العدد 165 -

السنة الخامسة عشرة شوال 1421هـ – كانون الثاني 2001م

سلاح النفط بين الاستغلال والتبديد

         إن ما بات يعرف اليوم بمنطقة الشرق الأوسط ـ تلك البقعة المباركة من الأرض ـ لم تذق طعم الاستقرار منذ ما لا يقل عن قرنٍ من الزمان، ولم تقتصر عناصر التفجير فيها على وجود الاستعمار وزرع الكيان اليهودي ومحاربة قيام الدولة الإسلامية وحسب، بل أضيف إليها منذ بدايات القرن الماضي عنصر جديد لا يقل أهمية عن تلك العناصر ألا وهو النفط. والحقيقة أن أي عنصر من تلك العناصر الأربعة يكفي بمفرده لخلخلة الأوضاع، وزعزعة الاستقرار في أكثر المناطق تماسكاً واستقراراً، فما بالكم عندما تجتمع هذه العناصر الأربعة معاً؟!

         لذلك لم يكن غريباً أن تهرول الدول الكبرى بكل ما أوتيت من قوة ونفوذ إلى المنطقة، ولم يعد شذوذاً سياسياً أن نسمع تصريحاتٍ نشازاً تصدر من أفواه المسؤولين في الدول الكبرى كتصريحات كوهين وزير الدفاع الأميركي الذي قال في إحداها: “لن تبرح قواتنا هذه البلاد” وكأن هذه البلاد بلاد أميركية، ولم يكن أمراً عجيباً أن تتداعى أميركا وبريطانيا وفرنسا إلى دويلات الخليج وتبرم معها اتفاقيات الحماية والوصاية في الوقت الذي انتهى فيه زمن توقيع مثل هذه الاتفاقيات.

         لقد بدأت قصة النفط في ديارنا منذ عام 1908م حيث تدفق أول زيت للنفط في إيران، وتدفق معه الاستعمار بكل شراسة وشراهة على بلادنا منذ ذلك التاريخ وحتى الآن. في البداية كانت بريطانيا المستعمرة للخليج هي المتحكم الوحيد بالنفط، فكان شيخ الكويت في سنة 1913م يقول مثلاً: “سوف لا نعطي امتيازاً إلى أي شخص غير الذي تعينه الحكومة البريطانية”، وكان عبد العزيز آل السعود في سنة 1915م “يقر لبريطانيا بأنه سوف لا يتصرف بأي شكل كان بجزء من أرضه بدون موافقة الحكومة البريطانية”. إلاّ أن هذا الاحتكار البريطاني لنفط الخليج سرعان ما بدأ ينكسر مع دخول أميركا على الخط والتي كان دخولها عبر شركاتها في سنة 1933م حيث ألقت بكل ثقلها الاقتصادي في السعودية أكبر دولة منتجة للنفط في العالم، وفي سنة 1946م أنشأت أرامكو ومع إنشائها لها انتقلت السياسة البترولية إلى أيادِ الأميركيين، وبرزت في ذلك الوقت سبع شركات نفطية احتكارية امتلكت 90% من الموارد النفطية ليس في بلاد المسلمين وحسب بل وفي العالم أجمع وكان من بينها خمس أميركية.

         وكانت هذه الشركات حتى العام 1950م لا تدفع للدول المنتجة سوى رسم تأجيري بسيط يبلغ 7% من إجمالي البيع، ثم زيدت هذه النسبة إلى 14%، وكأن الدول المنتجة في ذلك الوقت كانت تهب نفطها للدول والشركات المستعمرة ولا تبيعها لها، إلاّ أن هذا الوضع قد بدأ في التغير بفعل التنافس الاستعماري المحموم على السوق النفطية، وكان هذا التنافس بين أميركا وبريطانيا في الخليج هو الذي أدّى إلى تأسيس بريطانيا لمنظمة الأوبك وهو الذي أدّى فيما بعد إلى عمليات تأميم النفط في الدول المنتجة.

         ولما كان النفط مرتبطاً بالطاقة، ولما كانت مصادر الطاقة البديلة غير قادرة على أن تحل محل النفط لذلك فإن عجلة الصناعة الحديثة ونهضة الدول ورفاهيتها ظلت مرهونة على استمرار الإمدادات النفطية، وبما أن معظم النفط موجود في بلاد المسلمين لذلك حرصت أميركا والغرب عموماً على أن تسرقه من يد المسلمين لكي تبقى أميركا متحكمة بالمفاصل الأساسية في الأوضاع العالمية بغض النظر عن سعر النفط سواء أكان مرتفعاً أم منخفضاً.

         فإذا ارتفع سعر النفط تستفيد الشركات النفطية ـ ومعظمها أميركية ـ وتستفيد كذلك المصارف الأميركية لأن الفوائض المالية لدول أوبك يتم إعادة تدويرها فيها مما يؤدي إلى انتعاش السوق المالية الأميركية على وجه الخصوص. وإذا انخفض سعر النفط تستفيد الحكومة الأميركية لأن أميركا أكبر دولة مستوردة للنفط في العالم إذ تشتري يومياً عشرة ملايين برميل، وعندما يكون السعر للبرميل رخيصاً فإن مخزونها النفطي يزيد وتصبح وكأنها دولة نفطية مع أنها ليست كذلك، فهي منذ عام 1977م تشتري كل يوم ما يزيد عن السبعة ملايين برميل نفط يومياً في السبعينيات وعشرة ملايين حالياً، ومع ذلك فإن المخزون النفطي الاستراتيجي لها لا يكفي لمدة تزيد عن شهرين فقط.

         إن تزايد الصراع على منطقة الخليج من قبل أميركا وشركائها راجع إلى ثلاثة عوامل رئيسية وهي:

 1 ـ     نضوب النفط في مناطق نفطية كثيرة في العالم بينما نفط الخليج بحر عائم من النفط كأنه لا ينضب.

 2 ـ     زيادة حاجة العالم للنفط بسبب الزيادة في النمو الاقتصادي.

 3 ـ     عدم توفر مصادر بديلة للطاقة حتى العقود الثلاثة القادمة على الأقل.

         إن هذه العوامل جعلت منطقة الخليج مستهدفة من قبل أميركا والدول الكبرى الأخرى لأنها المنطقة الوحيدة في العالم القادرة على استمرار إنتاج النفط بغزارة لسد العجز وتلبية الطلب لذلك تخطط الدول الكبرى لاستخراج ما لا يقل عن 30 مليون برميل حتى سنة 2005م و34 مليون برميل سنة 2010م و50مليون برميل حتى سنة 2020م لأنه إذا لم يحصل ذلك فإن العالم يتعرض لأزمة حقيقية تشل الحياة الاقتصادية والصناعية له، وهذا يفسر السبب الحقيقي لهذه الهجمة المسعورة للشركات النفطية الكبرى على نفط الخليج، وهذا يفسر أيضاً سبب إبرام الشركات النفطية العقود طويلة الأمد مع السعودية والكويت والإمارات. فلقد اندفعت بشكل مفاجئ أربع شركات أميركية وهي تكساكو وشيفرون وأكسون موبيل وكوموكو ومعها شركات فرنسية وبريطانية وهولندية وإيطالية على الكويت لتطوير حقول نفطية جديدة.

         ولم تكتف هذه الهجمة الشرسة على النفط فقط بل تعدتها إلى الغاز، فالسعودية الآن تفاوض عشراً من كبريات الشركات الأميركية والبريطانية والفرنسية على إنتاج الغاز وبيعه وتسويقه باعتبارها خامس أكبر دولة عندها احتياطات من الغاز الطبيعي.

         إن تعاقد دول الخليج مع الشركات النفطية لعقود طويلة من الزمن يعيد سيطرة الدول الأجنبية الفعلية على مصادر الطاقة بعد أن تم التخلص منها وعودة هذه السيطرة مجدداً تأتي بحجة سياسات الإصلاح التي يتبناها الحكام وعلى رأسهم ولي عهد السعودية عبد الله الذي يتبنى سياسة إصلاحية جديدة تقضي بتحرير اقتصاد السعودية من تأميم الحكومة للنفط في السبعينيات وإتاحة المجال للقطاع الخاص الأجنبي بتملك حقوق الامتياز والحيازة والاستثمار بداخل السعودية.

         إنه لمن المؤلم حقاً أن نرى السعودية ـ وهي أكبر منتج للنفط في العالم ـ تهدر نفطها وغازها ومرافقها في الداخل كالاتصالات والمياه والكهرباء بمنحه للأجانب بحجة الإصلاح، وهي ما زالت حتى الآن دولة مدينة. وإنه لمن المخزي حقيقة أن تمتثل دول منظمة الأوبك وعلى رأسها السعودية والكويت لأوامر وزير الطاقة الأميركي بيل ريتشاردسون بكل بلاهة وصفاقة لرفع الإنتاج وتقرير سعر البرميل. وفي هذا العام فقط تدخل ريتشاردسون ثلاث مرات في تحديد السعر وفي كمية الإنتاج وكان آخرها في ما سمي “بمنتدى الرياض لتفاهم أفضل بين الدول المنتجة والمستهلكة للنفط” حيث قرر ريتشاردسون على المجتمعين أن سعر البرميل يجب أن يكون ما بين 20 ـ 25 دولاراً واستجاب له وزير النفط السعودي النعيمي صاغراً بقوله: “بأن سعراً للبرميل بين 22ـ28 دولاراً هو سعر مقبول من جانبنا وبذلك لا يكون الفارق بيننا كبيراً”.

         إنه منذ بداية هذا العام فقط زادت أوبك إنتاجها بـِ 3.7 ملايين برميل يومياً انصياعاً لأوامر وزير الطاقة الأميركي وهذا يظهر مدى عمالة وخيانة حكام الخليج لأميركا والغرب، وعندما يطلب من هؤلاء الحكام الأنذال أن يستعملوا السلاح في المعركة ضد أميركا وإسرائيل تسمع منهم تصريحات جبانة ووقحة كتصريح وزير الخارجية الكويتي الذي قال: “أعتقد أنه ليس من مصلحة العالم العربي أن يوقف البترول الآن لأننا نحن سوف نجوع أكثر من الآخرين”.

         أي جوع يتحدث عنه هذا المترف المتبطر المتنعم الذي يخوف به عباد الله…؟! إنه ليس الجوع بل هو الجبن والخزي والخيانة والعار والمذلة.

         إن صنبور النفط الذي يمد العالم بأسباب الطاقة وأسباب الحياة ما زال بأيدينا نحن المسلمين وليس في يد أميركا ولا غيرها من دول الكفر الكبرى، لكن العملاء من حكام البلاد العربية والإسلامية أبوا إلاّ أن يسلموه للكفار، فهاهم يحاولون الرجوع بنا إلى عهد ما قبل تأميم النفط ولكن بتسميات جديدة وصيغ جديدة وتلفيقات جديدة.

         لم يدرك هؤلاء الحكام بعد أن النفط من المعدن العِدّ الذي لا يجوز أن يملكه أفراد مسلمون فكيف بشركات الكفار التي تكسب من نفطنا مئات الأضعاف مما تكسبه حكومات الخيانة في بلادنا؟

         لقد استرجع الرسول صلى الله عليه وسلم أرضاً باليمن من أبيض بن حمّال عندما تبين له أن فيها المعدن العِد ما يدل على أن المعدن العدّ ملكية عامة للمسلمين وأن للدولة فقط حق إنتاج وتصنيع وبيع النفط بما يلبي مصالح المسلمين لا مصالح أميركا ودول الكفر الكبرى.

         إنّ النفط سلاح فعال، ومن الخطورة بمكان أن يمكَّن الكفار من الهيمنة عليه، بل على الأمة أن تحرص على الإمساك به بأيديها لا بأيدي الغرب الكافر وعملائه، ولتقف في وجههم بصلابة (وَلَيَنْصُرَنَّ الله مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *