العدد 214 -

السنة التاسعة عشرة ذو القعدة 1425هـ – كانون الأول 2004م

الاجتهاد الجماعي

الاجتهاد الجماعي

في خضم الواقع الأليم المبعثر الذي يعيشه المسلمون، يُطرح موضوع «الاجتهاد الجماعي» بحجة إخراج المسلمين من حال الفوضى الفكرية التي تشهدها ساحتهم، ولضبط الآراء والأفكار والأحكام الشرعية، وجعلها لا تخرج عن إرادة الحكام غير الشرعيين المفروضين على الأمة، وبالتالي لا تخرج عن إرادة أسيادهم من حكام الغرب، وعلى رأسهم أميركا.
وهذا الطرح يتناول الاجتهاد في المسائل التي تهم عامة المسلمين. فبدلاً من أن يبادر القائمون على هذا الطرح إلى طرح وجوب إيجاد الخليفة المسلم الذي يرفع، بتبنيه للأحكام الشرعية التي تهم عامة المسلمين، الخلاف، نراهم يأخذون من الحاكم مهمته. بل أكثر من ذلك سكت هؤلاء عن وجود الحكام غير الشرعيين، بل أكثر من ذلك سمحوا لهؤلاء الحكام أن يفرضوا عليهم ما يرونه هم لا ما يراه الشرع، بل أكثر من ذلك، ما يراه أسيادهم، ولتصبح فتاوى واجتهادات أميركية أو غربية بامتياز.

بعض تعريفات المنادين به:
– استفراغ أغلب الفقهاء الجهد لتحصيل ظن بحكم شرعي بطريق الاستنباط، واتفاقهم جميعاً أو أغلبهم على الحكم بعد التشاور.
– وسيلة من الوسائل الموصلة إلى تشكيل رأي جماعي موحد حول قضية من القضايا ذات الطابع العام.
– اتفاق أغلب المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في عصر من العصور على حكم شرعي في مسألة.
– اتفاق أغلبية المجتهدين، في نطاق مجمع أو هيئة أو مؤسسة شرعية، ينظمها ولي الأمر في دولة إسلامية، على حكم شرعي عملي لم يرد به نص قطعي الثبوت والدلالة، بعد بذل غاية الجهد فيما بينهم في البحث والتشاور.
– تخصيص مهمة البحث واستنباط الأحكام بمجموعة محدودة من العلماء والخبراء والمتخصصين، سواء مارسوا ذلك بالشورى المرسلة، أم في مجلس يتشاورون فيه ويتداولون، حتى يصلوا إلى رأي يتفقون عليه أو ترجحه الأغلبية، ويصدر قرارهم بالشورى ولكنه يكون في صورة فتوى.
– عبارة عن العملية العلمية المنهجية المنضبطة التي يقوم بها مجموع الأفراد الحائزين على رتبة الاجتهاد في عصر من العصور؛ من أجل الوصول إلى مراد الله في قضية ذات طابع عام، تمس حياة أهل قطر، أو إقليم، أو عموم الأمة، أو من أجل التوصل إلى حسن تنـزيل لمراد الله في تلك القضية ذات الطابع العام على واقع المجتمعات، والأقاليم، والأمة.
– هو التشاور فيما وصل إليه أفراد المجتهدين.
– تشاور أهل العلم في القضايا المطروحة، مع وجود أصحاب الاختصاص في المسألة المعروضة.
بعض المنادين به:
محمد عبده، بديع الزمان النورسي، ابن عاشور، مصطفى الزرقا، مصطفى شلبي، محمد يوسف موسى، محمود شلتوت، يوسف القرضاوي، زكريا البري، محمد عمارة.
وجه الحاجة إليه عند بعض المنادين به:
– لأن الاجتهاد الفردي غير مأمون العاقبة في هذا العمل الخطير.
– تجنباً للوقوع في الزلل في حالة الاجتهاد الفردي، وخشية وجود خلل في شروط قبول الاجتهاد.
– التحديات والنوازل أكبر من أن يُتصدى لها باجتهادات فردية متَّسمة بالمحدودية والجزئية.
– لا بد لنا اليوم من أسلوب جديد للاجتهاد، وهو اجتهاد الجماعة المنظم؛ ليحل محل الاجتهاد الفردي في القضايا الكبرى.
– ضماناً لسلامة وحدة الأمة، وترابط أبنائها، وتضامن شعوبها.
أقوال بعض المنادين بالاجتهاد الجماعي في الاجتهاد الفردي:
منهم من يقول إن الاجتهاد الفردي هو أصل الاجتهاد الجماعي، ولكن لفت نظري بعض آرائهم في الاجتهاد الفردي ومنها:
– لأن التاريخ أثبت أن الفوضى التشريعية في الفقه الإسلامي كان من أكبر أسبابها الاجتهاد الفردي.
– ومنها ما يتعلق بمعاملاتهم بعضهم مع بعض، واختلاف الأحكام في هذا مجافٍ للنظام ومجانب للعدل، وخاصة في البيئة الواحدة والبيئات المتماثلة.
– ثم إن الاجتهاد الفردي غير منتج في وضع القوانين، بل يكاد يكون محالاً أن يقوم به فرد أو أفراد، والعمل الصحيح المنتج هو الاجتهاد الجماعي.
– وأعتقد أن الذين يحترمون عقولهم، ويعرفون مقدار تعقد الواقع ومشكلاته، يعرفون أن صنع القرار لا بد له من جهود جماعية.
حكمه عند بعضهم:
– حاجة ملحّة.
– ضرورة.
– ينبغي الانتقال إليه.
– مشروع.
أدلتهم:
– قوله تعالى: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾[النساء 83] قال القرضاوي في حلقة على قناة الجزيرة بعنوان “الفقه الإسلامي في مواجهة التطور” بتاريخ 12/1/2003: “أولو الأمر هذا هو الاجتهاد الجماعي”.
– قرار خروجه صلى الله عليه وسلم إلى بدر، واختيار ملاقاة العدو بدلاً من ملاقاة العير، كان التزاماً منه صلى الله عليه وسلم بذلك الرأي الذي ترجح لدى غالبية الصحابة الذين شاورهم وحاورهم في هذه النازلة.
– قبوله صلى الله عليه وسلم رأي  بالنـزول في أدنى ماء من بدر.yالقائلين من أصحابه
– مشاورته صلى الله عليه وسلم أصحابه فيما ينبغي أن يفعل في أسرى بدر.
– تشاوره مع أصحابه في الخروج لملاقاة قريش في غزوة أحد، بدلاً من البقاء في المدينة.
– مشاورته ومحاورته أصحابه حول سبل مواجهة تهديدات قريش وحلفائها في الجزيرة في غزوة الخندق.
– تراجعه وتـنازله عن رأيه في مصالحة بني غطفان على ثلث ثمار المدينة.
قال: يا رسولt- ما رواه الطبراني عن علي  الله، أرأيت إن عرض لنا أمر لم ينـزل فيه قرآن، ولم تمض فيه سنة منك؟ قال: تجعلونه شورى بين العابدين المؤمنين، ولا تقضونه برأي خاصة.
– ما رواه الدارمي في السنن عن المسيب بن رافع قال: كانوا إذا نـزلت بهم قضية ليس فيها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أثر، اجتمعوا لها وأجمعوا، فالحق فيما رأوا، فالحق فيما رأوا.
– ما ذكره ابن القيم في أعلام الموقعين قال: قال أبو عبيدة في كتاب القضاء حدثنا كثير ابن هشام عن جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران قال: كان أبو بكر الصديق إذا ورد عليه حكم نظر في كتاب الله تعالى، فإن وجد فيه ما يقضي به قضى به، وإن لم يجد في كتاب الله نظر في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن وجد فيها ما يقضي به قضى به، فإن أعياه ذلك سأل الناس: هل علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيه بقضاء؟ فربما قام إليه القوم فيقولون: قضى فيه بكذا وكذا، فإن لم يجد سنة سنها النبي صلى الله عليه وسلم جمع رؤساء الناس فاستشارهم، فإذا اجتمع رأيهم على شيء قضى به. وكان عمر يفعل ذلك، فإن أعياه أن يجد ذلك في الكتاب والسنة سأل هل كان أبو بكر قضى فيه بقضاء؟ فإن كان لأبي بكر قضاء قضى به، وإلا جمع علماء الناس واستشارهم، فإذا اجتمع رأيهم على شيء قضى به.
– ما ذكره المالقي في الشهب اللامعة قال: نقل عن عثمان بن عفان أنه كان إذا جلس حضر أربعة من الصحابة فاستشارهم، فإذا رأوا ما رآه أمضاه.
– ما رواه ابن سعد في الطبقات عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال: لما قدم عمر ابن عبد العزيز المدينة والياً عليها كتب حاجبه الناس، ثم دخلوا فسلموا عليه، فلما صلى الظهر دعا عشرة نفر من فقهاء البلد: عروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وأبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وأبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، وعبد الله بن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وخارجة بن زيد بن ثابت، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: إني دعوتكم لأمر تؤجرون عليه، وتكونون فيه أعواناً على الحق، ما أريد أن أقطع أمراً إلا برأيكم أو رأي من حضر منكم، فإن رأيتم أحداً يتعدى، أو بلغكم عن عامل لي ظلامة، فأحرّج بالله على أحد بلغه ذلك إلا أبلغني، فَجَزَوه خيراً وافترقوا.
استقصواy- الجويني في الغياثي: إن أصحاب المصطفى  النظر في الوقائع، والفتاوى، والأقضية، فكانوا يعرضونها على كتاب الله تعالى، فإن لم يجدوا فيه متعلقاً راجعوا سنن المصطفى، فإن لم يجدوا فيها شفاء اشتوروا واجتهدوا.
مؤسسات الاجتهاد الجماعي:
– مجمع البحوث العلمية بالأزهر.
– مجمع الفقه الإسلامي بمكة.
– مجمع الفقه الإسلامي بجدة التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
– مجمع الفقه الإسلامي في الهند.
– مجمع الفقه الإسلامي في السودان.
– المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث.
– مجمع علماء الشريعة بأميركا.
– دار التقريب بين المذاهب الإسلامية في مصر.
– المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية في طهران.
– مجمع الحضارة الإسلامية في الأردن.
– جمعية الفقه الإسلامي المقارن والعلوم الإسلامية بالقاهرة.
– اتحاد علماء المسلمين في دبلن – جمهورية إيرلندة.
بعض المنادين بالفقه الجماعي ينتقدون المجامع الفقهية.
– القطان: ولقد كان الأمل أن يغدو هذا المجمع نواة صالحة تنبت الكيان الكامل للمجمع العالمي المطلوب، لولا وقوعه منذ تأسيسه تحت نفوذ النظام الحاكم وتوجيهه.
– الدسوقي: ولكنه في العقد الأخير لم يقدم شيئاً ذا بال، وظلت موضوعات كالتأمين معلقة منذ نحو أربعين عاماً، لم يقل المجمع فيها كلمته.
– قطب مصطفى سانو: إن نظرة متفحصة في موقف الجماعة الإسلامية عامة، وخاصة من قرارات المجامع، تهدينا إلى تقرير القول بأنها لا تصل في واقع الأمر إلى القاعدة العريضة من المسلمين، ويكاد أن يكون الالتزام بتلك القرارات شبه معدوم في الأوساط الإسلامية، بل هي في معظم الأحوال مجهولة وغير معروفة لعامة أهل العلم في كثير من البلدان الإسلامية. ولعل موقف الدول الإسلامية عن بكرة أبيها من ذلك القرار الذي أصدرته المجامع الفقهية، إزاء تحريم تعامل المصارف والبنوك في البلاد الإسلامية بالربا، خير شاهد على عدم توافر قرارات وآراء المجامع على المشروعية العملية في واقع الناس، بل إن معظم قراراتها تذهب مع أدراج الرياح، كما أن عدداً من أهل العلم في بعض الأقطار الإسلامية لا يلقون بالاً ( بتلك ) القرارات والاجتهادات التي توصل إليها مجتهدو المجامع؛ ولذلك فإنهم يفتون في كثير من الأحيان بخلاف الاجتهادات التي توصلت إليها المجامع الفقهية.
بعض اقتراحاتهم في كيفية التطبيق وجعل الاجتهاد الجماعي ملزماً.
– توعية شاملة للأمة.
التوجه إلى أولياء أمور المسلمين لبيان أهمية الالتزام بمنهج الله.
– توجيه رسالة إلى القائمين على شؤون الإعلام لتطهيره من الرجس الحاصل.
– توسيع نشاط المجامع الفقهية عن طريق التخصصات.
– إنشاء مجلس شورى علمي إسلامي، أو لجنة إسلامية عليا للاجتهاد.
مشروع يجمع مراكز الفتوى الإسلامية عبر الشبكة العالمية لتحقيق الانسجام بين الفتاوى الصادرة.
– الإلزام يحتاج إلى سلطة لا يملكها المجمع.
– الاكتفاء بمجمع فقهي دولي واحد، وتحويل بقية المجامع الفقهية إلى مجامع فرعية للمجمع الفقهي الدولي.
– أجل إننا لنعلم بأنه ليس من الوارد أن يتقبل هذا الاقتراح بترحاب عارم، ولكن يكفينا أن نبسطه ونعرضه للدراسة والتحقيق، فإن وجد فيه ولاة أمور المسلمين خيراً وصلاحاً لمستقبل وحدة الأمة وجمع كلمتها كان لهم الأخذ به، والعمل على تحقيقه في أرض الواقع، وإن وجدوا غير ذلك فإن عذرنا أنا حرصنا على وحدة الأمة، وجمع كلمتها، وتوحيد صفها.
– الاجتهادات أقوال نظرية تحتاج إلى تنفيذ وتحقيق في واقع حياة المسلمين. وهذا يحتاج إلى توعية شاملة للأمة، بغرس الإيمان في قلوب الناس، وتوجيههم إلى معرفة الله ومحبته، وإرشادهم إلى الهدف الأصلي والغاية الكبرى من وجودهم ألا وهي عبادة الله تعالى.
دعوة أصحاب القرار ( بالاستفادة ) من مقررات الاجتهاد الجماعي في المسائل الاجتماعية العامة، حتى يكون لتلك المقررات صفة الإلزام، تبعاً لقاعدة حكم الحاكم يرفع الخلاف.
– والاجتهاد هنا إنما يفيد فائدة عملية إذا اتجه وجهة جماعية، بأن تكون هناك جماعة من المجتهدين ينظرون فيما جد من الحوادث، ويستنبطون -مستعينين بأنوار من آراء السابقين- ما يلائم أحوالهم من الأحكام، وتكون أحكامهم هذه نافذة في الناس، يلزمون جميعاً باتباعها، ويحكم القضاة بمقتضاها.
– القيام بالتحقيقات في الحوزات العلمية التي تنتج اكتشاف المساحات المشتركة بين الشيعة والسنة.
– إقامة المؤتمرات المشتركة مع المجامع العلمية في أنحاء العالم والتي تعمل على تحقيق هذا التقريب.
– الحضور في المؤتمرات الدولية الإسلامية.
– تطوير مؤتمر الوحدة الإسلامية.
– إنشاء جامعة التقريب بين المذاهب في طهران.
نحن ندعو إلى وحدة في الموقف العملي الذي يجب أن يكون واحداً مهما اختلفت الأفكار. وهذا الموقف تارة في قبالة العدو، وأخرى تجاه القضايا الأساسية المشتركة في هذه الأمة.
أولاً: أن يكون أمر تحديد الشروط التي يجب تحققها في المجتهدين، واختيارهم من أهل الذكر والعلم والصلاح، موكولاً لولي الأمر المسلم، الذي يتولى بمقتضى رياسته حراسة الدين وسياسة الدنيا به، والذي ينوب في ذلك عن الأمة التي اختارته ورضيت به ولياً عليها ووكيلاً عنها، ومسؤولاً أمامها وأمام الله من قبل ذلك، مع العناية والدقة في اختيارهم ممن تحققت فيهم أهلية الاجتهاد.
ثانياً: أن يكون بجانب هؤلاء مستشارون وخبراء في كل علوم الحياة وفنونها للرجوع إليهم في حدود اختصاصهم.
ثالثاً: أن يؤخذ عند اختلاف آراء المجتهدين برأي الأكثرية، فإنه أقرب للصواب.
رابعاً: أن يأمر ولي الأمر بتنفيذ هذا الرأي في المسائل الاجتماعية العامة حتى تكون له الصفة الملزمة؛ وإن من المقررات الإسلامية أن حكم الحاكم يرفع الخلاف بين العلماء.
هذه فكرة موجزة عن الاجتهاد الجماعي وما يتعلق به نقلتها بألفاظها عن أصحابها المنادين بها.

[يتبع]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *