العدد العاشر -

السنة الأولى، العدد العاشر، رجب 1408هـ، الموافق آذار 1988م

كلمة الوعي: عبرة من انتفاضة الأرض المحتلة

  القوى العظيمة إذا توفر لها التحريك والتنسيق والتعبئة النفسية فإنها ستنتج الفعل العظيم. والقوى العظيمة هي الأساس، وهي وافرة عند الأمة الإسلامية ولله الحمد. ولا ينقص هذه الأمة من أجل القيام بجلائل الأعمال إلا التحريك والتنسيق والتعبئة النفسية. وهذه أمور ميسورة لأن الأمة تملك عناصرها ومقوماتها.

وصف الله الأمة الإسلامية بقوله: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) وبقوله: (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَفْقَهُونَ) وقال صلى الله عليه وسلم: «الخير فيّ وفي أمتي إلى يوم القيامة».

إذاً فإن هذه الأمة هي أمة كريمة عزيزة، أمة رسالة وجهاد واستشهاد، تنبت الرجال الأبطال وترفض الجبناء والأنذال. وقد كَبَتْ هذه الأمة كبوة، ولا عجب فلكل جواد كبوة ولكل صارم نبوة. وها هي تصحو من كبوتها وتعود إلى أصالتها. ولولا هذه التركة الثقيلة من أفكار الغرب الضالة المضللة، ولولا هؤلاء الحكام العملاء الرخيصون لكانت عودتها أقرب من رد الطرْف.

نقول هذا وعيننا على ما يجري في الضفة والقطاع.

نحن نعلم أن أجهزة الإعلام العربية والدولية لم تسلط على ما يجري هناك من أجل دوافع إنسانية، ولا وقوفاً إلى جانب الحق، ولكن من أجل حاجات في نفوسهم، ومن أجل سياسات خبيثة يرسمونها.

ونحن نعلم أن الرجال والشباب والأطفال الذين يرجمهو اليهود الغاصبين بالحجارة بحاجة إلى عقول سياسية مخلصة تسدي إليهم النصيحة حتى لا ينجروا وراء الخبثاء، الذين يحاولون ركوب الموكة، والذين يظهرون التملّق، وليسوا إلا ذئاباً على أجسادهن ثياب.

قبل النصيحة ما هي العِبرة التي نستخلصها من الانتفاضة؟

إن هذه الانتفاضة اربكت دولة الغاصبين، واسقطت هيبة الغطرسة اليهودية، ونفضت غبار الذل عن جبين هؤلاء الشباب المنتفضين، حتى أصبحوا لا يخافون رصاص اليهود ولا هرواتهم ولا قنابلهم ولا تعذيبهم ولا سجونهم. وصارت مواقف العزة من هؤلاء الشباب تسري في عروق النساء والشيوخ، وصارت عدواها تنتقل إلى نفوس الشباب والجنود في البلاد العربية، مما أخاف حكام هذه البلاد.

رُبَّ قائل يقول: لم يكن هؤلاء المنتفضون ليحققوا شيئاً ولا ليستمروا في انتفاضتهم لولا وسائل الإعلام التي تتبناهم وتسلط الأضواء عليهم عن قصد، ومتى أوقفت وسائل الإعلام فإن الانتفاضة ستتوقف لأنها ستفقد الوقود.

وهنا محل العبرة. إن هذا العمل (الانتفاضة) وأمثاله يحتاج إلى أمرين: قوة مادية تقوم بالعمل وتتحمل أعباءه، وتعبئة نفسية تشد العزيمة وتقوي الإرادة وتغذي التصميم والصبر.

إن وسائل الإعلام هي عامل مساعد في التعبئة النفسية فقط. أما القوة المادية التي تقوم بالعمل وتتحمل أعباءه فهي هؤلاء الشباب وزنودهم القوية. هؤلاء الشباب هم الذين يجمعون الحجارة ويقذفونها، وهم الذين تتحمل عيونهم قنابل الغاز وتتحمل رؤوسهم هروات اليهود، وتتحمل جلودهم السياط، وتستقبل صدورهم الرصاص، وتنتصب قاماتهم تتحدى الظالمين.

وسائل الإعلام لها دور مهم في التعبئة النفسية، ولكنّا نستطيع أن نعوض عنها إذا حجبوها عنا. نحن نملك من وسائل التعبئة أهمها. نملك منها معيناً لا ينضب:

1- نحن أصحاب حق، وصاحب الحق سلطان.

2- العالم حولنا يقر أننا أصحاب حق، ويقر أن أعداءنا على باطل.

3- نحن نحس أن العالم من حولنا يحتقرنا إن بقينا مطأطئي رؤوسنا أمام اليهود، ويحترمنا إذا أقدمنا على انتزاع حقنا.

4- نحن على قناعة تامة أننا أقوى من عدونا، وأيدينا مكبلة فقط بحبال من الأوهام.

5- نحن نعتقد أننا مع الله وأن الله معنا. ونحن نطلب إحدى الحسنيين: إما النصر وإما الاستشهاد.

إذاً نحن نملك القوة المادية التي تنهض بالعمل، ونملك عوامل التعبئة النفسية. وما علينا إلا أن نتحرك لاستعمال قوتنا، وأن نوقظ في نفوسنا حوافز الإقدام والصبر والتضحية.

إذا قرأنا القرآن نستلهم منه التوجيه ونستمد العزم ونتسلح بالصبر، وإذا قرأنا أحاديث رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم التي تمجد الشهداء والشهادة. وإذا عرضنا مواقف سلفنا الصالح الذين فتحوا الدنيا وحملوا الرسالة: إذا فعلنا ذلك ونحن نشعر وكأن القرآن علينا ينزل، وكأن الرسول إيانا يخاطب، وكأن أسلافنا الكرام يستحثون خطانا للحاق بهم، فإن الله سبحانه منجزٌ لنا وعده: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ).

أما النصيحة فليست موجهة إلى شباب الانتفاضة فقط، بل هي لهم ولجميع أفراد الأمة الإسلامية:

1- لا بد أن يكون شباب الانتفاضة وخاصة من يتولون فيها دور التوجيه والقيادة على علم أكيد أن مبعوثي أميركا وإنجلترا وهيئة الأمم المتحدة وتوجيهاتهم هي شر وهي شراك ينصبونها وهي محاولات لتسخير الانتفاضة لخدمة خططهم. ولا يجوز أن تثقوا لحظة واحدة بحسن نوايا هؤلاء وإن بدا لكم منهم حسن مبتسم.

2- إن القادة والحكام في البلاد العربية الذين يزعمون دعم الانتفاضة ويتملقونها، هم في الحقيقة يخشون عاقبتها ويحاولون احتواءها وإجهاضها، أو تسخيرها لخدمة سياستهم. فالحذر الحذر من الوقوع في حبائلهم والركون إليهم، فهم عملاء.

3- لا بد أن يعمل أهل الداخل والخارج من خطباء وكتاب وموجهين وغيرهم على شد عزيمة القائمين بالانتفاضة ليصبروا ويثبتوا ويصعّدوا أعمالهم. ولا بد أن يحسّوا أن أمتهم معهم بقلوبها وألسنتها وأيديها.

4- إن من يستطيع الذهاب إلى الضفة والقطاع ليشارك في الانتفاضة عليه أن لا يتوانى.

5- أن يتم تشكيل لجان تعبئة في البلاد العربية والاسلامية تكون على صلة بالداخل لتؤمن لهم ما يحتاجون إليه من مال أو إعلام، وأن تكون هذه اللجان بعيدة عن استغلال المستغلين.

6- أن يحصل ضغط شعبي على القادة والحكام العرب كي يُقلعوا عن الدعوة إلى المؤتمر الدولي للتفاوض تحت مظلته مع اسرائيل، وكي يقلعوا عن التصريحات الاستسلامية، وكي يسحبوا قبولهم بالقرار 242 والقرارات الأخرى التي تشكل اعترافاً بإسرائيل، وكي يسحبوا قبولهم بمقررات فاس.

7- أن توجد تعبئة شعبية لإيجاد رأي عام عند العرب والمسلمين في العالم يستنكر المبادرات التي تساوم من أجل وقف الانتفاضة ويستنكر حصر هدف الانتفاضة باستدرار عطف إنساني، ويستنكر دعوة إدخال قوات الأمم المتحدة إلى الضفة والقطاع، ويستنكر الاقتصار على مطالبة إسرائيل بالانسحاب من الضفة والقطاع ومسامحة إسرائيل ببقية أرض فلسطين، ويستنكر تشكيل حكومة فلسطينية تفاوض اليهود ويستنكر المطالبة بالتعويضات ويستنكر المؤتمر الدولي، ويستنكر كل ما يشعر بالقبول بدولة يهودية في فلسطين مهما صغرت مساحتها. ولا بد أن يصبح هذا الرأي العام قوّياً بحيث ينبذ كل قائد وكل حاكم وكل تنظي وكل كاتب أو متحدث تبدر منه عبارات فيها رائحة الاستسلام والقبول بإسرائيل.

8- أن توجد تعبئة شعبية تبعث روح الجهاد في نفوس الشعب وفي نفوس الجيوش العربية.

9- أن يحصل ضغط شعبي على القادة والحكام العرب كي يرتبوا أمورهم عملياً، وينسقوا للدخول في حرب عسكرية فاصلة مع إسرائيل. إن تطوير الانتفاضة إلى حركة تحرير عسكرية يتطلب أن تكون الأعمال العسكرية من الخارج بالدرجة الأولى حيث توجد الجيوش والأسلحة، وتكون من الداخل بعد بدئها من الخارج.

وإليكم يا شباب الانتفاضة نقول: كونوا مع الله، اعتصموا بكتاب الله، اعدوا ما استطعتم من قوة، لا تنسوا أن مسيّر القوى، والذي بيده النصر هو الله (إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ).

واعلموا أن اليهودي مطبوع على الجبن وعلى الحرص على الحياة. قال تعالى: (قَالُوا يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ). واليهود هم الذين قالوا لموسى كما أخبر الله عنهم: (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ). بينما أنتم أحفاد الأنصار الذين قالوا لمحمد عليه وآله الصلاة والسلام: «إذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون».

أسرة التحرير

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *