ ءَامَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) [آل عمران 110]. فإلى العمل للعزة والكرامة ندعو إخواننا في بلاد الغرب، للقيام بهذا الفرض العظيم، وللتخلص من هذا الكابوس الذي تعيشه الأمة منذ ثمانية عقود.

رابعاً: الخزان العلمي للأمة والدولة:

لقد طال تقصير الحكام في بلاد المسلمين كل شيء، وإن جزءاً مهماً من هذا التقصير لحق بأهل الخبرة والاختصاص، من علماء ومفكرين وباحثين ومهندسين وأطباء في كافة المجالات، حتى لم يجد هؤلاء ضالتهم في بلادهم، فلجؤوا إلى بلاد الغرب التي تمتاز بالتقدم العلمي والتكنولوجي، والتي احتضنت عشرات الآلاف من خيرة علماء المسلمين وأبرزهم، وهي تفيد من علمهم وخبرتهم، بعد أن وفرت لهم كل الإمكانات المادية التي تلزمهم. وتشير الإحصاءات إلى ارتفاع نسبة هجرة الأدمغة العربية للغرب؛ فطبقاً لما أعلنته وزارة الهجرة المصرية أن إجمالي عدد العلماء المهاجرين من مصر وحدها بلغ 465 ألف عالم، منهم 200 ألف هاجروا إلى أميركا، و60 ألف هاجروا إلى كندا، و50 ألف إلى أوستراليا، و 155 ألف إلى دول أوروبا، وتشير تلك الإحصاءات إلى أن معظم المهاجرين هم من خريجي الجامعات وعلماء الطبيعة والأطباء والمهندسين، ومنذ بداية الستينات من القرن الماضي هاجر إلى الغرب أكثر من 61 ألف طبيب مصري و100 ألف مهندس مصري و 122 ألف اختصاصي فني، ومن سوريا هاجر 56% من خريجي الجامعات ومن لبنان 29% من خريجي الجامعات، ومن تونس 12.5% من علماء الطبيعة.

وفي دراسة لمركز الخليج للدراسات الاستراتيجية تبين منها أن المجتمعات العربية باتت بيئات طاردة للكفاءات العلمية العربية، الأمر الذي أدى إلى استفحال ظاهرة هجرة الأدمغة العربية للغرب، وذكرت تلك الدراسة أن 45% من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم، وأن 34% من الكفاءات العلمية العربية مهاجرة بالفعل إلى الدول الثلاث (أميركا – بريطانيا – كندا) وكشفت الدراسة عن أن إجمالي الخسائر التي تسببها هجرة الأدمغة العربية لا تقل عن 200 مليار دولار، في حين تستفيد الدول الغربية الرأسمالية من هجرة هذه الأدمغة التي تحمل معها كفاءات وخبرات علمية تحسن استغلالها.

هذا غيض من فيض، ونحن ندرك الأسباب الموضوعية التي تدفع علماءنا للبقاء في الغرب أو الهجرة إليه كالأسباب السياسية والاقتصادية وغيرها، وستعمل دولة الخلافة على تجاوزها سريعاً، بل إنها ستوفر لعلمائها ما لا يوفره الغرب لهم، حتى تستقطب هذا المخزون الضخم من العلماء والمبدعين إلى الداخل، حتى يعملوا لصالح أمتهم ودولتهم.

خامساً: عيون الأمة على أعدائها، ومقدمة الأمة في حمل لوائها:

إن قيام الخلافة في القريب العاجل بإذن الله حقيقة لا جدال فيها، فهي وعد الله سبحانه وتعالى، وبشرى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإن  الواجبات المنوطة بهذه الدولة عظيمة وجسيمة، تتلخص في:

أ- تطبيق الإسلام تطبيقاً انقلابياً شاملاً لكافة شؤون الحياة داخل سلطان الدولة .

ب- العمل على توحيد بلاد المسلمين كافة تحت راية دولة الخلافة.

ت- تحرير بلاد المسلمين المحتلة، وطرد الكفار المستعمرين منها، وإزالة أي نفوذ سياسي أو اقتصادي أو ثقافي لها في بلاد المسلمين.

ث- الشروع من اليوم الأول في بناء دولة قوية عسكرياً وصناعياً لمنافسة الدول الكبرى واقتعاد مركز الدولة الأولى في العالم في وقت قصير، وذلك من خلال تبني سياسات اقتصادية وصناعية تؤدي الغاية المرجوَّة، ومن خلال استغلال الحشد الهائل من العلماء والمخترعين من أبناء المسلمين، وتوفير ما يلزم لهم من أسباب مادية لإنجاز ذلك.

ج- المباشرة بتجهيز الجيوش، للقيام بواجب حمل الدعوة لغير المسلمين، بإخضاع بلاد الغرب لحكم الإسلام.

هذه أهم واجبات الدولة حال قيامها، والمدقق فيها، يجد دوراً مهما يستطيع بل يجب على المسلمين في الغرب أن يؤدوه لأمتهم ودولتهم من أجل تحقيق هذه الأهداف على أكمل وجه:

1- أن يبدؤوا على الفور بالهجرة إلى دار الإسلام، على اعتبار أن ذلك مندوب للمسلمين، إلا إذا رأى الخليفة خلاف ذلك، و أن يباشروا بإظهار الولاء والتأييد لدولة الخلافة باعتبارها دولة المسلمين جميعاً، وأنها ليست دولة دعية،لأن الغرب سيحاول من اللحظة الأولى إظهار عدم شرعيتها ومخالفتها للقوانين الدولية عن طريق تجييش عملائه من أبناء جلدتنا لمعاونته في إبراز هذا المفهوم والحديث فيه، وإظهار أن هذه الدولة تفتقد إلى التأييد.

فعليهم أن يقفوا سداً منيعاً أمام محاولات الغرب لتشويه صورة الدولة الفتية، وأن يكونوا خط الدفاع الأول عنها في الغرب، وذلك بتسخير كل طاقاتهم، وفي كل أماكن وجودهم.

2- إن بناء دولة قوية قادرة على مواجهة الغرب الكافر، تستلزم كل موارد الأمة البشرية من علماء ومفكرين ومكتشفين، وفي كافة المجالات، ولأن جزءاً مهماً من هذه الخبرات تقيم في بلاد الغرب، فإن عودة هؤلاء إلى ظلال دولة الخلافة أمر ضروري وملح، فعليهم أن يستجيبوا لدعوة الدولة لهم بالعودة بأسرع وقت ممكن، حتى وإن كان الجزاء المادي المقدم لهم في بادئ الأمر أقل مما يحصلون عليه من الدول الغربية، لأن ذلك واجبهم تجاه دينهم وأمتهم ودولتهم…

3- إن حمل الدعوة إلى بلاد الغرب يقتضي معرفة دقيقة بطبيعة مجتمعاتها، عاداتها وتقاليدها، وطبيعة تفكير الناس فيها، وصورة الإسلام لدى الإنسان الغربي بشكل دقيق ومفهم، خاصة مناطق التشويه التي تعرَّض لها الإسلام في عقول الناس هناك، حتى تتمكن الدولة من حمل الإسلام إليهم بشكل مؤثر ومثير.

وإن مثل هذه المهمة لا يستطيع أن يقوم بها أحد أفضل ممن عاش بين صفوف الغربيين ولامس نمط عيشهم وطبيعة تفكيرهم.

4- إن تيسير مهمة الدولة في حمل الإسلام إلى العالم ،يقتضي أن يظهر المسلمون في الغرب بمظهر الملتزم بعقيدته وأحكام دينه، وأن يعملوا على تمهيد الطريق للفتح الإسلامي بإعطاء صورة مشرقة عن الإسلام وأهله ودولته، وأن الخير كل الخير في هذا المبدأ العظيم، وأن لا خلاص للغرب من حياته المادية البغيضة إلا باعتناق الإسلام وقبوله بديلاً عن الرأسمالية البغيضة، وذلك بكافة الوسائل الممكنة، من إعلام، وعقد للندوات والمحاضرات واللقاءات الجماهيرية  مع السياسيين والمفكرين وعامة الناس يتم فيها تحطيم عظام الرأسمالية عقيدة ونظام حياة.

5- ليس سراً أن الدول الغربية ستباشر منذ اليوم الأول، بإعداد الخطط، وتنفيذ ما اُعد منها سابقاً، لمحاربة الدولة، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وفكرياً، والعمل على القضاء عليها قبل أن تنمو ويشتد عودها، مع إدراك أن الغرب الكافر سيحاول أن يقف مُوحَداً لتنفيذ هذه المهمة.

فالمطلوب من المسلمين في الغرب أن يفتحوا عيونهم جيداً على تحركاته وسكناته، وأن يبادروا بإبلاغ دولة الخلافة عن كل حركة مريبة، وكل كلام مشبوه، يصدر عن ساسة الغرب ودوله، وذلك لمساعدة هذه الدولة في اتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة لمواجهة أية مؤامرة أو خطة يسعى الغرب لتنفيذها في مواجهة الدولة.

6- من المؤكد أن دولة الخلافة ستقوم بأعمال عسكرية وسياسية ضد الدول الغربية، وأن ضمان نجاح هذه المهمة قد يحتاج إلى تحريك المسلمين وغير المسلمين في بلاد الغرب في  أعمال جماهيرية مقصودة، كما يعمل الغرب عادة في بلاد الإسلام.

وباختصار؛ فإن على المسلمين في أوروبا وبلاد الكفر قاطبة أن يكونوا رهن إشارة الدولة وخليفة المسلمين، كلما احتاج إليهم وجدهم، لأن التعامل مع هذه القضايا، يختلف باختلاف الظروف والأحوال، كما يختلف باختلاف البلد الذي يقيم فيه المسلمون أهو من الدول المحاربة أم المعاهدة؟ أبيننا وبينه حرب فعلية أم لا؟ وهل يحتل جزءاً من بلاد المسلمين أم لا؟ كل ذلك يعود إلى تقدير الخليفة وحده، فهو الذي يختار طبيعة المهمة للمسلمين هناك حسب ما يراه مناسباً.

هذه بعض الخطوط العريضة لدور المسلمين في بلاد الغرب في مشروعهم الحضاري، ولعل بحوثاً أخرى تتناول الموضوع بشيء من التفصيل، وبيان الوسائل والأساليب والآليات المتبعة في تنفيذ ما ورد سالفاً.

قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [الأنفال 24].

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *