العدد 302 -

العدد 302 – السنة السادسة والعشرون، ربيع الأول 1433هـ، الموافق شباط 2012م

مع القرآن الكريم

مع القرآن الكريم

 

جاء في كتاب التيسير في أصول التفسير لمؤلفه

عطاء بن خليل أبو الرشته

أمير حزب التحرير حفظه الله ما يلي:

كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).

هذا استفهام استنكاري مع التعجب، فالأصل أن يُعبد الخالق الذي يحيي ويميت لا أن يكفر به – جلّ ثناؤه – فإن الله سبحانه هو الذي أحياكم وأنتم نطف في الأرحام فنفخ الروح فيكم وأنتم في بطون أمهاتكم، ثم بعد أن خرجتم إلى الحياة وانتهت آجالكم توفاكم الله سبحانه، ثم بعثكم بعد الموت فرجعتم إليه في الحساب يوم القيامة، فهذا كله موجب للإيمان وليس للكفر، ولذلك جاء الاستفهام للاستنكار والتعجب.

** ** **

(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ    )

إن الله سبحانه قد خلق جميع الأشياء في الأرض لينتفع الإنسان بها، وهذا من الأدلة على أن الأصل في الأشياء الإباحة، ثم استوى سبحانه إلى السماء أي عمد لخلقها بعد الأرض دون خلقه شيئاً بينهما، والعرب تقول استوى إليه أي قصده قصداً مستوياً دون أن يلوي على شيء غيره قاله الفراء، وهذا ما أرجحه في معنى (استوى) هنا، وأقول أرجحه لأن (استوى) من المتشابه. وأتم سبحانه خلق السموات فجعلها سبعاً والله سبحانه عليم بكلّ شيء من خلقه.

(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33)).

بعد أن بيّن الله سبحانه أنه المحيي والمميت وأنه الخالق للسموات والأرض وأنه بكلّ شيء عليم، ذكّر الله سبحانه بالمزيد من نعمه على الناس، كلّ ذلك من باب التعجب والتوبيخ لأولئك الذين يكفرون بالله بعد كلّ هذه النعم التي أنعمها الله عليهم، فبدل أن تكون دافعاً لهم ليؤمنوا ويستقيموا يكفرون ويضلون، ومن مزيد نعمه هي التي أنعمها الله على آدم – عليه السلام – بتأهيله للخلافة في الأرض. وقد استفسرت الملائكة من الله سبحانه عن هذا الأمر الذي يؤهل آدم للخلافة بدلاً منهم، وهم الذين يعبدون الله آناء الليل وأطراف النهار بالتسبيح والتقديس في حين أن بني آدم يفسدون ويسـفكون الدماء كما علموا من حالهم التي أعلمهم الله إياها؟! فأجابهم الله بأنه سبحانه اختصّ آدم بنعمة لم يختصهم بها، وكانت تلك النعمة أن علّم الله آدم الأسماء كلها أي المسميات من حيث خواصّ المخلوقات، ومدلولاتها، ولم يعلِّمها الله للملائكة، حتى يتمكن آدم من استعمال هذه المعلومات لإنشاء أفكار يعمر بها الأرض فتؤهله للخلافة فيها، عندها تَبَيَّن للملائكة أن آدم علم بفضل الله مالا يعلمون، وأن أمر الخلافة لله يضعه سبحانه حيث يشاء فييسر كلّ مخلوق لما خلقه له، فالملائكة مخلوقة لغير ما خلق له آدم – عليه السلام – والله يعلم الغيب ويعلم ما يبدون وما كانوا يكتمون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *