العدد 221 -

السنة التاسعة عشرة جمادى الآخرة 1426هـ – تموز 2005م

موالاة الأعداء مذلة في الدنيا وعذاب في الآخرة

موالاة الأعداء مذلة في الدنيا وعذاب في الآخرة


لم تحظَ مسألة في الفقة الإسلامي من الاهتمام والوضوح بمثل ما حظيت به مسألة موالاة الأعداء والتحالف معهم. فهي مسألة أخذت مساحة كبيرة من أبواب الفقه السياسي، ونالت قسطاً واسعاً من التوافق في المذاهب الإسلامية المختلفة.

ولعل السبب في ذلك يعود إلى كثرة النصوص الشرعية التي تناولتها بشكل مباشر، بحيث لم يعد هناك كبير مجال للاختلاف حولها، فصارت حرمة موالاة الأعداء مما هو معلوم من الدين بالضرورة.

=================================================================

ولكن، ومع هذا كله، فإننا ما زلنا نجد في هذا العصر من يؤوِّل في هذه المسألة، أو يتأوَّل في معنى الموالاة، أو في مناط حكمها.

فنجد منهم مثلاً من أخذ جزءاً من معاني الموالاة وطبَّـق عليها الحكم، في حين ألغى تطبيقه في الجزء الآخر من المعاني التي لا تتفق مع هواه.

ونجد منهم أيضاً من تلاعب في وصف واقع العدو، فأخرج الضوابط الشرعية عن هذا الواقع، وأصبح في نظره واقعاً متغيراً متبدلاً بحسب رؤية هؤلاء أو أولئك، واختلط بذلك أمر العدو على الناس بحيث أصبح العدو صديقاً في حالات، وعدواً في حالات أخرى.

ونحا آخرون منحاً آخر، فلم يجعلوا النصوص الشرعية في مسألة الموالاة هي الأساس، واستبدلوا بها المصالح كما قدَّرتها عقولهم القاصرة، وتبنوا ما شرَّعه تشرشل رئيس الوزراء البريطاني المشهور بقوله: «لا يوجد أصدقاء دائمون، ولا أعداء دائمون، ولكن توجد مصالح دائمة».

والبحث الحق في هذه المسألة يدفعنا ابتداءً لمعرفة من هو العدو، بمعنى أن نحدد واقع عدو المسلمين تحديداً شرعياً منضبطاً؛ لأن تحديد مفهوم العدو أولاً هو الذي ينقلنا إلى معرفة حكم موالاته بصورة واضحة قاطعة.

لا شك بأن العدو في الإسلام هو الكفر، والأعداء هم الكفار، فالكفر هو الأمارة الدالة على وجود الأعداء، أي هو السبب الشرعي الذي يدل على وجود العدو قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ ) [الممتحنة 1] فقد حددت هذه الآية أعداء الله وأعداء الأمة بأنهم الذين كفروا بالإسلام؛ ومن هنا كان الكفر سبب في العداء، فنحن نعادي الناس بسبب كفرهم، والأصل في المعاداة بيننا وبين كل البشر هو وجود الكفر، فإذا وجد الكفر وجد العداء، وإذا عدم الكفر عدم العداء. وحتى معاداة بعض المسلمين فأسبابها إما موالاتهم للكفار، وإما تطبيقهم لأحكام الكفر أو عدم تطبيقهم لأحكام الإسلام؛ لذلك كان الأصل في المعاداة هو وجود الكفر حقيقة، وكان الكفر سبباً في العداء.

أما بالنسبة للكافر المعاهد، أو الذمي، أوالكافر الذي بيننا وبينه اتفاقيات، فقد اعتبرت المعاهدات والعهود والاتفاقيات الموقعة بيننا وبينهم بمثابة موانع منعت سبب الحكم، أي منعت حكم المعاداة، فإذا ما زالت الموانع عاد حكم المعاداة إلى أصله بيننا وبينهم.

هذا بالنسبة لحكم الأعداء الكفار، وأما بالنسبة لموالاتهم، فالنصوص تحرم على المسلمين موالاتهم حرمة قطعية، بجميع معاني الموالاة التي دلت عليها اللغة العربية، والتي من أهم معانيها: النصرة، والمعاونة، والمشاورة، والمحبة، والنصيحة، والمصادقة، والركون، والخضوع، والاستسلام، وما شاكلها أو ماثلها من معانٍ.

فحكم جميع هذه المعاني للموالاة محرم حرمة قطعية، إذ لا يجوز لمسلم أن ينصر الكافر، أو يعاونه، أو يشاوره، أو يحبه، أو ينصحه، أو يصادقه، أو يركن إليه، أو يخصع له، أو يستسلم لسلطانه برضاه، فإن فعل ذلك كان موالياً له، وينطبق عليه حكم الموالاة، إلا في حالة التقية؛ لقوله تعالى: ( إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ ) [آل عمران 28] وهي حالة الاستضعاف المتعلقة بالفرد المسلم، أو الأفراد المسلمين، الذين يخضعون لحكم الكافر، ويتعرضون لنوع من أنواع الأذى الحقيقي على النفس أو المال أو العرضِ. وأما ما سوى هذه الحالة فلا يجوز إطلاقاً أن يوالي المسلم الكافر ولا بصورة من الصور.

وقد دحض الله سبحانه دوافع المسلم ضعيف الإيمان الذي يوالي الكفار بدافع التقوي بهم، أو استمداد العزة منهم، فقال تعالى: ( بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139)) [النساء]. ففي هذه الآيات وصف الله سبحانه المسلم الذي يوالي الكافر بالمنافق، وبشره بعذاب أليم بسبب موالاته للكفار، وبيَّـن أن العزة والنصرة الحقيقية لا تستمد من الكفار مطلقاً، واستنكر على المسلم فعل ذلك.

وبعد هذا البيان الشافي عن استحالة تحصيل العزة من الكفار، أكَّد سبحانه أن المسلمين الذين يوالونهم إنما يجعلون لله عليهم سلطاناً مبيناً، كما لو أنهم يحجزون بطاقة دخول مؤكدة لجهنم، وذلك استناداً إلى قوله سبحانه: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا(144) [النساء].

  1. ثم بعد أن وصفهم الله سبحانه بالمنافقين، أضاف وصفاً آخر لهم وهو أنهم ليسوا منا ولا منهم، أي أن هؤلاء الموالين للكفار من المسلمين هم مذبذبون بين الطرفين، وهذا نوع من التوبيخ والتبكيت فيه الشيء الكثير. قال تعالى: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [المجادلة].

ثم في آية أخرى يقرر الله عز وجل أنهم بصنيعهم هذا لم يعودوا من المسلمين كليةً، بمعنى أن أفعالهم التي والَـوا فيها الكفار قد أدخلتهم في جملة الكفار وفي عدادهم من ناحية مجازية. يقول تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) [المائدة 51].

فهذه الآيات الكريمة حددت بوضوح حكم الموالاة، وعنَّـفت ووبَّـخت الموالين للكفار، ونعتتهم بأقبح النعوت، بحيث لم يبق لهم أية حجة أو ذريعة للاستمرار في موالاتهم للكفار بعد هذا البيان القرآني الواضح والصريح.

إن كل هذا التقريع والتعنيف والتبكيت بحق هؤلاء الموالين للكفار يؤكد أن عملهم هذا جد خطير على الأمة، فهو سبب كل بلاء، ومصدر كل شر، وأصل كل داء؛ لذلك لم يكن غريباً أن الأمة اليوم قد أصابها ما أصابها من ويلات ولأواء، ونكبات وكوارث، وضعف واضمحلال، وهوان وضياع. والسبب الوحيد لكل هذه الشرور والبلايا هو موالاة حكامها للكفار ليس إلا، ومعلوم أنه إذا زال السبب زال المسبَّـب، وإذا وجد السبب وجد المسبَّـب.

وعليه فالعلاج الشافي لمشاكل الأمة ومصائبها هو سهل وبسيط، ويتمثل في منع موالاة الحكام للكفار. ومنع هذه الموالاة لا يتحقق فعلياً إلا بإبعاد هؤلاء الحكام عن السلطة، والإطاحة بهم، وتنصيب خليفة واحد للمسلمين مكانهم، يوالي الله ورسوله وجماعة المسلمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *