العدد 293 -

السنة الخامسة والعشرين – العدد 293 – جمادى الآخرة 1432هـ – أيار/مايو 2011م

العلاقة «المعقدة» بين أميركا والنظام السوري

العلاقة «المعقدة» بين أميركا والنظام السوري

فضح تصاعد التظاهرات الواسعة المناهضة للنظام الحاكم في سوريا موقف أميركا الحقيقي الداعم لهذا النظام. فمنذ بداية الأزمة أوضحت أميركا بأنها لن تتعامل مع النظام في دمشق كما فعلت مع ليبيا، ومن ثم أعادت تأكيد هذا الموقف بشكل أو بآخر، مكتفية بمطالبة النظام “بضبط النفس” في التعامل مع الاحتجاجات. وقد حدا هذا الموقف صحيفة واشنطن بوست إلى القول بأن “موقف الولايات المتحدة تجاه ما يحدث في سوريا موقف مخز من وجهة النظر الأخلاقية”، مشيرة إلى أنه منذ بدء التظاهرات في سوريا لم تتخذ أية خطوات ملموسة للضغط على دمشق خلافاً لموقفها الحازم من الحكومات القمعية في الدول العربية الأخرى مثل مصر والبحرين فضلاً عن تدخلها المباشر في ليبيا، كما اكتفت إدارة أوباما بتوجيه لوم للنظام من غير مطالبة بشار الأسد بالرحيل. ونقلت الصحيفة عن إيليوت أبرامز، مدير مجلس الأمن القومي لشؤون الشرق الأوسط في ظل إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش قوله “إنّ ما يزعجني هو أنّ هذه الإدارة تعتقد أننا في حال أفضل إذا بقي النظام في مكانه، ولا ترى المنفعة الكبرى التي يمكن أن نحظى بها إذا سقط هذا النظام».

ما تجدر ملاحظته أنّ الموقف الأميركي الناعم إزاء النظام السوري ليس حكراً على إدارة أوباما، فعندما اشتدت ضغوط الكونغرس على الرئيس السابق جورج بوش (الابن) لاستصدار قانون محاسبة سوريا في 2004م أكد بوش حينها «بأن العلاقات الأميركية السورية معقدة ويصعب على الكثيرين فهمها”. إلا أن متابعة أي مراقب حصيف لمواقف النظام السوري إزاء القضايا الكبرى تعري تلك العلاقة المعقدة وتوضحها تماماً، حيث يمكن رصد سلسلة متناسقة من السياسات التي تعكس بالضرورة تبعية هذا النظام للولايات المتحدة الأميركية، نسجل هنا بعض أهمها. •دخول جحافل الجيش السوري في عام 1975 م إلى لبنان بناء على طلب أميركي لإعادة ترتيب الوضع اللبناني ولصياغة النظام السياسي فيه، ولم تعد هذه الحقيقة مدار جدل أو بحث بين المتابعين. •تحالف النظام السوري علانية مع الولايات المتحدة الأميركية في حرب الخليج الثانية (حرب عاصفة الصحراء 1990-1991م)، من خلال إرسال آلاف من الجنود السوريين للقتال جنباً إلى جنب مع الجيش الأميركي لإخراج نظام صدام حسين من الكويت.

  • سير النظام السوري في ركاب المشروع الأميركي لتسوية الصراع في الشرق الأوسط فيما عرف بمؤتمر مدريد للسلام عام 1991م. وبمفارقة غريبة هي أن “إسرائيل” – طفل أميركا المدلل- حاولت مراراً التملص من الرعاية الأميركية ودعوة النظام السوري إلى مفاوضات مباشرة من غير أي وسيط، بينما بقي هذا النظام مصراً إلى يومنا هذا على اعتبار الولايات المتحدة الوسيط الذي لا غنى عنه في عملية السلام!

  • انضمام النظام السوري بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م إلى الولايات المتحدة في إطار حربها الإستراتيجية المزعومة ضد الإرهاب، إلى درجة أنه كان يقوم بتعذيب معتقلين سوريين لصالح المخابرات الأميركية.

  • اعتراف النظام السوري بالنظام الذي أوجدته أميركا في العراق، بل ومساهمته في تنظيم الانتخابات الجارية برعاية الاحتلال الأميركي من خلال ترتيب مشاركة اللاجئين العراقيين المقيمين في سوريا فيها، إضافة إلى ضبط الحدود مع العراق ومنع المتسللين إليه، وبناء حواجز رملية على طول الحدود بين سوريا والعراق للحيلولة دون ذلك. •تفويض لجنة بيكر-هاملتون الأميركية للنظام السوري والإيراني بالملف العراقي بعدما تعسر تحقيق الولايات المتحدة أجندتها هناك، وذلك بحسب ما جاء ضمن توصيات التقرير الشهير للجنة الذي حمل عنوان “العراق والطريق إلى الأمام”.

أخيراً، فثمة من ينخدع باحتضان النظام السوري لبعض جماعات المقاومة الفلسطينية واللبنانية، رغم أن هذا الاحتضان موقف براغماتي صرف يمسك النظام من خلاله بأوراق ضغط يستعملها من أجل إنجاز التسوية التي تنظمها وترعاها الولايات المتحدة الأميركية نفسها، وبالتالي فلا يتناقض هذا الموقف مع حالة التبعية لأميركا. أما تلك التصريحات الساخنة التي يطلقها الأميركيون أحياناً تجاه سوريا فإنها لا تتجاوز حناجر أصحابها، وتشبه طلب عضو الكونغرس الأميركي السابق سام جونسون من جورج بوش (الابن) “بأن يتركه يقود طائرة محملة بقنبلة نووية يلقيها على دمشق ليتخلص بذلك من مشكلة سوريا إلى الأبد ”ليكشف جونسون نفسه لاحقاً“ بأن ذلك التصريح النووي كان مجرد دعابة، وبأن الرئيس الأميركي يعرف ذلك تماماً».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *