العدد العاشر -

السنة الأولى، العدد العاشر، رجب 1408هـ، الموافق آذار 1988م

مع القرآن الكريم: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة: 143)

فسَّر إبن كثير هذه الآية بقوله: يقول تعالى إلى قبلة إبراهيم عليه السلام، واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأمم لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم لأن الجميع معترفون لكم بالفضل، والوسط ههنا الخيار الأجود، كما يقال قريش أوسط العرب نسباً وداراً أي خيرها وكان الرسول عليه الصلاة والسلام وسطاً في قومه، أي أشرفهم نسباً. ومنه الصلاة الوسطى التي هي أفضل الصلوات.. كما ثبت في الصحاح وغيرها ولما جعل الله هذه الأمة وسطاً خصها بأكمل الشرائع وأقوم المناهج وأوضح المذاهب كما قال تعالى: (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ).

وفسَّر الإمام الشوكاني هذه الآية: «عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) قال: عدلاً.. عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يدعى نوح يوم القيامة، فيقال له: هل بلغت؟ فيقول نعم، فيدعي قومه فيقال لهم: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، وما أتانا من أحد، فيقال لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته». فذلك قوله: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا)، قال: والوسط العدل، فتدعون فتشهدون له بالبلاغ وأشهد عليكم.. وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أنا وأمتي يوم القيامة على كوم مشرفين على الخلائق، ما من الناس أحد إلا ودّ أنه منا، وما من نبي كذبه قومه إلا ونحن نشهد أنه بلّغ رسالة ربه».. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال مروا بجنازة فأثني علينا خيراً فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «وجبت وجبت وجبت»، ومروا بجنازة فأثني عليها شرّاً فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «وجبت وجبت وجبت» فسأله عمر فقال: «من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض» زاد الحكيم الترمذي: ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) الآية.

وفسّر القرطبي هذه الآية بقوله: «.. أي جعلناكم دون الأنبياء وفوق الأمم. والوسط: العَدْل، وأصل هذا أن أحمد الأشياء أوسطها. وروى الترمذي عن أبي سعيد الخُدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) قال: «عدلاً». قال هذا حديث حسن صحيح. وفي التنزيل: (قَالَ أَوْسَطُهُمْ) أي أعدلهم وخيرهم.. وفلان من أوسط قومه، وإنه لواسطة قومه، ووسط قومه، أي من خيارهم وأهل الحسب منهم..

وروى أبان وليث عن شهر بن حَوْشَب عن عُبادة بن الصامت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أُعطيت أُمتي ثلاثاً لم تُعط إلا الأنبياء، وكان الله إذا بَعث نبيّاً قال له أدعني استجب لك وقال لهذه الأمة ادعُوني أستجب لكم وكان الله إذا بعث النبي قال له ما جعل عليك في الدِّين من حَرَج وقال لهذه الأمة وما جعل عليكم في الدِّين من حَرَج وكان الله إذا بعث النبي جعله شهيداً على قومه وجعل هذه الأمة شهداء على الناس» خرّجه الترمذي الحكيم في (نوادر الأصول)».

وقال عزّ وجل في الثناء على أمة سيدنا محمد عليه وآله الصلاة والسلام (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ) وقال عليه أفضل الصلاة والسلام: «الخير فيَّ وفي أُمتي إلى يوم الدين». فهذه الأدلة صريحة في فضل الأمة الإسلامية وعظم قدرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *