العدد 208 -

السنة الثامنة عشرة جمادى الأولى 1425هـ – حزيران/ تموز 2004م

كلمة الوعي: التعامل مع أميركا يمكن لها ويحقق أهدافها

إن أميركا تعمل على ترتيب البيت العراقي بما يتناسب مع سياستها، ويحقق أهدافها في المنطقة. ومن هذا الباب، كان اختيار إياد علاوي، لترؤس الحكومة المقبلة، وهو عميل للاستخبارات الأميركية (سي أي إيه)، وعلى علاقة وثيقة بأجهزة استخبارات في دول عدة، وهذا ما جعله يعتبر عند أميركا ضمانة لضبط التدهور الأمني الذي يكلفها خسائر بشرية ضخمة (بلغ عدد عمليات المقاومة ضد الأميركيين 60 عملية في اليوم الواحد، حسب تصريح مسؤولة الأقلية الديمقراطية في الكونغرس) وخسائر مادية ضخمة (بلغت حوالي 200 مليار دولار) وهذا ما يهدد الوجود الأميركي في العراق، ومستقبل بوش في واشنطن. وهذا ما يفسر تصريحات علاوي الأولى التي تكشف طبيعة مهمته، فقد قال: “نريد أن تبقى القوات المتعددة الجنسية في العراق لبعض الوقت، إلى أن يصبح العراق قادراً على معالجة مشاكله الأمنية” وأضاف: “ستكون هناك قوة تحالف بتفويض من مجلس الأمن” وعن موعد مغادرتها العراق قال: “إن ذلك يعتمد على طول الفترة التي يستغرقها تقييم الحكومة الجديدة لما لديها من قوات أمن أو جيش… ونأمل أن يتحقق ذلك في أسرع وقت ممكن”. أي لسنوات حسب تصريحات المسؤولين السياسيين والعسكريين الأميركيين…
هكذا يجري ترتيب الوضع الأميركي في العراق، بواسطة عملاء، تريد أن تبقى من خلالهم، وتحكم من خلالهم، وتحوّل عمليات المقاومة العراقية المسلحة ضد قوات الأمن العراقية، بدلاً من أن تكون ضد جنودها ووجودها، وتسعى لأن تجعل المقاومة غير شرعية، والحكم العميل لها هو الشرعي…
إن اختيار علاوي فَرَضَهُ الديكتاتور بريمر، كما بات يوصف، وليس من الأخضر الإبراهيمي ممثل الأمم المتحدة وحده، الذي اندهش من الطريقة التي أعلن فيها مجلس الحكم اختياره. في حين أعلن مسؤول أميركي أن اختيار علاوي تم بإجماع مجلس الحكم، وبتوجيه من الإبراهيمي، وحاول جاهداً أن يؤكد للعراقيين أن عملية الاختيار تمت عبر عملية ديمقراطية، وأن الإبراهيمي قادها وليس الأميركيين.
إن الفترة التي ستلي تعيين الحكومة المطبوخة على الطريقة الأميركية، ستشهد ولادة الهيئة العليا التي ستتكون من 50 – 65 عضواً معيناً من قبل أميركا، وستدعو هذه الهيئة إلى مؤتمر وطني موسع في تموز يحضره 1000 – 1500 شخصية عراقية ستختارهم أميركا، وسينبثق عنه المجلس الوطني الذي سيضم 100 – 150 شخصية تسميهم أميركا… وهكذا حتى تتوصل في النهاية إلى وجود حكم عميل لها، مفروض على المسلمين كسائر الحكام… هكذا يُصنع حكام المسلمين ويُختارون… وكل هذا تحت اسم الديمقراطية والانتخابات الحرة، وإيجاد عراق حر. ويقاس على ما تفعله أميركا في العراق، ما تطرحه في قمة الـ8 التي تعقد في جورجيا، فيما يتعلق باستعمار المنطقة، تحت ستار الإصلاح لمواجهة الإرهاب أي الإسلام بنظرهم. والإصلاح الذي يريدونه هو عبارة عن فتح أجواء المسلمين على الفساد والانحلال الخلقي وتسويق طريقة العيش الغربية…
مخطئ من ظن أن لأميركا قولاً، أو عهداً، أو شرفاً. لقد أثبت حكام أميركا للعالم كله، أنهم أكذب مَنْ عليها، وأنه لا مصداقية لهم على الإطلاق. وقد مارسوا الكذب والخداع بشكل مكشوف، وارتكبوا أبشع المجازر، وانتهكوا أبسط حقوق الإنسان، ومارسوا أبشع أنواع التعذيب بحق المسلمين، بوصفهم مسلمين، بأوامر من بوش ورامسفيلد، ورايس، وأشكروفت، وباول، وكل المسؤولين الأميركيين، مَنْ لم يأمر منهم كان عالماً بالأوامر، فليس في كل ما تقوم به أميركا أو تصرّح به أدنى مصداقية، فلا هي ديمقراطية كما تدعي، ولا هي مع الحريات، ولا مع نصرة الشعوب المستضعفة، ولا مع حقوق الإنسان، ولا مع القانون الدولي… إنها فقط مع مصالحها، وفي سبيل ذلك تدوس على كرامات الشعوب، إنها مع شريعة الغاب، إنها الوحش الذي يفتقد الحق والعدل… هذا ولا يخفى أن أميركا واحدة في تفكير حكامها، وأنها لا تنظر إلى غيرها إلا بعين الاستعمار، والاستحمار، والاستعباد، والاستعلاء…
هذا هو بوش وزمرته، الذين يزعمون التدين… وهذا هو دينهم الذي ينطق بباطله أمام العالم… لقد سقط بوش، وأسقط معه أميركا، وجعلها تُمْنى بفشل حضاري واستراتيجي، ولن تنفع معه كل محاولات التجميل، ولا لجان التحقيق… لقد استطاع أن يعرقل بغبائه، وبصلف وجبروت مساعديه، خططَ أميركا للتفرد في حكم العالم… ولعل هذا الذي أغاظ السياسيين والمفكرين الأميركيين، على مختلف انتماءاتهم السياسية والحزبية، من الديمقراطيين، ومن شريحة واسعة من الجمهوريين، التي باتت ترى أن البوش هذا يضر أكثر مما ينفع.
إن وضع أميركا في العراق في مأزق، ووضع بوش الانتخابي في خطر، ومطلوب من العراقيين العملاء أن ينقذوها، ومطلوب من حكام المسلمين، الذين يخافون أميركا، ولا يخافون الله، أن ترسل قوات تحت اسم (المتعددة الجنسيات)، ليشكلوا دروعاً تحمي الوجود الأميركي… إن البشر، والحجر، والشجر، وكل شيء في العراق، يكره أميركا… إلا تلك الفئة التي يغريها الجلوس على كرسي الحكم، والسير على السجادة الحمراء. إن مَثَلَ هذه الفئة كمثل الحكام الذين يحكمون المسلمين، سواء في العمالة، وسواء في تغطية جرائم أسيادهم… إنهم هم من يمد في عمر أميركا في العراق، إنهم أولئك العملاء الذين لا يقر خيانتهم عرف ولا قانون، فكيف بالإسلام الذي يعتبر ذلك من أكبر الكبائر، إنهم من ستضاف أسماؤهم إلى أبي رُغال، وستصب عليهم اللعنة إلى يوم الدين.
وأخيراً نقول إن نجم أميركا في أفول، وشمس الأمة الإسلامية في شروق وارتفاع رغم كل العوائق التي تصنعها الدول الكافرة المستعمرة، وعملاؤها في بلاد المسلمين، وكل الدلائل تشير إلى ذلك ﴿ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ﴾

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *