العدد 84 -

السنة السابعة ذو القعدة 1414هـ, نيسان 1994م

«منظمة التجارة الدولية»

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تم وضع الأسس لاتفاقية التعرفات الجمركية والتجارة (غات)، ولكن الحرب الباردة جمدت هذه الاتفاقية. وقبل سبع سنوات بدأت المفاوضات فيما يسمونه بـ «جولة أورغواي». وتركزت هذه المفاوضات بين الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية الغربية وبعض الدول الأخرى. وخلال هذه السنوات السبع وضعوا نصوصاً في 22 ألف صفحة (وزنها 145 كلغ). وهذه النصوص تتحدث عن تنظيم التجارة العالمية.

إن الدول المهتمة بهذه النصوص وهذه الاتفاقات هي الدول الصناعية الغنية التي تتزاحم على الأسواق الاستهلاكية لتسويق منتجاتها وتتزاحم على المواد الخام الرخيصة. الدول النامية (أي المتخلفة صناعياً) والتي يسمونها دول الجنوب هي الضحية في الاتفاق الجديد، وهي ذهبت إلى مراكش ووقّعت، ولكن الغالبية العظمة فيها لم تفهم على أي شيء وقعت. وهي تصرفت مثل قطيع الغنم تسير حيث يسوقها الراعي سواء إلى المرعى أو إلى المسلخ.

وقد انتهى الآن دور اتفاقية (غات) وحل محلها (منظمة التجارة الدولية). وقد وقّع على (إعلان مراكش) هذا    (124) دولة في 15/04/1994 منها تسع دول عربية هي: المغرب ومصر وتونس والجزائر والكويت والبحرين والإمارات العربية المتحدة وقطر وموريتانيا. والتوقيع حصل الآن بالأحرف الأولى، والمطلوب من كل دولة وقعت أن يصادق برلمانها على هذا التوقيع قبل نهاية عام 94. ومع بداية عام 95 أو منتصف عام 95 تصبح سارية المفعول. وقد وصفوها بأنها أعظم إنجاز عالمي خلال 47 سنة. وبعضهم وصفها بأنها أعظم إنجاز في التاريخ. وهذه المنظمة بالإضافة إلى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تفرض السيطرة الكاملة على التجارة المنظمة بالإضافة إلى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تفرض السيطرة الكاملة على التجارة والاقتصاد والمال والنقد والعمالية والزراعة والخدمات والهجرة والقوانين المتعلقة بذلك في العالم.

ووجه الخطر فيها أن لها حق الإلزام، أي أن ما يسمى بالنظام الدولي الجديد صار يشمل هذه الأمور وله حق الإلزام. أي أن الدول المتخلفة وقّعت على صك عبودية جديد يعطي السيادة عليها للدول الصناعية الرأسمالية.

وعلينا نحن المسلمين بشكل خصا أن نلاحظ ما يلي:

1- الدول الغربية الرأسمالية هي التي فرضت النصوص التي تحْكم مسيرة «منظمة التجارة الدولية»، وهذه الدول تحاول فرض مفاهيمها وحضارتها (التي تسميها الليبرالية الديمقراطية) على العالم كله. هناك الآن صِدام حضارات. وقد سقطت الشيوعية أمام الرأسمالية، ويحاول دعاة الرأسمالية إسقاط كل الأيديولوجيات والحضارات وإبقاء الحضارة الغربية وتعميمها على العالم. وقد جاء إنشاء هذه المنظمة في هذا السياق.

2- الحضارة الغربية هذه التي يريدون أن يجعلوها دِيناً للعالم كله، وأن يسنّوها قانوناً ملزماً للعالم كله ينفذونه عليه بقوة مجلس الأمن وبشرعية القانون الدولي الذي تتبناه الأمم المتحدة، هذه الحضارة الغربية هل تصلح فعلاً للمجتمعات البشرية؟ وهل هي فعلاً توجد الاستقرار والعدالة وتمنع المشاكل وتحفظ الحقوق؟ كلاً.

إن الحضارة الغربية مقياسها النفعية، ولذلك فإن الفرد الذي يحمل مفاهيم هذه الحضارة يهتم بفرديته وبشهواته، ويبتعد عن التضحية وعن تحمل المسؤولية حتى لشعبه وأقاربه. وتتحكم فيه الأنانية ويتكالب مع غيره على المصالح.

ثم عن كل شعب من الشعوب التي تحمل مفاهيم الحضارة الغربية همه أن ينازع الشعوب الأخرى على المصالح. ومن هنا نرى أن جميع الشعوب الغربية والدول الغربية هي شعوب ودول استعمارية مصّاصة دماء. وهذا العيب ليس نابعاً من طينة البشر، لأن طينة البشر (أي الفِطرة التي فَطَرَ اللهُ الناسَ عليها) فيها قابلية للبذل والعطاء كما فيها قابلية للطمع والاستيلاء على أموال الآخرين. والعقيدة مع ما ينبثق منها من مفاهيم ومقاييس وقناعات هي التي توجه البشر ليتصرفوا كالوحوش في الغاب أو كالناس المهذبين في مجتمعات راقية. فالعيب الذي نراه متمكّناً من اتباع الحضارة الغربية هو عيب في الحضارة الغربية ذاتها.

3- أتباع الحضارة الغربية يحاولون أن يتظاهروا بالإنسانية والعدالة والشرعية وحفظ الحقوق وتقرير المصير… إلخ. ولكن هذا كذب وخداع. وإذا فعلوا شيئاً من ذلك يكون من أجل الإغراق في التضليل من باب وضع الطعم في الصنارة. ولا تنخدع بتضليلات أتباع الحضارة الغربية إلا كل ساذج. وما أكثر السذّج! وماذا نقول عن ممثلي الدول الفقيرة التي وقعت بالأمس على «إعلان مراكش»؟

إنهم في الوقت الذي كانوا يوقّعون فيه كانت غوراجدا في البوسنة تئن وتستجير، ولكن لا مجير! هيئة الأمم المتحدة كانت قد أعطت أماناً لغوراجدا، هيئة الأمم التي تضم الـ (124) دولة والتي تزعم أنها لها ميثاقاً إنسانياً، ودول مجلس الأمن التي تضمن حفظ الحقوق، والدول الكبرى التي تأخذ على عاتقها إحقاق الحق، ومنظمة حلف الأطلسي التي التزمت استعمال القوة لتأمين الحماية، كل هؤلاء كانوا قد أخذوا على عاتقهم أن يجعلوا غوراجدا منقطة آمنة. فماذا كانت النتيجة؟! حرموا المسلمين من السلاح للدفاع عن النفس (بحجة أن حلف الأطلسي سيدافع عنهم) وغضوا النظر عن الصرب يجلبون الدبابات والمدفعية والصواريخ ولك الأسلحة الثقيلة من صربيا ويقتحمون غوراجدا لتدمير المدينة ومن حولها من قرى ولذبح الناس وترويعهم وتشريدهم. كل ذلك يحصل تحت سمع وبصر الأمم المتحدة ومجلس الأمن وحلف الأطلسي والدول الكبرى. فهل تبقى بعد ذلك ثقة بهذا النوع من البشر؟ هؤلاء هم أتباع الحضارة الغربية، وكل هذا يحصل وهناك 124 دولة توقّع على مواثيق وضعها النوعُ نفسه من البشر! فهل هذا وعي أو سذاجة؟

وقبل ذلك رأينا دول الحضارة الغربية تكيل بمكيالين. رأينا كيف هي عاملت العراق وكيف عاملت اليهود.

بعد هذه الملاحظات التي هي حقائق لا يجوز أن تغرب لحظة عن أنظارنا نعود إلى بعض ملامح «منظمة التجارة الدولية»:

1- ستصبح هذه المنظمة بعد التصديق عليها (في المجالس التشريعية) من الدول، ستصبح منظمة دولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ولها دور عالمي.

2- سيصبح لها صلاحية الإلزام، وهذه سلطة للأقوياء على الضعفاء.

3- من أهم أغراضها تحرير التجارة، أي إلغاء أو تخفيض الرسوم الجمركية، وهذا هو مصلحة محضة للدول الصناعية الغنية.

4- ومن أغراضها فتح الحدود للبضائع القادمة.

5- ومن أغراضها مراجعة القوانين الداخلية في كل بلد بحيث تصبح هذه القوانين متفقة مع نظام المنظمة.

6- ومن أغراضها السماح للاستثمار وتسهيل مهمته وسن القوانين التي تحميه.

7- ومن أغراضها الإشراف على حل الخلافات التجارية الواقعة بين الدول أو المؤسسات أو الأفراد. ولها صلاحية الإلزام في كثير من هذه الخلافات.

8- ومن أغراضها تنسيق السياسات المالية والنقدية والتجارية.

9- ستشمل صلاحياتها قطاع الزراعة وقطاع الخدمات.

10- ستشمل صلاحياتها قطاع الملكية الفكرية مثل حماية الرخص المسجلة وبراءات الاختراع وحقوق التأليف ومنع تقليد البضائع.

11- سيكون لها لجنة تحضيرية تضع جدولاً متسلسلاً للمسائل المعلقة والتي يتعين على المنظمة حلها.

12- من المسائل المعلقة: موضوع البيئة. العلاقة بين التجارة والقوانين الاجتماعية الهجرة (أي انتقال اليد العاملة المرتبطة بالتجارة). النسيج. الخدمات المالية (المصارف والتأمينات). النقل البحري. الإنتاج السمعي والبصري (هذه نقطة خلاف بين الفرنسيين والأميركيين).

بالنسبة للمسلمين فإن معاملاتهم فيما بينهم، وفيما بينهم وبين العالم، جيب أن تكون مأخوذة من شريعتهم ولا يجوز أن يحكّموا في شؤونهم شريعة غير شريعتهم لقوله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} و«منظمة التجارة الدولية» لا تقوم على شريعة الإسلام بل على شريعة كفر، وهي شأنها شأن بقية المنظمات الدولة مثل هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ومحكمة العدل الدولية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، كلها منظمات قائمة على أنظمة كفر فلا يجوز لحاكم مسلم أن يصبح جزءاً منها. وهي فوق ذلك أداة بيد الدول الغربية الماكرة التي لا تحترم شرف العهد ولا الوفاء بالالتزام.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *