العدد 214 -

السنة التاسعة عشرة ذو القعدة 1425هـ – كانون الأول 2004م

نظام النقد الدولي : اليورو يزاحم الدولار 11

نظام النقد الدولي : اليورو يزاحم الدولار 11

مع استمرار الاضطراب النقدي، وتجاوز سعر أونصة الذهب إلى أضعاف السعر الحر (حوالي 155 دولار للأونصة)، لم يعد هناك اتفاق على سعر ذهبي للدولار، بل أصبح غير موضع ثقة للمتعاملين. وبدخول اليورو إلى حلبة السوق المالي والاقتصادي، اهتز عرش الدولار كثيراً، وبدأ اليورو يزاحم الدولار:

في بداية العام 2000 كان اليورو يشغل في أسواق السندات، حسب دراسة البنك المركزي الأوروبي، حصة من السندات المكتتبة باليورو تساوي 41.5%، وهي تقترب من حصة السندات المكتتبة بالدولار وهي 42.5%. أما بالنسبة إلى المكتتبين الخارجيين بالأسهم في منطقة اليورو فقد ارتفعت نسبتهم من 21.7% عام 1999 إلى 30.4% في حزيران 2003، في حين تراجع المكتتبون بالدولار من 46.8% إلى 43.7%، والمكتتبون بالين من 16.6% إلى 10.5%.
وهذا يعني أن هذه الطفرة لليورو توفر للمؤسسات الأوروبية ميزة مهمة وواسعة، في سوق الأسهم والسندات، ذات سيولة ومن دون مخاطر قطع.
كما يشكل صعود اليورو فرصة مناسبة للمصارف، وفي هذا المجال تشير دراسة البنك المركزي الأوروبي إلى أن القروض باليورو زادت من 19.6% إلى 24.6% من حزيران 99 حتى كانون الأول 2002، فيما تراجعت القروض بالدولار من 55.2% إلى 53.2%.
كما أن اليورو أصبح يستعمل كعملة حسابات وفوترة للمبادلات، وقد بلغت حصته في الصادرات الأوروبية 50%، والواردات 45%، وهذا ما يشكل فائدة للمؤسسات الأوروبية، غير أن مكانة اليورو في مجمل التدفقات التجارية العالمية ستبقى متواضعة (بين 10 و15% مقابل 40% للدولار) ومن ناحية أخرى، فقد زادت حصته في احتياطات المصارف المركزية من 12.7% في نهاية 99 إلى 18.7% في نهاية 2002، ومع ذلك تبقى حصة اليورو بعيدة جداً عن حصة الدولار (64.5%) وفق آخر إحصاءات صندوق النقد الدولي. ويرى أحد الخبراء أن اليورو يسجل خطوات متقدمة على الساحة الدولية.
إن إجمالي احتياطات المصارف المركزية الأوروبية يصل إلى ألفي مليار دولار، في حين أن حجم المبادلات اليومية في سوق القطع يبلغ (1200) مليار دولار، ولذلك فإن أي إجراءات، لكي تكون مؤثرة في الأسواق، يجب أن تقوم على عمل مشترك ومنسق في أوروبا، حتى لا يكون تراجع الدولار عاملاً مشجعاً للصادرات الأميركية, ولاسيما بالنسبة للصناعيين، وهؤلاء بدورهم يتعاطفون مع الحزب الجمهوري، فهم إذن محل اهتمام الرئيس بوش الرئيس الجمهوري الآن.
ولذلك فإن الدولار يترنّح عن عرشه العالمي الذي كان فريداً فيه عشرات السنين. وما ضاعف من أزماته هو ما تعرض له الاقتصاد الأميركي مؤخراً. ففي أقل من عامين تعرض الاقتصاد الأميركي إلى هزات ثلاث:
الأولى: في عام 2001، وهو بداية الانهيار المالي لشركات التكنولوجيا التي عرفت باسم شركات (وادي السلكون) وهي شركات صناعة المعلومات والإنترنت القائمة على صناعة أشباه الموصلات، وهي مخ الكمبيوترات، والإنترنت، وقيادة ما سمي ثورة الاتصالات والمعلومات.. إلا أن تشبع الأسواق.. والمبالغة في تقدير الأرباح، أدى إلى بداية الخسائر في عام 2001، وتم تسريح (25) ألف عامل، وهو أكبر كم من الوظائف يتم فقده في هذا القطاع خلال (9) سنوات، وأغلقت (500) شركة أبوابها، وهو ضعف الذي أفلس عام 2000.
الثانية: كانت في 11 أيلول سنة 2001، وهذا الحدث كان له تأثير كبير على الاقتصاد الأميركي، وتداعياته ما زالت مؤثرة حتى الآن، وطالما استمرت التهديدات للقيام بعمليات أخرى، مما قوض عنصراً مهماً، وهو عنصر الأمن للمجتمع الأميركي.
الثالثة: وهي سلسلة فضائح وانهيارات الشركات الكبرى، والتي استمرت طويلاً، وهذا الانهيار في الشركات يتوازى مع انهيار في الأسهم في البورصة، وتدهور سعر الدولار.
وخلاصة القول إن الدولار أصبح له مزاحم وهو اليورو، ومع ذلك فإن أزمة النقد العالمية ستبقى مستعرة؛ لأن النقد الورقي، وبخاصة الدولار، لا قيمة ذاتية له، حيث لا غطاء ذهبي له، وكذلك اليورو، وإن كان نص قانون إنشائه على نسبة من الذهب في المصرف الأوروبي، لكنها ليست غطاء بقدر ما هي احتياط معنوي؛ ولهذا فالأزمات في النقد ستبقى مستمرة؛ لأن قيمة النقد الورقي معنوية، تتوقف على قدرة الدولة صاحبته على دعمه بنفوذها وثقلها، وأية أزمات سياسية أو اقتصادية أو عسكرية، نتيجة الصراعات الدولية، كل ذلك سيضرب الثقة بالنقد الورقي. إن الأصل أن لا يتحكم نقد ورقي محلي لدولة ما في نظام النقد الدولي؛ لأن هذا يؤدي إلى هيمنة الدولة التي تصدره على باقي الدول المتعاملة به، وهذا مشاهد محسوس في تصرفات أميركا الوحشية، وسياستها الاستعمارية.
وأخيراً هل ستبقى أميركا هكذا، جامحةً في غلوائها، سادرة في غطرستها، فاغرةً فاها لتبتلع العالم، وتلتهم خيراته، وتستأثر بثرواته، وتستعبد دوله وشعوبه؟ إلى متى سيظل العالم هكذا؟ ودوله وشعوبه تتطلع إلى الخلاص والانعتاق من ربقة الاستعمار؟ أما آن للشعوب المتطلعة إلى السيادة أن تحطم القيود وتخترق السدود والحدود؟
إن العالم، وقد أرهقته تدخلات صندوق النقد الدولي، وهيمنة الدولار، يبحث عن ملاذ يقيه تسلط هذه المؤسسات المالية، إن العالم ينتظر ميلاد دولة مبدئية، ذات عقيدة صحيحة، وتشريعات صادقة. إن الأمر يتطلب مواقف جدية حازمة، وتضحيات جسام، لإحداث هزات سياسية، توجه بها ضربات موجعة أولاً، ثم قاتلة فيما بعد لسياسة أميركا، ونفوذ وهيمنة أميركا، والدولار الأميركي، ولا تكون تلكم الهزات إلا إذا تناولت ما يلي:
1 – أن يبدأ بضرب الدولار، والإطاحة به عن عرشه، وذلك بإعلان فرض نظام (قاعدة الذهب) عالمياً.
2 – أن يعمل على أن تكون أسواق العالم الثالث غير متاحة لصادرات أميركا، وللشركات الأميركية، بل يجب أن تغلق أمامها.
3 – المعركة الحامية الدامية على منابع البترول، وتصفية الحساب مع الشركات البترولية على أي وجه كان، المستغلة لثروة المسلمين، سرقةً، ونهباً، وتحكماً بيعاً وشراءً.
4 – عدم الاعتراف بشرعية صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وكافة المؤسسات المالية، كأسواق البورصات، ونوادي المال، وغيرها، ثم فضحها، وكشف مساوئها والتشهير بها، وبيان خطورتها، وتفصيل الأدوار التي قامت بها في تسلطها على الدول النامية.
5 – تصفية رؤوس الأموال المستثمرة في بلاد المسلمين، والمقايضة عليها بما انتهبته الدول المستعمرة من ثروات بلاد المسلمين، وامتصت دماءهم، واستعبدتهم، وأذلتهم.
6 – إسقاط كافة الديون التي تغل أعناق الدول القائمة في العالم الإسلامي، التي تنضم إلى دولة الخلافة، والمطالبة بالفوائد التي دفعت (رباً) لجدولة تلك الديون، والتي تزيد مئات المرات عن الدين الأصلي. ولا ننسى أن مقدار الديون على العالم حتى ستة 1999 هي: (2 تريليون و180 مليار دولار).
إننا ندرك أن ضرب الدولار وإزاحته عن عرشه يعني ضرب الولايات المتحدة الأميركية وإزاحتها عن موقعها الدولي، وهذا يعتبر مقتلا فظيعاً لها ستحاربه بكل ما أوتيت من قوة؛ ولهذا فليست أية دولة تستطيع إزاحة الدولار وإعادة العالم إلى القاعدة الذهبية.
إن الدول التي يتحكم فيها المبدأ الرأسمالي، كما هو واقع الدول الكبرى اليوم، التي هي مظنة التصدي لأميركا، هذه الدول وفق المبدأ الذي تحمله (المبدأ الرأسمالي)، مقياسها المنفعة، وعقلها للأمور هو الحل الوسط، وليس الخطأ والصواب؛ ولذلك فإن هذه الدول إزاء جبروت أميركا وعنجهيتها لا تسير في شوط مجابهتها إلى هداه، بل تقف في منتصف الطريق أو ربعه، وتميل بالحل الوسط مع أميركا رغبة أو رهبة، ويبقى الدولار مهيمناً فاعلاً حتى وإن كسرت بعض قوائمه، وتكتفي هذه الدول بذلك، وبخاصة وأن القاعدة الذهبية ليست أمراً مصيرياً عند هذه الدول.
إن الدولة الوحيدة القادرة على إعادة العالم إلى القاعدة الذهبية، والاستمرار في شوط ضرب الدولار وكل النقد الورقي إلى منتهاه، وإنقاذ العالم من شقاء الرأسمالية الاقتصادية، وتحكم الأوراق النقدية للولايات المتحدة وأتباعها، ونشر الخير في ربوع العالم.
هذه الدولة هي فقط الدولة الإسلامية، دولة الخلافة الراشدة.
فهي أولاً: قائمة على الإسلام، وقاعدة النقد ، فالنقد بهذه الصفةrفيه هي الذهب والفضة، بنصوص ثابتة في كتاب الله وسنة رسوله  حكم شرعي لا مندوحة للدولة من تطبيقه.
وهي ثانياً: قائمة في بلاد المسلمين، الغنية بثرواتها، الزاخرة بخبراتها، يحتاجها العالم أكثر من حاجة بلاد المسلمين إليه. فاحتياط الثروة في بلاد المسلمين يفوق أضعاف ما هو في الدول الأخرى.
وهي ثالثاً: قائمة على أكتاف المسلمين، والمسلمون أمة مجاهدة، لا تخشى في الله لومة لائم، تنصر بالرعب مسيرة شهر، بإذن الله وفضله، فلا تخيفها جيوش العدو وعنجهيته، بل هذه أقل شأناً وأهون عزماً أمام جيوش المسلمين، ووقائع التاريخ شاهدة على ذلك، فجيش المسلمين لا يقهر بإذن الله، بل النصر حليفه، ومكر أولئك هو يبور.
هذه هي الدولة التي تعيد للعالم هناءة العيش، وهي الدولة التي يسعى لها المسلمون امتثالاً  وهي كذلك الدولة التي يتطلع إليها العالمrلأمر الله سبحانه، واتباعاً لهدي رسوله  لإنقاذه من الشقاء الذي تلفها فيه سياسة الاستعمار بأشكاله، وهيمنة الدولار وملحقاته. ولقد أعجبني قول أحد المفكرين في محاضرة له: «… ولذلك فليس فقط وجود دولة الخلافة ضرورة شرعية بل إن ضرورة عيش العالم بسعادة يحتاج دولة الخلافة» وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ملحق رقم (2)
تعريفات:
يمر معنا في الأبحاث الاقتصادية عبارات لها مدلولات معينة واصطلاحات متعارف عليها.
1: – البورصة:
بورصة كلمة فرنسية، تعني المكان الذي يتلاقى فيه رجال البنوك، وسماسرة الكمبيالات، والتجار؛ لإجراء الصفقات التي تتصل بأنشطتهم. وأصبح هذا الإسم يقصد به عادة:
بورصة الأوراق المالية: وهذه عبارة عن سوق منظمة، تتداول فيها الأسهم والسندات وحصص التأسيس. وتتحدد فيها الأسعار طبقاً لمقتضيات العرض والطلب. ويتحدد التداول على صورتين:
1- عمليات عاجلة, وفيها تتم تصفية العملية مباشرة (أو في أجل قريب يتطلبه إتمام الإجراءات المادية) ويتسلم البائع الثمن، ويسلم الورقة المشتراة إلى المشتري. وهذا النوع من العمليات يناسب توظيف الأموال توظيفاً حقيقياً بهدف اجتناء الربح.
2- عمليات آجلة، إذ برغم أنها تعقد مباشرة، إلا أن تصفيتها تؤجل إلى موعد قادم (في العادة 15 يوماً أو شهراً) وهذا النوع يناسب المضاربة.
وتنحصر وظيفة بورصة الأوراق المالية في أنها تعمل على تيسير تداول رؤوس الأموال، فتهيئ للمقترض ائتماناً طويل الأجل، وللمقرض وجهاً يوظف فيه أمواله، كما توفر ركن العلانية للمستثمر عن مركز الشركة المالي، وعن حالة العرض والطلب بالنسبة إلى ورقة أو أوراق مالية. لكن أصحاب الأموال الكبيرة، أي قراصنة المضاربين، يستطيعون أن يؤثروا في سير هذه السوق تحقيقاً لأغراضهم الخاصة. فقد يعمد أحدهم إلى طرح مجموعات من ورقة أو أوراق معينة، فيهبط السعر، وهنا يسارع صغار حملة الأوراق إلى بيعها، فيعود المضاربون الأول إلى شرائها بالتدريج، وينتهي الأمر بتحقيق كسب لهم، وإلحاق الخسائر الفادحة بالآخرين. أي كبار المضاربين يبتلعون صغارهم. والمضاربون في الدول النامية، سواء كانوا بنوكاً، أم شركات تمويلية، أم استثمارية، يكونون محدودي الحجم بالنسبة للمضاربين الكبار، فتقع الأزمات المالية، ويصاب اقتصاد البلدان النامية نفسها بالانهيار، نتيجة ارتباط شركاتها ومستثمريها بالمركز المالي لدى الدولة، وضمانة أو حماية المركز نفسه لها، فتطال اللعبة المركز المالي نفسه للدولة، فتقع الكارثة، ثم تنسحب على دول الجوار نظراً للتشابك الموجود بينها في المعاملات المالية، والتبادلات التجارية.
2:- شركة قابضة:
شركة تملك مقدارً كافياً من أسهم شركة أخرى، بقصد السيطرة عليها. ومثل هذا النوع يمكن أن يخفي حجم الشركة القابضة الحقيقي، ويقف على قمة هرم من شركات أخرى. ففي الولايات المتحدة الأميركية مثلاً فإن سوبر جن يشمل عدة من أولى شركات السكك الحديدية، تبلغ قيمتها (2000) مليون دولار، وكلها يسيطر عليها استثمار (في صورة شركة قابضة) يقل عن (20) مليون دولار .

فتحي سليم

[انتهى]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *