العدد 227 -

السنة العشرون ذو الحجة 1426 هـ – كانون الثاني 2006م

كـلمة الوعـي: في مقابل مقررات «قمة مكة الإسلامية»: هذا هو مشروعنا الإسلامي الصحيح للنهضة

كـلمة الوعـي:

في مقابل مقررات «قمة مكة الإسلامية»:

هذا هو مشروعنا الإسلامي الصحيح للنهضة

انعقد في مكة المكرمة في (7-8/12) مؤتمر «قمة مكة الإسلامية» الاستثنائية، وسط حضور كبير لملوك ورؤساء وأمراء الدول الـ 57 التي يعيش فيها المسلمون، وذلك بدعوة من العاهل السعودي. أما سبب عقده، فقد أعلن أنه لمواجهة التحديات الجسام التي تحيط بالأمة الإسلامية، وما تعيشه من حالة تفكك وتشرذم، ودفع الحملات الساعية لتشويه حقيقة الإسلام، وإلصاق تهمة الإرهاب بثقافته وبمجتمعاته، ومعالجة المعوقات التي تحول دون تحقيق طموحات الأمة، وترسيخ مبادئ التسامح، وتعميق ثقافة الحوار بين الأمة وسائر الحضارات… وقد وضعوا برنامج عمل لتحقيق هذه العناوين يدور حول عشرة مواضيع سمّوها: «برنامج العمل العشري». وقد أصدروا في نهاية المؤتمر بلاغاً سموه: «بلاغ مكة» دعوا فيه إلى إدانة التطرف ومعالجة جذوره باستحداث إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية. ودعوا إلى الوسطية، وإلى اعتماد خطاب إسلامي معتدل ومنفتح، وتطوير مناهج التعليم الإسلامية. ونشر ثقافة الحوار. ودعوا إلى الاهتمام بالمرأة، والطفل، والشباب، ومحو الأمية، ومحاربة البطالة بإقامة مشاريع تؤمن فرص العمل لملايين الشباب.

وطرحوا إصـلاح «منظمة المؤتمر الإسلامي» وإعطاءها اسماً جديداً، وإنشاء مجمع الفقه الإسلامي وجعـله تابعـاً لها، واعتـبـاره مرجعية فقهية عليا للأمة الإسلامية، وإشراك المرأة فيه، وضمان التنسيق بين هيئات الإفتاء في العالم الإسلامي من خلاله، وإقامة حوار بين الحضارات، وتبادل التنسيق الثقافي بين بلاد المسلمين.

لا شك أن هذا المؤتمر هو مؤتمر آخر من المؤتمرات الأميركية، ولكن بعباءة إسلامية هذه المرة. وقد جاء استجابة للمبادرة الأميركية في الإصلاح المعروفة بـ«مشروع الشرق الأوسط الكبير». ولا شك أن الإصلاح الأميركي للمنطقة يعني إعادة صياغتها من جديد صياغة أميركية. على مختلف الأصعدة: سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ودينياً. ولا شك أن الإصلاح الأميركي للمنطقة يهدف إلى إفساد المسلمين وإبعادهم عن دينهم… ولكن عن طريق التحايل وادعاء الغيرة على الإسلام وصالح المسلمين، فكل ما طرح في المؤتمر من عناوين ظاهرها الرحمة وباطنها من قبله العذاب. فهم بدعوتهم إلى الوسطية والحوار بين الحضارات يهدفون إلى طمس العقيدة الإسلامية القائمة على توحيد العبودية لله، ويهدفون إلى عدم الدعوة والعمل على إظهار الدين ونشره والجهاد في سبيله، ويهدفون إلى الالتقاء مع الأديان والحضارات الأخرى على قواسم مشتركة واعتبارها ديناً عالمياً جديداً. وهم بدعوتهم اعتماد خطاب إسلامي معتدل ومنفتح، وتطوير مناهج التعليم الإسلامية إلى قبول الآخر مهما كان اعتقاده، وإلى قبول (إسرائيل)، وإلى قبول المفاهيم الغربية الكافرة. وهم بدعوتهم إلى تمكين المرأة وإعطائها دوراً كاملاً في الحياة العامة يريدون أن يصلوا إلى قلب الحصن، الأسرة المسلمة المتماسكة، لتهديمه. وهم بدعوتهم إلى محاربة الإرهاب إنما يعملون على محاربة الإسلام والمسلمين العاملين المخلصين، وأكبر شاهد على ذلك هو تنسيقهم الكامل مع أميركا في هذه المواضيع، بل قل المسارعة في خدمتها في هذه المعركة ضد الإسلام. وهم بدعوتهم إلى تطوير «منظمة المؤتمر الإسلامي» يهدفون إلى أن تقوم بدور نشط وفعّـال في قيادة المسلمين فكرياً، وإبعادهم عن التأثر بالطروحات التغييرية الجذرية الجهادية التي ترفض الواقع السيئ ومن يمثله وتريد التحاكم والحكم الإسلامي فحسب، ويهدفون إلى تطويع المسلمين لما يتخذه الحكام من قرارات خيانية، وهم من أجل ذلك سيعمدون إلى توظيف بعض العلماء وإشهارهم على مستوى الأمة ليستقطبوا التأثير على المسلمين في مختلف القضايا، وخاصة المصيرية منها، ولتبرر فتاواهم أعمال وخيانات الحكام المأجورين من مثل الاعتراف بيهود، وجواز إعانة أميركا وغيرها في حربها على الإرهاب، وفي مساعدتها على احتلال أراضي المسلمين، وجواز الخدمة في الجيوش الكافرة في حربها على المسلمين…

إن هذا المؤتمر يعتبر أكبر إدانة للحكام أنفسهم. فكل ما طرحوه من محو الأمية، وتعليم المرأة، والقضاء على البطالة، وضرورة تبني المشاريع الاقتصادية التي توفر فرص العمل لملايين العاطلين… ليدل على أن ذلك كله كان من صنع أيديهم، فهم الذين أفقروا المسلمين، وظلموهم، وحرموهم من أبسط حقوقهم… لقد فرّط الحكام وأدى تفريطهم إلى هذا الواقع المأساوي، وإلى حالة التشرذم والتفكك، وإلى الأمية، والفقر، والذل والهوان…

لقد اجتمع هؤلاء الحكام الذين حق عليهم القول، والذين يفسدون ولا يصلحون، وعينهم على إرضاء أميركا ولا يهمهم رضى الله ولا عزة دينهم وأمتهم في شيء…

لقد جاء هؤلاء الحكام إلى المؤتمر بعمالاتهم وارتباطاتهم الخارجية، وخياناتهم، وبمطالب أسيادهم، جاؤوا من غير أن يتخلوا عن موقف واحد من المواقف الخيانية التي وقفوها ضد الأمة من الاعتراف بـ(إسرائيل) إلى اعتبار قوات الاحتلال الأميركية قوات متعددة الجنسيات حليفة واعتبارهم المقاومة المسلحة في العراق إرهاباً…

تصوروا أن حكام الأمر الواقع الذين هم أصل المشكلة، والتي لا حل لها بوجودهم، تصوروا كيف أنهم يطرحون أنفسهم على أنهم أصحاب مشروع يريدون الخير به لشعوبهم. والواقع عكس ذلك…

والآن إذا نظرنا إلى هذا المؤتمر ومقرراته فهل يمكن أن يعالج ما سموه مشاكل مستعصية، أو أن يشكل حلاً؟… إن الحل لا يمكن أن يأتي ممن صنع المشكلة، ممن صنع الظلم والفقر والإرهاب، لا يمكن أن يأتي ممن اشتهرت أسماء سجونهم أكثر مما اشتهرت به أسماء جامعاتهم. اجتمع هؤلاء الحكام وهم متنافرو القلوب متعددو الولاءات إلا من الولاء لله سبحانه، وقدموا مشروعاً ليس للإسلام فيه نصيب، مشروعاً قائماً على الخيانة التي لم يحيدوا عنها يوماً، مشروعاً يريدون له شهود زور يبيضون به أعمالهم الخيانية عن طريق ما سموه «منظمة المؤتمر الإسلامي».

إن المسلمين فعلاً يتوقون إلى الحل الإسلامي الصحيح المنبثق عن العقيدة الإسلامية، وها نحن نقدم مشروعاً إسلامياً حقيقياً يقوم على قطعيات في الدين لا يجوز مخالفتها ولا تقبل التأويل من أحد، ولا يجوز تقديم شيء عليها. وهذا المشروع يكفر منكره باتفاق ويعتبر ظالماً وفاسقاً من يرفضه أو يدعو لسواه وإن تعمم أو تجلبب، أو وصف بأوصاف رفيعة. وهذا المشروع، لا يستفيد منه إلا المسلمون لأنه لا يقبل الاستغلال من أعداء الله، مشروع محبب إلى نفس كل مسلم ومكروه من كل من يبغض الإسلام ولا يضمر له إلا السوء. مشروع يخرج المسلمين حقيقة ما هم فيه من ضنك، ومن شأنه أن يحل مشكلات المسلمين ومشكلات العالم أجمعين…

وهذا المشروع يقوم على أحكام معلومة من الدين بالضرورة؛ نذكر عناوينه ونعفي أنفسنا من ذكر أدلتها لاستفاضتها وشهرتها لدى المسلمين:

أولاً: العمل بما يتوجب على المسلمين، وهو أن يحكموا بالإسلام وحده، ولا يجوز لهم أن يحكموا بخلافه ولو بحكم واحد.

ثانياً: العمل بما يتوجب على المسلمين كمحكومين، وهو أن يتحاكموا إلى الإسلام وحده، ولا يجوز أن يقبلوا بالتحاكم إلى خلافه ولو بحكم واحد.

ثالثاً: العمل على أن ينصب المسلمون عليهم خليفة واحداً يمثل سلطانهم، يختارونه ليحكمهم بالإسلام وحده.

رابعاً: العمل على ضم بلاد المسلمين إلى بعضها بحيث تعود بلاداً واحدة لا تفرقها سدود ولا حدود، ولا عصبيات ولا مذهبيات.

خامساً: العمل على منع أن يكون للكفار سبيل على المسلمين.

سادساً: العمل على أن يقوم دستور الدولة الإسلامية على العقيدة الإسلامية بحيث لا يتأتى وجود ولو حكم واحد من خارجها.

سابعاً: العمل على أن تقوم أنظمة الحكم والسياسة والاقتصاد والاجتماع والتعليم على الأساس الروحي لها وهو الإيمان بالله تعالى.

ثامناً: العمل على أن توزع ثروات الأمة التي هي من أعيان الملكية العامة على كافة رعايا الدولة الإسلامية.

تاسعاً: العمل على فتح باب الدعوة إلى الله، والجهاد في سبيله، كعمل أساسي من أعمال الدولة الإسلامية.

عاشراً: العمل على أن يحكم المسلمون الناس بالقسط والعدل وأن تؤدي الحقوق إلى جميع رعاياها.

وبالمختصر المفيد إن الذي يحقق كل ذلك هو العمل لإقامة خلافة راشدة على منهاج النبوة.

إن هذا المشروع لا ينتظر من هؤلاء الحكام، أصحاب الألقاب والأهواء، أن يقيموه، بل ينتظر من المسلمين أنفسهم أن يجتمعوا على إقامته، وإقامة الخير الذي يحمله لهم ولسواهم من غير المسلمين… ينتظر أهل القوة والمنعة والغيرة على الإسلام أن ينظموا أمرهم وينصروا دينهم، ويعملوا مع العاملين المخلصين الواعين الذين يحملون همّ الدعوة إليه ويتحملون ثقله، فيعينونهم عليه وينالون شرف نصرة هذا الدين، ويسمون بحق أنصار الله في هذا الزمان. وعلى الله قصد السبيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *