العدد 302 -

العدد 302 – السنة السادسة والعشرون، ربيع الأول 1433هـ، الموافق شباط 2012م

الأزمات الدستورية في الكويت: دوران في حلقة مفرغة

الأزمات الدستورية في الكويت: دوران في حلقة مفرغة

أسامة  الثويني

othuwaini@hotmail.com

خاضت الكويت قبل أسابيع قليلة أزمة سياسية حادة، ليست جديدة بطبيعة الحال، إنما هي امتداد لتلك الحلقة المفرغة التي يدور فيها الجميع في الكويت منذ عدة عقود: انتخابات، فتشكيل حكومة، فإلغاء مجلس النواب، فصراع مع الوزراء، وهكذا… طرفا الأزمة هي مجاميع شبابية وقوى سياسية ونواب معارضة من جهة، ورئيس الحكومة السابق وفريقه من النواب والإعلاميين من جهة أخرى.وقد تراكمت الأحداث إلى أن تفجرت الأزمة على وقع فضيحة الإيداعات المليونية المتهم بها بعض نواب مجلس الأمة.وبقية القصة معروفة للمراقبين. إلا أن الملاحظ عند مناقشة هذه الأزمة بين الأوساط السياسية والإعلامية المختلفة في الكويت غياب أمرين مهمين:

1)      البحث في ارتباط الإخفاق الحكومي بطبيعة النظام السياسي؛ حيث إن جميع الأطراف السياسية مجمعة على قبول النظام السياسي الحالي، وإن التغيير يلزم في السياسات الحكومية فقط، وفي بعض الجوانب الدستورية، أما نظام الحكم فهو خط أحمر!

2)      طرح الإسلام كمعالجة مبدئية ومنطلق للتغيير وكمطالبة سياسية.

إن الخير كل الخير في النظر للحالة السياسية في البلد من منظور الإسلام ليس غير، فأهل البلد في نهاية الأمر مسلمون، لم يُرفع عنهم القلم، ومازالوا في دائرة التكليف، يلزمهم خطاب الشارع في كل حال.  وأقول مع الأسف، لأنه عزّ علينا سماع مطلب تحكيم الشرع، وصار الكثير يصول ويجول في شعارات ما أنزل الله بها من سلطان!

إن الدستور الذي يتمسك به الكثيرون قطعاً لا يندرج تحت قوله عليه الصلاة والسلام «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا»! فهذا الدستور كغيره من الدساتيرالوضعية في بلاد المسلمين، يحوي مواد هجينة ومختلطة وتصادر حق الأمة في اختيار حكامها، كما تقصي الإسلام عن الهيكل والتفاصيل التي ترسم نظام الحكم.

فلقد خاطب الله تعالى الأمة بوجوب تنفيذ الشرع، وبيّن الإسلام كيفيّة التنفيذ؛ ففرض أن يختار المسلمون من يرتضونه من بينهم ليحكمهم بشرع الله. فكانت قاعدة «السلطان للأمة» من قواعد نظام الحكم في الإسلام. وهي قاعدة استمدت من نصوص شرعية قاطعة تقطع الطريق أمام أنظمة الأسر والأفراد «أشباه الآلهة» المزعومين. فالناس في الإسلام ينتخبون الحاكم، لا أن يبايعوا صورياً حاكماً هو أصلاً صار حاكماً من خلال «شرعيات» تاريخية أو واقعية أو غيرها من الشرعيات المزعومة التي ما أنزل الله بها من سلطان!.  هذه القاعدة للحكم أُخذت من نصوص متضافرة دلت على أن المسلمين هم الذين يقيمون الخليفة، ويبايعونه على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ونصوص أخرى دلت على أن الخليفة إنما يأخذ السلطان بهذه البيعة.

هذه القاعدة من الخطورة والأهمية بمكان؛ بحيث يصل حكم التعدي عليها إلى درجة اغتصاب السلطة رغماً عن أنف الأمة! نعم، فها هو عمر بن الخطاب يؤكد على ذلك بقوله «إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم» وقوله «من بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا» وقوله للستة «من تأمر منكم على غير مشورة من المسلمين فاضربوا عنقه».

ومن جهة أخرى، فثمة مفاهيم دستورية افتتن بها الكثيرون لحلاوة جرسها وجمال شكلها، إلا أنها في جوهرها تناقض الشرع وتُعبّد الناس لفئة من الناس، وأقصد مفهوم «السيادة في الأمة» والذي ينص عليه الدستور في مادته السادسة.

إن السيادة في الإسلام هي قطعاً للشرع.  فليس للمسلم، حاكماً أو محكوماً، أن يسير وفق هواه أو أن يخضع لمخلوق، بل هو ملزم بتسيير إرادته حسب مقتضيات الشرع.  قال تعالى:

 ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيما).

وقال تعالى: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا)

وقال تعالى: ( إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا)

وقال تعالى: ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ   )

  فالمشرّع هو الله ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) حصراً وقصراً، وليس للأمة، وليس لأحد في تاريخ البشرية حق التشريع.

ومن جهة ثالثة تلك المواد، غير ذات المعنى، التي زينوا بها الدساتير، وأقصد مزحة «دين الدولة الإسلام، والشريعة مصدر رئيسي للتشريع». فالدولة ليست كائناً بشرياً يموت ويبعث ويحاسب ويُسأل عن دينه ما هو؟! بل الدولة كيان معنوي ينفذ القائمون عليه المفاهيم والمقاييس والقناعات والأحكام التي آمنت بها مجموعة من البشر. فإن كانت هذه المفاهيم والمقاييس والقناعات إسلامية كانت الدولة إسلامية، وإن كانت علمانية رأسمالية كانت الدولة كذلك، وهلم جرا.

أما أن تكون الشريعة مصدراً رئيسياً للتشريع،  فهذا اتهام مباشر للإسلام أنه ناقص ولم يحوِ معالجات لجميع مشاكل الإنسان، وأنه ناقص ومحتاج لمن يسد نقصه! وفي هذا مناقضة صريحة لقوله تعالى ( وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا)  وقوله عز وجل ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) فأين أنتم؟

 فيا أهل الكويت أين أنتم من الرد إلى الله ورسوله عليه الصلاة والسلام في حل المشكل السياسي الذي أرهق كاهلكم منذ عقود؟ أين أنتم من قوله تعالى ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) ؟

وكم هو معبّر حديث النبي عليه الصلاة والسلام التالي في بيانه لحقيقة وسبب مشكلة المجتمع السياسية الأساسية «يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله، أن تدركوهن…» إلى أن قال «.. وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم».

ولأصحاب منطق الاضطرار، وأهون الضررين، وشيء أفضل من لا شيء. وغير ذلك من «فقه التبرير» فأقول لهم ببساطة، إن من يضطر لشرب قليل من الخمر لإنقاذ حياته، أبداً لا يرفع عقيرته بتحليل الخمر، وأبداً لا يتمسك بالخمر وكأنها شرابه المفضل، وأبداً لا يدعو الآخرين للتمسك بها تحت شعار «إلا الخمر» ! فرفض المنكر بالقلب أبداً لا ينعكس على اللسان والجوارح قبولاً ورغبةً واستحساناً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *