العدد 12 -

العـدد الثاني عشر – السـنـة الأولى – رمضان 1408هـ – أيار 1988م

أحكام الصوم

يقول الله تعالى في سُورة البقرة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).

وقد وجدنا في كتاب “أحكام الصلاة” لعلي راغب، الأستاذ في الأزهر الشريف، باباً جمع فيه أحكام الصوم، ولخص فيه معظم ما يتعلق بهذه الفريضة، وأورد النصوص الشرعية الدالة على هذه الأحكام، وقد أوردنا ما جاء في الكتاب مما يتعلق بالصوم، عسى الله أن ينفعنا بما جاء فيها، والله من وراء القصد.

صوم رمضان ركن من أركان الإسلام وفرض من فروضه، والدليل عليه قوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ). ومما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بُنِيَ الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان».

ويتحتم وجوب ذلك على كل مسلم بالغ عاقل، وأما الصبي والمجنون فلا يجب الصوم عليهما لقوله صلى الله عليه وسلم: «رُفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق». وأما الحائض والنفساء فلا يجب عليهما لأنه لا يصحّ منهما، فإذا طهرتا وجب عليهما القضاء لماروت عائشة رضي الله عنها قالت: «في الحيض كنا نؤمر بقضاء الصلاة»؟ ومن لا يقدر على الصوم بحال وهو الشيخ الكبير الذي يجهده الصوم أي يجد فيه مشقة، والمريض الذي لا يرجى برؤه فإنه لا يجب عليه الصوم وتجب عليه الفدية، لقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)، وقوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)، ولما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: «من أدركه الكبر فلم يستطع صيام رمضان فعليه لكل يوم مدّ من قمح». وقال ابن عمر: «إذا ضعف عن الصوم أطعم عن كل يوم مداً». وروي أن أنساً رضي الله عنه (ضعف عن الصوم عاماً قبل وفاته فافطر وأطعم). وإن لم يقدر على الصوم لمرض يخاف زيادته ويرجى البرء منه لم يجب عليه الصوم لأن فيه حرجاً فيفطر. وإذا بريء وجب عليه القضاء، لقوله عز وجل:  (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ). وإن أصبح صائماً وهو صحيح ثم مرض أفطر لأنه أبيح له الفطر.

فأما المسافر فإنه إن كان سفره دون أربعة برد أي دون ثمانين كيلو متراً صام، ولا يجوز له أن يفطر، لأن السفر الذي يعطي الرخصة هو السفر الشرعي وهو أربعة برد قدّرت بثمانين كيلو متراً. وإن كان السفر أربعة برد فما فوق فله أن يصوم وله أن يفطر، لما روت عائشة رضي الله عنها أن حمزة ابن عمرو الأسلمي قال: يا رسول الله أصوم في السفر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن شئت فصم وإن شئت فأفطر». فإن كان ممن لا يجهده الصوم في السفر فالأفضل أن يصوم لقوله تعالى: (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ). وإن كان يجهده الصوم فالأفضل أن يفطر لما روى جابر رضي الله عنه قال: «مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر برجل تحت شجرة يرش عليه الماء فقال: ما بال هذا؟ قالوا صائم فقال: ليس من البر الصيام في السفر».

أما الحامل والمرضع فإنه يجوز لهما أن تفطرا، وعليهما القضاء سواء خافتا على أنفسهما فقط أو على أنفسهما وولدهما، أو على ولدهما فقط، أو لم تخافا على شيء مطلقاً. أما جواز إفطار الحامل والمرضع لمجرد كونهما حاملاً ومرضعاً بغض النظر عن كونهما خائفتين أو غير خائفتين، فلِما ثبت في الصحيحين عن أنس بن مالك الجعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحامل والمرضع الصوم». ولم يذكر الحديث أيّ قيد لجواز الإفطار بل ذكر ذلك مطلقاً للحامل والمرضع لمجرد كونهما حاملاً أو مرضعاً. وأما وجوب القضاء على الحامل والمرضع فلأن الصيام وجب عليهما وأفطرتا فصار دَيناً في ذمتهما وجب عليهما قضاؤه، لما روي عن ابن عباس أن امرأة قالت: يا رسول الله ان أمي ماتت وعليها صوم نذر فأصوم عنها؟ فقال: «أرأيتِ لو كان على أمك دَين فقضيته أكان يؤدي ذلك عنها؟ قالت نعم، قال: فصومي عن أمك». وأما عدم وجوب الفدية فلأنه لم يرد نصّ في وجوبها في هذه الحال.

ولا يجب صوم رمضان إلا برؤية الهلال، فإن غم على الناس وجب عليهم أن يستكملوا شعبان ثم يصوموا، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غمم عليكم فاكملوا العدة ولا تستقبلوا الشهر استقبالاً».

ولا يصح صوم رمضان ولا غيره من الصيام إلا بالنيَّة، لقوله عليه الصلاة والسلام: «إنما الأعمال بالنيَّات».

وتجب النية لكل يوم لأن صوم كل يوم عبادة منفردة يدخل وقتها بطلوع الفجر ويخرج وقتها بغروب الشمس. ولا يفسد صيام اليوم بفساد ما قبله ولا بفساد ما بعده فلم يكفه نية واحدة للشهر كله بل بد من نية لكل يوم. ولا يصح صوم رمضان ولا غيره من الصوم الواجب بنية من النهار، بل لا بد أن يبيت النية من الليل لما روت حفصة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له». وتصح النية في أي جزء من الليل من غروب الشمس حتى طلوع الفجر، لأنه كله داخل تحت تبييت النية من الليل. وأما صوم التطوع فإنه يجوز بنيّة قبل الزوال، لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أصبح اليوم عندكم شيء تطعمون؟ فقالت: لا فقال: إني إذاً صائم». ولا بد من التعيين في النية، فلا بد أن يقول انه صائم من رمضان لأنه قربة مضافة إلى وقتها. غير أنه لا يشترط التلفظ بالنية، بل يكفي وجود القصد في القلب. ولا يجزئه إلا بعزيمة أنه من رمضان لأن تعيين النيّة في كل يوم واجب. ويدخل في الصوم بطلوع الفجر الصادق ويخرج منه بغروب الشمس، لما روى عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا وغابت الشمس من ها هنا فقد أفطر الصائم». ولقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ).

ويحرم على الصائم الأكل والشرب لآية: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ). فإن أكل وشرب وهو ذاكر للصوم عالم بتحريمه بطل صومه لأنه فعل ما ينافي الصوم من غير عذر، وان استعمل السعوط أو صب الماء في اذنه فوصل إلى دماغه بطل صومه، لما روى لقيط بن صبرة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أخبرني عن الوضوء، قال: «أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً». فمفهوم المبالغة النهي عن المبالغة في الاستنشاق وهو صائم حتى لا يصل شيء إلى الدماغ، وهذا معناه إذا وصل شيء إلى الدماغ حرم عليه وبطل صومه. والأكل والشرب والسعوط والقطرة في الأذن تشمل دخول أي شيء سواء أكان مما يؤكل ويشرب كالطعام والماء والتبغ والتنباك وما شابه ذلك أم كان مما يستعمل كالسعوط في الأنف والقطرة في الأذن وما شابه ذلك.

وكذلك تحريم المباشرة في الفرج لقوله تعالى: (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ) فدل على عدم المباشرة قبل الآن وهو النهار. فإن باشر في الفرج بطل صومه وإن باشر فيما دون الفرج فانزل أو قبّل فأنزل بطل صومه وإن لم ينزل لم يبطل، لما روى جابر رضي الله عنه قال: «قبّلت وأنا صائم فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت قبلت وأنا صائم فقال: أرأيت لو تمضمضت وأنت صائم». فشبه القبلة بالمضمضمة، فإن وصل الماء أفطر وإلا فلا، وكذلك المباشرة في غير الفرج والقبلة، وإن استقاء بطل صومه لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من استقاء فعليه القضاء عامداً، ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه».

وهذا كله إذا فعله عامداً فإن فعل أي شيء من ذلك ناسياً لم يبطل صومه، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أفطر في شهر رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة»، ولما روى البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا نسي فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه». وإن أكل أو جامع وهو يظن أن الفجرلم يطلع وكان قد طلع أو يظن أن الشمس قد غربت ولم تغرب لم يحسب له صوم يومه وعليه القضاء، لما روى حنظلة قال: “كنا بالمدينة في شهر رمضان وفي السماء شيء من السحاب. فظننا أن الشمس قد غابت فافطر بعض الناس فأمر عمر رضي الله عنه من كان قد أفطر أن يصوم يوماً مكانه”. ولما روى هشام بن عروة عن فاطمة امرأته عن أسماء قالت: «أفطرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس. قيل لهشام: أمروا بالقضاء قال: لا بد من قضاء». ومن أفطر في رمضان بغير الجماع من غير عذر وجب عليه القضاء لقوله صلى الله عليه وسلم: «من استقاء فعليه القضاء». ولقوله عليه السلام: «فدين الله أحق بالقضاء». وأما من أفطر بالجماع من غير عذر وجب عليه القضاء والكفارة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الذي واقع أهله في رمضان بقضائه، ولما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال هلكت يا رسول الله، قال: وما أهلكك، قال وقعت على امرأتي في رمضان، فقال: هل تجد ما تعتق رقبة قال لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين، قال لا، قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً، قال لا، ثم جلس فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر فقال تصدق بهذا، فقال أعلى أفقر منا فما بين لأبتيها أهل بيت أحوج إليه منا، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال: اذهب فأطعمه أهلك».

(والعرق بكسر العين والراء هو المكتل والزنبيل والقفه، وما بين لابتيها أي ما بين حرتيها، والحرة الأرض المكبسة حجارة سوداء) وهذه هي الكفارة الواجبة على المفطر إذا أفطر بالجماع عامداً.

ويستحب أن يتسحر للصوم لما روى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تسحروا فإن في السحور بركة». والمستحب أن يفطر على تمر فإن لم يجد فعلى الماء لما روى سلمان بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور». والمستحب أن يقول عند إفطاره: (اللهم لك صمتُ وعلى رزقك أفطرت) لما روى أبو هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صام ثم أفطر قال: «اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت».

ويستحب لمن صام رمضان أن يتبعه بست من شوّال، لما روى أبو أيوب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر». ويستحب لغير الحاجّ أن يصوم يوم عرفة، لما روى أبو قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صوم عاشوراء كفارة سنة وصوم يوم عرفة كفارة سنتين سنة قبلها ماضية وسنة بعدها مستقبلة». ويستحب أن يصوم يوم عاشوراء لحديث أبي قتادة السابق، ويستحب أن يصوم يوم تاسوعاء لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لئن بقيتُ إلى قابل لأصومن اليوم التاسع» وفي رواية لمسلم زيادة قال: «فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم». وعاشوراء هي اليوم العاشر من محرّم وتاسوعاء هي اليوم التاسع منه، ويستحب صيام أيام البيض وهي ثلاثة من كل شهر لما روى أبو هريرة قال: «أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بصيام ثلاثة أيام كل شهر«. ويجوز أن يصوم أي ثلاثة أيام من غير تعيين، إلا أن الأفضل أن يصوم الأيام التي يكون فيها القمر في أوج نوره وهي اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، لحديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا صمت من الشهر ثلاثاً فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة»، ولما روي عن جرير بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر، أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة». ويستحب صوم يوم الاثنين والخميس لما روي عن عائشة قالت: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرى صيام الاثنين والخميس».

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *