العدد الرابع -

السنة الأولى، العدد الرابع، محرم 1408هـ الموافق أيلول 1987م

ولاية الفقيه

من بحث أعدته: أسماء فاعور

المقصود بالفقيه هو العالم المجتهد بأحكام الشرعية الإسلامية، والمقصود بالولاية هنا هو السلطة. القائلون بولاية الفقيه يعتبرون أن مجرد تحصيل الفقه يخوّل صاحبه سلطة على غيره. ويختلفون في حدود هذه السلطة. وقد قسّموا هذه السلطة (أو هذه الولاية) إلى أقسام:

1- ولاية الفتوى وهي تعلمي الناس الأحكام الشرعية.

2- الولاية المالية وهي أخذ الزكاة والخمس عند الإمكان.

3- ولاية القضاء وهي القضاء بين الناس في منازعاتهم وحل مشاكلهم عند الإمكان.

4- الولاية العامة أو المطلقة وهي ولاية أمير المؤمنين أو الحاكم الذي يتولى الحكم ورعاية الشؤون العامة ويقضي بين الناس ويحصّل الحقوق ويقيم الحدود ويقود الجيوش.

الإمام الخميني (وأتباعه) يقولون بالولاية العامة المطلقة للفقيه. ولا يوجد بين المسلمين من يقول بقولهم هذا لا من السنة ولا من الشيعة. فأهل السنة يقولون بأن الولاية العامة تحصل لولي الأمر بسبب بيعة المسلمين له وليس بسبب فقهه، وكذلك الشيعة الزيدية. وأما الشيعة الإثنا عشرية فغالبيتهم العظمى تقول بأن الولاية العامة محصورة بالأئمة الإثنى عشر دون غيرهم، وكل راية ترتفع غير راية الإمام المعصوم هي راية طاغوت، ويعتبرون أن المراجع الذين هم نواب الإمام المعصوم لا تزيد سلطتهم أو ولايتهم عن ولاية الفتوى وولاية المال وولاية القضاء كما بيّنا أعلاه، ولا يجوز بحال من الأحوال أن تصبح ولاية المرجع ولاية عامة لأنها تصبح ولاية طاغوت.

وقد استدل الإمام الخميني بالروايات ليثبت أن المرجع (أو الفقيه) له ولاية عامة على الناس. وقد تناول الإمام أبو القاسم الخوئي في كتابه: “مباني تكملة المنهاج ـ الجزء الأول” الروايات التي استدل بها الإمام الخميني وبين أنها لا تدل على الولاية العامة بشكل من الأشكال. وكذلك تناول الشيخ الأردكاني الروايات نفسها في كتابه: “غنية الطالب في التعليق على المكاسب”. وبين أنها لا تدل على الولاية العامة. فكان رأي الأردكاني مشابهاً لرأي الخوئي، أي أن المرجع (الفقيه) لا يمكن أن تتعدى ولايته شؤون الفتوى وشؤون المال وشؤون القضاء عند الإمكان.

وهناك رأي آخر في شأن الولاية العامة وهو للعلامة الشيخ محمد حسين طباطبائي، فهو لا يقول بتعطيل الولاية العامة حتى ظهور المهدي كما يقول غالبية الشيعة الإثنى عشرية، ولا يقول بالولاية العامة للمرجع (الفقيه) نيابة عن الإمام المهدي كما يقول الخميني، ولكنه يقول بأن الولاية العامة (في حال الغيبة) هي شورى لعامة المسلمين ينتخبون حاكماً مستكملاً الشروط ويولونه عليهم. قال في تفسير الميزان الجزء الرابع ص 130 ـ 132:

[على أي حال أمر الحكومة الإسلامية بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد غيبة الإمام كما زماننا الحاضر إلى المسلمين من غير إشكال، والذي يمكن أن يستفاد من الكتاب في ذلك أن عليهم تعيين الحاكم في المجتمع على سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي سنة الإمامة دون الملوكية والإمبراطورية والسير فيهم بحفاظة الأحكام من غير تغيير، والتولي بالشورى في غير الأحكام من حوادث الوقت والمحل، والدليل على ذلك كله هو أن عامة الآيات المتضمنة لإقامة العبادات والقيام بأمر الجهاد وإجراء الحدود والقصاص وغير ذلك توجه خطاباتها إلى عامة المؤمنين دون النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة. كقوله تعالى: (أقيموا الصلاة) (النساء: 76)، وقوله: (وأنفقوا في سبيل الله) (البقرة: 195)، وقوله: (كتب عليكم الصيام) (البقرة: 183)، وقوله: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) (آل عمران: 104)، وقوله: (وجاهدوا في سبيله) (المائدة: 135)، وقوله: (وجاهدوا في الله حق جهاده) (الحج: 78)، وقوله: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) (النور: 2)، وقوله: (السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) (المائدة: 38)، وقوله: (ولكم في القصاص حياة) (آل عمران: 103)، وقوله: (أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) (الشورى: 13)، وقوله: (وما محمد إلا رسول قد خَلَتْ من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرَّ الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين) (آل عمران: 144)، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة.

وكان السيد محمد باقر الصدر، يقول بقول محمد حسين طباطبائي هذا، وقد قام حزب الدعوة الذي أنشأه السيد محمد باقر الصدر على هذا الأساس.

اشكالات في نظرية ولاية الفقيه:

1- حسب نظرية ولاية الفقيه العامة فإن كل فقيه هو صاحب سلطة عامة، وهذا يؤدي إلى تعدد الحكام وإلى تفتيت الأمة إلا آلاف الحكومات وآلاف الدول. وهذا مناقض لأصل الشريعة التي تفرض وحدة الأمة الإسلامية ووحدة الدولة الإسلامية.

2- حسب نظرية ولاية الفقيه العامة فإن كل فقيه هو نائب عن الإمام المهدي في الولاية العامة. وهذا يؤدي إلى تنازع هؤلاء النواب ليُخضع كلٌ غيره لولايته. ولا يُعقل أن ينصب المعصوم نواباً عنه ليتنازعوا فيما بينهم.

3- حسب نظرية ولاية الفقيه العامة، فإن التقليد في الأحكام الشرعية يجب أن يسار فيه تبعاً للفقيه الأعلم. فإذا تولى السلطة فقيه أقل علماً فإن عليه أن يقلد الفقيه الأكثر علماً منه ويخضع لرأيه، وهنا يحصل الدور والمناقضة.

وليس هذا افتراضاً نظرياً فقد كان في إيران شريعتمداري مرجعاً كبيراً وكان غالبية الشعب في إيران تعتبره أعلم من الخميني، وكان لا يقر بنظرية الولاية العامة للفقيه. ولكن الخميني استعمل سلطته كحاكم وأخضع شريعتمداري. وهذا أبو القاسم الخوئي فإن غالبية الشيعة يعتبرونه أعلم من الخميني، ومع ذلك فلا قيمة لعلمه في نظر الخميني حينما يتعارض هذا العلم مع علم الخميني.

4- حسب نظرية ولاية الفقيه العامة، فإن الفقيه يستمد سلطته من كونه فقيهاً، أي أن فقهه أعطاه سلطة على أموال الناس ودمائهم وأعراضهم. وهذا مناقض لأصل الشريعة التي لم تسمح لأحد أن يتسلط على أحد إلا بعقد الولاية له عليه. وإذا كانت الفقاهة شرطاً فيمن يتولى السلطة فلا يلزم حصول المشروط بمجرد حصول الشرط. ولذلك لا يصبح الفقيه ذا سلطة عامة، إلا إذا بايعه الناس على ذلك أو ولاّه ذلك الخليفةُ صاحبُ الصلاحية. ولذلك فإن الدستور الإيراني جاء مناقضاً في هذه الزاوية لنظرية ولاية الفقيه، فقد جاء في المادة 107 [فإن الخبراء المنتخبين من قبل الشعب يبحثون … فإذا وجدوا مرجعاً واحداً يملك امتيازاً خاصاً للقيادة فإنهم يعرفونه للشعب باعتباره قائداً، وإلا فإنهم يعينون ثلاثة أو خمسة مراجع… باعتبارهم أعضاء لمجلس القيادة]. في هذه المادة أعطيت الصلاحية في تعيين الولي لمجلس الخبراء المنتخب من الشعب. فالقائد لا يستمد سلطته من فقهه بل من تعيين مجلس الخبراء.

وقد توهم القائلون بنظرية الولاية العامة للفقيه أنهم حلوا هذا المشكل حين قالوا بأن الولاية تحصل للفقيه الذي يتصدى للأمور العامة، ولا تحصل للفقيه الذي لا يتصدى للأمور العامة. فأضافوا شرط التصدي إلى شرط الفقه. والحقيقة أن الذي يتصدى للأمور العامة ويسيطر على السلطة، إذا أيده الناس، أو سكتوا عنه، فإنه يصبح ذا ولاية عامة بقبول الناس به وليس بسبب فقهه أو بسبب تصدّيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *